قبيلة (طيء)

Tai tribe

1٬629

 

السبئيون تفرقوا في مختلف البلدان كشعب كبير ذي بأس يجيد التجارة , كما انه ورث المدنية عن اصله العراقي , وبغض النظر عن مدعيات المؤرخين عن سبب انتشار السبئيين في الأرض ونسبها جميعاً لانهيار  سد (مأرب) يبدو ان الأصل الحقيقي لذلك الانتشار كان يقوم على امرين : الأول الكثافة السكانية والحاجة الاقتصادية واعتبارهم ان جميع منطقة الجزيرة – ابتداءً من جنوب العراق حتى اليمن – هي ارضهم الفعلية , والثاني الرؤية الدينية والبشارة النبوية . فنزلت طوائف منهم (الحجاز) وهم (خزاعة) اذ نزلوا ظاهر مكة , وفي (المدينة) النبوية (يثرب) التي سكنها منهم (الاوس) و(الخزرج) , وفي الشام (غسّان) و(عاملة) و(بهراء) و(لخم) و(جذام)[1] , فيما توزعت (تنوخ) – التي احتسبت لهم – في العراق من (مذحج) و(النخع) وغيرهما من (الازد) وقبائل (طي) .

 

 

ومما يثبت بعد الشقة الارتكازية الضرورية للتوحيد عن اليمن ان ( ذا نواس ) ذاته قام بإحراق نصارى (نجران) , وهي القصة التي أشار اليها القران الكريم تحت عنوان ” أصحاب الاخدود ” , على دينهم ومخالفته[2] , في الوقت الذي دخل فيه سبئيو العراق والشام المسيحية , حيث تنصرت (طي) و(مذحج) و(بهراء) و(سليح) و(تنوخ) و(غسّان) و(لخم)[3] , لقرب الأخيرين من المرتكز التوحيدي الابراهيمي للديانات وهو العراق .

 

 

 

ولهذا كله نجد ان صحابية سبأية مخلصة جداً هي ( أسماء بنت عميس ) لم تفارق أهل البيت مطلقاً ، حتى يوم كانت زوجة ل(ابي بكر) ، بل وأنجبت ولداً ل(ابي بكر) كان من المخلصين ل(علي بن ابي طالب) هو ( محمد بن ابي بكر ) ، وكان لها شرف غسل بنت النبي (فاطمة الزهراء) دون الامة ، وحين منعت خصوم فاطمة من الدخول عليها ، ومنهم (عائشة) ، كانت اول سبة رأتها (عائشة) وأول نبز نبزتها به حين شكتها للخليفة الأول هو انها ( خثعمية ) ، و(خثعم) من (أنمار) السبئية[4] . وحين هيج (الأشعث بن قيس الكِندي) بعد أخذ الراية منه يوم (صفّين) واعطائها ل(ربيعة) نسبوا ان أهل اليمن (الأشتر النخعي) و(هاني بن عروة المذحجي) و(عدي بن حاتم الطائي) تكلموا في أمره . ومن الواضح ان هؤلاء كانوا من سكنة العراق[5] .

 

 

وفي معركة ( البويب ) في السنة الثالثة عشر للهجرة جاء جيش الفرس بقيادة ( مهران ) ، فالتئمت القبائل العربية النصرانية – مع مواليها من الانباط – بقيادة ( (المثنى بن حارثة الشيباني) ) ، يؤازره نصارى ( نمر ) بقيادة ( أنس بن هلال النمري ) ، و نصارى ( تغلب ) بقيادة ( ابن مردي الفهري التغلبي ) . وفي معركة ( الجسر ) قاتل نصارى ( ابو (زبيد) الطائي ) الشاعر ، وكان نصرانيا . وفي فتح ( تكريت ) حضرت ( تغلب ) و ( أياد ) و ( نمر ) . وهي القبائل ذاتها التي يدعي المدعون ان (خالد بن الوليد) قاتلها عند دخوله للعراق[6] ، ولا تستقيم الروايتان . وكانت هذه القبائل هي التي انتحلت عقيدة التشيع ل(علي بن ابي طالب) ، وهي ذاتها من فتح العراق بعيداً عن مرويات (سيف بن عمر) الكاذبة الذي لم ينسَ ان يجعل لقومه من بني (تميم) حصة كبيرة من فتح العراق حتى انه جعل عفو جيوش المسلمين عن قبيلة (كلب) في حروب فتح العراق بسبب حلفها الجاهلي مع بني (تميم)[7] ، اذ كانت أراضي (تميم) من البصرة الى (قطر) ، واراضي (كلب) من (السماوة) باتجاه (نجد) ، فهمًا قبيلتان متجاورتان تقريبا ، واراضي (اسد) من النجف وكربلاء باتجاه الصحراء الى (نجد) تواجه القادم من الجزيرة العربية[8] . وعلى رأس جيوش الفتح (المثنى بن حارثة الشيباني) و(عدي بن حاتم الطائي) ، في قبائل جنوب العراق[9] . وكانت فارس اكره الوجوه الى العرب وأثقلها اليهم عند الفتوحات ولا يلبي الناس اليها نداء الانتداب من قبل الخلافة لشدة سلطان الفرس وعزهم وقهرهم الأمم , وايران اليوم عموما انتشر فيها العرب والتركمان والكرد عمليا في الفترة العبّاسية سوى القبائل العراقية التي كانت أجزاء كبيرة من ايران خاضعة لها من قبل[10] ، فوجّه (عمر بن الخطاب) اليها وجوه الشيعة من أهل العراق الذين كانوا على مسالحهم مقيمين او الذين اقتطعهم عن جيش الشام وردهم الى ارضهم مع هاشم المرقال ك(الأشتر)[11] . اذ في معركة الجسر هرب من اوفدهم (عمر) من (المدينة) وانحازوا الى (عمر) ، ولم يبقَ الا أهل العراق الشيعة اذ كان قوام الجيش من (ربيعة) ، و(ثقيف) بقيادة الشهيد ابي عبيد بن مسعود والد المختار الثقفي[12] ، الذي يبدو انه كان على مستوى عال من التضحية والإخلاص ، واحد خاصة (ثقيف) لا عامتهم ، اذ انتدب وحده لقتال فارس في العراق بعد ان أحجم أمراء وانصار (عمر) لأربعة ايّام (عمر) يناديهم فيها خشية قوة الفرس وقرر اللحاق ب(المثنى بن حارثة الشيباني) ، وقد كان على خلق عال من الانضباط الحربي والديني ، اذ لما أشار عليه البعض بقتل جابان الفارسي بدعوى انه الملك رفض وقال أني أخاف الله ان اقتله وقد آمنه رجل مسلم ، فقالوا انه الملك ، فقال وان كان لا أغدر وتركه ، وقد حمى لأهل الأراضي التي مر بها من أنباط العراق زرعهم وملكهم ، ورفض كل هدية له وحده منهم مالك تشمل الجند جميعا . ثم ان (عمر بن الخطاب) بعد كل هذا وبعد ان كان أهل العراق هم من فتح الشام وردّ فارس يرسل الى عبيد الثقفي رسالة يذم فيها ارض ويصفها بشرّ وصف ، وما ذاك منه الا انه يتذكر ثورتهم على بيعة (ابي بكر) وتشيعهم لحق (علي بن ابي طالب) بالخلافة . رغم صمود (المثنى بن حارثة الشيباني) في وقعة الجسر ضد جموع الفرس ، خلاف هروب (خالد بن الوليد) احد اهم أمراء الانقلابيين المذكور في التاريخ [13] .

 

 

 

وقد كان واضحاً ان الرواة الذين رووا معركة (القادسية) ادخلوا اليمانية ، الذين أوضحنا سابقاً انهم أهل العراق ، في أهل اليمن . وفِي الحقيقة ان (عمر بن الخطاب) خيّر الجيوش التي شاركت في معركة اليرموك بين العراق والشام بعد ان رفضوا امتثال أمره في النفرة جميعاً الى العراق ، فاختار أهل العراق من (النخع) و(مذحج) (القادسية) واختار أهل اليمن الشام ، وهذا كان واضحاً من سياق الاحداث . فذهب (عمر) حينئذ الى (النخع) ومجدهم بقوله ( ان الشرف فيكم يا معشر (النخع) لمتربع ) ، فجعلهم قسمين ، قسم أبقاه في الشام وقسم سيّره الى العراق ، وهو امر صعب لا تقوم به الا قبيلة ذات باس وعقيدة صلبة ، كذلك هو يكشف عن حاجة (عمر بن الخطاب) الشديدة اليهم ، فهو يعلم حقيقة تشيعهم ولم يكن من السهل عليه ان يمدح من يتشيع ل(علي بن ابي طالب) . وكانت (النخع) تفزع بذراريها ونسائها ، وهو امر ظل فيهم حتى العصور المتأخرة قبل ان توطنهم الدولة العثمانية ليسهل عليها كسر همتهم . وقد كان يمانية أهل العراق ثلاثة ارباع الجيش الذي سيره (عمر) من (المدينة) الى (القادسية) ، وسائر الناس بربع . ليجتمع عددهم مع عدد (ربيعة) و(اسد) اللتين كانت قبائلهما تمتد بين العراق ونجد وإليهما فزعت القبائل ، فكانوا جميعاً عدة الجيش الإسلامي في (القادسية) ، فامتدت هذه الجيوش بين ارض (بكر بن وائل) من (ربيعة) حيث معسكر (المثنى بن حارثة الشيباني) و(عدي بن حاتم الطائي) على (طيء) معه وبين ارض بني (اسد) حيث معسكر (سعد بن ابي وقاص) . كذلك تذكر الروايات بعض من برز انهم كانوا من (عقيل) . وهي كما هو واضح قبائل الشيعة صريحة . حتى ان (الديلم) – وهم اجداد البويهيين – قد اشتركوا في هذه المعركة ضد الفرس ، الامر الذي يثبت انتماءهم السومري , لذلك اشترك الفرس في القضاء دولة (الديلم) لاحقاً مع جيش الترك الذي ارسله بنو (العبّاس)[14] . وكانت هذه القبائل عمود جيش (القادسية) ضد الفرس ، انضمت اليهم سرايا من قبيلة (كِندة) لاحقا .

كذلك كانت هناك قبيلة (تميم) التي انضمت اليها بعض قبائل الأعراب في نجد مثل الرباب وقيس عيلان ، لكن بعدد محدود جدا . وقد كانت هذه القبائل ال(مضر)ية تريد حماية العراق وترفض امر (عمر) بالنزوع الى الشام ، رغم محاولة (عمر) استمالتها عن طريق الاستفزاز القبلي ، في محاولة منه للتغيير الديموغرافي الذي عجز عن تنفيذه في العراق ونجح فيه العثمانيون لاحقا ، فهو امر غريب ان تظل هذه الرغبة في تغيير وجه وخارطة العراق لقرون بين السلطات . الا ان الجهد كله انصب على قبيلة (ربيعة) التي اطلق عليها العرب يومئذ لقب ( ال(اسد) ) في قبال لقب امبراطورية فارس ال(اسد) أيضا . لهذا لم يوّلِ (عمر) من زعماء هذه القبائل احد على سرايا ورايات وعرافات جيش (القادسية) ، رغم ان فيهم أبناء الشرف والمنعة والإسلام أمثال (عدي بن حاتم الطائي) ، لانه اتهمهم بالتآمر على قوى الانقلاب التي جاءت ب(ابي بكر) وبه ، ورغم ان محور جيش (القادسية) قائم على هذه القبائل . الا انه اضطر ان يولي سلمان الفارسي على دين الناس فقط ، لعلم (عمر) بجدلية العقل العراقي الديني ، وانه لن يستقيم له معهم الا رجل كسلمان عالي الرتبة في المعرفة الدينية ، فوّلاه لحاجته لأهل العراق .

 

وحين أراد (عدي بن حاتم الطائي) استنقاذ الناس ، وأوفده ابو بكر الى قومه ومن معهم ، طالبهم بالانضمام للجماعة . وهذا الفعل من (عدي بن حاتم) نابع ربما من موقف خيرة الصحابة ( (علي) وسعد بن عبادة واخرون ) ، حفظاً لكيان الدولة الجديدة ، ودفعاً لخطر المحق . لكنّ جواب قومه كان ملفتاً ومركّزاً على شخص (ابي بكر) ، حيث قالوا ( لا نبايع أبا الفصيل ) ، يقصدون (ابا بكر) . ومنه نعرف انّ حركتهم كانت سياسية ، لا ردّة دينية . ويؤيد ذلك انّ قائد هذه الثورة ( طليحة بن خويلد الأسدي ) احرم بالحجّ بعد ذلك ، وشهد (القادسية) و(نهاوند) مع المسلمين ، واستشهد ضمن جيش الاسلام عام ٢١ هجرية . ثم ان (طيء) بحجمها ذاك لو ارتدت فعلاً عن الدين لما نفع فيها نصح شيخ مسلم هو (عدي بن حاتم) ، الذي التقى ب(خالد بن الوليد) في (السنح) ب(المدينة) لا في العراق ، الامر الذي يكشف ان قدوم (عدي بن حاتم) كان بتخطيط مسبق . والاغرب ان (خالد بن الوليد) في الحقيقة لاجئاً في قبيلة (طيء) وهارباً اليها بعسكره خوفاً من طوق بني (اسد) و(فزارة) عليه من الشمال والجنوب ، وصرّح لجيشه ان (طيئاً) لم ترتد عن الإسلام . وبالفعل كانت (طيء) هي من انقذت جيش (ابي بكر) بقيادة (خالد) . اذ في الحقيقة كانت ظاهرة الارتداد على نوعين ، ملفقة من رواة السلطة لوصم من تخلف عن بيعة (ابي بكر) من قبائل العراق كبني (اسد) ، واُخرى حقيقية ربما في مواطن الأعراب شمال نجد كقبيلة (فزارة) . لهذا كانت (طيء) تلتقي قبيلة (اسد) التي كانت تصرّح برفضها بيعة ( ابي الفصيل ) ولا تتقاتلان ، رغم تحريض (خالد) ل(طيء) ، فيما نشبت القتال مع (فزارة) . ولقب أبو الفصيل كان يستخدم بين القبائل الرافضة لبيعة (ابي بكر) تهويناً له . من هنا كان اتهام (عمر بن الخطاب) ل(علي بن ابي طالب) و(الزبير) وجماعة انه يخاف على العرب منهم ولا يخاف عليهم من العرب لانه كان يرى ان الامر كله مرتبط بقضيتهم . و(عمر) ذاته كان ينشب احقاد تلك الفترة الزمنية البعيدة في ايّام خلافته فيعير بها من شارك مستثيراً العداوة ومتشفياً بانكسارهم بعيداً عن روح الإسلام في إصلاحهم ان كانوا كما يزعمون . وهذه النفس الخاضعة للعاطفة التفشي غير الإسلامية والمليئة بآثار الجاهلية هي التي جعلت (ابا بكر) يمثّل بالناس في القبائل التي اتهمها ويحرقهم بالنار ويرضخهم بالحجارة ويرمي بهم في الجبال وينكسهم في الآبار ويخزقهم بالنبال في عملية إرهابية كبيرة جدا .

 

كانت قبيلة (طيء) في العراق ذراعاً ل(علي بن ابي طالب) ، وقد ظلت ولا زالت متمثلة في شقها العراقي قبيلة بني ( لام ) على هذا الولاء والفاعلية كما سياتي بإذن الله . واسم ( لام ) كانت منتشراً في أصول (طي) ، كما في ( لام ) جد ( فرعة بنت سعد بن حارثة بن لام الطائي ) و ( زينب بنت أوس بن حارثة بن لام ) زوجات (النعمان بن المنذر) الملك[15] . وموطنها يمتد من مدينة (العمارة) الحالية حتى (ديالى) في العراق ، على طول الشريط الحدودي مع ايران ، وهذا سبب استخلاف (علي) ل(عدي بن حاتم الطائي) على (المدائن) عند مسيره الى (صفّين)[16] ، وكذلك قتل الخوارج ثلاث نساء من (طيء) هناك . وتحدهم الأهواز شرقا ، لذلك كانوا هم المدد الذي وصل الى جيش امير المؤمنين (علي) لقتال الخوارج الذين نهبوا بيت مال الأهواز ، وكان على رأس المدد (خالد بن معدان الطائي)[17] ، وتحدهم (ربيعة) وقبائل (اسد) و(الازد) الكوفية غربا ، وقسم منها كان في شمال (الحجاز) حول جبل (طيء) ودولة (آل الرشيد) . وقسم اخر كبير جداً يمتد من الاْردن حتى داخل فلسطين ، لذلك كان من هذا القسم الأخير البعض من (طيء) في جيش (معاوية)[18] ، وهو امر يكشف تعدد ولاءات القبائل الكبيرة ، لكن مع بقاء عمودها هو المقياس ، وقد كان عمود (طيء) في العراق . لهذا كانوا في كتائب جيش الستين الفاً الذي خرج لحرب أهل الشام بعد تحكيم الحكمين[19] . ويبدو من تولية رسول الله زعيمها (عدي بن حاتم) على صدقات (طيء) و(اسد) ان أرضهم كانت واحدة[20] . وقد ضمن احد رجالاتها وهو (احمد بن محمد الطائي) خراج نصف العراق للدولة العبّاسية في أيام (المعتضد) العبّاسي[21] .

وقد فقد سيدها (عدي بن حاتم الطائي) أولاده الثلاثة فداءً ل(علي) ( طرفة ، طراف ، طريف ) فوارس، شهدوا (صفّين)، و النهروان مع (علي) – عليه السلام – و قتلوا. و جاء، قال رجل يومئذ ل(عدي بن حاتم): يا أبا (طريف) ، أ لم أسمعك تقول يوم الدار: و اللّه لا تحبق فيها عناق حولية، و قد رأيت ما كان فيها؟ قال: بلى. و قد كانت فقئت عين (عدي) و قتل بنوه، و اللّه لقد حبقت[22] . وقد كان احد رسل رسول الله بكتابه الى قيصر الروم[23] . وهو (عدي بن حاتم بن عبد اللّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثمل بن (عمر)و بن الغوث بن (طي) بن ادد بن مالك بن زيد بن كهلان الطائي الأنصاري الطائي ). أسلم سنة تسع، و كان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين – عليه السلام -، و شهد (الجمل)، و (صفّين)، و فقئت عينه في يوم (الجمل)، و قتل أولاده، (طريف) ، و (طراف) ، و (طرفة) . و له شعر في المواقف. مات عام 68 ه، و هو ابن مائة و عشرين سنة. و لا عقب له. و قال بعضهم خلال القتال:

شفى السيف من (زيد) ، و (هند) نفوسنا* * * شفاء و من عيني (عدي بن حاتم)‌[24]

وله الموقف المشرف البطولي عندما رفع أهل الشام المصاحف على رؤوسهم حيلة اذ قام فقال : يا أمير المؤمنين إن كان أهل الباطل لا يقومون باهل الحق , فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم , وكلٌ مقروح , ولكنا أمثل بقية منهم , وقد جزع القوم , وليس بعد الجزع إلا ما تحب , فناجزْ القوم[25] . وكان احد رؤساء العراق المبادرين لحرب الخوارج فور نزول امير المؤمنين (علي) عن المنبر يستحث الناس .

 

لقد اسلم الكريم (عدي بن حاتم الطائي) سيد (طيء) ، وكان نصرانياً ، بعد ان أخبرته اخته ( سفانة ) بكرم خلق رسول الله ، الذي أطلقها ، وأطلق قومها كرامة لها ، بعد ان علم انها ابنة الكريم في العرب ( حاتم الطائي ) .

 

 

فيما استتبع انقلاب السقيفة ( سقيفة بني ساعدة ) مجموعة من الحروب الرسمية والثورية , تكشف ان ما حدث في ( المدينة) المنورة في سقيفة بني (ساعدة) كان انقلاباً معروفاً بهذه الصفة في عموم أقاليم المسلمين , وهذه الحروب هي التي اسماها ( التاريخ الرسمي ) – وهو مشابه لتاريخ الكنيسة الرومانية – بحروب ( الردّة ) . حيث نلاحظ التآزر القبلي والمناطقي ضد حكم (ابي بكر) وخلافته ، واتفاق المرتدين على ” إقامة الصلاة ” دون ” إيتاء الزكاة “[26] . ولا نعلم كيف للمرتد ان يبقي صلاة دينه السابق ، الّا أنْ نقول انهم امتنعوا عن تسليم المال للفئة التي اغتصبت السلطة . والاغرب ان رواة السلطة يروون ان الأرض كلها ارتدت الا (قريشاً) و(ثقيفاً)[27] . وهو امر فيه نظر طويل ، اذ ان (قريش) أعدى أعداء الإسلام حتى وفاة النبي ، و(ثقيف) اخر القبائل إسلاما ، وكلاهما معاندان , ومؤلفة قلوب زعمائهما , فكيف كانا اثبت من غيرهما ، وغيرهما هي القبائل التي اسلمت طوعا لا كرها . الامر الذي يكشف حقيقة المقصود بالردة . نعم ، ربما كان بعضهم يريد الاحتفاظ بماله ، لكن لا يمكن أنْ نصدّق انهم اجمعوا على ذلك . فهذه (اسد) و ( غطفان ) و (طيء) – وهي من كبرى قبائل العرب والتي كانت محور جيوش بلاد ما وراء النهر من العرب لاحقا[28] – تجتمع الى ( طليحة بن خويلد الأسدي ) ، في رفضه إعطاء الزكاة ل(ابي بكر) . وكذلك اجتمعت الى ( طليحة الأسدي ) قبائل ( ثعلبة ) و ( مرة ) و ( عبس ) ، وقوم من ( كنانة ) . فنزلوا على (المدينة) ، وجلسوا الى وجوه الناس ، مشترطين عدم اداء المال ل(ابي بكر) ، الذي رفض واصرّ على تسليمه ما كان يسلّم لرسول الله . وقد انشأ شاعرهم يقول :

أطعنا رسول الله ما كان بيننا  فيا لعباد الله ما ل(ابي بكر)

أيورثنا (بَكْراً) اذا مات بعده  وتلك لعمر الله قاصمة الظَهرِ

 

 

وليس التزوير او التلفيق أمراً غريباً على سدنة التاريخ الرسمي ، ك(الطبري) ، الذي أراد جعل اجتماع (طيء) و ( غطفان ) و (اسد) أمراً قبلياً جاهلياً ، فأرجعهم الى حلف قديم كان بينهم في الجاهلية ، ليوهم القارئ انهم لم تجمعهم الثورة ضد الانقلاب ، وهم بهذا الحجم . فيما ( عيينة بن حصن ) قائد جيش (طليحة) جاء بعد مدة ، فاغتسل ، واهلّ بعمرة ! . فايّ مرتدين هؤلاء الذين يحجون ويعتمرون ؟! ، وهذا ما اظنه جعل (ابا بكر) يغضّ الطرف عنهم لاحقا ، حيث لم يكونوا سوى مسلمين ثائرين على انقلابه ، زال خطرهم بزوال ثورتهم ، وما عاد يهمّ (ابا بكر) حالهم عصوا الله ام أطاعوه .

 

 

وحين أراد (عدي بن حاتم الطائي) استنقاذ الناس ، وأوفده ابو بكر الى قومه ومن معهم ، طالبهم بالانضمام للجماعة. وهذا الفعل من (عدي بن حاتم) نابع ربما من موقف خيرة الصحابة (علي , سعد بن عبادة , واخرون ) ، حفظاً لكيان الدولة الجديدة ، ودفعاً لخطر المحق . لكنّ جواب قومه كان ملفتاً ومركّزاً على شخص (ابي بكر) ، حيث قالوا ” لا نبايع أبا الفصيل ” ، يقصدون (ابا بكر) . ومنه نعرف انّ حركتهم كانت سياسية ، لا ردّة دينية . ويؤيد ذلك انّ قائد هذه الثورة ( طليحة بن خويلد الأسدي ) احرم بالحجّ بعد ذلك ، وشهد (القادسية) و(نهاوند) مع المسلمين ، واستشهد ضمن جيش الاسلام عام ٢١ هجرية . ثم ان (طيء) بحجمها ذاك لو ارتدت فعلاً عن الدين لما نفع فيها نصح شيخ مسلم هو (عدي بن حاتم) ، الذي التقى ب(خالد بن الوليد) في (السنح) ب(المدينة) لا في العراق ، الامر الذي يكشف ان قدوم (عدي بن حاتم) كان بتخطيط مسبق . والاغرب ان (خالد بن الوليد) في الحقيقة لاجئاً في قبيلة (طيء) وهارباً اليها بعسكره خوفاً من طوق بني (اسد) و(فزارة) عليه من الشمال والجنوب ، وصرّح لجيشه ان (طيئاً) لم ترتد عن الإسلام . وبالفعل كانت (طيء) هي من انقذت جيش (ابي بكر) بقيادة (خالد) . اذ في الحقيقة كانت ظاهرة الارتداد على نوعين ، ملفقة من رواة السلطة لوصم من تخلف عن بيعة (ابي بكر) من قبائل العراق كبني (اسد) ، واُخرى حقيقية ربما في مواطن الأعراب شمال نجد كقبيلة (فزارة) . لهذا كانت (طيء) تلتقي قبيلة (اسد) التي كانت تصرّح برفضها بيعة ” ابي الفصيل ” ولا تتقاتلان ، رغم تحريض (خالد) ل(طيء) ، فيما نشبت القتال مع (فزارة) . ولقب “أبو الفصيل” كان يستخدم بين القبائل الرافضة لبيعة (ابي بكر) تهويناً له . من هنا كان اتهام (عمر بن الخطاب) ل(علي بن ابي طالب) و(الزبير) وجماعة انه يخاف على العرب منهم ولا يخاف عليهم من العرب لأنه كان يرى ان الامر كله مرتبط بقضيتهم . و(عمر) ذاته كان ينشب احقاد تلك الفترة الزمنية البعيدة في ايّام خلافته , فيعيّر بها من شارك مستثيراً العداوة ومتشفياً بانكسارهم , بعيداً عن روح الإسلام في إصلاحهم ان كانوا كما يزعمون . وهذه النفس الخاضعة للعاطفة التفشي غير الإسلامية والمليئة بآثار الجاهلية هي التي جعلت (ابا بكر) يمثّل بالناس في القبائل التي اتهمها , ويحرقهم بالنار , ويرضخهم بالحجارة , ويرمي بهم في الجبال , وينكسهم في الآبار , ويخزقهم بالنبال , في عملية إرهابية كبيرة جدا .

 

وقد كان يمانية أهل العراق ثلاثة ارباع الجيش الذي سيّره (عمر) من (المدينة) الى (القادسية) ، وسائر الناس بربع . ليجتمع عددهم مع عدد (ربيعة) و(اسد) اللتين كانت قبائلهما تمتد بين العراق ونجد وإليهما فزعت القبائل ، فكانوا جميعاً عدة الجيش الإسلامي في (القادسية) ، فامتدت هذه الجيوش بين ارض (بكر بن وائل) من (ربيعة) , حيث معسكر (المثنى بن حارثة الشيباني) و(عدي بن حاتم الطائي) على (طيء) معه , وبين ارض بني (اسد) حيث معسكر (سعد بن ابي وقاص) . كذلك تذكر الروايات بعض من برز انهم كانوا من (عقيل) . وهي كما هو واضح قبائل الشيعة صريحة . حتى ان (الديلم) – وهم اجداد البويهيين – قد اشتركوا في هذه المعركة ضد الفرس ، الامر الذي يثبت انتماءهم السومري , لذلك اشترك الفرس في القضاء على دولة (الديلم) لاحقاً مع جيش الترك الذي ارسله بنو (العبّاس)[29] . وكانت هذه القبائل عمود جيش (القادسية) ضد الفرس ، انضمت اليهم سرايا من قبيلة (كِندة) لاحقا .

 

 

 

وحين خرج (الحسن) – عليه السلام – لاستنهاض الناس لملاقاة جيش أهل الشام القادم الى العراق بعد رحيل امير المؤمنين (علي بن ابي طالب) ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه , وسمّاه كرها , ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا ان الله مع الصابرين ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ، إنه بلغني ان (معاوية) بلغه انا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك , فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم ب(النخيلة) . وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له ، فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف . فلما رأى ذلك (عدي بن حاتم) قام فقال: إنا ابن (حاتم) سبحان الله ما أقبح هذا المقام ، ألا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم ، أين خطباء (مضر) المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب ، أ ما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها . ثم استقبل (الحسن) بوجهه ، فقال : أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد ورده وصدره ، قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت ، وهذا وجهي إلى معسكري ، فمن أحب أن يوافيني فليواف . ثم مضى لوجهه فخرج عن المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى (النخيلة) وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه وكان (عدي بن حاتم) أول الناس عسكرا[30] . وكان من الثوار المجلبين الناس على (عثمان) والذين شاركوا في قتله[31] . وكان من عظيم وعيه انه يصرح ببغضه ل(آل الوليد بن المغيرة المخزومي) في شعره ، لما يعلمه من نفاقهم ، ومنه نعرف مستوى عقيدته العالي ومعرفته العميقة بحق الإسلام[32] .

 

 

ومن ( طيء) الفارس ( بشر بن العشوش الطائي الملقطي ) محارب، شاعر فاضل، مخلص في ولائه و محبته لأمير المؤمنين – عليه السلام -. حضر (صفّين)، و قاتل قتالا شديدا، و حاربت (طيء) مع أمير المؤمنين – عليه السلام – حربا عظيمة، و تداعت و ارتجزت، و قتل منها أبطال‌[33] .

 

و ( سعيد بن عبيد الطائي ) قتل في 37 ه ، فارس، اشترك في (الجمل)، و قتل ب(صفّين). و لما نزل أمير المؤمنين – عليه السلام – (الربذة)، أتته جماعة من (طي)، و فيهم (سعيد) ( فقال: يا أمير المؤمنين إنّ من الناس من يعبّر لسانه عما في قلبه، و إنّي و اللّه ما كل ما أجد في قلبي يعبّر عنه لساني، و سأجاهد و باللّه التوفيق، أما أنا فسأنصح لك في السر و العلانية، و أقاتل عدوك في كل موطن، و أرى لك من الحق ما لا أراه لأحد من أهل زمانك، لفضلك و قرابتك. قال (علي) – عليه السلام -: رحمك اللّه قد أدى لسانك عما يجن ضميرك ) ، فقتل معه ب(صفّين)[34]. وقاتلت (طيء) يومئذ قتالا شديدا ، فعبيت لهم جموع ، فأتاهم ((حمرة بن مالك) الهمداني) ، فقال : من القوم ؟ فقال له (عبد الله بن خليفة) ، وكان شيعيا شاعرا خطيباً : نحن (طيء) السهل ، و(طيء) الرمل ، و(طيء) الجبل ، الممنوع ذي النخل ، نحن (طيء) الرماح ، و(طيء) البطاح ، فرسان الصباح . فقال (حمرة بن مالك) : إنك لحسن الثناء على قومك . واقتتل الناس قتالا شديدا ، فناداهم : يا معشر (طيء) ، فدى لكم طارفي وتالدي ! قاتلوا على الدين والأحساب[35].

 

ومن (طيء) ايضاً ( لأم بن زياد بن غطيف بن سعد بن الحشرج الطائي ) ، وهو اخ (عدي بن حاتم الطائي) لأمه . وقد ولاه (علي بن ابي طالب) (المدائن)[36] . اذ كانت ارض (طي) العراق من جبل (اجا) حتى (ديالى) الْيَوْمَ في العراق ، وهي الأرض التي حمتها بنو (لام) طيلة قرون ، اذ كان حلفها يعادل حلف ( (المنتفك) ) لبني (اسد) وبني (مالك الأشتر) في الوظيفة والعقيدة . وقد كانت راية (علي) مع ( ابي الجوشاء الطائي ) يوم خرج من الكوفة الى (صفّين)[37] .

 

وعند بدء مسير (علي بن ابي طالب) لرد جيش (عائشة) و(طلحة) و(الزبير) قبل بدء معركة (الجمل) وهو ب(الربذة) أتته جماعة من ( طيء ) ، فقيل له هذه جماعة قد أتتك , منهم من يريد الخروج معك , ومنهم من يريد التسليم عليك ، قال جزى الله كليهما خيرا وفضّل المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما . ثم سار من (الربذة) ، وعلى مقدمته (أبو ليلى بن عمر بن الجرّاح) , والراية مع (محمد بن الحنفية) , وعلى الميمنة (عبد الله بن العبّاس) , وعلى الميسرة (عمر بن أبي سلمة) , و(علي) على ناقة حمراء , يقود فرساً كميتا ، حتى نزل بفيد ، فأتته قبائل (اسد) و ( طيء ) فعرضوا عليه أنفسهم ، فقال الزموا قراركم , في المهاجرين كفاية ، كما فعلت بعدهم (بكر بن وائل)[38] . ومنه نعلم حجم ولاء هذه القبائل .

 

 

 

لقد كان من أشد أنصار (علي بن ابي طالب) وأعرقهم قبيلة (ربيعة) . ومواطنها التاريخية من مدينة (الغرّاف) في (الناصرية) حتى مدينة (الكوت) ، تجاورها من الشرق قبيلة (طيء) ، ومن الجنوب (بكر بن وائل) ، وبين (طيء) وبكر الموالي من نبط العراق ، ومن الشمال والغرب (همدان) و(مذحج) و(النخع) و(اسد) والأنصار . وقد كانت دعوة (مذحج) و(طيء) واحدة في (صفّين) مع رايتين[39] ، مما يكشف عن قربهما .

وكانت بنو (اسد) تقطن كربلاء و(الحلة) ، الى جوار (النخع) ، وجنوبها (همدان) و(مذحج) ، وشرقها (طيء) . وقد أسست بالتعاون مع (النخع) الدولة (المزيدية) في (الحلة) ، ثم هاجر قسم كبير منها مع قسم كبير من (النخع) ايضاً الى عمق الأهوار العراقية حيث مدينة (الچبايش) الحالية .

 

 

ومن قبيلة بني (اسد) كان ( زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي ) فارس، أمير و كان من سادة بني (اسد)، اشترك في (صفّين)، و جاء بقومه إلى أمير المؤمنين – عليه السلام -. قال ابن قتيبة: «قام إلى (علي) فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ (طيئاً) إخواننا و جيراننا، قد أجابوا (عديّاً)، ولي في قومي طاعة فائذن لي فاتهم. قال: نعم. فأتاهم فجمعهم، و قال: يا بني (اسد) إنّ (عديّ بن حاتم) ضمن ل(علي) قومه، فأجابوه و قضوا عنه ذمامه فلم يعتل الغني بالغنى، و لا الفقير بالفقر، و واسى بعضهم بعضا، حتّى كأنّهم المهاجرون في الهجرة و الأنصار في الإثرة , وهم جيرانكم في الديار وخلطاؤكم في الأموال , فأنشدكم اللّه لا يقول الناس غداً “نصرت (طيء) و خذلت بنو (اسد)” ، و إنّ الجار يقاس بالجار، كالنعل بالنعل، فإن خفتم فتوسعوا في بلادهم، و انضموا إلى جبلهم، و هذه دعوة لها ثواب من اللّه في الدنيا الآخرة». فقام إليه رجل منهم، فقال له: يا (زفر) إنّك لست ك(عدي) ، و لا (اسد) ك(طيء)، ارتدّت العرب فثبتت (طيء) على الإسلام، و جاد (عديّ) بالصدقة، و قاتل بقومه قومك، فو اللّه لو نفرت (طيء) بأجمعها لمنعت رعاؤها دارها، و لو أنّ معنا أضعافنا لخفنا على دارنا، فإن كان لا يرضيك منّا إلا ما أرضى (عديّاً) من (طيء)، فليس ذلك عندنا و إن كان يرضيك قدر ما يرد عنا عذر الخذلان و إثم المعصية، فلك ذلك منا . فسار معه من (اسد) جماعة ليست كجماعة (طيء) حتّى قدم بها على (علي) – عليه السلام –[40] .

 

ويبدو من خلال السياق التاريخي ان قبيلة (النخع) كانوا يسيرون مع (علي) حيث سار ، اذ لا نراهم يعرضون أنفسهم عليه كما القبائل الموالية الأخرى ، لكننا نجدهم في كل معركة ، كما ان رئيسهم (الأشتر) كان رسول (علي) في عدة مناسبات ، او جليسه ، او قائد جيشه ، دون فاصلة من موعد او استنصار او ان يندبهم قبلها . وكانت (النخع) و(طيء) هم الصابرون حين اشتد قتال (صفّين) وبلغت ذروتها[41] .

 

 

وان كانت (طي) و (خزاعة) و (الازد) و (مذحج) و (النخع) و(الأشعريون) و (همدان) من قبائل ( سبأ ) القحطانية ، فقد كان خيرتهم الصحابي الجليل ( عمار بن ياسر )[42] .

 

 

ولقد كان بقية أصحاب (علي بن ابي طالب) من زعماء القبائل وتقاة الصحابة هم أصحاب (الحسن بن علي) , مثل (سعيد بن قيس الهمداني) و(عدي بن حاتم الطائي) وقيس بن سعد بن عبادة . لكن مع رحيل اغلب أصحاب (علي) من الزعماء والفرسان والصالحين , اذ اخذتهم الحروب الثلاث الكبرى . فكان (الحسن بن علي) بين قلة موثوقة , وجماعة خارجية تريد قتال (معاوية) لا نصرة (الحسن) , وشكّاك قبليين متعصبين لزعماء قبائلهم تقذفهم الريح حيث شاءت . ويجمع كل هؤلاء حوله انه رئيس الدولة حينئذ , لا التشيع له ولأبيه .

 

لقد بدأ (معاوية بن ابي سفيان) مشروع اذلال للأمة ، في محاولة لكسر الحواجز التي تمنع من إقامة الملك العقيم ل(آل أمية) ، كما انه بدأ بأنصار (علي بن ابي طالب) لوعيهم الذي عززه (علي) ، ولجرأتهم وإيمانهم بالدِّين المانع من ملك الرجال .

فعند وفود ( الوليد بن جابر بن ظالم الطائي ) الذي كان ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم صحب (علياً) عليه السلام، وشهد معه (صفّين)، وكان من رجاله المشهورين، ثم وفد على (معاوية) في الاستقامة , وكان (معاوية) لا يثبته ، معرفة بعينه، فدخل عليه في جملة الناس، فلما انتهى إليه استنسبه، فانتسب له، فقال: أنت صاحب ليله الهرير؟ قال نعم: قال والله ما تخلو مسامعي من رجزك تلك الليلة، وقد علا صوتك أصوات الناس، وأنت تقول:
شدوا فداء لكم أمي وأب * فإنما الامر غدا لمن غلب

هذا ابن عم المصطفى والمنتجب * تنمه للعلياء سادات العرب

ليس ليس بموصوم إذا نص النسب * أول من صلى وصام واقترب
قال: نعم، أنا قائلها. قال: فلماذا قلتها؟ قال لأنا كنا مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة، ولا فضيلة تصير إلى التقدمة، إلا وهي مجموعه له، كان أول الناس سلما وأكثرهم علما، وأرجحهم حلما، فأت الجياد فلا يشق غباره، يستولي على الأمد فلا يخاف عثاره، وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره، وسلك القصد فلا تدرس آثاره، فلما ابتلانا الله تعالى بافتقاده، وحول الامر إلى من يشاء من عباده، دخلنا في جمله المسلمين فلم ننزع يدا عن طاعة، ولم نصدع صفاه جماعه، على أن لك منا ما ظهر، وقلوبنا بيد الله وهو أملك بها منك، فاقبل صفونا، وأعرض عن كدرنا، ولا تثر كوامن الأحقاد، فإن النار تقدح بالزناد. قال (معاوية): وإنك لتهددني يا أخا (طي) بأوباش العراق أهل النفاق، ومعدن الشقاق! فقال: يا (معاوية) هم الذين أشرقوك بالريق وحبسوك في المضيق، وذادوك عن سنن الطريق، حتى لذت منهم بالمصاحف، ودعوت إليها من صدق بها وكذبت، وآمن بمنزلها وكفرت، وعرف من تأويلها ما أنكرت. فغضب (معاوية) وأدار طرفه فيمن حوله فإذا جلهم من (مضر) ونفر قليل من اليمن، فقال أيها الشقي الخائن، أنى لأخال أن هذا آخر كلام تفوه به – وكان (عفير بن سيف بن ذي يزن) بباب (معاوية) حينئذ – فعرف موقف (الطائي) ومراد (معاوية)، فخافه عليه، فهجم عليهم الدار، وأقبل على اليمانية، فقال، شاهت الوجوه ذلا وقلا، وجدعا وفلا، كشم الله هذه الانف كشما مرعبا. ثم التفت إلى (معاوية)، فقال: إني والله يا (معاوية) ما أقول قولي هذا حبا لأهل العراق، ولا جنوحا إليهم، ولكن الحفيظة تذهب الغضب لقد رأيتك بالأمس خاطبت أخا (ربيعة) يعنى – (صعصعة بن صوحان) وهو أعظم جرما عندك من هذا، وأنكأ لقلبك، وأقدح في صفاتك، وأجد في عداوتك، وأشد انتصارا في حربك، ثم أثبته وسرحته، وأنت الان مجمع على قتل هذا – زعمت – استصغارا لجماعتنا! فإنا لا نمر ولا نحلي ولعمري لو وكلتك أبناء (قحطان) إلى قومك لكان جدك العاثر، وذكرك الداثر وحدك المفلول، وعرشك المثلول، فأربع على ظلعك، واطونا على بلالتنا ، ليسهل لك حزننا، ويتطامن لك شاردنا، فإنا لا نرأم بوقع الضيم، ولا نتلمظ جرع الخسف، ولا نغمز بغماز الفتن، ولا نذر على الغضب. فقال (معاوية): الغضب شيطان، فأربع نفسك أيها الانسان، فإنا لم نأت إلى صاحبك مكروها، ولم نرتكب منه مغضبا، ولم ننتهك منه محرما، فدونكه فإنه لم يضق عنه حلمنا ويسع غيره، فأخذ عفير بيد الوليد، وخرج به إلى منزله وقال له: والله لتؤوبن بأكثر مما آب به (معدي) من (معاوية). وجمع من بدمشق من اليمانية، وفرض على كل رجل دينارين في عطائه، فبلغت أربعين ألفا فتعجلها من بيت المال، ودفعها إلى (الوليد) ، ورده إلى العراق[43] .

لهذا كانت تلك السياسة من (معاوية) وبالاً على بني (أمية) لاحقا ، اذ يمكرون ويمكر الله ، فَلَمَّا كانت اليمانية هم أنصار بني (أمية) في الشام ، وقد كسرهم (معاوية) بسوء تدبيره وغلواء حقده ، بدأت داخلهم الرغبة في تأديب بني (أمية) حمية ، كما بدأوا يختلطون بإخوانهم من يماني العراق . ومن ثم كسرت دولة بني (أمية) على يد بناتها من اليمانية أنفسهم ، مما أعطى الفرصة لبني (العبّاس) .

 

 

فيما كانت هناك قبائل لها ولاء عقائدي ل(الحسين) حبسها البعد عن نصرته , مثل قبيلة (طي) كما نجد في شعر (الطرماح بن عدي الطائي) حين جاء لنصرة (الحسين) . وقصة خروجه بجماعة على غير طريق الكوفة قادماً نحو (الحسين) يكشف حجم الحصار والطوق المفروض عليها ومنع الناس من اللحاق ب(الحسين) , وهذا واضح من جيش (الحصين بن نمير) المقيم في (القادسية)[44] .

 

لقد كانت اشعار شعراء (طي) تنم عن معرفة دينية ب(الحسين) , حتى زمن (الصادق جعفر بن محمد) كما في شعر (خالد بن معدان) و(جعفر بن عفان) , بل ان شعرهم كان من اجود الشعر الولائي الذي قيل فيه , وان مجيئهم عند الإمام (الصادق) ومشاركة مجلس عزاء ل(الحسين) دليل ان قسم كبير من هذه القبيلة كان قد بلغ مرحلة متقدمة من التشيع[45] . لا سيما وهم كانوا يدخلون ويجلسون الى الإمام (علي بن الحسين) قبله[46] .

 

ومن شعراء (طيء) الشاعر المشهور (أبو تمام الطائي) يكتب : ويوم الغدير استوضح الحق اهله * بفيحاء لا فيها حجب ولا ستر * اقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينهاهم نكر * يمد بضبعيه ويعلم انه * ولي ومولاكم فهل لكم خبر[47] .

 

 

لقد حاول بعض كتاب السلطان ربط دولة الفاطميين ب(القرامطة) ، لكنّ الواقع إنهما لم تكونا كذلك قطعاً ، فقد حارب الفاطميّون (القرامطة) وطردوهم من الشام ومحيطها . وقد تعاونت قبائل (طيء) و(عقيل) مع الفاطميين في هزيمة (القرامطة) حينئذ ، رغم ان (طيء) الشام قاتلت الدولة الفاطمية فترة ، الا انها لم تباين (الطالبيين) فقد بايعت الشريف (أبا الفتوح احمد بن جعفر) امير مكة ، ثم عادت لتبايع (الحاكم) الفاطمي[48] ، إذ غلب على ذلك الزمان الصراع على النفوذ والملك في كثير من الأحيان . بل كان (القرامطة) حلفاء الأتراك في نصرة أهل السنة في دمشق ضد عقيدة التشيع الفاطمية[49] . حتى ان الخليفة الفاطمي اصدر كتاباً شديداً بلعنهم وتجريم افعالهم[50] . وقد كان (القرامطة) يلجؤون الى بعض بني (القليص بن كلب بن وبرة) في (السماوة) تحت شعار الانتماء لأهل البيت حتى قضى عليهم الشيعة (الشيبانيون) بقيادة بني (حمدان) وقد استعانت بهم الخلافة[51] .

 

ولم يكن (القرامطة) سوى مجاميع من الموالي والأعراب الفوضويين في الفكر ، قاتلهم الشيعة من (طيء) و(تغلب) و(شيبان) وبني (حمدان) ، حتى ان (القرامطة) اسروا (أبا الهيجاء بن حمدان) والد (سيف الدولة) في طريقه الى الحج وقتلوا الحاج[52]. وكان (آل الجرّاح) من (طيء) أمراء قبائل الشام . وقد اصطف شيعة العراق خلف (احمد بن محمد الطائي) الذي كان على الكوفة لقتال (القرامطة) بعد ان طلبوا مناظرتهم ، فتم قتل هؤلاء (القرامطة) وابادتهم . فهرب (قرمط) ولم يجبه على دعوته الا الأعراب (الجنابيون) من قبيلة (كلب) .

 

 

ان امير الحاج العراقي كان فَقِيه (الطالبيين) ، الذي حين اعترضته بنو (نبهان) احد أعراب (طيء) كان من القوة والمنعة بحيث هزمهم وقتل أميرهم . وقد كانت إمارة الحاج حينذاك – نتيجة هذا الواقع الفكري – لنقيب (الطالبيين) بأمر بني (العبّاس) ، وكانت منتظمة في تعايش بين أهل السنة والشيعة للعقلانية التي عليها نقباء (الطالبيين)[53] .

 

 

وفِي أواخر العصر العبّاسي اتحد العرب لحماية الأكراد السنة ، وقد كان العرب شيعة تحت قيادة بني (حمدان) وإمارة بني (عقيل) . وقد كان العرب من بني (عقيل) وبني (كلاب) وبني (نمير) و(خفاجة) ، وجدهم (عامر بن صعصعة) ، من رعايا دولة بني (حمدان) ، ينفرون معهم ويؤدون اليهم ، يجمعهم انهم من عدنان ، تشاركهم (طي) من (قحطان) ، يجمعهم المذهب . وقد انتشروا في (الجزيرة) بين العراق والشام وشمال العراق . وقد كان الاجتماع على المذهب حذار ما يفعله ورثة المدرسة (العُمَرية) لأسباب عقائدية تجاه مخالفيهم , كما فعل (محمود بن سبكتكين) بعد استيلائه على ملك (الري) غدراً بملكها الذي استنجده فقتل وشرّد على المذهب والمعتقد كما فعل في الهند[54] وربما هذا ما جعل ابن (خلدون) يراه صالحا . او كما فعل السلاجقة بأهل (الكرخ)[55] .

 

 

وكل الذي رام الخلاف على الملك يستكثر من الجنود الاتراك . وكان ضعف الفاطميين واستعانتهم بالاتراك على العرب من (طي) و(كلاب) تسبب في انهيار ممالك العرب والشيعة وصعود نجم التسنن الاموي , لما عليه أولئك الترك من بداوة حضارية . واستعانة العرب بالسلاجقة الاتراك كانت تؤدي الى ملك الاتراك وكثرة الفساد والغدر وكثرة القتل[56] . وهذا ما تسبب به سلوك البويهيين الدنيوي تجاه قائدهم (ابي سعيد الطائي)[57] أيضا والذي لاشك كان يرجع الى بني (لام) الطائيين في شرق العراق عموما , الامر الذي يعني اضعافه اضعاف تلك المنطقة أيضا .

 

 

لقد بدأت في الظهور منذ القرن السادس عشر اُسر وقبائل غير التي كان يعرفها تاريخ العراقي الإسلامي , ومنها ( أبو ريشة ) و ( (قشعم) ) و ( سوران ) الكردية و ( الموالي ) في الاحداث في حدود 1605م . ومن الراجح ان امير (قشعم) وامير (آل بوريشة) وريثا بقايا (مذحج) و(طي) الشام , وكانوا يسيطرون على المنطقة من النجف الى (حلب) في حدود 1600م . وهو زمن انطلاق البداوة بسيطرة العنصر التركي وانحسار الكيانات والقيم المدنية . فكان الاتراك مضطرين الى منح المناصب للزعماء البدو بسبب المذهب , لأن باقي الزعماء الكبار كانوا على مذهب اهل البيت في الغالب .

فشن العثمانيون حملات عسكرية ضد بني (لام) ثم ضد (زبيد) في 1681م وضد بني (لام) في 1696م , وقد كانت قبائل (زبيد) من ورثة قبيلة (مذحج) العربية الكبيرة في وسط العراق , وبنو (لام) الورثة المباشرون لقبائل (طي) العربية وهم واحد من اكبر تحالف جنوب وشرق العراق . فيما الصدر الأعظم للدولة العثمانية صربي امي .

وقد شهد العراق ثورات ضخمة متتالية بقيادة قبائل كبرى مثل تحالف بني (لام) (طيء) الكبير على طول المنطقة الشرقية للعراق المعاصر وتحالف (الخزاعل) (خزاعة) الذي انضمت اليه بعض قبائل (شمّر) و(عنزة) في الفرات الأوسط وكذلك تحالف (المنتفك) ( (النخع) وبنو (اسد) والموالي النبط ) رفضاً للتخلف الإداري والحضاري التركي العثماني , الامر الذي دفع الكثير من القبائل الأخرى للثورة مثل (الحميد) في شمال (ذي قار) و(زبيد) في وسط العراق . فشهد هذا القرن حملات عثمانية قاسية ضد جميع هذه القبائل من خلال الاستعانة بجيوش الولايات العثمانية غير العراقية والقبائل الكردية وقبائل الصحراء العراقية مثل بعض (قشعم) و(عنزة) لتزدهر البداوة بشكل كبير من اجل مصلحة الباشوات العثمانية . وكانت قبيلة (طي) في القرن الثامن عشر من القبائل المؤثرة في (ماردين) بين العراق وتركيا إضافة الى اثرها شرق العراق وجنوبه متمثلة في الجنوب بقبائل بني (لام) , الذين كانوا مطلعين كيف كان الصفويون يعملون على تحضر شعبهم ومدنهم بخلاف العثمانيين .

وقد كانت القبائل العربية تعيش في فوضى عدم الانتماء وتشتت الهوية بين دولتين كبيرتين , لاسيما مع ظهور قوة عشيرة وافدة ينتهي نسب بعضها الى (طي) هي (شمّر) , والتي تميزت ببداوة وروح غنائمية جعلتها بلا قضية سوى كسب المزيد من النفوذ , فكانت مرة تثور ومرة تقمع الثورات الى جانب العثمانيين كما فعلت بالاشتراك مع (زبيد) وفلول المماليك الذين تم جمعهم لغرض الحرب فقط في قمعها لثورة قبائل الفرات الأوسط , بعد ان كادت الثورة ان تنجح في اسقاط بغداد لولا وجود بعض الفئات التي كانت تعمل مع العثمانيين مثل (محمد اغا) , ووجودهم جعل الحرب الدعائية التي قادها والي بغداد تنجح في فت عضد الثورة [58] .

 

وفي القرون المتأخرة قبل (محمد بن سعود) الدعوة الوهابية , بنصح من أخيه الأعمى (ثنيان بن سعود) وزوجته (موضي الكثيري) التي كانت من أعراب (الفضول) من (طي) في (نجد) , والذين كانوا يعيشون كبقية أهل (نجد) على السلب والنهب , حتى أنها كانت تهجم على قوافل الحجاج العراقيين وتنهب , على عكس قبائل بني (لام) الطائية في العراق المدنية المستقرة . وقد هاجرت تلك القبائل إلى العراق واستوطنت بواديه وأطراف الأراضي الخصبة والغريب أن مشايخ قبيلة من (الفضول) هم من القلائل جداً الذين مدوا يدهم للمحتل الأمريكي في جنوب العراق في الألفية الثانية للميلاد . فيما كان المفتي السعودي (عبد الله بن حسن بن قعود) ، من بقايا أعراب (طي) في (نجد) .

 

 

فيما لم تكن تعي دولة نظامية شيعية مثل دولة الحويزة (المشعشية) في الاهواز خطورة ما عليه الوضع الشيعي , فكانت تزيد من ضعف تحالف قوي مثل تحالف بني (لام) بحملات عسكرية كبيرة ضده بسبب قلة الارتكاز المعرفي الذي صاحب تكوين هذه الدولة من الأساس .

 

 

وفي بعض الازمان كان الأعراب من (شمّر) الطائية و (عنزة) الوائلية أشد البدو إيذاءً للنجف الأشرف واهلها ، حتى قيام (نادر شاه) ووزيره (مهدي خان) ببناء القبر الشريف وتسوير المدينة حماية لها من شر هاتين القبيلتين ، بعدما رأى الملك ووزيره من الكرامات عند المشهد الشريف[59] .

 

لكن كانت المرجعيات العراقية في القرن التاسع عشر الميلادي تحرز التأثير في بعض ولاة العثمانيين ، مثل تأثير المرجع الشيخ (مهدي بن أسد الله) حفيد الشيخ (كاشف الغطاء) عن طريق الأم في الوالي العثماني (داوود باشا) ، الذي كان يزوره ويستمع لمطالبه في قضاء حوائج الناس . والذي سكن ولده الشيخ (محمد موسى) بين اهالي (الديوانية ) وعمل على حل مشاكلهم لا سيما العشائرية ، مثل التي بين عشائر (عفك) و (الدغارة) و (آل بدير) ، وكذلك عمل على توجيه ونصح الناس ، وكان له دور كبير في سيرهم على خط أهل البيت ، خصوصاً أن أكثر قبائلهم كانت مهاجرة ، وقد احترموا جهوده الإصلاحية واصروا على سكناه بينهم وبنوا له داراً ومسجدا ، وكان قد أحرز لهم الامان من ولاة العثمانيين . وقد ظلت ذريته تدير الإصلاحات الاجتماعية في مدينة الديوانية ، كما رأس ابنائه بعض مؤسساتها المدنية . وقد انتشرت هذه الأسرة في محافظات عراقية مختلفة ، يدير أبناؤها المؤسسات الدينية والأكاديمية والتجارية. بل إن الشيخ (باقر بن أسد الله) كان أول من أعلن العزاء الحسيني في مدينة الكاظمية بعد الخفاء[60] .

حيث قام العثمانيون في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي بشن حرب ضروس انتهت بسد الماء على قبائل (آل بدير) الزبيدية في لواء الديوانية بسبب خلافهم معهم ، فتسببوا بتشتت القبيلة وتفرقها وتدهور أوضاعها الاقتصادية[61] .

بينما قاد الخطيب السيد (جواد بن حسن آل سلمان الحجار الحطاب العوادي) عشائر (الاقرع) و (السعيد) و (آل بدير) و (عفك) جبهة الثورة العراقية الكبرى ضد الانگليز في (الحلة)[62] .

 

وكان بعض أبناء قبيلة (زوبع) علماء أفاضل في مدينة كربلاء ، مثل الشيخ (حسن بن عبد الحسين ال عسكر الزوبعي) وأبيه وشيخ (حسن بن مهدي الزوبعي ) وأبيه[63] .

 

ومن الأسر العلمية الدينية النجفية التي تنتسب إلى قبيلة (بني لام) الطائية أسرة (آل سميسم) . ومن الملفت أن تكون سبب نشوء هذه العائلة العلمية الكبيرة أن هاجرت أصولها من النصيريين إلى أرض (الخزاعل) في (الديوانية) بعد قتلها للشيخ العام لقبائل (بني لام) الشيخ (بلاسم) في الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي ، ولما عاد بعضها بعد ذلك اثر العفو عنهم بقي بيت (آل خميس) الذي ترجع إليه أسرة (سميسم بن خميس) لطلب العلم في النجف الأشرف ، ورب ضارة نافعة[64] . حيث شغل أفراد من عائلة (آل سميسم) العلمية الدينية النجفية مناصب قضائية وحقوقية وعدلية ورقابية في العراق الملكي[65] .

 

ومن قبائل (فزارة) المضرية في العراق عشيرة (الظوالم) في مدينة السماوة الجنوبية ، وهي عشيرة صارت عريقة في التشيع . كما يخالطها بعض أبناء قبيلة (شمّر)[66] .

 

 

 

 

[1] البداية والنهاية \ ج 3 \ ص 112

[2] البداية والنهاية \ ج 3 \ ص 134

[3] الملكة بلقيس التاريخ والاسطورة والرمز \ ص 68

[4] صحيح مسلم بشرح الابي والسنوسي / دار الكتب العلمية / ج ٨ / ص ٣٢٢ الشرح

[5] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٧٦

[6] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٥٨٢

[7] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٥٧٩

[8] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٣ / ص ٧

[9] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٥٥١ – ٥٥٧

[10] تاريخ ابن خلدون 4 \ دار الفكر \ ص 415 – 425

[11] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٦٣١

[12] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٦٤٠

[13] تاريخ الطبري / مؤسسة الاعلمي / ج ٢ / ص ٦٣٣ – ٦٣٥

[14] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج 4 \ ص 443 – 444

[15] كمامة الزهر وصدفة الدرر / ابن بدرون / دار الكتب العلمية / ص ١٥٨ الهامش

[16] وقعة صفين / ص ١٤٣

[17] الكامل في التاريخ / ابن الأثير

[18] وقعة صفين / المنقري / ص ٢٠٢

[19] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٥٢٢

[20] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار بيروت / ج ٢ / ص ٣٠١

[21] تاريخ التمدن الإسلامي 2 \ جرجي زيدان \ ص 73

[22] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص ٣٠٢

[23] السيرة الحلبية / ج ٣ / ص ٢٨٤

[24] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٤١٢

[25] وقعة صفين / المنقري / ص ٤٨٢

[26] تاريخ الطبري / دار الفكر / ج ٢ / ص ٢٧٨

[27] تاريخ الطبري / دار الفكر / ج ٢ / ص ٢٧٧

[28] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 489

[29] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج 4 \ ص 443 – 444

[30] شرح نهج البلاغة / ابن ابي الحديد / ج ١٦ / ص ٣٨

[31] البداية والنهاية / ابن كثير / دار الكتب العلمية / ج٤ / ص ٢٤٨

[32] وقعة صفين / المنقري / ص ٤٣٠

[33] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٧٩

[34] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ١ / ص٢٤٨

[35] الكامل في التاريخ / ابن الأثير / دار الكتاب العربي / ج ٢ / احداث سنة سبع وثلاثين

[36] انساب الأشراف / البلاذري / امر صفين

[37] معجم رجال الحديث / أبو القاسم الخوئي / ج ٢٢ / ص ١٠٩

[38] أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٥١ – ٤٥٤

[39] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٢٧٥

[40] الإمامة والسياسة / ابن قتيبة الدينوري / دار الأضواء / ج ١ / ص ٧٨

[41] اعيان الشيعة / ج ١ / ص ٤٨٩

[42] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه / الأميني / ج ٢ / ص ٤٣٢

[43] شرح نهج البلاغة / ابن ابي الحديد / دار احياء الكتب العربية / ج ١٦ / ١٢٩-١٣١

[44] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 597

[45] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 623

[46] اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 630

[47]اعيان الشيعة \ ج 1 \ ص 421

[48] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص ٧٢ – ٧٣

[49] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص ٦٦

[50] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص ١٢٩

[51] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 401 – 402

[52] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص ١٢٨

[53] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص ١٣١ – ١٤٢

[54] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 494

[55] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 661

[56] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 350 – 354

[57] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص 628

[58] أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث

[59] مشهد الإمام أو مدينة النجف , ج ١ , ص 192

[60] مشهد الإمام أو مدينة النجف , ج 2 , ص 118 – 127

[61] مشهد الإمام أو مدينة النجف , ج 2 , ص 165

[62] مشهد الإمام أو مدينة النجف , ج 4 , ص 262

[63] معجم رجال الفكر في كربلاء , ص 50 و 65

[64] مشهد الإمام أو مدينة النجف , ج 4 , ص 134

[65] مشهد الإمام أو مدينة النجف , ج 4 , ص 139

[66] مشهد الإمام أو مدينة النجف , ج 4 , ص 231

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.