الأبعاد الزمانية والمكانية لمعركة الجمل

Camel battle

 

الأبعاد الزمانية والمكانية لمعركة الجمل

 

معركة (الجمل) التاريخية في أبعادها الزمانية والمكانية لا يمكن استجلاؤها دون قراءة بحوث أخرى مهمة , مثل ( عائشة بنت أبي بكر مثال المجتهد برأيه ) .

الشرق الأوسط القريب الى مركز الرسالة توزعت شعوبه حينذاك على شكل تجمعات , كل تجمع كان يقترب في فهمه من (علي بن ابي طالب) بقدر اقترابه وفهمه السابق من الإسلام . فكانت هناك قبائل (ربيعة) في العراق , وهي من العرب العدنانية التي دخلت في الإسلام طوعاً مبكرا , وصارت هي الأقرب الى (علي بن ابي طالب) . كذلك كانت هناك قبائل (مضر الحمراء) او (خندف) في جنوب العراق ووسطه , وكانت متذبذبة في اقترابها من الإسلام في بدء الدعوة , وكذلك كانت علاقتها ب(علي بن ابي طالب) . وكانت هناك قبائل (ازد العراق) , التي دخلت في الإسلام باكراً نتيجة علاقتها المباشرة ب(أزد المدينة) من (الأنصار) , وكذلك كانت علاقتها مباشرة ومبكرة ب(علي بن ابي طالب) . وهناك ايضاً قبائل (مضر السوداء) او (قيس عيلان) , وهي قبائل أعرابية تقيم في إقليم (نجد) , لم تدخل في الإسلام حتى بعد الفتح , وقد كانت تروم القضاء على الدولة الإسلامية بالتعاون مع قريش , لولا انتصار الرسول عليهم في معركة (حُنين) , وقد صار جزء كبير منهم في جيش (معاوية) او خصوماً ل(علي) , ومع هذا حاول (علي) وأصحابه اختراقهم فكرياً لإكمال دعوة الإسلام فيهم . كما وجدت ايضاً (ازد عُمان) و(أزد اليمن) , وهم قد قبلوا الإسلام طوعاً , فتخلوا عن ممالكهم دون قتال , لكنّ بعدهم عن مركز الحضارة العراقية خلق فجوة معرفية بينهم وبين (علي) , ومثلهم (ازد غسّان) في الشام , اذ قبلوا الإسلام , الا انهم تربّوا في حضن بني (أمية بن عبد شمس) الذي كان اول خلاف له مع (هاشم) – جد الرسول – خلافاً أخلاقياً , حيث حسد (أميةُ) (هاشماً) ونبله ولم يستطع ان يأتي فعال الخير التي كان يأتيها (هاشم) , رغم انه كان متمولاً , الا انه كان من أهل الرياء الدنيوي[1], واختلط (ازد غسّان) بمهاجرة اليمن من (حِمْيَر) وغيرها , وكانوا جميعاً يعرفون الإسلام القرشي المعروض من (بني أمية) ومن حالفهم على الدنيا من قريش او الحاملين لعنوان الصحابة دون الصحبة , لذلك كانوا اعداءً ل(علي) , وكانت المهمة الأصعب هي اختراقهم , الا انها كانت مهمة مرسومة في ذهن العراقيين من اتباع آل البيت . هذا كله بالإضافة الى الكتل البشرية من الموالي والأنباط والأقباط في العراق والشام وفارس ومصر , وهي كتل تختلف في رتبها المعرفية , فكانت تقترب من الإسلام ومن ثم (علي) بمقدار ميراثها الحضاري الفردي والجماعي , وكانت تتأثر بمن يجاورها من العرب المسلمين , الا انها قبلت الإسلام في الجملة .

وكانت جميع هذه الشعوب مقسمة الى بُطُون وقبائل وتجمعات تخضع بصورة كبيرة لأمرائها وقادتها , وتتأثر بتوجهاتهم السياسية , كما لعب العامل الحضاري وطريقة العيش والبداوة والتمدن والعلاقات التاريخية والتحالفات والحروب دوراً بارزاً في تشكلها الفكري .

 

ان قبائل العرب العدنانية انقسمت في علاقتها بالعراق الى اربعة اقسام :

  • (ربيعة) , وقد استوطنت جمجمتها في العراق , وارتبطت باقي فروعها به بيئة وعقيدة , مثل (بكر بن وائل) و(تغلب) و(عبد القيس) و(النمر بن قاسط) , ثم جزء من (عنزة بن اسد) . وكانت قبائل مستوطنة اقرب للمدنية والزراعة في كثير من الأحيان . لذلك كانت هذه الأمم الموحدة هي بالفعل من آمنت بالإسلام لاحقاً وعملت على نشره . وأن هذه الأمم المسيحية الموحدة – التي لم يستطع التثليثيون فهم ما تريده , من كون المسيح مخلوقا , لكنه بقدرات فوق بشرية , فجعلتها كتابات بعضهم تؤمن بنصف الوهية المسيح زوراً وجهلا – لم تكن ترى له سوى ذات القدرات التكوينية التي يراها شيعة اهل البيت في الإسلام لأئمتهم . ليتجلى سر ايمان العراقيين ومعظم الامة الآرامية في ايران وأذربيجان ودول الجزيرة واليمن والشام والبربر ومعظم شمال افريقيا بعقائد الشيعة , لفترة طويلة , هي مستمرة في العراق وإيران الى اليوم , وفي شمال افريقيا قبل غلبة العنصر البدوي – بهجرة قبائل (قيس عيلان) النجدية اليها – على سلطانها , وانتهاجهم منهج التشيع في الولاية التكوينية والتشريعية .

فيما كانت من قبائل (ربيعة) قبيلة العراق الأشهر (بكر بن وائل) تستميت في الدفاع عن حق (علي بن ابي طالب) ومنهجه , وموطنها في جنوب (ذي قار) حيث مدينة (الناصرية) الحالية , ويمتد أعرابها الى الصحراء الممتدة بين العراق و(نجد) , تجاورها من الغرب في (السماوة) قبيلة (كلب) , حيث كان (علي) يجعل عليهما من يجبي صدقاتهما معاً احيانا[2], ومن الجنوب قبائل (قيس عيلان) و(عمرو بن تميم) , ومن الشرق أنباط العراق الموالي , ومن الشمال (ربيعة) , لذلك كان لهم دور مهم في قتال الخوارج في المثلث الواقع بين (الديوانية) و(الناصرية) و(السماوة)[3].

وفِي الجنوب العراقي التاريخي كان من قبائل (ربيعة) ايضاً قبيلة (عبد القيس) – التي هي اصل البحرين والأحساء والقطيف وجزء كبير من البصرة الْيَوْمَ[4] – , في اخلاص منقطع النظير ل(علي) . وكانت تحيط بهم قبائل (تميم) و(ضبة) و(أزد عُمان) و(قيس عيلان) .

 

  • (مضر) , الحمراء , أو (خندف) , وكان منها فرع (قمعة بن خندف) , ومنهم (خزاعة) على احد الاقوال , او لعله جزء من (خزاعة) , سكن العراق , و(مدركة بن خندف) , سكن منه (بنو أسد) وجزء كبير من (كنانة) و(قريش) في العراق أيضا , بالإضافة الى الحجاز وشمال (نجد) . وهي قبائل مترددة بين الاستيطان والحركة , ولكنها للاستيطان اقرب , حتى استقرت في العراق بالتدريج . وقد كان لمعركة كربلاء واستشهاد (الحسين بن علي) سبط رسول الله دور بارز في تشديد ارتباطها بالعراق .

اما قبائل (طابخة بن خندف) مثل (تميم) و(الرباب) و(ضبة) و(مزينة) فكانت علاقتها بالعراق مترددة لقربها وتداخلها مع قبائل (قيس عيلان) النجدية الأعرابية . وقبيلة (تميم) انضمت اليها تاريخياً بعض قبائل الأعراب في (نجد) مثل (الرباب) و(قيس عيلان) , لكن بعدد محدود جدا , كانت هذه القبائل المضرية تريد حماية العراق وترفض امر (عمر) بالنزوع الى الشام , رغم محاولة (عمر) استمالتها عن طريق الاستفزاز القبلي , في محاولة منه للتغيير الديموغرافي , الذي عجز عن تنفيذه في العراق ونجح فيه العثمانيون لاحقا . وهو امر غريب ان تظل هذه الرغبة في تغيير وجه وخارطة العراق لقرون بين السلطات .

  • (مضر) , السوداء , أو قبائل (قيس عيلان) , أعراب (نجد) , من قبائل (عكرمة بن قيس) مثل (هوازن) و(سليم) و(ثقيف) و(مازن) و(محارب) , و(سعد بن قيس) مثل (غطفان) و(باهلة) و(غني) و(الطفاوة) , و(عمرو بن قيس) مثل (فهم) و(عدوان) , فقد ظلت في صراع حضاري مع العراقيين , بسبب بداوتها , كما كانت في صراع مع الإسلام . الا ان هناك اختراقاً حضارياً لهذه القبائل في فرع (عكرمة بن قيس) نجح فيه العراقيون , فتداخل قسم من هذا الفرع مع اهل العراق قديما . لا سيما بعد عبور (بني هلال) من (عامر بن صعصعة) الى افريقيا , وهم شعب كبير من (هوازن) , كذلك خرج (بنو سليم) وهم من اكبر شعوب (قيس عيلان) , وكانوا أساس شعوب افريقيا العربية ذات الطابع البدوي . فاقترب الباقون من بني (عامر بن صعصعة) ك(عقيل) من العراق الحضاري .

وقبائل (قيس عيلان) كانت مشكلة قبل الإسلام , اذ كانت على الوثنية , رغم نصرانية اغلب القبائل العربية المحيطة بها , وكانت تعادي النبي (محمداً) بعد الإسلام , رغم ايمان اغلب القبائل العربية قبل فتح مكة , الا انهم قاتلوه حتى بعد فتح مكة , وكانوا بعد دخولهم الإسلام الباً على القبائل العراقية الموالية ل(علي بن ابي طالب) , وكان قائد جيش (معاوية) من العدنانيين منهم , ثم في بلادهم انتشرت بدع الوهابية في العصور اللاحقة . وقد تألّفهم رسول الله بأن رد اليهم سبيهم بعد اسلامهم , اذ جاءه وفد (هوازن)[5], تحنناً منه , وهو  الامر الذي جعل الكثيرين منهم يحترمون هذا البيت النبوي , مع بقاء الأكثرية على محدوديتها الأعرابية .

ولقد كان المؤلفة قلوبهم بالمال من قبل رسول الله (محمد) في الحجاز وإقليم (نجد) وساحل الخليج كلهم من قبائل مضر و(قيس عيلان) : (أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي المضري) , (حويطب بن عبد العزى العامري القرشي المضري) , (الحارث بن هشام المخزومي القرشي المضري) , (صفوان بن أمية الجمحي القرشي المضري) , (سعيد بن يربوع المخزومي القرشي المضري) , (سهيل بن عمرو العامري القرشي المضري) , (يعلى بن أمية الحنظلي التميمي المضري) , (عيينة بن حصن الفزاري القيسي المضري) , (علقمة بن علاثة الكلابي القيسي المضري) , (العلاء بن حارثة الثقفي القيسي المضري) , (العباس بن مرداس السلمي القيسي المضري) , (مالك بن عوف النصري القيسي المضري) وهو قائد المشركين يوم (حنين) .

وكانت منطقة (نجد) بمحيطها الأعرابي آخر من آمن بالنبي (محمد) , وآخر من قاتله . وكانت خارجة على (علي بن ابي طالب) في وقائع (الجمل) و(النهروان) , وكانت قبيلة (عنزة) اول من رفعت السيف ضده بعد معركة (صفّين) , وشاركت اغلبها بقتل ولده (الحسين) في كربلاء . وكانت في معظمها موالية ل(بني أمية) , ف(حوثرة بن سهيل بن العجلان الباهلي) – الذي كان من الفرسان المؤيدين ل(بني أمية) وتولّى عدة إمارات الدولة الأموية أثناء حكمهم – كان من أواخر من دافعوا عن الدولة الاموية بعد سقوطها وقُتل مع (يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري القيسي المضري النجدي) , قتلهم مؤسس الدولة العباسية (ابو العباس السفّاح) .

وكانت سواحل الخليج تختلف عن بيئة (نجد) , اذ لم تكن على الوثنية في غالبها , بل تدين بالنصرانية والأديان الإبراهيمية , وكان أهلها ملوك بلادهم , دخلوا في الإسلام طوعا , وكان جلّهم من قبيلة (عبد القيس) من (ربيعة) في امتداد طبيعي لجغرافيا جنوب العراق حتى عُمان , وكان أهلها شيعة ل(علي بن ابي طالب) . حتى خرجت القبائل التميمية والعتبية وأحلافها وبعض القبائل القيسية مثل (عقيل) من (نجد) واستولت على سواحل الامارات وقطر والبحرين والكويت في عصور متأخرة . وقد كان (بنو خالد) بدواً يقصدون منطقة (عنك) من (القطيف) الشيعية ويرحلون في الشتاء , لكنهم استولوا على حكمها تماشياً مع الجو السني العام الذي اوجده الحكم العثماني الشديد الطائفية , وقد نزلوا منطقة كانت مقراً للبرتغاليين , ثم نزل معهم العثمانيون , ثم سكنت إلى جنبهم بدو (العماير) الذي كانوا يغيرون ويؤذون اهل (القطيف) , وكذلك بعض قبائل (سبيع) القيسية .

 

لذلك كان مجمل المترددين في جيش (علي بن أبي طالب) – باعتبارهم خرجوا معه وهم يرونه رئيس الدولة لا الإمام المفترض الطاعة – من جهة بادية البصرة , مثل (خالد بن المعمر السدوسي) , الذي شاء كسر جيش (علي) يوم (صفّين) بتثبيط عزم قبائل (ربيعة) , ولم يتم له ذلك لإخلاص هذه القبيلة دونه , اما الذين نصروا خصومه غير الأمويين فكانوا من (نجد) وبوادي البصرة التاريخية ايضاً , من (ازد عُمان) و(قيس عيلان) . وقد كانت رسالة أهل الكوفة الدينية تقتضي إعادة تأهيل هذه المنطقة عقائديا .

 

ان بيان رسول الله مقام (علي) في غدير (خم) وتوليته – بولاية النبي – على المؤمنين والمؤمنات , بعد ان نعى اليهم نفسه , كافٍ لأي عاقل في قبول حق (علي بن أبي طالب) بالولاية السياسية والدينية , وتهنئة (عمر بن الخطاب) ل(علي) يومها[6]لا تترك لبساً في فهم الناس لمؤدى هذه الولاية .

الا ان سيف (علي) في جهاد أهل الشرك كان قد أثار النفوس ضده , وجعل قبائل الأعراب تنتظر في أمره اَي طارئ , وهو ما وفره الانقلاب يوم (سقيفة بني ساعدة) .

وبعد اسلام (قريش) الاضطراري , وإسلام الأعراب من (قيس عيلان) , صاحبة آخر معركة عنيدة ضد النبي , والتي دخلت الإسلام تحت حد السيف وبتأليف قلوب زعمائها بالمال , والتي تتحين أخذ الثأر من النبي نفسه , او في أهل بيته , كان واضحاً اضطرار النبي للمرة الأولى في جميع مشاهده ان يستخلف (علياً) على (المدينة) , وقد كان حامل لوائه في كل المعارك , في غزوة (تبوك) , الغزوة الأولى بعد دخول جميع (قريش) و(قيس عيلان) في الإسلام , لأسباب سياسية تتعلق بأمن الدولة الإسلامية , فكان النبي حريصاً بما لا يدع مجالاً للريب ان يتخلص من كل المرجفين في امر (علي) , فأنفذهم في سرية (أسامة بن زيد) , وفيهم (أبو بكر) و(عمر بن الخطاب) و(أبو عبيدة بن الجراح) و(سعد بن ابي وقّاص) واخرون , من الذين لم يكن من الصدفة ثبوت تمردهم على حق (علي) مستقبلا . وكانت هذه المرة الثانية التي يبعث فيها النبي من لا يريده في العاصمة (المدينة المنورة) من المهاجرين في سرية بعيدة , اذ بعث (أبا عبيدة بن الجراح) و(سعد بن ابي وقاص) في سرية (عبد الله بن جحش) الى عمق التحالف النجدي القرشي في (بطن نخلة) بين مكة والطائف , ولم يخبرهم بالمهمة مباشرة , فبكى (أبو عبيدة) قبل تحرك السرية , فتركه النبي , وبكاؤه بكاء خائف لا شك , وتخلف (سعد بن ابي وقاص) بعد علمه بخطورة المهمة . وإن كان القوم قد أوجدوا ل(ابي عبيدة) عذراً لاحقاً بأنه بكى صبابة لرسول الله , وأن (سعداً) و(عتبة بن غزوان) تخلُّفا يبحثان عن ناقة ضلت[7], وما ضلّت الناقة ولكن ضلّ صاحبها . وقد كان النبي يعلم انه مودّع , وأن الحال ليس حال بعثة عسكرية عند التروي والتفكّر في الأمر , لكنه ما شاء ان يحضر احدهم امر الخلافة بعده , ولوشاء ما ارسله , بل أقصاهم الى ارض بعيدة هي ارض الروم . فيما جعل عليهم (أسامة بن زيد) الشاب الصغير أميراً , توكيداً للحجة في استخلاف (علي بن ابي طالب) , كيلا يقولوا “هو صغير وفِي المهاجرين من هو اكبر منه” . وقد اعترضوا على إمرة (أسامة) , فنهاهم النبي بعد ان غضب منهم . ولما رأى النبي منهم الخذلان وعدم الخروج كان يكرر – حرصاً على حق (علي) – أنفذوا بعث (أسامة)[8]. الا انهم خالفوا أمره وتركوا السرية وعادوا الى (المدينة المنورة) يتربصون . وراحوا يقيمون الصلاة , مرة ل(عمر) ومرة ل(ابي بكر) , باقتراح من (عبد الله بن زمعة)[9]حفيد (الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى) الذي كان من المستهزئين برسول الله , ويكنى (أبا زمعة) , وكان وأصحابه يتغامزون بالنبي وأصحابه ويستهزؤون بهم ويصفرون ويصفقون , فدعا عليه رسول الله أن يعمى ويثكل ولده , فعمي فشغله عن رسول الله , وقُتل ابنه معه ب(بدر) كافرا , قتله (أبو دجانة) , وقُتل ابن ابنه (عتيب) , قتله (حمزة) و(علي) , اشتركا في قتله , وقُتل ابن ابنه (الحارث بن زمعة بن الأسود) , قتله (علي)[10], وقد نال (عبد الله بن زمعة) رعاية خاصة من الخلفاء الثلاثة بعد هذا , وهو الذي ضرب الصحابي الجليل أستاذ القرآن (عبد الله بن مسعود) في خلافة (عثمان) وبأمره . ومنه يُفهم ان هذه الأحداث لم تكن عفوية أبدا , ويُعلم كيف جعل انقلاب (السقيفة) للمنافقين من أبناء الكافرين المعاندين سلطاناً على الصحابة المؤمنين . فلما رأى النبي منهم هذا الفعل أيقن ان حق (علي بن ابي طالب) يحتاج الى الكتابة , فأمرهم بإحضار ما يكتب به وفيه , الا انهم عمدوا الى التشكيك في صحة النبي العقلية , بقول (عمر بن الخطاب) ان النبي ( غلبه الوجع ) او ( انه يهجر )[11] , فخشي النبي ان يسري التشكيك الى كل رسالته , لا سيما ان قبائل الأعراب المهزومة حديثاً تتربص السوء ب(المدينة المنورة) , وهي الأقرب اليها من قبائل العراق الموالية , فتنهار الدولة وتتمزق قبل وصول عصائب أهل العراق , الامر الذي يعطي الروم والفرس فرصة القضاء عليها , فاضطر النبي الى طرد الحاضرين من المكان , بياناً لما هم عليه من السوء . ولا يُدرى كيف شكك (عمر بن الخطاب) بشرعية ما يكتبه النبي من وصية اثناء مرضه , ثم يجلي اليهود وأهل الكتاب من جزيرة العرب اثناء الشطر الثاني من خلافته لحديث روي اليه انه قاله النبي اثناء مرضه الذي رحل فيه ! , اَي بعد عشرات السنين , فبدا ل(عمر) في أهل الكتاب ما لم يبدُ للنبي ذاته ولا ل(ابي بكر) اثناء خلافته ولا ل(عمر) اثناء الشطر الأول من خلافته , بحديث مدّعى قال ان النبي قاله في ذات الحال الذي شكك في شرعيته (عمر)[12]. ولا احد يعلم بواطن (عمر) , اذ هو شخصية تخفي الكثير من الأسرار , اذ لم يكن شخصاً سمحا , فقد اعترض بشدة وانتقد الرجل المسلم الذي قام بين يدي رسول الله قبل وفاته واعترف بأنه قد نافق , فهو لم يكن يرى الاعتراف بالأمراض الداخلية حتى أمام النبي , حتى ان الكلمة التي قالها (عمر) عندما رد عليه رسول الله اعتراضه في تلك اللحظة لم ينقلها رواتهم , سوى انهم قالوا ان رسول الله قد ضحك , الامر الذي يكشف ان (عمر) لم يكن يدرك معاني القيادة النبوية ولم تكن تهمه خطورة النفاق[13].

وقد أخذ الثلاثة الخلفاء امر السلطة بطرق غير واضحة وغير ثابتة , ف(أبو بكر) قال ان ولايتها بالشورى , ولم يكن من مشير حينها , ومن ثم أفضاها الى (عمر بن الخطاب) بالوصية[14], ولم يقبلوا قبلاً الوصاية ب(علي) , ولا يُعرف كيف ردوا دعوى (علي) في حقه بالخلافة ورسول الله يقول ( لا تشكو علياً , فوالله انه لأخشى في ذات الله من ان يُشكى )[15], فيما (عمر) جعلها في ستة يبغضون (علياً)[16].

فاتماماً للحركة الانقلابية , اختار (عمر) من بعده – في مخالفة لدعوى الشورى , وهروباً من ضرورات النص – مجموعة يغلي في اغلبها بغض (علي بن أبي طالب) , منهم (عثمان بن عفان) الذي وتر (علي) رؤوسَ قبيلته من (بني أمية) من أجل الإسلام , وفيهم (سعد بن ابي وقّاص) الذي لم يبايع (علي بن ابي طالب) حتى بعد بيعة الامة له , وقد قتل ولدُه (عمرُ بن سعد) سيدَ شباب أهل الجنة (الحسينَ بن علي) , و(عبد الرحمن بن عوف) الذي حين مات ترك من الأموال والكنوز الدنيوية ما يُكسّر بالفؤوس , وهو المدافع عن رأس الكفر (امية بن خلف) وابنه حين أراد (بلال) قتله , لولا ان استعان (بلال) بالمسلمين فقتلوهما , و(عَبد الرحمن) كان يحاول تهريب (ابن خلف)[17], و(طلحة بن عبيد الله) الذي قتل (علي) عمَّه وإخوته على الإسلام ايضاً[18].

ويمكن أن يتم وصف الناتج من ذلك الانقلاب ب(العُمَري) , تجاوزاً لمرحلة (ابي بكر) , لأنّ (أبا بكر) لم يكن سوى مرحلة وسطية للهيمنة على السلطة , لأنه لم يكن جزءاً واقعياً من المتآمرين , لكنّه كان دنيوياً محضاً , ينفع في جعله الخطوة الاولى نحو استلاب الخلافة من قبل اللاعبين خلف الكواليس , لاسيما بعد أنْ زوّج ابنته (عائشة) من رسول الاسلام , بدليل ان (أبا بكر) ذاته قد اعترف ل(طلحة) بحقيقة ان الأمير (عمر بن الخطاب) والطاعة الظاهرية له[19]. لهذا حين استخلف (ابو بكر) (عمرَ بن الخطاب) كان ذلك بلا مشورة , سوى ما تحدّث به الى اثنين من أهل الدنيا هما (عبد الرحمن بن عوف) و(عثمان بن عفان) ليقنعهم ب(عمر) , لا انه يستخبرهما , كما يتبين من كلامه , وقد ترك اجلّاء ووجوه الصحابة المقربين الى رسول الله , وهو امر كان متفقاً عليه بين قوى الانقلاب , بدليل ان (عثمان بن عفان) كتب اسم (عمر بن الخطاب) في صحيفة الاستخلاف قبل ان يفيق (ابو بكر) من غشاوته فأقره (ابو بكر) على ما كتب . لهذا كان اذا أراد الناس ان يكلموا (عمر) في خلافته قدّموا (عثمان بن عفان) او (عبد الرحمن بن عوف) خوفاً من نزقه , على خلاف سيرة مجالس رسول الله للمؤمنين , والذي كان فيهم كأحدهم[20]. وقد كان الصحابة معترضين على ما فعل (أبو بكر) من امر استخلاف (عمر) , ما جعله يغضب بحسب رواية (عبد الرحمن بن عوف) , ومنهم (طلحة بن عبيد الله) الذي اعتبره مغضباً لله[21], وهذا ربما هو سبب عدم تأمير (عمر) لهم على جيوش الفتح , وتشكيكه في ولائهم وقوله انهم سينكلون[22], اذ يبدو أن الخلاف بينه وبينهم كان عميقا .

 

ان تناول تلك الحقبة من تاريخ الاسلام امر واسع , يمكن التماس بعض آثارها ودلائل أحداثها فقط . لكن يمكن تجاوز شخصية (أبي بكر) فيها , فهو لم يكن اكثر من وجهٍ مرحلي لعبور الفئة غير المتفقهة نحو استلاب الحكم الاسلامي , رغم ان القوم جعلوا له مناقب وصحبة , وأفردوه بلقب ( صاحب النبي ) وشراكته في الغار عند الهجرة , رغم ان الراوي الوحيد لهذا الحديث هو (ابو بكر) ذاته , كما كان هو الراوي الوحيد لحديثه الذي رد به شهادة سيدة النساء[23](فاطمة الزهراء) بنت رسول الله من “ان معاشر الأنبياء لا يورّثون” , ثم كان دور ابنته (عائشة) في تبني هذا الحديث[24]. فحديث (ابي بكر) والغار في الكتب الحديثية التسعة بسند واحد ( عن همام عن ثابت عن أنس بن مالك عن ابي بكر , حدّثه … )[25] . وهو مُعارَض بحديث ( … ثم نام مكانه , قال وكان المشركون يرمون رسول الله , فجاء ابو بكر , وعليٌّ نائم , قال وأبو بكر يحسب أنه نبي الله , قال فقال يا نبي الله , قال فقال له علي إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه , قال فانطلق ابو بكر فدخل معه الغار … )[26], ومنه يُدرك بوضوح ان النبي لم يأخذ (أبا بكر) معه مطلقا , ف(ابو بكر) , الذي لم يعلم بتوجه رسول الله الى مكة حتى رأى ابنته (عائشة) تتجهز , فسألها عن مقصد رسول الله فلم تعرف , أولى انه لم يكن شيئاً مذكوراً في حركة الرسالة الاسلامية[27]. وقد جعلوا له مقامات بروايات وفاة النبي , عن أمثال (يونس بن بكير) الذي قالوا فيه انه احد رجال البرامكة وأنه مرجئ يتبع السلطان وضعيف ليس بالقوي ولا تحل الرواية عنه ولابد من التثبت فيه , وعن (يونس بن عمرو) الذي قالوا أنه لا يُحتج به وأن فيه غفلة وأن حديثه مضطرب , وعن (عبد الله بن ابي مليكة) قاضي (الزبير) , ومع هذا احتجوا بهم واثبتوا الفضل ل(ابي بكر) .

لكنّ القرشيين من المهاجرين كانوا يعلمون ان النبي حصر الإمامة او الخلافة في (علي بن ابي طالب) الهاشمي القرشي , لهذا سكت الأنصار عن مثل هذا الاحتجاج , الذي تم فيه رفع الخصوصية عن (علي) وتجريد المعنى ليكون (قرشياً) عاماً , فكان تدخّل (بشير بن سعد الأنصاري) مساعداً كبيراً لنجاح فعلة القوم ضد (علي) والأنصار , بالإضافة الى شراكة (عويم بن ساعدة الأنصاري) الذي وقف (عمر بن الخطاب) على قبره بعدئذ فقال ( لا يستطيع أحد من أهل الأرض أن يقول أنه خير من صاحب هذا القبر )[28], وكذلك (معن بن عدي الأنصاري) الذي صار من قادة جيش (ابي بكر) بعد نجاح الانقلاب فقُتل في (اليمامة)[29].

ثم رووا ان (علياً) حين سمع ببيعة (ابي بكر) ركض مسرعاً وهو لم يتم لباسه الى الخروج فبايع وجلس , ورووا كذلك ان (علياً) خاصم (أبا بكر) ستة أشهر ولم يبايع , حتى ان (الزبير) شهر سيفه نصرة ل(علي) , ورووا كذلك ان (علياً) اجتمع الى (ابي بكر) وحده , رغم نهي (عمر) ل(ابي بكر) ان يجتمع بهم وحده , فاحتج (علي) بالقربى فقط ! وأقر بفضل (ابي بكر) وسابقته ! , ثم بايع . وهي منقولات سمجة تستهين بعقل القارئ وتضطرب حيثما حلت , لأنها ببساطة ملفقة ترقيعية .

حتى ان التلفيق عدا الى حقيقة غسل (بني هاشم) لجسد النبي بعد وفاته , اذ ولاه (علي بن ابي طالب) و(آل العباس بن عبد المطلب) , فروى (آل الزبير) عن (عائشة) قصة غريبة في غسل وتجهيز النبي , فيها من الأحداث ما يراد منه سلب فضيلة (علي) وجعل (بني هاشم) كباقي الناس وأن الغسل كان موكولاً الى الملائكة لا لهم , لذلك هي روت انها نادمة انها لم تلِ غسله .

غير انّ هذا المشهد لن يتم هكذا بهذه السهولة , وأهل الحلّ والعقد غائبون , من خيرة الصحابة من المهاجرين , ك(علي) و(ابي ذَر) و(سلمان) و(المقداد) وغيرهم كثير , و(الزبير) نفسه , ليجيء هنا دور قبيلة (اسلم) , التي جاءت بجماعتها حتى ضاقت بهم السكك في (المدينة) , فكان (عمر) يقول ( ما هو إِلَّا أنْ رأيتُ اسلمَ فأيقنتُ بالنصر )[30], وعند ذلك اكتملت فصول الانقلاب العسكري الاول , لتبدأ لاحقاً مرحلة الانقلاب الثقافي , وبعدها الانقلاب العقائدي . بعد كل ذلك لا غرابة ان يخاف (عمر) الا يغفر الله له عند لحظة موته وفراقه للحياة وظل يكرر ( ويل امي ان لم يغفر الله لي ) حتى مات[31].

وما يؤكد انّ الانقلاب كان معروفاً بهذه الصفة في عموم أقاليم المسلمين هي الحروب التي اسماها ( التاريخ الرسمي ) – وهو مشابه لتاريخ الكنيسة الرومانية – بحروب (الردّة) . حيث يُلاحظ التآزر القبلي والمناطقي ضد حكم (ابي بكر) وخلافته , واتفاق ( المرتدّين ) على إقامة الصلاة دون إيتاء الزكاة[32], ولا يُفهم كيف للمرتدّ ان يبقي صلاة دينه السابق , الّا بالقول انهم امتنعوا عن تسليم المال الى الفئة التي اغتصبت السلطة .

ورغم إدِّعاء التاريخ الرسمي انّ (أبا بكر) جعل على نقب (المدينة) (علي بن ابي طالب) و(الزبير بن العوام) و(طلحة بن عبيد الله) وَ(عَبَد الله بن مسعود) حين وردتها تلك القبائل غاضبة , الّا انّ أمرين يكذّبان ذلك , احدهما انّ (علياً) لم يبايع (أبا بكر) اشهراً عدّة , وقد أوجدت عليهم (فاطمة) زوجه وبنت النبي , وأراد (الزبير) مناجزتهم – (أبا بكر) و(عمر) – بالسلاح نصرة ل(علي) وحقّه , والثاني انّ الذين خرجوا يدافعون عن سلطة الانقلاب هم (آل مقرن) , (النعُمان , سويد , عبد الله) , وهم زعماء قبيلة (مزينة) من (مضر الحمراء) , آمنت دون وضوح موقف قومها , وهي العائلة التي أخذت جرّاء موقفها هذا سهماً كبيراً من الولاية على جيوش المسلمين في عهد (عمر) , لا سيما في العراق وفارس , اذ جعل (النعُمان بن مقرن) أميراً على جيش فارس[33], وهو من الأجنحة الجديدة , ثم بعد مقتله ولّى اخاه (سويد بن مقرن) على الجيش[34], كذلك جعل اخاهما (نعيم بن مقرن) على الجيش ذاته , وكان يعرف ل(نعيم) و(النعُمان) موضعهما[35], وقد كان الثلاثة خرجوا في اول جيش ل(ابي بكر) من (المدينة) عن يمينه وشماله وأمامه[36], ولم يكن لهم ذكر قيادي في زمان رسول الله , الا انها عائلة استوطنت العراق بعد ذلك على كل حال . فيما لقب (أبي الفصيل) كان يستخدم بين القبائل الرافضة لبيعة (ابي بكر) تهويناً له . من هنا كان اتهام (عمر بن الخطاب) ل(علي بن ابي طالب) و(الزبير) وجماعة انه يخاف على العرب منهم ولا يخاف عليهم من العرب , لأنه كان يرى ان الامر كله مرتبط بقضيتهم .

واستعمل (أبو بكر) على المال (أبو عبيدة) وعلى القضاء (عمر) , ومن الواضح انها قسمة حزبية قد أزاحت مجمل الصحابة واجلّاءهم , حتى جعل (عتاب بن أسيد الأموي) أميراً على مكة . يتممها ما حدث في زمان (عثمان) من وقف الضياع والأملاك العامة على بيوت (بني أمية) , لا سيما من قبل (معاوية) في الشام الذي لم يكتفِ براتبه السنوي الذي جعله (عثمان) له كأعلى راتب لعامل في الدولة , بل جعل الضياع المسيحية – التي هرب أهلها جميعاً – وقفاً على بيته حصراً , بعد أخذ موافقة (عثمان) . الامر الذي جعل باقي أهل الدنيا ممن حمل عنوان الصحابة مثل (الزبير) و(سعد) يقتطعون هم ايضاً الأراضي والضياع ويثرون على حساب المال العام . بل عمد جميع ولاة (عثمان) الى هذا الإجراء بعد ان أوقف قوانين محاسبة العمال لأنهم كانوا من أقاربه . فالخليفة ذاته وجدوا عنده بعد وفاته ثروة ضخمة جداً , مالية وحيوانية , وتحت يده الضياع والأراضي[37]. حتى ان (عثمان) امر خازن بيت مال المسلمين بإخراج اعطية لأحد اقاربه فرفض الخازن ورآه مبلغاً كبيراً فيه خيانة للمسلمين جلية , فأخبره (عثمان) انه ليس سوى خازن لهم , فوضع الخازن المفتاح على باب الكعبة وجلس في بيته[38]. وهذه السياسات والمصالح المالية ستلعب دورها في تشكيل الجماعات والأحزاب قبل معركة (الجمل) وغيرها من المعارك .

ان دعوى أصحاب (ابي بكر) في تقديمه مناقضة لفعل رسول الله بتقديم (علي بن ابي طالب) ليبلّغ عنه الحجيج حين نزلت سورة براءة , اذ قال ( لا يبلّغ عني غيري او رجل منّي ) , فإن كان النبي يقصد ب “منّي” النسب فهي عنصرية قبلية جاهلية , وحاشاه , وإن كان يقصد بها الثقة فهو قد رد (أبا بكر) وقدّم (علياً)[39], وإن كان يقصد بها المقام ف(علي) أولى بالمقام بعده , لا سيما ان هذا التبليغ في اخر سنيّ النبي وفِي جمع عامة أمة الإسلام , كأنه أراد البلاغ ب(علي) لا بالسورة .

والاغرب ان تكون اول شهادة يردها الخليفة الأول (أبو بكر) – بعد شهادة (علي) وأصحابه بحق (علي) في خلافة رسول الله – هي شهادة بنت النبي (فاطمة بنت محمد) في حقها بنحلة ابيها اليها (فدك) , وهو امر عظيم ما كان ليجرأ عليه احد من أهل الفضل والنجابة والإيمان , فهو  يعلم – لا شك – انها مطهّرة من الله , وهي – وأبوها – ازهد من ان تطمع بما ليس لها , وأن (فدكاً) كانت خالصة لرسول الله بالصلح , على خلاف (خيبر) التي كانت فيئاً للمسلمين بالفتح[40]. عن (أم سلمة) قالت ( في بيتي نزلت “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت” , وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين , فجللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساء كان عليه , ثم قال: هؤلاء أهل بيتي, فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا )[41], وقد ذكر (الواحدي) في أسباب النزول انها نزلت في النبي و(علي) و(فاطمة) و(الحسن) و(الحسين)[42] . ونقل (الحاكم) أنه ( لما نزلت هذه الآية “ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم”  , دعا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً – رضي الله عنهم – فقال : اللهم هؤلاء أهلي )[43]. وأهل بيت النبي ليسوا محل رعاية عاطفية , وإنما امرهم ديني الهي , عن (حنش الكناني) قال ( سمعتُ أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة : من عرفني فأنا من عرفني , ومن أنكرني فأنا أبو ذر , سمعت النبي يقول “ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه , من ركبها نجا , ومن تخلّف عنها غرق أو هلك ).[44]

 

 

ان رفض (سعد بن عبادة) سيد الأنصار , ورفض (علي بن ابي طالب) سيد المهاجرين بل المسلمين , ورفض قبائل العراق الكبرى لخلافة (ابي بكر) دليل دامغ على بطلان تلك الخلافة , لا سيما ان (سعد بن عبادة) اعتبر الشعائر والمناسك التي يأتيها هؤلاء الانقلابيون باطلة , واعتزلهم , فهذا إفتاء من صحابي كبير ببطلان مناسكهم . وقد نسبوا ان (سعداً) إنما أراد الخلافة له وللأنصار , وهذا خلاف موقفه وموقف ولده (قيس) من نصرة (علي بن ابي طالب) دون (ابي بكر) , وعدم سعي (سعد) في الاستفادة المادية من الاحداث اذا كان هو كما زعموا طالباً للإمارة . الا ان كل تلك المزاعم رويت عن الوضّاع الكذاب – بالاجماع – (سيف بن عمر التميمي)[45].

فيما القبائل العربية النصرانية – ذات البعد المدني الحضاري – لم يكن اَهلها ليكونوا امّعات في قضية اغتصاب فريق (ابي بكر) للخلافة دون استحقاق , لذلك يبدو انّ الكثير منهم قد خرجوا على (ابي بكر) . ولم تكن الصلاة والعبادات الفردية هي من ترمز عند (ابي بكر) الى الخروج عن سلطانه , بل منع الزكاة والخمس هما ما يشيران للخليفة انه مرفوض من قبل هذه القبائل , باعتبار انّ جبايتها من وظائف السلطان , فامتنعت معظم هذه القبائل عن ايصالها الى (ابي بكر) , الذي اشاع انّ ذلك كان “ردّة” من تلك القبائل عن دين الله , او ما تم لاحقاً تسميته بالردّة وقد كان لا يُعرف بهذا في حينه , وهذا ما زمّر له المؤرخون العُمَريون والأمويون , تماشياً مع مؤامرة اغتصاب الخلافة . لذلك امتنعت قبيلة (كلب) بقيادة (وديعة الكلبي) عن إيصال الزكاة الى مقرّ الخلافة , وكذلك فعل (أكيدر بن عبد الملك) صاحب (دومة الجندل) , الذي التجأ الى (الحيرة) , وانضم الى قبائل (كلب) و(بهراء) و(الضجاعم) وبعض (غسَّان) و(تنوخ) , التي واجهت جيش (عياض بن غنم) و(خالد بن الوليد) , الذين كانوا يفعلون فعل الجاهلية في الأسرى يطلقون حلفاء الجاهلية ويضربون رأس غيرهم بحسب (سيف بن عمر) , فيما يُفترض ان قتالهم عقائدي لا قبلي[46]. فيما تضطرب اخبار الرواة العرب عن موقف (بني تميم) , لأن الراوي لهذه القصص هو (سيف بن عمر التميمي) , ويبدو الشكّ أمراً منطقياً تجاه القصة التي يرويها هؤلاء المؤرخون عن المتنبئة (سجاح التميمية) , التي قالوا انها اسلمت لاحقاً وحسن إسلامها , في تصوير لقبيلة (تميم) بنحو من سذاجة العقول , التي توهم قارئ تلك الأخبار انّ هذه المرأة كانت تلعب بهم على هواها ! , وكأنّ هذه القبائل كانت تريد دِيناً للعب , او انها خلت من العقلاء , وما ذاك الّا من لعب اقلام (بني أمية) حتما .

 

ان من المواقف التي تكشف خلط أوراق حرب الردة موقف الخلفاء الثلاثة من منافق مثل (عيينة بن حصن الفزاري القيسي) , ذلك الأعرابي الغليظ , الذي كان في إسلامه مضطراً , ليس منافقاً على حافة الإيمان , بل منافقاً على حافة الكفر الصريح , فهو  الذي رفض بغلظة رد سبي (هوازن) حين أمره النبي بذلك , وهو  الذي قال ان غزوه ل(الطائف) كان من اجل النساء , والذي دخل حصنها مشجعاً للكافرين ومقوياً لهم بالكلام على رسول الله وجيش المسلمين ومستثيراً فيهم العصبية القبلية , وهو احد المؤلفة قلوبهم , وهو الذي نقلوا قول النبي فيه انه ( احمق مطاع ) , الا انه رغم ردته , ورغم جلبه الى (ابي بكر) مشدوداً في الوثاق معانداً صلفا , أقطعه (ابو بكر) – وصاحبه الأعرابي (الاقرع بن حابس) – أرضاً هي ملك للمسلمين , وقرّب (عمرُ) ابنَ أخيه (الحر بن قيس) وأغدق عليهم المال[47], وتزوج (عثمان بن عفان) ابنته[48]. الامر الذي يكشف نجاة المرتدّين الحقيقيين , وإبادة من رفض بيعة (ابي بكر) خاصة من المسلمين , وهذا ما تسبب بتغيير موازين القوى .

ومن الملفت ان هؤلاء المؤلفة قلوبهم يوم (الجعرانة) حازوا في الإسلام ما لم يحزه اجلّاء الصحابة الذين دفعوا الأذى عن رسول الله من الأنصار والمهاجرين الأوائل . ف(أبو سفيان) وولداه (يزيد) و(معاوية) أقطعتهم خلافة الثلاثة الشام , ثم صاروا الخلفاء بالملك العضوض على رقاب المسلمين , و(حكيم بن حزام) جعلوا ولادته في جوف الكعبة , وقد شارك في دفن (عثمان بن عفان) ليلا , ومات وهو من أغنى المسلمين[49], و(العلاء بن جارية الثقفي) صار ولده (الأسود) وحفيده (محمد بن أبي سفيان بن العلاء) من رواة الامة الموثقين عند العامة , و(الحارث بن هشام المخزومي) – اخو (ابي جهل) – تزوج (عمر) ابنته (ام حكيم) , وذهب في (قريش) الشام[50], وتزوج (معاوية بن ابي سفيان) ابنة ابنه (عبد الرحمن) , الذي زوّجه (عثمان بن عفان) ابنته , وزوّجه كذلك (الزبير بن العوام) بنت (أسماء بنت ابي بكر) , وقد خرج في يوم (الجمل) مع (عائشة) ضد (علي)[51], و(صفوان بن امية) – الذي كانت اليه الأزلام في الجاهلية ايضاً – فقد جعله (عمر بن الخطاب) احد أمراء جيش المسلمين في (اليرموك) , وأقطعه (معاوية) قطيعة حين قدم عليه[52], وقد قُتل ابوه (امية بن خلف) يوم (بدر) كافرا , وقُتل عمه (اُبي بن خلف) يوم (اُحد) كافرا , ومات اخوه (ربيعة بن امية) في بلاد الروم مرتدّا , وقتل ابن ابنه (عبد الله) مع (ابن الزبير)[53], و(سهيل بن عمرو) ايضاً من أمراء جيش (عمر) الى (اليرموك) , وكان ابنه (عبد الله) من أمراء جيش (ابي بكر) , و(حويطب بن عبد العزى بن ابي قيس) جعله (عمر) على إعادة أنصاب الحرم في خلافته , وكان ممن شهد دفن (عثمان بن عفان)[54], و(الأقرع بن حابس التميمي) أقطعه (ابو بكر) مع (عيينة) قطيعة , وكان من أمراء جيشه وفِي مقدمة (خالد بن الوليد) الى العراق , وعلى جيش خراسان في زمان (عثمان) , اذ مضى (الأقرع) فشهد مع (شرحبيل بن حسنة) يوم (دومة الجندَل) , وشهد مع (خالد) حرب أهل العراق وفيه الأنبار[55], و(مالك بن عوف النصري) جعله (عمر) مع (سعد بن ابي وقاص) على جيش (القادسية)[56], وما سدّا مسدّاً حسناً لولا القبائل الشيعية من (بني أسد) و(النخع) بل لم يشترك في كثير من وقائع القتال حينها الا هاتان القبيلتان فعلياً , و(مخرمة بن نوفل بن اهيب) هو احد الطلقاء , وكان رسول الله يقول عنه اذا رَآه ( بئس اخو العشيرة )[57], تزوج أخت متمول الانقلابيين (عبد الرحمن بن عوف) , فولدت ولده (المسور بن مخرمة) , الذي تزوج ابنة (شرحبيل بن حسنة) احد قادة الانقلابيين , وتزوج ايضاً ابنة (الزبرقان بن بدر) احد رجال (عمر بن الخطاب) , وكان (المسور) احد اهم أذرع (عبد الله بن الزبير) , لهذا لا غرابة ان يكون (المسور) هو الراوي قصة خطبة (علي) لابنة (ابي جهل)[58], و(عمير بن وهب الجمحي) , ولي ابنه (وهب بن عُمير) إمارة البحر آخر خلافة (عمر) وبداية خلافة (عثمان) , رغم انه فر يوم (بدر) كافراً ونعلاه في يديه[59], و(سعيد بن يربوع بن عنكثة) احد المشيخة القرشيين الذين جعل (عمر) يستشيرهم مع (حكيم بن حزام) و(مخرمة بن نوفل) , وكلهم من مسلمة الفتح الطلقاء المؤلفة قلوبهم بالمال , وأحد الذين جعل لهم (عمر) إعادة أنصاب الحرم , وكان يعوده اذا مرض ويهاديه[60].

ويبدو أن رسول الله تألّفهم بمال ثانٍ بعثه اليه (علي بن ابي طالب)[61]. لكنّ هؤلاء العتاة الشرهين لم يمل قلبهم سوى الى الطمع وانتهاك حرمة الدين والثراء على حساب الفقراء , فيبني (معاوية) قصره في الشام ايّام (عثمان) بأشد البذخ , فيوبّخه الصحابي الجليل (أبو ذرّ الغفاري) , الذي تربّى في مدرسة الحق المحمدية والزهد العلَوية , بعد ان احتج عليه انه اما خائن او مسرف , فيكتب فيه (معاوية) الى (عثمان) الخليفة بأنه افسد الشام , وما الفساد برأيهم الا الحق , فيأمر (عثمان) بحمله على قتب بغير وطاء الى (المدينة المنورة) إجهاداً له[62].

 

 

ان إسلام القبائل القيسية مع (قريش) بعد الفتح خلق حالاً جديدة في الدولة الاسلامية , اذ كانت الدولة قبله تقوم على القبائل السبئية ذات الأصل الديني النصراني في الحجاز , وذات المدنية النسبية , فيما هي بعد الفتح تضمنت (قريشاً) ونفاقها , و(قيس عيلان) وتراثها الوثني وبداوتها . لذلك كان من الضروري – وللمرة الأولى – استخلاف (علي بن ابي طالب) على رأس هذه الدولة في (المدينة المنورة)[63]عند خروج الرسول الى (تبوك) , حفظاً لكيان الامة من الانقلاب القرشي القيسي المتوقع , والذي حدث بصورة تدريجية فعلاً بعد وفاة الرسول . وهي الحال التي وصف بها الرسول (علياً) بأنه منه بمنزلة هارون من موسى[64]. وقد هاجر قسم من أعراب (قيس عيلان) باتجاه (اليمامة) في خلافة العباسيين , بعد غلبة القبائل العراقية عند قيام الدعوة العباسية[65].

 

كانت القبائل القيسية مشكلة بعد الإسلام , كما كانت قبله , اذ يمنع حالها الأعرابي ان تفهم مطالب العقائد الإسلامية العالية , فضلاً عن عقيدة الإمامة الدقيقة المعنى . لذلك حين سَرِّح (معاوية) أحد امرائه (عبد الله بن مسعدة الفزاري) في غارة على (تيماء) انضم اليه الكثير من قومه , ثم حين حصره (المسيب بن نجبة الفزاري) من طرف (علي) وهزمه نهب ذات الأعراب الفزاريون النجديون الإبل التي كانت معه , لأنهم كانوا يقيسون الأشياء بمحضر الدنيا لا العقيدة , حتى ان (المسيب بن نجبة) ذاته مالئهم اثناء القتال وجعل لهم سبيلاً الى الهرب , رغم انه من المخلصين ل(علي) , لأنه لم يكن بعمق فهم زعماء (ربيعة) او (همدان) مثلا . لكنّ وجود أمثال (المسيب بن نجبة) ذاته كان أمراً حسناً , وبداية لاختراق عقائدي وحضاري لبعض هذه القبائل النجدية الأعرابية . فهذا احد أفراد القبائل النجدية القيسية (شبيب بن بجرة الأشجعي) , رغم ان بداوته جعلته يترك (علياً) وينضم الى الخوارج معتقداً بهم , الا انه حين كلّمه (عبد الرحمن بن ملجم) في قتل (علي) أرتعد وأبدى انزعاجه , رغم قناعته بدين الخوارج , وردّ على (ابن ملجم) بأن ل(علي بن ابي طالب) السابقة والفضل في الإسلام , الا انه كتم نية (ابن ملجم) عن الناس , لمحدودية فهمه .

ولا غرابة بعدئذ ان (أبا الأعور السلمي) – قائد جيش (معاوية) بن ابي سفيان في (صفّين) ضد (علي بن ابي طالب) – هو ذاته ابن (سفيان بن عبد شمس) زعيم (بني سليم) حلفاء مشركي (بني أمية) في غزوة (الخندق) ضد رسول الله[66], وهم ذاتهم – (بنو سليم) – الأعراب الذين كبسهم (علي بن ابي طالب) ليقي المسلمين شرهم , فنزلت بحق خَيل (علي بن ابي طالب) في وقعتهم آيات (( والعاديات ضبحا ))[67] .

و(بنو سليم) احد فروع (قيس عيلان) العدنانية التي انتشرت باتجاه (نجد) , وهي القبيلة التي أجابت (عامر بن الطفيل الكلابي) – ذلك الأعرابي النجدي الذي كان (الشمر) قاتل حفيد النبي (الحسين بن علي) من قبيلته الأعرابية نفسها – الى الغدر بسبعين من الأنصار ارسلهم رسول الله اليهم في (بئر معونة) , يدعونهم الى الإسلام , فقتل رسولَهم بعد ان آمنه , غلظة وبداوة , وَلَمَّا لم تجبه (بنو عامر) الى قتل باقي السبعين من الأنصار إجابته (بنو سليم) , فقتلوهم غدرا , رغم ان هؤلاء السبعين كانوا في جوار (عامر بن مالك) ملاعب الأسنة زعيم بني (عامر بن صعصعة) جميعا , الذي لم يدخل في الإسلام , رغم عرض النبي له محاسن هذا الدين , ولم يلتزم هؤلاء الأعراب عقد سيدهم , وقد حذّر النبيُ (عامراً) من غدر (نجد) بأصحابه , وقال : أني اخشى عليهم أهل (نجد)[68].

 

ثم ان هذه القبائل – على بداوتها – أخذت الحديث عن أمثال (عائشة) , التي كانت على استعداد لتوهين مقام رسول الله انطلاقاً من غيرتها وعاطفتها , كما فعلتْ في نقلها قصة زواجه من (جويرية بنت الحارث) , اذ أوهمت السامع ان النبي فُتن بجمالها وحسب[69], وقد كرهتها (عائشة) , حتى اشتكت (جويرية) هذا الامر الى رسول الله , فهدّأ روعها[70]. فكيف هي مع خصم ابيها (علي بن ابي طالب) , وكيف هي في عاطفتها تجاه ذرية (خديجة) ام المؤمنين التي احبها النبي . حتى انها كانت لا ترى ل(علي بن ابي طالب) استحقاق لقب ( امير المؤمنين ) , وترى هذا اللقب انسب ل(عمر بن الخطاب) , وكانت تبغض الأرض التي عليها مجمل (بني هاشم) وتحب مفارقتها[71].

وفي (عائشة) و(حفصة) نزل القران الكريم ببيان واضح , ليسلط الضوء على حقيقة كونهما من عامة الناس , بل وأنهما ممن آذى رسول الله في حياته , ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ … وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عليه عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعليمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وأن تَظَاهَرَا عليه فَإِنَّ اللَّهَ هو مَوْلاهُ وَجِبْرِيل وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا … يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا … يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عليهمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نوح وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ )[72] . فيما نقل (مسلم) عن (عمر بن الخطاب) أن الناس تحدثوا فعلاً أن رسول طلّق (عائشة) و(حفصة) , وأن (عمر) دخل عليهما موبخاً , وقد أخبر بنته (حفصة) أن رسول الله لا يحبها ولولاه لطلقها النبي , فبكت كثيرا , فراح (عمر) يبحث عن رسول الله , فوجده معتزلاً غاضباً , فظل يتملقه كيلا يطلقهما , فلم يردّه النبي من سمو خلقه ومن كمال سلوك الأنبياء في احتمال الأذى , فذهب ينشر الخبر بين الناس بأعلى صوته , فنزل قوله تعالى ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )[73]. وفيهن نزل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) حين سخرتا من (أم سلمة) , ووصفتها (عائشة) ب”لسان كلب” , وعيّرنها بالقصر , كذلك عيّرن ونبزن (صفية بنت حيي بن أخطب) بالقصر وقلن عنها ( اليهودية بنت اليهوديين ) , لا سيما (عائشة) , فاشتكت الى رسول الله , فنهاهن النبي وقال ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم , ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )[74]. وتآمرا على زوجات النبي (زينب بنت جحش) و(سودة) , وكذبا على النبي , لا سيما (حفصة) , فنزل قوله تعالى ( يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك … وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه … )[75]. وكان (ابن عباس) يذكّر (عمر بن الخطاب) عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله تعالى ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) , و(عمر) يقر أنهما (عائشة) و(حفصة) , كما أقر في حديث آخر أن ابنته (حفصة) تغاضب النبي وتخاصمه , وأن النبي اعتزلهن تسعاً وعشرين ليلة , وأنه لاحقاً خيّرهن بالطلاق[76].

لقد كانت الأقوام الأبعد عن مركز الرسالة في (المدينة المنورة) اكثر جهلاً بالواقع العقائدي , وتستجيب لجميع من يقود الدولة الإسلامية كائناً من كان , لثقتها بأن (المدينة المنورة) تزخر برفاق النبي ومعاونيه وأهل بيته , ومن أهل بيته – وفق المنظور العربي البدوي – زوجة النبي (عائشة) , لهذا كثر أخذ الحديث عنها , لا سيما مع الدعاية المناصرة لسيرتها خلال فترة إمارة الشيخين , لتكون بديلاً عن مدرسة (علي بن ابي طالب) , لا سيما مع تخلّف مجموعة ممن حملوا العنوان العام لمفهوم ( الصحابة ) عن بيعة امير المؤمنين (علي) , كانوا عثمانية الهوى ومن خزان بيت مال (عثمان) وممن اثروا على حساب الامة التي تجهل فعالهم[77], فيهم (صهيب الرومي) الذي جعله (عمر بن الخطاب) على الصلاة عند اختيار (عثمان)[78], و(فضالة بن عبيد) الذي ولي القضاء ل(معاوية بن ابي سفيان) ومات في دمشق تحت رعايته بعدما ولي له الجيش[79], و(قدامة بن مظعون) خال أبناء (عمر بن الخطاب) وواليه على البحرين والذي حدّه على شربه للخمر وعزله[80], و(كعب بن عجرة) الذي كان عابداً للأصنام دون أهل (المدينة المنورة) حتى تأخر إسلامه عنهم[81]. لكنّ هذه الدعوات والدعايات لم تكن تنطلي على الواعين من زعماء القبائل , مثل (زيد بن صوحان العبدي) امير (عبد القيس) , الذي حين راسلته (عائشة) ان يخذّل الناس عن (علي) ويجلس في بيته استغرب وقال ما مضمونه ( أمرتنا بأمر هي مأمورة به من الجلوس في بيتها , ونهتنا عن امر هي منهية عنه وقد أُمرنا بالقتال )[82].

مع الأخذ بنظر الاعتبار المنع السياسي لكتابة الحديث النبوي من قبل قوى الانقلاب[83], فصار بالإمكان إخفاء الكثير من الحقائق , وكذلك امضاء الكثير من القصص الملفقة , والتأويلات غير المنطقية وغير الشرعية .

وقد كانت القبائل التي تقاتل ضد (علي بن ابي طالب) كما قال (هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال) في وصف حالها يوم (صفّين) وهو  يخطب في مجموعة من القرّاء ( ما هو الا حميّة العرب وصبرها تحت راياتها , وإنهم لعلى ضلال ) , فضلاً عن الذين حشا وعّاظ أهل الشام أدمغتهم بدعايات أن (علياً) لا يصلّي وأنه قتل (عثمان) , فكان يجيب (المرقال) بعضهم بقوله ( ما أنت وعثمان , قتله أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبناء أصحابه وقرّاء الناس , وهم أهل الدين والعلم , وما أهمل أمر هذا الدين طرفة عين . وأما قولك ” إن صاحبنا لا يصلّي ” , فإنه أول من صلّى , وأفقه خلق الله في دين الله , وأولى بالرسول – صلى الله عليه وسلم – وأما كل من ترى معي فكلهم قارئ لكتاب الله , لا ينام الليل تهجدا ) , فتاب بعضهم على يديه هناك[84].

 

ولا غرابة ان (ازد) البصرة – وهي حتى عُمان واليمن – كانوا يجهلون مرتبة (علي بن ابي طالب) الحقيقية , ثم يقيسون القرب من رسول الله على البيت والزوجة , فيُقتلون يوم (الجمل) حول (عائشة) بجهلهم , انهم كانوا أصحاب دين لا دنيا , لكنه الدين الساذج البعيد عن المعرفة , ثم ان هذا الجهل هو  الذي جعلهم اعداءً ل(علي) ولَّد مشكلة أخرى جعلتهم ابعد عن معرفة الحق , اذ اضطر (علي بن ابي طالب) الى قتل العديد منهم في معركة (الجمل) , حين خروجهم عليه , ما جعلهم ناقمين . فهذا (أبو لبيد لمازة بن زياد الأزدي البصري الجهضمي) المحدّث من الطبقة الثانية من أهل البصرة والتابعي كان يشتم أمير المؤمنين (علي) , فقيل له ” أ تحب علياً؟ ” , فقال ” كيف أحب علياً, وقد قتل من قومي في غداة واحدة, ستة آلاف “[85]. وقد شابههم وطابقهم في هذا الامر كل قبائل (قيس عيلان) في (نجد) تقريبا , من (فزارة) و(غطفان) و(سليم) , وكذلك قبائل (مضر) النجدية الصحراوية , مثل (ضبة) و(عمرو بن تميم) . فحين خطب (علي) في الكوفة يستنهض الناس الى (صفّين) لم يقم معترضاً الا رجل من (فزارة) , بأسلوب أعرابي خشن , حتى قام اليه (الأشتر) , فهرب[86]. وعلّة هذا الجهل بقيم (علي بن ابي طالب) هي البداوة , وكون هذه القبائل أعرابية .

وهذه القبائل الأعرابية التي تقع أراضيها اليوم في بلدان الخليج بين الكويت والسعودية وقطر والامارات هي المقصودة بذم (علي بن ابي طالب) في اهل البصرة حينها , بدليل قوله في تفسير ( البرهان ) ما نصه ( وَاَلْمُؤْتَفِكَةَ أَهوى , قال: المؤتفكة: البصرة, والدليل على ذلك‏ قول أمير المؤمنين « يا أهل البصرة, يا أهل المؤتفكة, يا جند المرأة, وأتباع البهيمة, رغا فأجبتم, وعقر فانهزمتم, ماؤكم زعاق‏ , وأديانكم‏ رقاق‏ , وفيكم ختم النفاق, ولعنتم على لسان سبعين نبيا, إن رسول الله – صلى الله عليه وآله – أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طوى له الأرض, فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء, وأبعدها من السماء, وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال, المقيم فيها بذنب‏ , والخارج منها [متدارك‏] برحمة [من ربه‏] , وقد ائتفكت بأهلها مرتين, وعلى الله‏ [تمام‏] الثالثة, وتمام الثالثة في الرجعة » )[87], فلم يقاتل مع المرأة (عائشة) الا هؤلاء , اذ كان اهل البصرة اليوم – وهم اهل شمال المدينة حينذاك – اغلبهم من (بني سعد) من (بني تميم) الذين لم يقاتلوا في (الجمل) وكانوا الى جانب (علي بن ابي طالب) في (صفّين) , وكذلك خليط من الانباط وبعض القبائل التي لم تشارك في نصرة جيش (عائشة) . وكانت أعراب (تميم) تمتد الى الأرض التي تشمل الكويت اليوم حيث دُفن فيها زعيمهم أبو الشاعر (الفرزدق) , وعمق (نجد) , وباقي القبائل من (مضر) التي شاركت في نصرة جيش (عائشة) و(طلحة) و(الزبير) كانت الى الجنوب من تلك الارض . وكانت كل تلك الارضين تسمى البصرة وتتبع لها حتى نهاية الحكم العثماني وبداية تكوين دويلات وإمارات الخليج على يد البريطانيين .

 

 

بينما كانت القبائل النصرانية التي شايعت (علي بن ابي طالب) لاحقاً على مستوى رسالي من الوعي . فحين جاء وفد قبيلة (عبد القيس) بقيادة (الجارود) الى رسول الله أراد (الجارود) التأكّد من شيء واحد فقط , هو الّا يكون دين الاسلام دون مستوى النصرانية , فأخبره الرسول انّ الاسلام خير مما يدين به , فأسلم وأسلمت (عبد القيس) , وكانوا أشدّ الناس في اعتقادهم , حتى انهم كانوا في وجه الاسلام العُمَري الأموي بالسلاح . فقال رسول الله عنهم ( أتوني لا يسألون مالاً , وهم خير أهل المشرق ) . فيما اسلم من (عبد القيس) – وهي من أجَلّ القبائل التي ناصرت (علياً) – (المنذر بن ساوي العبدي) ملك البحرين , وكان نصرانيا , وأسلم معه قومه , على زمان رسول الله , بلا جند ولا فتح , حيث أرسل الى النبي يخبره بإسلامه ويسأله في امر غير المسلمين في بلاده .

فيما اسلم الكريم (عدي بن حاتم الطائي) سيد قبائل (طَيء) , وكان نصرانياً , بعد ان أخبرته اخته (سفانة) بكرم خُلق رسول الله , الذي أطلق سراحها وأطلق سراح قومها كرامة لها , بعد ان علم انها ابنة الكريم في العرب (حاتم الطائي) .

وكانت قبيلة (كلب) النصرانية قد أرسلت وفداً , اسلم , وعاد اليها فأسلمت , وكتب لهم رسول الله كتاباً ولأهل (دومة الجندل) معهم . ولا يمكن اغفال قصة الإسلام الطوعي لنصراني من (نينوى) اسمه (عداس) التقاه رسول الله في (الطائف) سريعاً لمجرد انه سمع كلام النبي فأحس بكينونته بفطرته التوحيدية[88].

ويمكن الإقرار ان أصحاب (علي بن أبي طالب) كانوا جميعاً من السادات والنجباء والفرسان وأهل الرأي والإيمان والبيان والثبات والجنان , عرفاء قومهم ونجباء مصرهم وحماة ديارهم وأوعية الحكمة والحكم وظهير الصالحين وأنصار النبيين , وأن القبائل السبئية والربعية المدنية كانت اقرب الى الحق العَلَوي لقربها من الارتكاز العقلي العراقي , وأن القبائل التي فيها تردد وتذبذب في معرفة (علي) هي التي كانت تقطن جنوب البصرة باتجاه اليمن , من (تميم) الكبرى و(الازد) , فيما كانت (تميم) و(أزد) السواد في العراق المعاصر اقرب لمعرفته ونصرته .

 

وقد كان واضحاً من مجمل روايات التاريخ ان قائد الثورة الشعبية ضد ما نتج عن انقلاب السقيفة من ولاية (بني أمية) ايّام (عثمان بن عفان) هو الصحابي (عمار بن ياسر) , الذي اليه نُسبت السبئية من أنصار (علي) وشيعته , وهذا يتضح من قول (معاوية بن ابي سفيان) لبعض وفود الصلح في (صفّين) ما نصه ( والله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان , ولكني كنت أقتله بنائل مولى عثمان! )[89], فهو من دنيويته المحضة لا يعترف ل(عمار بن ياسر) بمقام الصحبة للرسول , ولم يعدله ب(عثمان) حتى , الذي خرجت عليه الامة بعد ان ولّى الأمور لأمثال (بني أمية) من أهل الدنيا . أن ( ابن السوداء ) هو في الحقيقة (عمار بن ياسر) , فقد كان يشتمه الأمويون و(قريش) بعبارة ( ابن السوداء ) , معيرين إياه بسواد أمه (سمية) , وموقفه من (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) وقبلها من (عثمان بن عفان) هو ذاته الموقف الذي ينسبونه ل(عبد الله بن سبأ). ثم توسعوا في استخدام القصة التي اخترعوها لذمه ونسبة الفتن اليه , فبينما كان (الطبري) وجماعة معه يقولون إن دعوته اقتصرت على الغلو في (علي) والانتصار لحقّه وكل ما يدور حول (علي) فقط , كان جماعة من المتأخرين يذهبون – ومعهم أسانيدهم طبعا – إلى أنه كان في كل بلد له دعوة خاصة , فيقول (محب الدين الخطيب) بأسانيده التي ذكرها ( ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي , وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة , وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير )[90].

 

وقد كان الناس جميعاً ارتدوا عن (علي) بمستويات وأسباب مختلفة قبل ذلك , اَي عند وفاة النبي , لجهلهم بمرتبة الإمامة , الا ثلاثة هم (المقداد بن الأسود) و(أبو ذرّ الغفاري) و(سلمان الفارسي) , الذين دارت عليهم المعرفة بعدئذ , فعاد الناس الى (علي) عن قريب[91]. حيث كان يخطب (سلمان) في الناس يُبين علم ومنزلة (علي) واختصاصه بما آتى الله الأنبياء , وأن الامة أخطأت سبيلها بتركه وركبت فعل من كان قبلها[92]. وقد كان اختلاف رتبة عقيدة ومعرفة الناس العامل الأهم في العودة الى (علي) , ففي الرواية ان (حُذيفة) كان أسرع من (ابن مسعود) , لان (حُذيفة) كان ركناً , و(ابن مسعود) خلط , لكنهم جميعاً عادوا . ومن السابقين الذين عادوا (أبو الهيثم بن التيهان) و(أبو أيوب) و(خزيمة بن ثابت) و(جابر بن عبد الله) و(زيد بن أرقم) و(أبوسعيد الخدري) و(سهل بن حنيف) و(البراء بن مالك) و(عثمان بن حنيف) و(عبادة بن الصامت) و(قيس بن سعد بن عبادة) و(عدي بن حاتم) و(عمرو بن الحمق) و(عمران بن الحصين) و(بريدة الاسلمي)[93].

بينما جاءت ام المؤمنين (ام سلمة) بولديها (محمد) و(سلمة) الى (علي) في احدى حروبه ( فقالت عليك بهما صدقة , فلو يصلح لي الخروج لخرجتُ معك )[94] , وقد كتبت إلى (علي) من مكة ( اما بعد فان طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون ان يخرجوا بعائشة , ويذكرون ان عثمان قُتل مظلوما , وأنهم يطلبون بدمه , والله كافيكهم بحوله وقوته , ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيوت لم ادع الخروج إليك والنصرة لك , ولكني باعثة نحوك ابني عِدل نفسي “عمر بن أبي سلمة” , فاستوصِ به يا أمير المؤمنين خيرا )[95].

 

 

من جهة أخرى كان (عمر) حين يسال النبي ولم يجبه ثلاثاً يحرك بعيره بعيداً خشية ان ينزل فيه قرآن[96], فكيف لمؤمن واثق عاقل ان يظن كذا! . وهو الذي بثّ مع شريكه (طلحة بن عبيد الله) إشاعة ان النبي قد مات حين هربوا وألقوا سلاحهم يوم (أُحد)[97]. والغريب ان (عمر) و(طلحة) كانوا قد هربوا معاً يوم (الخندق) ايضاً الى بستان , فكشفتهم (عائشة) , فجادلها (عمر) زوراً , يدفع عن نفسه وعن صاحبه , حتى اسكته (طلحة) خجلان بأن لا عذر لهم , وهي ذات اللحظة التي سمعت فيها (عائشة) صوت (سعد بن معاذ) يتغنى بالموت وهو يتوجه الى المعركة[98]. ومن هنا يُعلم ان اثارة (عمر بن الخطاب) للفتنة بين المهاجرين والأنصار على ماء (المريسيع) يوم (بني المصطلق) من خلال أجيره الأعرابي (جهجاه بن مسعود) لم تكن عفوية , وأن طلبه الى النبي قتل (عبد الله بن ابي بن سلول) – احد عظماء (المدينة المنورة) , والذي كان ينتظر تتويجه ملكاً قبل الإسلام – ونقلهم كلاماً مغلوطاً الى النبي كان يهدف الى تمزيق هذا الكيان الإسلامي عن بكرة ابيه , لولا حكمة النبي بالرحيل المبكر وحكمة الأنصار بالإيثار . وقد اعترف (عمر) للنبي إقراراً بالذنب بأنه قصير النظر وأن امر النبي أبرك من أمره[99]. وبالتأكيد هو كان قصير النظر كذلك حين عصى امر رسول الله بالوفود على (قريش) يوم (الحديبية)[100], وقد اعترف ذلك الْيَوْمَ ايضاً انه أذنب اذ اثار الفتنة وشكك الناس بنبوة (محمد) , ثم طلب الى (ابي جندل بن سهيل بن عمرو) قتل ابيه الذي دخل في عقد مع رسول الله غيلة , رغم امر النبي برجوعه مع ابيه مسالما[101]. وبالتالي من الغرابة ما قاله (طه حسين) في معرض نقده لضيق مجلس الشورى الذي صنعه (عمر) لاختيار الخليفة بعده , وعدم ضمه للأنصار الذين كان لهم الفضل المعروف في الإسلام , ولا اقل من اعتراف (ابي بكر) لهم عند الانقلاب بأنهم الوزراء وأنهم هم فضلاء الدين وأهل دعوته ولا يجوز بحال التجاوز عنهم , وبغض النظر عن تجاوز الكاتب عن مناقشة حقيقة ان المجلس كان يضم من عَلِم (عمر) ارتباط نفوسهم بالمال والدنيا سوى (علي) , وأنهم كانوا اصهار بعض , وأنهم لن يختاروا (علياً) بحال , وكذلك عند تجاوز لفتة انهم عرضوا الخلافة على (علي بن ابي طالب) بشرط السير بسيرة الشيخين التي رفضها جملة وتفصيلاً بوجود كتاب الله وسنة نبيه , وأنهم لو كانوا يرون فضلاً ل(عثمان) على (علي) لما قدّموا (علياً) عليه ابتداء , مع ذلك كله يُعلم ان (طه حسين) يعلم في قرارة نفسه ان (عمر) يعلم جيداً ان الأنصار لو حضروا الشورى لن يكون الخليفة الا (علي)[102]. ففي هؤلاء الستة من مجلس شورى (عمر) ثلاثة سلبوها من (علي) في اول الامر عند وفاة رسول الله وبايعوا مع عشائرهم (أبا بكر) , هم (عبد الرحمن بن عوف) و(سعد بن ابي وقاص) الزهريان , و(عثمان بن عفان) الأموي[103]. كما ان الشخص الذي لكفته الترجيح عند التساوي (عبد الرحمن بن عوف) كان صهر (عثمان بن عفان) , وابن عّم (سعد) الذي لم يبايع (علياً) حتى مات[104]. وكان (عبد الرحمن بن عوف) – الذي جعله (عمر) رئيساً لمجلس الستة الذين يختارون الخليفة بعده – صهر (بني أمية) رهط (عثمان بن عفان) من عدة طرق , فهو متزوج من (ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط) اخت (عثمان) بالرضاعة , وصهر (عتبة بن ربيعة بن عبد شمس) أي متزوج من خالة (معاوية) , وصهر (شيبة بن ربيعة بن عبد شمس) . وهو اذ اختار (عثمان) ورشّحه كان لهذه القرابة , وخوفاً من عدل (علي بن ابي طالب) . لكنّ (عبد الرحمن) اضطر ان يتراجع عن تأييد (عثمان) بعد ذلك حين بلغ ما بلغ من جور على الصحابة وابتعاد عن السنة النبوية , ودعا الناس الى مجاهدته ومنعه من الاسراف على نفسه وعلى الامة , من خلال توليته اقاربه الامويين بعد ان قاطعه[105]. فيما رابعهم (طلحة بن عبيد الله) , قتل (عليُ بن ابي طالب) عمَّه وإخوتَه على الإسلام . و(طلحة) هو الذي كان في زمان (عثمان) يملك معظم (خيبر) وشيء من أراضي الحجاز وأراضي العراق . وهذا ما يكشف سر انقلابه على خلافة (علي بن ابي طالب) العادلة .

 

و(عثمان بن عفان) ابتدأ خلافته برشوة الناس عامة , بزيادة عطائهم مائة مائة , ورشوة الخاص أمثال (الزبير) بستمائة الف , و(طلحة) بأكثر من مائتي الف , ثم اذن للصحابة من المهاجرين بالخروج من (المدينة المنورة) بعد ان حبسهم (عمر) , لكن بعد ان تمكّن رجالات الانقلاب من بث مسالحهم وفقهائهم ورواة الحديث وتغيير عقيدة الناس[106].

وروى (المسعودي) انه في أيام (عثمان) اقتنى الصحابة الضياع والمال , فكان ل(عثمان) يوم قُتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم , وقيمة ضياعه في (وادي القرى) و(حُنين) وغيرهما مائة ألف دينار , وخلّف إبلاً وخيلاً كثيرة , فيما بلغ الثمن الواحد من متروك (الزبير) بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلّف ألف فرس وألف أَمة , وكانت غلة (طلحة) من العراق ألف دينار كل يوم ومن ناحية (السراة) أكثر من ذلك , وكان على مربط (عبد الرحمن بن عوف) ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً , وخلّف (زيد بن ثابت) من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلّف من الأموال والضياع[107]. الا (علي بن ابي طالب) قد زهد في هذا كله[108], اذ كان امير البررة بنص النبي[109].

 

ومعادلة الغنى المُحدَث بفعل الميول السياسية تسببت في تغلّب جماعات من مُحدَثي المال والحضارة على عالم الاقتصاد الإسلامي , الى جانب اثرهم السياسي منذ زمان (ابي بكر) و(عمر) , الامر الذين يعني إضعاف مكانة العائلات والزعامات النجيبة التي انتصر بتأثير وجودها رسول الله والإسلام , لصالح هذه القوى الدنيوية المترفة حديثا[110]. فيما بلغت احدى قوافل تجارة (عبد الرحمن بن عوف) في زمان (عثمان) خمسمائة راحلة وما عليها افضل منها قيمة , وقد ترك من الذهب ما يقطع بالفؤوس , ومن الجمال الالاف , ومن المزارع الكثير . فخلق (عثمان) طبقية صريحة تفوق طبقية (عمر) المقنّعة , الامر الذي كسر شوكة الوحدة الاجتماعية للبلاد الإسلامية[111]. ولا يمكن فهم فضل هؤلاء المُحدَثين الجدد على صحابة رسول الله الآخرين الذي ظلوا فقراء او متوسطي الحال مثل (ابي ذرّ) و(المقداد) و(عمار) وسادة الأنصار مثل (قيس بن سعد بن عبادة) . حتى صار الامر – جرّاء هذه السياسة الدنيوية لاستلاب السلطة – كما وصفه (أبو فراس الحمداني) بقوله ( الحق مهتضم والدين مخترم * وفيءُ آل رسول الله مقتسم .. قام النبي بها يوم الغدير لهم * والله يشهد والأملاك والأمم .. حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم .. وصيّروا أمرهم شورى كأنهم * لا يعلمون ولاة الحق أيّهمُ .. تالله ما جهل الأقوام موضعها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا .. ثم ادّعاها بنو العباس ملكهم * ولا لهم قدم فيها ولا قدم )[112].

 

 

فيما كان ولاة (عمر بن الخطاب) يوم مات واستخلف (عثمان) بعده هم (نافع بن الحارث الاسلمي) الخزاعي بالولاء الذي بحسب كتاب ( الاستيعاب في معرفة الاصحاب ) انه اسلم يوم الفتح وأنكر (الواقدي) ان تكون له صحبة , وهو الراوي بشارة النبي ل(ابي بكر) و(عمر) و(عثمان) بالجنة . و(سفيان بن عبد الله الثقفي) الذي جاء عنه في ( الطبقات الكبير ) انه حارب ضد رسول الله يوم (حنين) وأسلم بعد الفتح . و(يعلى بن منية) الذي ورد في ( الطبقات الكبير ) أيضاً انه اسلم يوم الفتح وولّاه (ابو بكر) ثم (عمر) على اليمن , فحمى حمى بغير حقه , فطلبه (عمر) , وعند وصوله قرب (صنعاء) سمع بموت (عمر) فولّاه (عثمان) مرة أخرى على اليمن بلا حساب , فاستحوذ على أموال المسلمين ورفد جيش (الزبير) الخارج ضد (علي) بأربعمائة الف وحِمل سبعين رجلاً , واشترى (الجمل) المدعو (عسكر) ل(عائشة بنت ابي بكر) حين خرجت معهم , وتعهّد بالمال لمن يخرج على خلافة (علي بن ابي طالب) . و(عبد الله بن ابي ربيعة المخزومي) ابن عم (خالد بن الوليد) و(ابي جهل) , وبحسب كتاب ( الاستيعاب في معرفة الاصحاب ) كان من الوفد الذي بعثته (قريش) لإيذاء المسلمين في الحبشة , اسلم يوم الفتح واستجار بدار (ام هانئ) حين أراد (علي) قتله , و(علي) لا يقتل أي احد يوم الفتح لا شك , ولّاه (عمر) على الجند , ثم فعل (عثمان) . و(المغيرة بن شعبة) , الذي يعلم المسلمون ما كان من المكر والخديعة , وأنه بحسب كتاب ( اسد الغابة ) اسلم فراراً من دم كان عليه حين غدر بقومه في سفر وقتلهم ليسرقهم , وكان اول من رشى في الإسلام برشوته لحاجب (عمر بن الخطاب) , فولّاه (عمر) على البصرة , فشُهد عليه بالزنى , فعزله وجعله على الكوفة , وكأن لا احد غيره , وكان قد ولّاه على البحرين , فشكى منه أهلها وشهدوا عليه بالرشوة , ثم كان من رجالات (معاوية بن ابي سفيان) . وكذلك (أبو موسى الاشعري) و(عمرو بن العاص) و(معاوية بن ابي سفيان) , وهم من بقي طيلة حياتهم ضد (علي بن ابي طالب) , حتى مكر (عمرو بن العاص) ب(ابي موسى الاشعري) لخلع (علي بن ابي طالب) وتولية (معاوية بن ابي سفيان) الخلافة في واقعة الحكمين . و(عمير بن سعد) ربيب (الجلاس بن سويد) الذي اتهم وشكك في رسول الله يوم (تبوك) . و(عبد الرحمن بن علقمة الكناني) الذي ليس له ترجمة واضحة في المستقصى . و(عثمان بن ابي العاص الثقفي) الذي اسلم متأخراً مع وفد (ثقيف) ورفض الخروج على (ابي بكر) عند اعتراض الامة على خلافته بالانقلاب , وبحسب كتاب ( الازهية في علم الحروف ) ل(ملا علي القاري) فقد ولّى (الحجّاج الثقفي) ابن أخيه ثم عزله فوصله (سليمان بن عبد الملك الاموي) بما يعدل عمالة فارس[113]. فيما (عمر) و(عثمان) كلاهما يوليان (الوليد بن عقبة بن ابي معيط) , مرة صدقات النصارى , ومرة على الكوفة , رغم محاولته ان يخدع النبي , ورغم ارتداده عن الإسلام , ورغم وجود خيرة أصحاب رسول الله احياء حينذاك , فكان يسامر النصارى على شرب الخمر , ويستعين بالسحرة , فدخل اهل الكوفة معه في صراع على الدين والبدع وطالت شكواهم الى (عثمان) فيه[114].

لقد اشترى (عثمان) سكوت (الزبير) بمئات الالاف من الدراهم , بلغت في اول عهده ستمائة الف , ثم يجمع (الزبير) الأموال والقروض من الخليفة ومن غيره , حتى بلغت تركته التي ورثها أبناؤه واستعانوا بها على إقامة دولتهم اكثر من خمساً وثلاثين مليون درهم . كذلك كانت ذمة (طلحة بن عبيد الله التيمي) , الذي غضب حين لم ينتظر (عبد الرحمن بن عوف) وصوله الى مقر الشورى بعد ان جعله (عمر بن الخطاب) فيها , فبايعوا (عثمان) دون اخذ رأيه , فوصله (عثمان) بمئات الالاف من الدراهم , وأسقط عنه ديونه لبيت المال , حتى بلغت تركته التي ورثها أبناؤه ثلاثين مليون درهم . ثم سايروا الناس وتيار الغاضبين على (عثمان) وصاروا من المؤلبين عليه . وهذا ما يفسر انقلاب (الزبير) و(طلحة) ومن شابههم على خليفة عادل مثل (علي بن ابي طالب) , لا يحابي احداً على احد بسبب العنوان او لشراء ذمته , بعد ان بايعوه , وتأملوا دفعة أخرى من الثروة لموقفهم , لكنهم لم يحظوا بما أرادوا من الدنيا[115].

بينما كان أنصار (عثمان بن عفان) المحتملين عند ثورة الامة الإسلامية عليه هم الأعراب في البصرة التاريخية , وربما هم ذاتهم من شهدوا معركة (الجمل) مع (عائشة) , والبصرة كانت يومئذ تضم اكثر من نصف الخليج الحالي , وأجناد الشام , من القبائل اليمنية الجنوبية المهاجرة , الذين تربّوا في مدرسة (بني أمية)[116].

بل وصل الامر ب(عثمان) ان اعطى من يتزوج من بناته كل واحد مائة الف , من بيت المال , ووهب ل(بني أمية) مئات الالاف , ووهب لمن قاد حرب (الجمل) لاحقاً مئات الالاف لكل شخص منهم , حتى اضطر مسؤول بيت المال (عبد الله بن الارقم) الى الاستقالة ورفض تنفيذ بعض تلك الأوامر . بل وهب ل(الحارث بن الحكم بن ابي العاص) كل صدقة (قضاعة) . فضلاً عن الأراضي التي اقطعها ل(بني أمية) حصراً في عموم بلاد المسلمين[117].

 

ومن خطبة ل(علي بن ابي طالب) في اول خلافته يتحدث عن (طلحة) و(الزبير) ووقعة (الجمل) يقول فيها ( وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع, تعلمون ذلك, وقد نكثا وغدرا, ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم, ويلقيا بأسكم بينكم. اللهم فخذهما بما عملا أخذة رابية ولا تنعش لهما صرعة, ولا تقل لهما عثرة, ولا تمهلهما فواقا , فإنهما يطلبان حقاً تركاه, ودماً سفكاه )[118].

 

 

وعن (محمد) و(طلحة) قالا ( كان القتلى حول الجمل عشرة الآف , نصفهم من أصحاب علي , ونصفهم من أصحاب عائشة , من الأزد الفان , ومن سائر اليمن خمسمائة , ومن مضر الفان , وخمسمائة من قيس , وخمسمائة من تميم , وألف من بني ضبة , وخمسمائة من بكر بن وائل . وقيل : قُتل من أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة آلاف , وقُتل من أهل البصرة في المعركة الثانية خمسة آلاف , فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل البصرة , ومن أهل الكوفة خمسة آلاف . قالا : وقُتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخاً كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن )[119]. وهي أعداد تحكي ما خسرته امة الإسلام من مشايخ وصحابة في صف (علي) , وما ينتظر عائلة (علي) من طالبي الثأر من أعراب (تميم) و(ضبة) و(قيس عيلان) و(الازد) .

وقد اختصر احد العقائديين من بني (عبد القيس) الامر كله بكلمة وجهها الى جموع القرشيين بقيادة (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) عند قدومهم الى البصرة يطلبون من اَهلها خلع (علي) او قتاله , حيث قال ( يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله – ص – , فكان لكم بذلك فضل , ثم دخل الناس في الاسلام كما دخلتم , فلما توفي رسول الله -ص- بايعتم رجلاً منكم , فرضينا وسلّمنا , ولم تستأمرونا في شيء , ثم مات واستخلف عليكم رجلاً , فلم تشاورونا فرضينا وسلّمنا , فلما توفي جل أمركم إلى ستة , فاخترتم عثمان عن غير مشورتنا , ثم أنكرتم منه شيئاً , فقتلتموه , عن غير مشورة منا , ثم بايعتم علياً عن مشورة منا , فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفيء ؟ أو عمل بغير الحق ؟ أو اتى شيئاً تنكرونه ؟ فنكون معكم عليه ) , فهمّوا بقتل الرجل , فمنعته عشيرته , فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه وقتلوا منهم سبعين[120].

لقد هيأ العُمَريون أمثال (ابي موسى الاشعري) جزءاً كبيراً من البصرة التاريخية لتكون عثمانية الهوى . ف(أبو  موسى الاشعري) الذي اعتزل (علي بن ابي طالب) و(الحسن بن علي) العادلين الكريمين حين وليا امر الامة , وراح يروج التشكيك لتثبيط الناس عنهما , كان يأكل ارض اهل البصرة ويستبد بالأمر وحده حتى شكوه الى (عثمان) فعزله , وجاء (عثمان) بابن خاله (عبد الله بن عامر بن كريز) وهو شاب عشريني , فطأطأ (أبو موسى) للأمر لان (أبا موسى) كان الوالي الوحيد من غير قرابة وعشيرة (عثمان) , ولم يرد ان يثقل على الخليفة وهو يحس ان الناس ترفضه وأن بديله في قلوب المسلمين (علي بن ابي طالب) لا شك بعد ان عرفت الامة طيلة عقود معادن الاخرين . وقد ساقهم وشغلهم (ابن كريز) بالفتح والقتال عن امر الثورة . لكن كان في البصرة التاريخية على ساحل الخليج والبحرين بعض قبيلة (عبد القيس) الموالون ل(علي) , وهو ما كان يخشاه ولاة (عثمان) وجهازه[121].

وقد كان ( مع أمير المؤمنين – علي – عشرون الف رجل , منهم البدريون ثمانون رجلا , وممن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون , ومن الصحابة الف وخمسمائة رجل . وكانت عائشة في ثلاثين ألفاً أو يزيدون , منها المكّيون ستمائة رجل . قال قتادة: قُتل يوم الجمل عشرون ألفا . وقال الكلبي: قُتل من أصحاب علي الف راجل وسبعون فارسا )[122]. ومنه يُعلم حجم الخسارة التي اصابت بلاد الإسلام بعد تلك الأحداث , ولماذا استطاعت السلطات الرسمية كتابة تاريخ لا يمت الى الرسول بصلة , اذ ذهب جلّ الصحابة والأوائل في تلك الوقائع . كذلك يُعرف من كان في صف (علي بن ابي طالب) ومن كان في صف الخارجين عليه , اذ انها المعركة ذاتها بين خليفة الله والصحابة وبين (قريش) في (بدر) , وبين خليفة الله والصحابة وبين (قريش) في (الجمل) , وبين خليفة الله والصحابة وبين (قريش) في (صفّين) . فعن (المسعودي) في ( مروج الذهب ) أنه كان ممن شهد (صفّين) مع (علي بن ابي طالب) سبع وثمانون بدرياً , سبعة عشر مهاجراً وسبعون من الأنصار , ومن أهل بيعة الرضوان تسعمائة , ومن عموم الصحابة ألفانِ وثمانمائة . وفي ( السيرة الحلبية ) ثمانمائة من أهل بيعة الرضوان , منهم (عمار بن ياسر) , قُتل منهم ثلاثة وستون .‍ وفي ( مروج الذهب ) أيضاً كان معه في حرب (الجمل) سبعمائة صحابيا , منهم أربعمائة من المهاجرين والأنصار , وسبعون بدرياً , ولحق ب(علي) من أهل (المدينة المنورة) جماعة من الأنصار , فيهم (خزيمة بن ثابت) ذو الشهادتين . ثم ذكر في ( مروج الذهب ) أنه كان معه في معركة (الجمل) حين دخل البصرة أهل (بدر) و(بنو هاشم) والأنصار والمهاجرون وقبائل (قحطان) , يقودهم (أبو أيوب الأنصاري) و(خزيمة بن ثابت) ذو الشهادتين و(أبو قتادة بن ربعي) و(عمار بن ياسر) و(قيس بن سعد بن عبادة) و(عبد الله بن عباس) و(قثم بن عباس) و(الحسن) و(الحسين) و(محمد بن الحنفية) و(عبد الله بن جعفر بن أبي طالب)[123]. وعن (عبد الرحمن بن ابزي الخُزاعي) قال ( شهدنا مع علي ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة ثمانمائة نفس بصفّين , فقُتل منّا ثلاثمائة وستون نفسا )[124].

 

ومن أصحاب أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) من الأنصار في تلك المعركة كان (زياد بن لبيد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي) , المتوفى سنة 41 ه , صحابي محدّث , شهد (العقبة) مع السبعين من الأنصار, كان عامل رسول الله على (حضرموت) , من فقهاء الصحابة , التحق بأمير المؤمنين (علي) , واشترك في وقعة (الجمل) , ويصرح في شعر له يوم (الجمل) بأن (علي بن ابي طالب) هو (الوصي)[125].

و(ثابت بن قيس بن الخطيم الخزرجي) من الصحابة , ووالده (قيس بن الخطيم) أحد شعراء الجاهلية , شهد مع أمير المؤمنين (علي) معارك (الجمل) و(صفّين) و(النهروان) , ومات في حكومة (معاوية), وله أبناء قُتلوا جميعاً في واقعة (الحرّة) في (المدينة المنورة) , واستعمله (علي) على (المدائن) , فلم يزل عليها حتّى قدم (المغيرة بن شعبة) الكوفة , وانصرف (ثابت) إلى منزله[126]. وأن استعماله هذه الفترة لا شك يكشف عن شديد ارتباطه بالعراقيين .

ومن زعماء قبائل (ربيعة) كان هناك (جميل بن كعب الثعلبي) , الذي كان من سادات (ربيعة), حضر (الجمل) و(صفّين)[127].

ومن قمم (ربيعة) كان الصحابي (زيد بن صوحان بن حجر الربعي العبدي) المحدّث , كان فاضلاً , ديّناً , سيداً في قومه , قطعت يده في (القادسية) , وقُتل يوم (الجمل) , شهد له رسول اللّه أنه من أهل الجنة . وإذ كانت (ربيعة) من أخلص الناس في ولاء (علي) , كذلك كان (آل صوحان) , فقد كانوا شهداء في ولائه جميعهم[128].

ومنها الأمير (شقيق بن ثور بن عفير السدوسي البكري الوائلي) المتوفى 64 ه , سيد (بكر بن وائل) , وأول من دعا إلى أمير المؤمنين (علي) بالكوفة , كانت راية (بكر بن وائل) معه يوم (الجمل) و(صفّين) , ذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين , ومن الثقات عند رجال الحديث[129].

و(الأسود بن بشر بن خوط البكري) , عند التباس الامر يوم (الجمل) بين الإيمان الواعي والإيمان الساذج كان فارسا , وصاحب لواء (علي) , فقُتل , فأخذه ابن عمه (عبد بن بشر بن حسان بن خوط) , فقُتل , فأخذه عمّه (الحارث بن حسان بن خوط) , فقُتل , فأخذه ابنه (عديس بن الحارث) , فقُتل , فأخذه ابن عمهم (زهير بن عمرو بن خوط) , فقُتل[130]. و(بشر بن حسان بن خوط الشيباني البكري) , كان مع أبيه (حسان) في معركة (الجمل) , وشهدها مع أمير المؤمنين , وحين برز إلى القتال يومئذ, قال ( أنا ابن حسان بن خوط وأبي * وافد بكر كلّها إلى النبيّ )[131]. و(حارث بن حسان بن خوط الشيباني) مقاتل كأبيه وإخوته , وكان مع والده (حسان) في وقعة (الجمل) , وقاتلوا, وقُتلوا جميعا . وكانت راية (بكر بن وائل) في (بني ذهل) , مع (الحارث بن حسان) , وكان يقول ( أنا الرئيس الحارث بن حسان * لآل ذهل ولآل شيبان‌ ) . وكان لواء (علي) , مع (حسين بن محدوج بن بشر بن خوط) , فقُتل , فأخذه أخوه (حذيفة) فُقتل , فأخذه عمهما (الأسود بن بشر بن خوط) , فقُتل , فأخذه (عنبس بن الحارث بن حسان بن خوط) , فقُتل , فأخذه (وهيب بن عمرو بن خوط) , فقُتل , وأخذه (الحارث) وقُتل[132]. وأبو هذه العائلة النجيبة (حسان بن خوط بن مسعر) فارس, كان شريفاً في قومه , شهد (الجمل) مع أولاده (الحارث , بشر) وأخيه (بشر بن خوط) وأقاربه , وكان وافد (بكر بن وائل) إلى النبي[133]. ومنه يمكن معرفة رتبة قبيلة (بكر بن وائل) في التشيّع , ومنه ايضاً يُعلم نوع الرجال الذين اختاروا (علي بن ابي طالب) دون غيره .

وعن ( معجم البلدان ) أن (القطيف) جزء من بلاد (البحرين) , ومن أهم مدنها , وأنها من بلاد (عبد القيس) , وأن النبي زارها وأخذ إقليدها[134]. ونساء (عبد القيس) هن اللواتي ارسلهن (علي بن ابي طالب) عشرين امرأة مع (عائشة) الى (المدينة المنورة) , بعد انتصاره في معركة (الجمل) , عليهن العمائم والسيوف[135].

وقبل ذلك التحمت قبيلة (عبد القيس) بجيش (طلحة) و(الزبير) , قبل قدوم جيش امير المؤمنين (علي) , بقيادة (حكيم بن جبلة العبدي) , وأصحاب (عائشة) كافّون , يدفعون عن أنفسهم , و(حكيم) يذمر خيله , ويركبهم بها[136], حتى قُتل مع ولده (الأشرف) وأخيه (الرعل بن جبلة) , وكانوا من خيار الشيعة وأخلصهم , مع سبعين رجلاً من (عبد القيس), وكانت (عبد القيس), مخلصة في ولاء أمير المؤمنين , (حكيم) وابنه من خلّص شيعة (علي)[137].

ومنها الصحابي (عمرو بن مرجوم بن عبد مر العبدي) , كان والده من أشراف (عبد القيس) ورؤسائها في الجاهلية, وكان (عمرو) سيّداً شريفاً في الإسلام , وهو  الذي جاء يوم (الجمل) في أربعة آلاف , وصار مع (علي)  وكان على (عبد القيس) , ولما كتب أمير المؤمنين كتاباً إلى (ابن عباس) إلى أهل البصرة , فقرأ عليهم الكتاب , قام إليه فقال ( وفّق اللّه أمير المؤمنين , وجمع له أمر المسلمين , ولعن المحلّين القاسطين , الذين لا يقرءون القرآن , نحن واللّه عليهم حنقون , ولهم في اللّه مفارقون , فمتى أردتنا صحبك خيّلنا ورجلنا )[138].

وعندما خطب أمير المؤمنين في البصرة قبيل المعركة , وأنذر أصحاب (الجمل) ثلاثة أيام ليكفوا ويرعووا , قام إليه (شداد بن شمر العبدي) قائلاً ( أما بعد , فإنّه لما كثر الخطّاءون تمرّدَ الجاحدون , فزعنا إلى آل نبينا , الذين بهم ابتدأنا بالكرامة , وهدانا من الضلالة , الزموهم رحمكم اللّه , ودعوا من أخذ يميناً وشمالا , فإنّ أولئك في غمرتهم يعمهون , وفي ضلالهم يترددون )[139].

وقد خرجت قبائل (عبد القيس) و(بكر بن وائل) ترد جيش (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) عن البصرة , بعد ان عاث فيها فساداً وقتلاً ونهباً لبيت المال وشراء الذمم , قبل وصول جيش امير المؤمنين (علي) اليها , فخرجوا حتى كانوا على طريق (علي) يؤمنونه[140].

وحين أقام (علي) ب(ذي قار) , ينتظر (محمداً) و(محمداً) , قبل يوم (الجمل) , أتاه الخبر بما لقيت قبيلة (ربيعة) وخروج (عبد القيس) ونزولهم بالطريق , فقال : ( عبد القيس خير ربيعة , وفي كل ربيعة خير ) , وقال ( يا لهف ما نفسي على ربيعة * ربيعة السامعة المطيعة … )[141].

لقد قُتل من قبيلة (عبد القيس) في معركة (الجمل) ثلاثمائة , على رأسهم الزاهد العابد الشجاع شيخهم (حكيم بن جبلة) , وابنه وأخوه . بالإضافة إلى عدد من قبيلة (بكر بن وائل)[142]. ومن كلمة (شداد بن شمر العبدي) في موقعة (الجمل) في البصرة يتضح مدى اخلاص ووعي قبيلة (عبد القيس) لإمامة أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب)[143].

أما قبيلة (طيء) فسيدها (عدي بن حاتم الطائي) , الذي كان احد رسل رسول الله بكتابه الى قيصر الروم[144], والذي فقدَ أولاده الثلاثة الفرسان فداءً ل(علي) حين شهدوا (صفّين) و(النهروان) فقُتلوا , فقد فقئت عينه يوم (الجمل)[145], ومات عام 68 هجرية وهو ابن مائة وعشرين سنة , وكان من الثوار المجلبين الناس على (عثمان) , والذين شاركوا في قتله[146], وكان من عظيم وعيه انه يصرح ببغضه ل(آل الوليد بن المغيرة المخزومي) في شعره , لما يعلمه من نفاقهم , ومنه يمكن معرفة مستوى عقيدته العالي ومعرفته العميقة بحق الإسلام[147], وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (علي) [148], وله الموقف المشرف البطولي عندما رفع أهل الشام المصاحف على رؤوسهم حيلة , اذ قام فقال ( يا أمير المؤمنين , إن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق , فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم , وكلٌّ مقروح , ولكنا أمثل بقية منهم , وقد جزع القوم , وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم )[149], وكان احد رؤساء العراق المبادرين لحرب الخوارج فور نزول امير المؤمنين (علي) عن المنبر يستحث الناس , وحين خرج (الحسن بن علي) يستنهض الناس لملاقاة جيش أهل الشام القادم الى العراق , بعد رحيل امير المؤمنين (علي بن ابي طالب) , وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له , فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف , فلما رأى ذلك (عدي بن حاتم) قام فقال ( إنا ابن حاتم , سبحان الله , ما أقبح هذا المقام , ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم , أين خطباء – مضر – المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة , فإذا جد الجد فروّاغون كالثعالب , أما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها ) , ثم استقبل (الحسن) بوجهه , فقال ( أصاب الله بك المراشد , وجنّبك المكاره , ووفقك لما تحمد وِرده وصدره , قد سمعنا مقالتك , وانتهينا إلى أمرك لك , وأطعناك فيما قلت وما رأيت , وهذا وجهي إلى معسكري , فمن أحب أن يوافيني فليواف ) , ثم مضى لوجهه , فخرج عن المسجد ودابته بالباب فركبها , ومضى إلى (النخيلة) , وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه , فكان (عدي بن حاتم) أول الناس عسكرا[150].

كذلك (سعيد بن عبيد الطائي) قُتل في 37 ه , اشترك في (الجمل) , وقتل ب(صفّين) , ولما نزل أمير المؤمنين (الربذة), أتته جماعة من (طيء) , وفيهم (سعيد) فقال ( يا أمير المؤمنين … أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية, وأقاتل عدوك في كل موطن, وأرى لك من الحق ما لا أراه لأحد من أهل زمانك .. ) , فقال (علي) له ( رحمك اللّه , قد أدى لسانك عما يجن ضميرك ) , فقتل معه ب(صفّين)[151]. اذ عند بدء مسير (علي بن ابي طالب) لرد جيش (عائشة) و(طلحة) و(الزبير) , قبل بدء معركة (الجمل) , وهو ب(الربذة) , أتته جماعة من (طيء) , فقيل له ( هذه جماعة قد أتتك منهم من يريد الخروج معك , ومنهم من يريد التسليم عليك ) , قال ( جزى الله كليهما خيرا , وفضّل المجاهدين على القاعدين اجراً عظيما ) . ثم سار من (الربذة) , حتى نزل ب(فيد) , فأتته (أسد) و(طيء) فعرضوا عليه أنفسهم , فقال الزموا قراركم في المهاجرين كفاية , كما فعلت بعدهم (بكر بن وائل)[152]. ومنه يُعلم حجم ولاء هذه القبائل .

وكان معه من وجوه (خزاعة) الصحابي المحدّث الثقة الراوي (سليمان بن صرّد بن الجون الخزاعي) , المقتول 65 ه , وعمره فوق التسعين , رئيس جماعة التوابين يومئذ , خرج في أربعة آلاف يطلبون بدم الإمام (الحسين) , فقُتل يوم (عين الوردة) , وكانت له سن عالية , وشرف في قومه, نزل الكوفة بعد وفاة النبي , حين نزلها المسلمون , وشهد (الجمل) و(صفّين)[153], وكان ممن كتب الى (عثمان بن عفان) يعترض على سياسته الدنيوية[154] .

ومن وجوه (خزاعة) البيض أيضاً الصحابي (عمرو بن الحمق الخُزاعي) , الذي أسلم قبل الفتح , وهاجر الى (المدينة المنورة) , فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي بأن يمتعه اللّه بشبابه , فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء , على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء , وصحب بعده امير المؤمنين (علياً) , فكان الحواري المخلص الذي يقول له (علي) ما نصه ( ليت في جندي مائة مثلك ) , ودعا له , وتنبأ بقتله بعده , وأنذر بالويل لقاتله , وشهد معه (الجمل) و(صفّين) و(النهروان) , وكان من شيعة (علي) المعروفين , المراقبين من قبل ولاة (بني أمية) , فكان حذراً خائفاً منهم على سنة (موسى بن عمران) , حتى كانت حادثة (حجر بن عدي الكندي) , فأبلى فيها بلاء حسناً , وضربه رجل من الحمراء – شرطة زياد من الموالي – يدعى (بكر بن عبيد) بعمود على رأسه , فوقع , وحمله الشيعة , فخبأوه في دار رجل من (الازد), ثم خرج فارّاً , وصحبه الزعيم الآخر (رفاعة بن شداد) , نحو(المدائن) , ثم ارتحلا , حتى أتيا ارض (الموصل) فكمنا في جبل هناك , فاستنكر أمير تلك المنطقة وجودهم , وحاصرهم , وكان (عمرو) مريضاً , و(رفاعة) قوياً أراد الدفاع عن صاحبه , الا أن (عمرو) رفض وطلب منه النجاة بنفسه , فدفعهم (رفاعة) بسيفه , وظل (عمرو) , حتى أسلموه الى والي (الموصل) (عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي), فأمرهم (معاوية) بأن يطعنوه تسع طعنات كما كان فُعل ب(عثمان) , فطُعن ومات بالأولى منهن أو الثانية[155], وكان ممن كتب الى (عثمان) مهدداً بالثورة ايضاً . و(عمارة) الذي اشتكى (ابن الحمق) الى (ابن زياد) هو احد ولد (عقبة بن ابي معيط) المبشرين بالنار على لسان رسول الله , و(ابن ابي معيط) هو من كان يجيش ضد رسول والإسلام في (بدر) , اذ عيّر (امية بن خلف) بأنه من النساء حين اجمع على القعود وعدم الذهاب , فاستجاشه وهيّجه[156].

 

 

ومن قبائل (الأزد) , التي قال النبي لوفدهم حين جاءوا مسلمين ( مَرْحَبًا بِكُمْ أَحْسَنَ النَّاسِ وجُوهًا وَأَصْدَقَهُ لِقَاءً وَأَطْيَبَهُ كَلامًا وَأَعْظَمَهُ أَمَانَةً أَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ ” . وَجَعَلَ شِعَارَهُمْ مَبْرُورًا )[157], الصحابي (جندب بن عبد اللّه بن زهير الازدي الغامدي) , سكن الشام والكوفة , وحضر مع الإمام أمير المؤمنين حرب (الجمل) , وكان على الرجالة يوم (صفّين) وقتل فيها سنة 37 ه , قتله رأس (أزد الشام) , كان له شجاعة وبسالة وإخلاص في حبّ (علي) وقوة إيمان[158].

كذلك (أبو صفرة ظالم بن سراق بن صبيح الازدي) , مات بالبصرة , وصلّى عليه أمير المؤمنين , من أصحاب (علي) , وقدم بعد (الجمل) , وقال ل(علي)  ( أما واللّه لو شهدتك ما فاتك أزدي ) , وابنه الأمير الشهير (أبوسعيد المهلب) , كان من أشجع الناس وحمى البصرة من الخوارج , مات سنة 83 ه[159]. وقد كان ل(آل المهلب) بعد ذلك شأن سياسي مهم , لا سيما في دولة (آل بويه) , متمثلين بكاتب (معز الدولة) وهو (الحسن بن محمد المهلّبي)[160], والذي كان حسن السيرة قد كشف الظلامات وقرّب العلماء والادباء , وأحسن اليهم عند ولايته الوزارة[161], كما كانت لهم علاقات واسعة مع (النخع) وأبناء (الأشتر) في ثوراتهم ضد (بني أمية) .

ومن قبيلة (همدان) كان رأسها الأعظم الكريم المحامي الثابت (سعيد بن قيس الهمداني الكوفي) , الفارس الذي شهد (الجمل) , وقيل إنّ أمير المؤمنين (علي) أقامه بالكوفة , ليأمن عليها , ويُعتبر من كبار التابعين ورؤسائهم , وزهادهم , حضر (صفّين) , وكان من المخلصين في ولاء (علي) , ومن الشجعان المعروفين , وكان سيد (همدان) وعظيمها والمطاع فيها , وله ب(صفّين) مقامات مشهودة مشهورة , وله فيها أشعار , وبعد (علي) التحق بالإمام (الحسن) وكان ملازماً له[162].

كذلك من شيعة (علي) كان هناك (الموالي) من نبط العراق , العراق التاريخي الممتد من أرمينيا حتى اليمن ومن أواسط الشام حتى العمق الإيراني , وهم في الغالب يتحدثون اللغة الآرامية السريانية , التي كانت لغة العلوم حينذاك . لكنهم ابتلوا بأمرين اضاعا حقهم , كره السلطة الرسمية لهم وبالتالي كتّابها , وجهل الكثير من المحدّثين بلغتهم , وبالتالي نسبوا كل لهجة أعجمية في العراق الى الفرس وهو خلاف التحقيق , فالسريانية كانت اكثر انتشاراً من اللغة الفارسية . ومصطلح (الموالي) يطلق حصراً على نصارى الامة الآرامية , التي كانت مدنية ولم تكن تعرف العشائرية , لهذا والوا القبائل العربية وصاروا موالي لها . من هنا لم يطلق هذا اللقب على (الزط) وهم قوم من الهند , ولا على (السبابجة) وهم قوم من (السند) , كانوا يسكنون البصرة , وكانوا في طاعة (علي) , حتى قتل منهم جيش (عائشة) العشرات غدراً في ليلة مظلمة ممطرة ذات ريح , اذ كانوا يحرسون بيت مال البصرة عند قدوم الجيش بقيادة (طلحة) و(الزبير) والقرشيين وأعرابهم[163].

 

وقد كانت بقية الامة الإسلامية بثورتها الإيمانية الشعبية على ما حدث من انحراف في خلافة (عثمان) قد استحقت قيادة رجل مثل (علي بن ابي طالب) حينئذ. فيما لم يستحق أهل الشام حينذاك سوى رجل مثل (معاوية) , مخادع , اذل ابناءهم وأحفادهم , الامر الذي جعلهم يثورون على ورثته لاحقا . فهم كما وصفهم (زيد بن حصين الطائي) احد أصحاب البرانس المجتهدين بقوله ( ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه , فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم , القليل في الإسلام حظهم , أعوان الظلم , ومسددي أساس الجور والعدوان , ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان )[164]. ولم يكن الفرق بين (علي) وبين (معاوية) في الدين فقط , ف(علي) إمام عادل , و(معاوية) إمام جائر , كما كان (علي) عالماً في سياسة الدنيا , اذ هو على الجانب الاقتصادي اول من امر بسك العملة الإسلامية في البصرة عام 40ه , قبل ان يتبنى (عبد الملك بن مروان) إتمام الامر تحت نظر الامام (الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب) عام 76ه[165].

وكانت هناك قبائل مترددة بلا هوية صريحة , يمتد أو يعيش أغلبها في صحراء وبراري إقليم (نجد) , مركز مناصرة جيش (عائشة) و(الزبير) و(طلحة) . ففي (ربيعة) كانت القبيلة المتذبذبة بسبب حياتها الأعرابية (عنزة) , والتي تزوج (علي) منها[166]ليأتلفها , والتي تسبب تذبذبها وكونها أعرابية في شأن مستقبلي مختلف , اذ كان ب(صفّين) من (عنزة) أربعة آلاف رجل عليهم تروس الجلد , والذين وجهتهم (ربيعة) مع بعض القبائل لكسر طوق أهل الشام عن جيش (علي) , بعد ان أرسل اليهم (الأشتر) يحثهم , ففر أهل الشام كاليعافير, لكنّ رجال (عنزة) هؤلاء كانوا اول من خرج على (علي) , حين خرج (الأشعث) بكتاب التحكيم بين صفوف أهل الشام وأهل العراق , حتى مر برايات (عنزة) , فقال (معدان) و(جعد) العنزيان , فتيان اخوان منهم  ( لا حكم الا لله ) , ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما , حتى قُتلا على باب رواق (معاوية) ,  ثم فعل فعلهم بعض أفراد قبيلة (مراد) بقيادة (صالح بن شقيق) , ثم بعض قبيلة (بني راسب) من (ازد شنوءة) العُمانية , ثم بعض قبيلة (بني تميم) الخليجية الساحلية بقيادة (عروة بن أدية) . ومن الواضح ان هذه القبائل تشترك في البداوة , وكونها من الفئة التي عرفت الإسلام ولم تعرف (علياً) بعد , وقد احتاج بعضها الى سنين طويلة وإلى دم (الحسين) للانتقال من المستوى الإسلامي الابتدائي الخام الى مستوى معرفة الإمامة[167]. حتى ان احد زعماء بعض قبيلة (تميم) كان من الذين يثبطون الناس عن (علي) في الكوفة أثناء حربه ضد (معاوية) الى جانب (أبي موسى الاشعري)[168].

 

وقبيلة (تميم) كانت مواطنها تمتد في البصرة التاريخية , تشاركها فيها (الازد) , وهذا ما وجده (عتبة بن غزوان) حين جاءها[169], في المركز الحالي لمدينة البصرة العراقية حيث عشيرة زعيم قبيلة (تميم) الأمير (الأحنف بن قيس) وهم (بنو سعد) , وعندهم قبر (طلحة بن عبيد الله) الْيَوْمَ , وبدو(تميم) بقيادة ابي (الفرزدق) وهو (غالب بن صعصعة) في بادية (كاظمة) اَي الكويت الحالية , وأعرابها من (بني عمرو) و(بني حنظلة) عند شمال وشمال شرق (نجد) , وكانت بعض عشائرها في الكوفة . وكانت هذه القبيلة على ثلاثة فئات , فئة تعرف مقام (علي بن ابي طالب) وحقه , بقيادة (مالك بن نويرة) الشهيد , وقد تمت إبادة قادة هذه الفئة على يد (خالد بن الوليد) , وفئة تعرف حق (علي) في الخلافة ولم تعرف مقامه في الإمامة الا بعد حين , مثل (بني سعد) الذين اعتزلوا الناس في وقعة (الجمل) ولم يشاركوا اَي من الطرفين , شكاً في ان يكون ل(طلحة) و(الزبير) مقام من الدين كما يكون ل(علي) فيكونون قد نصروا على مسلم , حتى ان (طلحة) قد دُفن بأرضهم , الا انهم كانوا اول من أجابوا (علياً) في (صفّين) حتى قبل قبيلة (ربيعة) , بعد ان خاطبهم اميرهم (الأحنف بن قيس) ألا يخذلوا حق الوصي , واحتج عليهم شاعرهم (معاوية بن صعصعة) – ابن اخ (الأحنف) – بما ل(علي بن ابي طالب) من مرتبة ومناقب في الإسلام[170], وفئة ثالثة أعرابية تقطن شمال (نجد) وغرب الكويت الحالي من (بني عمرو بن تميم) كانوا يشبهون (بني ضبة) – الأعراب المستميتين حول الجمل – ويحالفونهم , لم يفقهوا مقام (علي) لبداوتهم , وكان من السهل خداعهم بشعارات (طلحة) و(الزبير) ومقام أزواج النبي . وقد كان قسم كبير من (بني تميم) انصاراً اشداء ل(علي بن ابي طالب) بعد واقعة الحكمينِ وخروج الخوارج وبدء غارات أهل الشام .

ومع ذلك كان من (تميم) كذلك (معقل بن قيس الرياحي) , صحابي شارك في فتح بلاد فارس , وكان من أمراء جيش (علي) وعلى شرطته يوم (الجمل) رغم انعزال اغلب (تميم) حينها عن القتال , لأن (بني رياح) كانوا داخل الكوفة وليس في (نجد) , قُتل في مبارزة مع الخوارج[171].

والكثير من تاريخ هذه القبيلة جاء بطريق (سيف بن عمر التميمي) , وهو رجل معلوم الكذب , ومقطوع بأنه وضّاع . حيث قال فيه أصحاب التراجم ورؤوس أهل الحديث : (يحيى بن معين) : ضعيف . وقال : فَلْس خير منه. و(المزي) : ضعيف الحديث. و(ابن حبان) عن (محمد بن عبد الله بن نمير) : كان (سيف) يضع الحديث, وكان قد اتهم بالزندقة. و(أبو زرعة الرازي) : ضعيف الحديث. و(أبوداود السجستاني) : ليس بشيء . و(أبو حاتم الرازي) : متروك الحديث . منكر الحديث. و(الترمذي) : مجهول. و(النسائي) : ضعيف. و(العقيلي) : ضعيف. و(ابن السكن) : ضعيف. و(ابن حبان) : اتهم بالزندقة, يروي الموضوعات عن الأثبات. و(ابن الجوزي) : … هذا حديث موضوع بلا شك, وفيه جماعة مجروحون, وأشدهم في ذلك (سيف) و(سعد) , وكلاهما متهم بوضع الحديث. و(السيوطي) : (سيف) و(سعد) وضّاعان. و(الدارقطني) : ضعيف .. متروك . و(الحاكم) : ساقط في رواية الحديث. و(أبو نعيم الأصبهاني) : (سيف بن عمر الضبي الكوفي) متهم في دينه, مرمي بالزندقة, ساقط الحديث, لا شيء[172]. ومرويات (سيف بن عمر) كاذبة , وهو الذي لم ينسَ ان يجعل لقومه من (بني تميم) حصة كبيرة من فتح العراق , حتى انه جعل عفو جيوش المسلمين عن قبيلة (كلب) في حروب فتح العراق بسبب حلفها الجاهلي مع (بني تميم)[173], اذ كانت أراضي (تميم) من البصرة الى قطر , وأراضي (كلب) من السماوة باتجاه (نجد) , فهمًا قبيلتان متجاورتان تقريبا , وأراضي (أسد) من النجف وكربلاء باتجاه الصحراء الى (نجد) تواجه القادم من الجزيرة العربية[174]. وهو مختلق قصص (القعقاع بن عمرو التميمي) كبديل موضوعي عن دور قبيلة (النخع) الشيعية التي هي اول قبيلة حملت ليلة الهرير في القادسية , حيث أن هؤلاء الأبطال من أهل العراق هم الذين وصفهم (سعد) في كتابه ل(عمر بن الخطاب) بقوله ( كان يدوون بالقرآن اذا جَنّ عليهم الليل دوي النحل , وهم آساد الناس لا يشبههم الأُسود ) , وهم ذاتهم من صاروا شيعة ل(علي بن ابي طالب) , فكان احرى بالوصف ان يبقى معهم . حتى ان المدد الذي جاء الى القادسية من الشام بأمر (عمر) كان من قبائل العراق (مراد) و(مذحج) و(همدان) , وهم أجلى صورة للشيعة , وكانوا هم أهل الأيام الذين شهدوا اليرموك و(القادسية) .

و(سيف بن عمر) الوضّاع الكبير , الذي وثّقه بعض رجالات الدين الأموي , كان من اخطر الأمثلة على الاقلام المشبوهة , ففي فتح العراق اجمعت روايات (عمر بن شبه) و(الواقدي) و(هشام بن الكلبي) – وهم من كبار المؤرخين عند القوم – انّ المسلمين في طريقهم الى (الحيرة) – التي جعلوها هدفاً – لم يجدوا مقاومة ولا عرقلة , الّا شيء من بعض حاميات الفرس تذكره بعض الروايات , لكنّ (سيف بن عمر) وحده انفرد بادّعاء انّ الفرس حشروا الى جانبهم ( عرب الضاحية ) , وهم الذين يقيمون على حافات البوادي والارياف , وكان منهم بعض (بكر بن وائل) , فقُتلوا , مما دفع قبيلة (بكر) الى الاستنجاد بالفرس لأخذ ثأر قتلاها .

ولا يكون ذلك الّا من موضوعات (سيف) ضد كل فئة خرجت على (بني أمية) او الدِين العُمَري . و(سيف) الذي انفرد باتهام قبيلة (أياد) انها خرجت الى ارض الروم فطالب (عمر) بإخراجها كما تم سابقا , في هوى قبلي عند (سيف) لتصوير (أياد) بوجه من اسلم إكراها , يعود للانفراد مرّة اخرى في روايته عن دخول المسلمين (الحيرة) , حيث يجمع (هشام بن الكلبي) و(ابن إسحاق) انّ أهل (الحيرة) ومنهم (عمرو بن عبد المسيح) قد خرجوا الى المسلمين سلماً وصالحوهم على الجزية , واتفقوا على ان يكونوا عوناً وعيناً لهم على الفرس , لكنّ (سيف) وحده يذكر انّ قتالاً نشب بين الجانبين , وأن (خالد بن الوليد) خطب فيهم وذكّرهم بعروبتهم وبالعدل الذي جاء به المسلمون ! , في غفلة من (سيف) عن جور (خالد) ونزقه المعروفين في كلّ ارض وطئها , بينما لم تكن خطب (خالد) سوى تذكير بالدنيا ودعوة الى السلب والنهب والاستعانة بمفاهيم الغزو الجاهلية , كما في خطبته لغزو بلاد فارس يوم (الولجة)[175]. وما ذلك الا لأن جيش (خالد بن الوليد) كان يسرق العراق عمليا , ولهذا أجمعت قبائل العراق النصرانية – او اجمع (ابو بكر) و(خالد) – على قتالهم[176], حسب روايات (سيف بن عمر) . اذ أن أفعال (خالد) لو صدقت لكانت جرائم ضد الإنسانية , فكيف جاز مقاتلة نصارى العراق وهم أهل الأرض وأصحاب كتاب , وقد شارك قسم كبير منهم في نصرة الجيوش الإسلامية ضد الفرس .

لكن لو تم قبول روايات (سيف بن عمر) فعلياً لكان أهل العراق أصحاب الحق في رفضهم لجيوش (ابي بكر) وقتالهم لأمرائه , فهذه الجيوش لم تحدّثهم عن الإسلام , ولم تحاججهم به , ولم يكن قادتها – من مسلمة الفتح وما بعد الفتح – مؤهلين لذلك , بل دعوهم الى عنوان الإسلام دون بيان , لغرض ان يرفضوا فيقتلونهم ويسلبون ثرواتهم ويسبون نساءهم , وهذا ما جرى . ولهذا ربما انطلق (ابو بكر) فرحاً الى (قريش) يبشرهم بسلب (خالد) ل(امغيشيا) , رغم ان (خالداً) دمّر هذه الحاضرة , بعد ان لم يجد فيها أحداً وقد تفرق أهلها في القرى[177]. ويكفي في بيان صلابة العقيدة التي كان عليها من اسلم من نصارى العرب ومواليهم موقف (المثنى بن حارثة الشيباني) في معركته ضد (مهران الفارسي) , حيث كان يصيح في جيشه انصروا الله ينصركم , في بطولة منه ومن أخيه (مسعود) , الذي سقط جريحاً , لكنّه كان يثير الحماس في قومه .

وفي ظل كثرة القصص المختلقة تلك , كان من اغرب روايات حروب الردة قصة خروج (سلمى بنت مالك بن بدر) وهي بنت (ام قرفة) على ( جمل ) في قصة مستنسخة تماماً عن قصة خروج (عائشة) على (علي بن ابي طالب) , حتى ان القوم ربطوا اسمها باسم (عائشة) , وادعوا انها صاحبة كلاب (الحوءب) التي عناها رسول الله . ولأن الراوي يعلم قصة (عائشة) وشياعها وتواترها صعب عليه إلغاء اسمها تماماً فجعل الرسول لم يعيّن الاسم المقصود بالتحديد , وإنما قال ان احداكن تستنبح كلاب (الحوءب) , ليجعل القضية مرددة فيبعد التهمة عن صاحبة القصة الحقيقية , لكنه ضحّى برسول الله الذي صار كأنه لا علم له وأنه يعمم التهم جزافاً دون وجه دقة منه[178].

وهذا التلفيق شبيه بما نسبوه من قصة ارتداد قبائل (ربيعة) كلها , من (بكر بن وائل) و(عبد القيس) و(النمر) وجميع من كان في ارض جنوب العراق حتى (قطر) , وخلقوا لهذه النسبة قصصاً غريبة شبيهة بقصص البدو عن (ابي زيد الهلالي) , ولم يبقوا على الإسلام الا قبيلة (الرباب) ومن جاورها من الأعراب . وقد صادف ان من نسبوا اليه الردة من القبائل هي تلك التي تشيعت ل(علي بن ابي طالب) , وهي التي قاتلت الفرس تحت راية (المثنى بن حارثة الشيباني)[179], وأن من اثبتوها في قصصهم على الإسلام هي القبائل التي شاركت في جيش (عائشة) لاحقاً . ولو كانت (ربيعة) – التي كسرت قبائل العرب يوم (صفّين) – قد ارتدت لما تجرأت سرايا (ابي بكر) على التحرش بها .

حتى انهم من غرابتهم في هذه القصص جعلوا (العلاء بن الحضرمي) يستعين ب(المثنى بن حارثة الشيباني) على المرتدّين , رغم انهم يروون رسالة (ابي بكر) الى (ابن الحضرمي) في ذم (شيبان) – التي كان منها امراء الادب العربي حسب وصف (الثعالبي) من (بني حمدان) و(بني ورقاء) في العصور اللاحقة[180] – وتهديدها , و(المثنى) هو احد أبناء (ربيعة) وزعماء (بكر بن وائل)[181].

لكنّ هذه القصة تكشف عن معنى واحد او حقيقة خفية خلف النص الملفق هي ان العراق كله كان رافضاً لبيعة (ابي بكر) وثائراً على خلافته .

والغريب ان هذه القبائل كانت نصرانية وقد جاءت الى رسول ودخلت في الإسلام طائعة , والأشد من ذلك انها كانت قد انتصرت على جيش امبراطورية الفرس من قريب , بمعنى ان (ابن الحضرمي) كان أشبه بالمستضعف فيهم .

 

وحين اجتمعت سذاجة دين الخوارج وجهل بعض أعراب (تميم) ودنيوية (الأشعث بن قيس الكندي) النجدي أيضاً اتفقوا جميعاً على قتل (علي) في الكوفة , في المِحْراب , بين يدي الله , اذ لم يمكنوا من قتله في ساحة الحرب , ففعلوا على يد (عبد الرحمن بن ملجم) , بالاتفاق مع اثنين من (تميم) , ومعونة (الأشعث) داخل الكوفة[182]. لتنعم (بنو أمية) بالدنيا , وقد ذلّ أبناء (الأشعث) على أيديهم لاحقا , وليتشرد الخوارج ويقتلون على يد جيوش (بني أمية) , وينتشر الفسق الأموي , ولتخسر قبيلة (تميم) مكانتها لأهل الشام , رغم هجرة (بني تميم) والكثير من القبائل العدنانية باتجاه شمال العراق التاريخي لاحقا , الامر الذي غيّر بعض المعالم الاجتماعية والقبلية حينها , لذلك عاش أمثال القاضي (أبي الفتح عبد الواحد الامدي التميمي) شمالاً في (آمد) في زمان الحمدانيين – وهم مع (آل ورقاء) من العدنانيين أيضا – وهو الذي جمع كتاب ( غرر الحكم ودرر الكلم ) من كلام (علي بن ابي طالب) في القرن السادس الهجري[183].

وقد سبق (ابو هُريرة) حزب الدنيويين والخوارج هؤلاء الى ما تسببوا من اضطراب , الذي حين دخل (جارية بن قدامة السعدي) الى (المدينة المنورة) – باحثاً عن سرية (بسر) التي بعثها (معاوية) لقتل المؤمنين في الحجاز واليمن في آخر عهد (علي) – وجده يصلي بالناس , بلا امر من خليفة , غافلاً عن حال الامة ورجالاتها في العراق والشام , ومتغافلاً ان أهل (المدينة المنورة) من الأنصار قد خرجوا جميعاً عنها , فطلبه (جارية) فهرب , فقال (جارية) ( لو وجدتُ أبا سنور لقتلته )[184], كأنما هو يعلم تماماً ما أسس له (ابو هُريرة) من دِين الدنيا .

لذلك استخلف (بسر بن ارطأة) جزّار (معاوية) وأمير غاراته على (المدينة المنورة) صاحبهم (أبا هُريرة) والياً عليها , باسم (معاوية بن ابي سفيان) , لما يعلم من دنيويته وخضوعه لعالم المادة , ورغم وجود أجَلَّ الصحابة (علي بن ابي طالب) خليفة للمسلمين وحربه مع (معاوية) . من هنا كان (ابو هُريرة) الراوي الأول لكتب السنة , ومن هنا يُعلم ما عليه تلك الكتب من حال ردي , وكيف كُتبت , ويُستشف كذلك الغاية من كتابتها ومن وراءها .

ومثل هؤلاء كان ذو العقل الدنيوي (شبث بن ربعي اليربوعي التميمي) , الذي ينصح (علياً) بتولية (معاوية) شيئاً من الإمارة ليأتلفه , ظاناً ان (علياً) إنما يقاتل على الدنيا او بسياسة من قبله او يحكم بالرؤية القبلية التي عليها هو , ولا يعي عظمة دِين (علي) . وكان (شبث) هو من يقود فئة (بني تميم) التي ساعدت (أبا موسى الاشعري) في تثبيط الناس عن نصرة (علي بن ابي طالب) , وقد ردوا على خطبة الصحابي (عمار بن ياسر) الذي كانوا يدعوا الى حق (علي) , فيما تولى (شبث بن ربعي) الرد على (زيد بن صوحان) الذي غضب من خذلان القوم للحق العَلَوي عند مسير جيش (عائشة)[185]. ثم يثير (معاوية) الذي وصف (ابن ربعي) بالأعرابي , وهذه الصفة احد أسباب التذبذب في شخصيته , وهي التي جعلته في فئة الأعراب في حروب (الردة) الذين لا هم مع الثوار على (ابي بكر) ولا في جيش قادة الانقلاب[186]. لذلك قام (شبث) بعد هذا بقتل (الحسين بن علي) سيد شباب أهل الجنة لصالح (بني أمية)[187]. ويبدو أن الخصائص الأعرابية التي اشتمل عليها (شبث بن ربعي) قد اشترك فيها مع عشرات الآلاف في جيش (علي بن ابي طالب) , باعتبار ان جيشه ذو صفة رسمية يشتمل على فئات متعددة في الأمة باعتباره الخليفة , وهؤلاء الآلاف هم الذين أصبحوا فئة (الخوارج) , حيث فرضوا على (علي) إيقاف القتال , ثم القبول بالتحكيم , وقد عارضهم (علي) , لكنهم اصروا , فرشّح لهم (ابن عباس) و(الأشتر) أطرافاً في التحكيم , فرفضوا , وفرضوا عليه (أبا موسى الاشعري) , الذي كان قومه اغلب في جيش (معاوية) وكان هواه في (عبد الله بن عمر بن الخطاب) , وهو  الذي خذّل الناس عن (علي) , ثم طلبوا الى (علي) ان يقول بكفر من قَبِلَ التحكيم ويتوب . و(شبث بن ربعي) كان ممن خرج على (علي) وأنكر عليه التحكيم , وحدّث عن (علي) و(حذيفة) , وعنه (محمد بن كعب القرظي) و(سليمان التيمي) , له حديث واحد في ( سنن أبي داود ) , وقال (الأعمش) عنه ( شهدت جنازة شبث , فأقاموا العبيد على حدة , والجواري على حدة , والجمال على حدة … قال : ورأيتهم ينوحون عليه ويلتدمون )[188], وقال (البخاري) أنه ( لا يُعلم لمحمد بن كعب سماع من شبث ) , وعن (أنس) أن (شبث) قال ( أنا أول من حرر الحرورية ) , أي الخوارج , فقال رجل ( ما في هذا مدح ) , ونقل (الدارقطني) القول ( أنه كان مؤذن سجاح , ثم أسلم بعد ذلك ) , وذكره (ابن حبان) في الثقات وقال ( يخطئ ) , وأخرجا له سؤال (فاطمة) خادماً , وقال (العجلي) أنه ( كان أول من أعان على قتل عثمان , وأعان على قتل (الحسين) , وبأس الرجل هو ) , وقال (الساجي) أنه ( فيه نظر ) , وقال (ابن الكلبي) أنه ( كان من أصحاب علي , ثم صار الخوارج , ثم تاب ورجع , ثم حضر قتل الحسين ) , و( أصحاب علي ) هنا بمعنى من ضباط جيش الدولة الرسمي لا أكثر باعتبار أن (علياً) رئيس الدولة , وقال (ابو العباس المبرد) أنه ( لما رجع بعض الخوارج مع ابن عباس , بقي منهم أربعة آلاف , يصلي بهم ابن الكواء , وقالوا ” متى كان حرب فرئيسكم شبث ” , ثم أجمعوا على عبد الله بن وهب الراسبي ) , وقال (المدائني) أنه ( ولي شرطة القباع بالكوفة .. والقباع هو الحارث بن عبد الله )[189]. والرجل كما هو واضح خارجي , مشكك بلا عقيدة , ينقل عنه القوم بتحفظ .

 

فهذه الفئة كانت من السذاجة ان تتذبذب عقائدها كما تذبذبت مواقفهم . فأساس عقيدتهم تولي الشيخين , (أبي بكر) و(عمر) , والبراءة من الصهرين , فيتولون (عثمان) إلى حين وقوع الاحداث , ويتولون (علياً) إلى حين وقوع التحكيم , وهم القرّاء الذين كانوا في (صفّين) وقد اسودت جباههم من طول السجود . وكان على رأسهم (ذو الخويصرة حرقوص بن زهير) احد أعراب (بني تميم) , والصحابي وفقاً لقياسات العامة من المسلمين , رغم انهم يتهمونه بقتل (عثمان) , والذي اعترض على النبي في حياته وقال له ( اعدل )[190]. ورغم إصرار (علي) على نقاشهم والحوار معهم , الا انهم كانوا في الغالب اجهل من ان يستوعبوا لغة (علي) او احتجاج (ابن عباس) . ومع هذا ف(علي) يعلم انهم فئة مؤمنة , لكنها ضمن مستوى ابتدائي من الإيمان , لا يرقى الى الوعي بعد , على خلاف مكرة أهل الشام , فحاول طويلاً معهم , وحاورهم هو ورجاله من الصحابة كثيرا , حتى رجع منهم معه ألفان , ثم ستة آلاف أقنعهم بالتورية حقناً لدمائهم , وقد كانوا جميعاً اثني عشرة ألفا . حتى الجأه (الأشعث بن قيس) الى ضرورة التصريح ضدهم في محضر لا يحتمل التلميح , فكان الامر كما أشار (ابن ابي الحديد) يعود في شره أولاً وأخيراً الى سوء عمل (الأشعث) , حتى نشب القتال ووقعت (النهروان) , حيث حصرهم (علي) بجيشه وهزمهم , وقد نهى عن قتالهم بعده . ففي حين كان الحزب القرشي يقاتل على السلطة , كان (علي) يقاتل على المعرفة .

ودنيوية (الأشعث بن قيس) تجلت في اول يوم دخل فيه وقومه على رسول الله , عليهم السلاح والحرير والكحل , يفاخرونه , فنهاهم النبي عن مثل ذلك وقد اسلموا[191].

لقد كان الخوارج خليطاً من الأعراب[192]والموالي وأهل العبادة لا المعرفة , وكانت قيادتهم في الغالب من أعراب قبيلة (تميم) , وهي القبيلة التي كانت منقسمة في ولائها بين الكوفة والبصرة , بين المدنية والبداوة . بالإضافة الى مجاميع ممن يُؤْمِن إيماناً عاماً بالدِّين ولا يفهم تفاصيله .

ورغم ان الخوارج كسروا جيش (علي) بجهلهم , الا ان خروجهم كان نافعاً في عدة قضايا , منها فتح حوار عقائدي داخلي في جبهة (علي) بين من يعرف مقامه كإمام مفترض الطاعة وبين من يحترمه كخليفة مفترض الطاعة , كذلك لنبذ تلك المجاميع غير الواعية .

 

حينذاك كانت القبائل لا تعي البعد العقائدي للتشيّع او التسنن , بل تدرك البعد السياسي للخلاف بين بيت النبوة وبين (بني امية) في الغالب , وكانت تحتكم الى كل الصحابة الذين تثق بهم من خلال المعرفة المباشرة او بالتابعين , لكنها تجعل لبيت النبوة مقاماً معرفياً عالياً ومنزلة أخلاقية فوق منازل الناس .

ومن ثم لا يُتوقع لمن تربّى في الحضن القرشي المعادي لرسول الله ان يوفق لمعرفة حق (علي) . فهذا (عبد الله بن عمر بن الخطاب) كان عثمانياً لم يبايع (علياً) , الا أنه عند وفاته ندم أنه لم يقاتل الفئة الباغية مع (علي بن ابي طالب)[193], ولما ولي (الحجّاج) بلاد الحجاز من قبل (عبد الملك بن مروان) , راح يبايعه ليلاً وهو يقول ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )[194], فأخرج (الحجّاج) رِجله ليبايع عليها , وعيّره أنه لم يبايع (علياً) وقد كان إمام زمانه , لكنه جاءه يبايع خائفاً بعد مقتل (ابن الزبير) , فمسح على رِجله وخرج[195].

 

يقول (محمد بن ابي حُذيفة) مخاطباً (معاوية) في اتهامه (علياً) بدم (عثمان) ما نصه ( إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحماً وأعرفهم بك, قال: أجل, قال: فوالله الذي لا إله غيره! ما أعلم أحداً شرك في دم عثمان وألّب الناس عليه غيرك لمّا استعملك ومن كان مثلك, فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك فأبى, ففعلوا به ما بلغك, ووالله ما أحد اشترك في دمه بدءاً وأخيراً إلا طلحة والزبير وعائشة, فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألّبوا عليه الناس , وشركهم في ذلك عبد الرحمان بن عوف وابن مسعود وعمّار والأنصار جميعا. قال: قد كان ذلك, قال: فوالله! إني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد, ما زاد فيك الإسلام قليلاً ولا كثيرا, وأن علامة ذلك فيك لبيّنة , تلومني على حب علي , خرج مع علي كل صوّام قوّام مهاجري وأنصاري, وخرج معك أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء, خدعتهم عن دينهم وخدعوك عن دنياك, والله! ما خفي عليك ما صنعت , وما خفي عليهم ما صنعوا, إذ أحلوا أنفسهم لسخط الله في طاعتك, والله! لا أزال أحب علياً لله ولرسوله , وأبغضك في الله ورسوله أبداً ما بقيت )[196].

 

وقد ابتلي (علي بن ابي طالب) بثلاثة أنواع من الناس , مؤمنين أعراب لا يعرفونه , قاتلهم في (الجمل) , وخليط من المؤمنين الساذجين والمنافقين ومن خلفهم الكافرون باطناً , قاتلهم في (صفّين) , ومؤمنين أعراب جهلة يعرفونه , قاتلهم في (النهروان) . اذ خاطب هذا الصنف الأخير من الخوارج , وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة ( أكلكم شهد معنا صفّين؟ فقالوا: منا من شهد ومنا من لم يشهد . قال: فامتازوا فرقتين , فليكن من شهد صفّين فرقة, ومن لم يشهدها فرقة , حتى أكلّم كل منكم بكلامه , ونادى الناس , فقال: أمسكوا عن الكلام , وانصتوا لقولي , وأقبلوا بأفئدتكم إلي , فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها . ثم كلّمهم بكلام طويل , من جملته أن قال : ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة , ومكراً وخديعة ” إخواننا وأهل دعوتنا, استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه , فالرأي القبول منهم , والتنفيس عنهم ” . فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان , وباطنه عدوان , وأوله رحمة , وآخره ندامة , فأقيموا على شأنكم , والزموا طريقتكم , وعضّوا على الجهاد بنواجذكم , ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق , إن أُجيب أضل , وأن تُرك ذل . وقد كانت هذه الفعلة وقد رأيتكم أعطيتموها , والله لئن أبيتها ما وجبت عليَّ فريضتها , ولا حمّلني الله ذنبا , ووالله إن جئتها إني للمحق الذي يتّبع , وأن الكتاب لمعي , ما فارقته مذ صحبته , فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وأن القتل ليدور على الآباء والأبناء والاخوان والقرابات فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيماناً ومضياً على الحق , وتسليماً للأمر , وصبراً على مضض الجراح … ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الاسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج , والشبهة والتأويل , فإذا طمعنا في خصلة يلمّ الله بها شعثنا , ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا , رغبنا فيها , وأمسكنا عما سواها )[197].

ومن هؤلاء (مسعر بن فدكي التميمي) , الذي جعله (علي) على قرّاء الكوفة , وذكر (الطبري) أنه جعله على قرّاء أهل البصرة , وذكر (الحاكم الحسكاني) في شواهد التنزيل بأنه روى عن (عطية العوفي) عن (جابر بن عبد الله) أن رسول الله – صلى الله عليه وآله – قال ( مكتوب على باب الجنة … لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي )[198], كما رواه (ابن عساكر)[199], لكن بحسب ما ذكره المؤرخون ك(نصر بن مزاحم) في وقعة (صفّين) في حديث (عمر بن سعد) أنه لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن أنه يعرفهم مخادعين وإنها كلمة حق يراد بها باطل , فجاءه زهاء عشرين ألفاً مقنعين في الحديد شاكي السلاح , سيوفهم على عواتقهم وقد اسودّت جباههم من السجود , يتقدمهم (مسعر بن فدكي) و(زيد بن حصين الطائي) – الذي كان عامل (عمر) على حدود الكوفة كما يبدو من ترجمته في الإصابة – وعصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعد[200].

وعن (ابي كثير الزبيدي الكوفي الأنصاري) عن (علي بن ابي طالب) حين قتل أهل (النهروان) , لما داخل بعض الناس الحزن لقتلهم , فقال (علي) عن رسول اللّه ( ان ناساً يخرجون من الدّين كما يخرج السهم من الرمية , ثم لا يعودون فيه أبدا , وأن آية ذلك أنّ فيهم رجلاً أسود , مخدج اليد , إحدى يديه كثدي المرأة لها حلمة كحلمة المرأة , حولها سبع هلبات , فالتمسوه , فإنّي لا أراه الا فيهم ) , فوجدوه على شفير النهر تحت القتلى , فقال ( صدق اللّه ورسوله ) , وفرح الناس حين رأوه واستبشروا وذهب عنهم ما كانوا يجدون[201]. وعن (أبي مريم) قال ( إن كان ذاك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد نجالسه الليل والنهار, وكان فقيرا, ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي مع الناس, وقد كسوته برنسا لي )[202] .

وقد ابتلي (علي بن ابي طالب) هنا بلاءين , جهل خوارج (النهروان) , وسوء ظن واعتقاد من معه وقياسهم على ظاهر من مات من قراء الخوارج . ومنه يُعلم ان (علياً) كان خصمه الجهل في الواقع , لذلك كانت وظيفة أبنائه القضاء على الجهل قبل القضاء على الجاهلين . وكل هذا الجهل عززه موقف (عائشة) و(الزبير) و(طلحة) وحزبهم ورواتهم في (الجمل) , لتكون النتائج بعدهم أسوأ .

ومن النتائج أن يكون من مفارقات القتال على التأويل – بعد ان انتهى عصر القتال على التنزيل بوفاة رسول الله – ان يقتل وريث الكافرين (عكرمة بن ابي جهل) عبداً مؤمناً مخلصاً هو (عبيد بن التيهان الأنصاري)[203], الذي كان احد السبعين الذين بايعوا رسول الله بيعة (العقبة) وممن شهد (بدراً) و(أُحد) , قتله ب(صفّين) مع (علي) , وقد قتله باسم الإسلام , اذ صار (عكرمة) معياراً لتمييز المؤمنين! . ولم يدخر القوم جهداً في دفع هذه الجريمة , فقالوا انه قتله فعلاً لكن ربما في (أُحد) ! . و(عكرمة) هو احد الذين رفدوا على (خزاعة) وآذوها وهي في ذمة وعهد رسول الله قبل الفتح , رغم ان قومه عقدوا مع النبي عقدا وصلحا[204]. ولولا معركة (الجمل) لم يكن (عكرمة) .

وقد نتج عن هذه الأحزاب أقاليم ناصبية , توارثت نصب العداء ل(آل علي) وشيعتهم كبيئة اجتماعية , بتأثير التجاور والاجتماع لذات السبب . ومن هذه الأقاليم (الفلوجة) في العراق , لأن (معاوية بن ابي سفيان) كان يقطع أراضيها لكبار أعداء (علي بن ابي طالب) من أهل العراق , فقد ورد ان (أبا بردة بن عوف الأزدي) كان عثمانياً , تخلّف عن (علي) يوم (الجمل) , وحضر معه (صفّين) على ضعف نية في نصرته , كما روى (أبو الكنود) أن (أبا بردة) مع حضوره في (صفّين) كان ينافق أمير المؤمنين ويكاتب (معاوية) سرا, فلما ظهر (معاوية) أقطعه قطيعة بالفلوجة , وكان عليه كريما[205].

 

ويبدو واضحاً ان الله الذي جعل ولاية (علي بن ابي طالب) ديناً قد هيّأ لاختياره ما لم يتهيأ لغيره , فمرحلة اختيار (علي) كانت الفترة الزمنية الوحيدة للرأي الحر في تاريخ الصحابة بعد رسول الله , بوجود الثورة الشعبية , فتبنته الصحابة كخيار إسلامي صالح , وهو  الامر الذي سمح للعقيدة العَلَوية ان تخترق حتى صفوف حزب الطلقاء , بعد ان سرت في الجيل اللاحق , فقد كان (المهاجر بن خالد بن الوليد) مع (علي) يوم (صفّين) , وكان ابنه (خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد) مع (بني هاشم) في الشِعب في زمان (ابن الزبير)[206], حين حصرهم فيه . إذن رغم كل هذه الحروب والمنازعات , كان هناك امر إيجابي حاسم في التاريخ الإيماني , حيث خرج الكثير من النواصب وضعيفو الإيمان وأهل الدنيا عن العراق . اذ ان من بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان (معاوية)[207]. كما انتقل جزء كبير ممن كان قد شارك في (الجمل) ضد الإمام الشرعي (علي بن ابي طالب) الى صفه عند معركة (صفّين) , لا سيما من (ازد) البصرة تحت قيادة (صبرة بن شيمان الازدي) , ومن (تميم) و(الرباب)[208]. الامر الذي سمح لهم بلقاء وجوه الصحابة والتابعين , والاحتكاك بالفكر الكوفي , كما سمح لهم بمعرفة (علي) بصورة مباشرة , الامر الذي سيكون كفيلاً بتغيير القناعات والأفكار تجاه مفهوم الإمامة .

 

 

ان العلة الأساس في حرب مثل (الجمل) ليس النفاق والإيمان كما كان في حرب (صفّين) بين (علي) و(معاوية) , بل بين الإيمان الواعي وبين الإيمان الساذج , بين المدنية وبين الأعرابية , فقد كان أنصار (عائشة) مؤمنين , لكنهم لا يعرفون حق (علي بن ابي طالب) وأهل بيته , وهم يظنون ان (عائشة بنت ابي بكر) لا تنطق الا بالحق لأنها زوج الرسول , لذلك قدّمها أمامهما الخارجان (طلحة) و(الزبير) , وهما من دعماها إعلامياً ايضاً ووثّقا جبهتها وخلقا مقامها . رغم ان (عائشة) كانت حقاً لا تحب (عثمان) وفعله وتبغضه وكانت تريد الخلافة ل(طلحة)[209], ومع هذا صدّقوها في امر طلبها لدمه . وهي التي كانت ترى استحباب التزويج في شوّال , لا لشيء شرعي , بل لدافع عاطفي هو ان رسول الله بنى فيها في شوّال . وهي الرواية التي جمعت بين بيان عاطفتها وبين جرأة القوم على الإساءة لمقام رسول الله في زواجه من طفلة ذات ست او سبع سنين , اذ تدعي الرواية الزبيرية , وراويتها (عروة بن الزبير) , ان رسول الله بنى فيها في السنة الأولى للهجرة .

لهذا كانت خطب (الحسين بن علي) يوم كربلاء بثّاً للتشيّع ومقدمة لعقيدة الإمامة[210], وقد بيّن بوضوح ان هؤلاء الذين أتوا لقتاله هم بقايا من جيش (الجمل) وشذاذ الفرق الضالة التي حاربها ابوه من قبل تطلب بالثأر , او انهم من آكلي الحرام جاءت بهم الدنيا , وبعض من اليهود وأهل الضلالة من اهل الكتاب , حيث قال ( .. وتداعيتم إليها كتداعي الفراش , فسحقاً لكم يا عبيد الأمة , وشذاذ الأحزاب , ونبذة الكتاب , ونفثة الشيطان , وعصبة الآثام , ومحرفي الكتاب , ومطفئي السنن , وقتلة أولاد الأنبياء , ومبيدي عترة الأوصياء , وملحقي العهار بالنسب , ومؤذي المؤمنين , وصراخ أئمة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين , ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون , وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون وعنا تخاذلون , أجل والله الخذل فيكم معروف , وشجت عليه أصولكم , وتآزرت عليه فروعكم , وثبتت عليه قلوبكم , وغشيت صدوركم , فكنتم أخبث ثمر , شجي للناظر , وأكلة للغاصب , الا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها , وقد جعلتم الله عليكم كفيلا , فأنتم والله هم … )[211].

ومن مقالة متردد متقلب مثل (شبث بن ربعي) – حين غضب لمقتل احد انصار (الحسين) وهو (مسلم بن عوسجة) – يُفهم ان هذه الغضبة كانت لمِصره وليست عقائدية , بمعنى انه تأثر لغياب هذا الوجه الشجاع الكريم عن العراق , ومنه يُعرف ان الكثيرين كانوا في جيش (عمر بن سعد) عصبية لزعمائهم وقبائلهم وليس لديهم معرفة بما يجري عقائديا[212]. ف(شبث بن ربعي) كان رجلاً قبلياً ذا حمية وعصبية أعرابية , وهذا واضح من نهيه (شمر بن ذي الجوشن) – الذي لم يكن يتمتع بأخلاق من أي نوع – عن حرق فسطاط النساء[213]. وهو ما يجب الانتباه له عند قراءة مواقف الرجال , للتفريق بين ما هو عقائدي وبين ما هو عصبية وحمية قبلية عربية , ف(شبث بن ربعي التميمي) كان من الخوارج عقائديا , وقد جمع موقفه من (زيد بن صوحان العبدي) في الكوفة – حين كان (زيد) يستصرخ الناس لنصرة (علي بن ابي طالب) , وكان (شبث) يدافع عن (ابي موسى الاشعري) في تثبيط الناس عن نصرة (علي) يوم (الجمل) – بين حميته القبلية وعقيدته الخارجية , اذ نادى (زيداً) بال(عُماني) إشارة لكونه ليس من الكوفة , وفي ذات الوقت أراد ان يخرّب عليهم ما يبنون من حث الناس على المسير الى البصرة[214].

فيما كان بعض قبائل (قيس عيلان) الأعرابية من (فزارة) وغيرها وكذلك الأعراب من (بجيلة) يشغلون شمالي الجزيرة العربية الى جنوب العراق , وكانوا عثمانية يبغضون (الحسين) وأباه[215]. وهذا كان يضعف من حماسة الناس في الطريق للالتحاق ب(الحسين) أكيدا . الا ان تلك المسيرة الحسينية كانت ضرورية قريباً من هذه القبائل لاختراقها فكريا , فكانت النتيجة التحاق مثل (زهير بن القين البجلي) بالركب الحسيني الثوري رغم انه لم يكن عَلَوي الهوى بعد ان اثّرت فيه زوجته (دلهم بنت عمرو) مبدئيا . و(زهير بن القين) لم يكن شخصاً عادياً , بل كان وجهاً اجتماعياً شارك في فتح بلاد (الخزر) وتأثر بوجود (سلمان الفارسي) معه[216]. لهذا فقد اجتمع ل(الحسين) انصار وشيعة قبل دخوله العراق من الحجاز وجنوب البصرة , لكنهم تفرقوا بإذن (الحسين) عند جنوب العراق وحدود (السماوة) , بعد ان اعلمهم بمقتل (مسلم بن عقيل) والأمير (هانئ بن عروة) وأن الأمور في الكوفة لم تستقم له[217]. وهذا يكشف انهم انما تبعوه لأسباب غير معرفتهم بالإمامة العقائدية , وانما لاحترامهم لمقامه الإسلامي العام وصلاحه الذاتي او رفضاً منهم لسلوك (بني امية) , ومن ثم هم لم يكونوا شيعة بالمعنى العقائدي . ومثال ذلك (الحر بن يزيد الرياحي التميمي) وجيشه , فهم دليل على ان القوم كانوا من الفئة الاولية الخام للإسلام وأنهم في طاعة الدولة الإسلامية الرسمية , لكنهم يعرفون مقام (الحسين بن علي) الكريم في الامة , وهذا ما جعلهم يصلّون بصلاته رغم انهم رسل اعدائه من البيت الاموي[218].

ومن كتب اهل الكوفة يتضح امران , ان البصرة والكوفة صارتا متقاربتين حتى عدتا واحدا , وأن الزعماء كانوا منقسمين اهل حق وأهل باطل , لم يجتمعا وما اجتمعا في الطف , وأن القريبين الى البصرة هم الذين خرجوا على (الحسين) لاحقا , وكذلك يتضح ان كتب الاشرار منهم كانت بتأثير شعبي . فقد كانت هناك فئة (سليمان بن صرد الخزاعي) و(المسيب بن نجبة الفزاري) و(رفاعة بن شداد البجلي) و(حبيب بن مظاهر الاسدي) و(عبد الله بن وال التيمي) , وهم بين شهيد مع (الحسين) في (طف كربلاء) او شهيد في ثورة التوابين ثأراً لمقتل (الحسين) . وكانوا في الغالب من القبائل المحيطة بالكوفة ومن شيعة (علي بن ابي طالب) فكراً وعقيدة . فيما كانت هناك فئة من زعماء القبائل او الوجوه الاجتماعية استجابت للضغط الشعبي المناصر ل(الحسين) وراءت الناس في مراسلته , على رأسهم (شبث بن ربعي التميمي) و(حجار بن ابجر العجلي) و(يزيد بن الحارث بن رويم) و(عزرة بن قيس الأحمسي) و(عمرو بن الحجاج الزبيدي) و(محمد بن عمير بن عطارد التميمي) , وكل هؤلاء قاتل (الحسين) لاحقاً وغدر به , وليس لهم تاريخ عقائدي مع ابيه , بل جل علاقتهم ب(علي بن ابي طالب) كانت سياسية باعتباره رئيساً للدولة , وكانوا اقرب الى قبائل إقليم البصرة التاريخي الكبير الخليجي النجدي من أعراب (بني تميم) و(شيبان) . ولم تلتقِ كتب الفئتين ابداً , لهذا من التجني خلط أوراق الحزبين والإساءة لزعماء الكوفة الذين استشهدوا مع (الحسين) . فقد كان الملفت ذهاب الكتب الى (الحسين) بتوقيع الفئة الأولى مشتركة بمعزل عن الثانية , وذهاب كتب الثانية الى (الحسين) مشتركة بمعزل عن الفئة الأولى[219].

ونتيجة البعد السياسي كانت هناك قبائل تنصب العداء للبيت النبوي بسبب سيف (علي بن ابي طالب) في رجالات قبائلها في معاركه على التنزيل ضد الكفر اوفي معاركه في الإسلام على التأويل ضد النفاق , ومن هنا اختارت هذه القبائل نسقها العقائدي لاحقا . ومن ثم كانت المناطق الأعرابية والصحراوية اكثر بغضاً ل(آل علي) , بسبب معارك (قيس عيلان) و(الجمل) . كذلك مناطق الشام بسبب الثقافة التي نشرها ولاة (عمر بن الخطاب) عليها مثل (يزيد بن ابي سفيان) و(معاوية) و(عبد الرحمن بن خالد بن الوليد) . وقد ظلت قبائل كبيرة في مدينة مثل البصرة – التاريخية حتى عُمان – ناصبية الى زمان الإمام (جعفر بن محمد الصادق) ابن حفيد (الحسين)[220]. الا ان هناك تطوراً نسبياً في قبيلة بصرية مثل (تميم) حين دعاهم (الحسين) الى نصرته[221].

لكنّ (الحسين) كانت وظيفته في كربلاء ليس الموت وإنما بثّ الحياة من جديد , فكان يخطب في معسكر اعدائه لزرع روح الثورة وبيان مفاسد السلطة الحاكمة وأنها لا عهد لها ولا شرف , فكان يبذر بذرة الثورة بين تلك القبائل التي جاءت لقتاله من حيث لا تشعر او تشعر . فكانت كلماته تهدف لما هو ابعد من كربلاء , لكنها آتت اكلها حتى في كربلاء ذاتها , فجاءه (الحر بن يزيد الرياحي التميمي) و(يزيد بن مهاصر الكندي) تائبين ثائرين ضد معسكرهما , وهما من القادة , ويظهر من مقالة (الحر) ل(عمر بن سعد) انه لم يكن يعي مقام (الحسين) العقائدي من قبل لكنّه انجذب لمقالة الحق العامة في فمه[222]. وراح بعد كربلاء من خرج ليفوز برأس (الحسين) مثل (مسروق بن وائل الحضرمي) يحدّث الناس عن كرامات اهل البيت فيها[223].

مع بقاء المناطق الخام الابعد عن الطريق الحسيني جاهلة بمقامه , فهذا (ابن حوزة التميمي) يرى ان (الحسين بن علي) مصيره الى النار ! . فيما (يزيد بن معقل) يباهل (برير بن خضير) في دلالة انه كان يظن انه على الحق , جهلا . ومع ذلك كانت المباهلة ايضاً دلالة ذهنية لجيش (عمر بن سعد) لمعرفة الحق[224].

فيما كان الموالون لأهل البيت لا يمنعهم المقام من اظهار ولائهم , فهذه امرأة من (بكر بن وائل) كانت زوجة لأحد افراد جيش (عمر بن سعد) حملت السيف نصرة لنساء آل بيت الرسول عندما داست الخيل صدر (الحسين) لتعبر اليهن , فردّها زوجها[225]. ومن توزيع رؤوس أصحاب (الحسين) على القبائل التي جاءت مع (عمر بن سعد)[226] يُعلم حجمها في ذلك الجيش ودورها , فالمنافسة كانت بين (هوازن) و(تميم)[227], على اختلاف الرواية ان احداهما ذهبت بعشرين رأساً والأخرى بسبعة عشر , وهما قبيلتان أعرابيتان موطنهما صحارى (نجد) وساحل الخليج , فيما ذهبت (كِندة) بقيادة (آل الاشعث) بثلاثة عشر رأسا , وهي قبيلة نجدية الأصل , وذهب أعراب (أسد) و(مذحج) – مشتركتين – بنحو ثلاثة عشر رأسا , وباقي الناس بأقل من ثلاثة عشر رأسا .

فيما كان العنوان العام للجيش الذي قاتل (الحسين بن علي) وحاصره وأفجع المسلمين به أوضح في شعر (الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب) حيث عدّد القبائل الرئيسة المشاركة في أحد ابياته فذكر (تميم) و(بكر) و(السكون) و(حِمْيَر)[228], وهي قبائل تشترك في جزء كبير من البداوة , او انها غير عراقية أصلا .

وكما هو متوقع كان (قيس) و(محمد) ابنا (الاشعث بن قيس الكِندي) , النجديّون , أهم من قاتل ضد (الحسين بن علي) , إتماماً لسيرة أبيهما المضطربة , ولابد أن تكون عائلة الأشعث جزءاً من هذه الفوضى ( الاموية , الزبيرية , القيسية , النجدية ) التي أنتجتها فوضى (الجمل) , فيكفي في معرفتهما معرفة ابيهما , فعن (قيس بن أبي حازم)  قال ( دخل الأشعث على علي في شيء , فتهدده بالموت , فقال علي: بالموت تهددني ! ما أباليه , هاتوا لي جامعة وقيداً ! . ثم أومأ إلى أصحابه . قال : فطلبوا إليه فيه , فتركه … ) , وروى (الشيباني) عن (قيس بن محمد بن الاشعث) أن (الأشعث) كان عاملاً ل(عثمان) على أذربيجان , فحلف مرة على شيء , فكفّر عن يمينه بخمسة عشر ألفا[229]. وكان (الحجّاج) يبغض (عبد الرحمن بن الاشعث) ويقول ( هو أهو ج أحمق حسود , وأبوه الذي سلب أمير المؤمنين عثمان ثيابه وقاتله , ودلّ عبيد الله بن زياد على مسلم بن عقيل حتى قتله , وجدّه الأشعث ارتدّ عن الإسلام , وما رأيته قط إلا هممت بقتله ) , وقال لهم (ابن الاشعث) عنه ( ليس الحجّاج بشيء, ولكن اذهبوا بنا إلى عبد الملك , لنقاتله ) , ووافقه على خلعهما جميع من في البصرة من الفقهاء والقرّاء والشيوخ والشباب , ثم أمر (ابن الاشعث) بخندق حول البصرة فعمل ذلك[230]. و(محمد بن الاشعث بن قيس الكِندي) ابن اخت (ابي بكر) , وقد ذكره (ابن حبان) في الثقات[231], وذكر (ابن منده) أنه ولد في عهد النبي , وقال (أبو نعيم) فيه ( لا يصح لمحمد بن الاشعث صحبة ) , قالوا ( ولا رؤية , لأن أمه أم فروة بنت أبي قحافة أخت ابي بكر , وإنما تزوجها الأشعث في خلافة ابي بكر , لما قدم , بعد أن ارتدّ , وأُتي به من اليمن إلى المدينة أسيراً , فمنّ عليه أبو بكر , فتزوج أخت ابي بكر الصديق في قصة مشهورة ) , ول(محمد) رواية في السنن عن (عائشة) , وروى عنه (الشعبي) وغيرهم , قُتل سنة سبع وستين بالكوفة أيام (المختار) , كانت له او لأبيه عمة له يهودية , توفيتْ , فسأل عمر ( من يرثها ؟ ) , فقال (عمر) له ( يرثها أهل دينها ) , او ( لا يتوارث أهل ملتين ) , ثم سأل (عثمان) فقال له ( أتراني نسيتُ ما قال لك عمر ! يرثها أهل دينها ) . وهو ما يكشف أن هذه العائلة اوحتى القبيلة كانت على اليهودية . وحين غزا (مصعب بن الزبير) العراق وحارب (المختار) بعث على مقدمته (محمد بن الاشعث)[232]. فالرجل حرب على (آل محمد) . اذ لما تتبع (المختار) أهل الكوفة جعل عظماؤهم يتسللون هراباً إلى البصرة , حتى وافاها منهم مقدار عشرة آلاف رجل , وفيهم (محمد بن الاشعث) , فاجتمعوا , ودخلوا على (مصعب بن الزبير) . فتكلم (محمد بن الاشعث) معه وقال ( أيها الأمير , ما يمنعك من المسير لمحاربة هذا الكذاب , الذي قتل خيارنا , وهدم دورنا , وفرّق جماعتنا , وحمل أبناء العجم على رقابنا , وأباحهم أموالنا ؟ , سر إليه , فإنا جميعاً معك , وكذلك من خلفنا بالكوفة من العرب , هم اعوانك ) , فقال (مصعب) له ( يا ابن الاشعث , أنا عارف بكل ما ارتكبكم به , وليس يمنعني من المسير إليه إلا غيبة فرسان أهل البصرة أشرافهم , فإنهم مع ابن عمك المهلب ابن أبي صفرة في وجوه الأزارقة بناحية كرمان , غير أني قد رأيت رأياً … رأيتُ أن أكتب إلى المهلب , آمره أن يوادع الأزارقة , ويُقبل إلي فيمن معه , فإذا وافى تجهّزنا لمحاربة المختار ) , فوافقه وأخذ الكتاب بيده حتى ورد (كرمان) , وأوصله إلى (المهلّب)[233]. فالرجل قبلي ناصبي دنيوي بحت , يرى قتلة (الحسين بن علي) خيار الناس , ويتحدث بلغة عنصرية . ورغم ذلك فقد رفض (آل المهلّب) الإساءة لأهل العراق , فقد رفض (يزيد بن المهلّب) ولاية العراق ل(سليمان بن عبد الملك الاموي) حين طلب منه ذلك , خشية ان يسير فيهم بسيرة (الحجّاج) والعراق عراقه[234].

 

 

 

وبهذا يكون ما وصفه (ابن ابي الحديد) من ان (الحسين) هو الذي بإبائه قد سنّ ل(بني الزبير) و(آل المهلّب) الثورة على (امية)[235]بعده صادقا , وأنهم ثاروا بوهج الثورة الحسينية .

 

 

ومن جانب آخر صار توهين النبي بضاعة دولة (بني أمية) كذلك , التي انتظمت اليها الكثير من تلك القبائل القيسية . دون أن يخشى الامويون من تأثير (علي بن أبي طالب) لأن تداعيات معركة الجمل وفّرت لهم فرصة استباق الطعن فيه بنفسه , بل الادعاء بأنه لا يصلّي .

فقد نقلوا ان رسول الله كذّب (زيد بن أرقم) في سماعه (عبد الله بن ابي بن سلول) , ثم كذّب القرآنُ النبيَّ وصدّق (زيدا)[236].

كما صار بالإمكان لاحقاً إظهار خصوم النبي القدماء مثل (ابي سفيان) على انهم من الصحابة , فمن يدري من الأقوام البعيدة , لا سيما مع جهالة تلك الأقوام بالكثير من الصحابة , وكذلك شهادات الزُّور الممولة رسميا , لاسيما مع مقتل سبعين الى مائة وعشر الف مسلم يوم (صفّين)[237], غير الآلاف الذين ماتوا في (الجمل) من الصحابة والتابعين , الامر الذي يفيد بذهاب جل الصحابة ووجوه المسلمين الأوائل . وهذا الرأي الأخير منقول عن (الفضل بن شاذان) من ذهاب كبار الأصحاب في الحرب , ثم كثرتهم ومقتلهم مع (الحسين بن علي)[238].

وساعد على هذه الفوضى الفكرية والتلاعب بدِين الناس العهد العُمَري الذي جعل من قبل (كعب الأحبار) راوي الأمة , لا يُبعد أنه كان من المخططين لأحداث غيّرت معالم الإسلام . فكان من تنبؤات (كعب الأحبار) ما أورده (الطبري) في كتابه ( … فقال كعب وهو يسير خلف عثمان : الامير والله بعده صاحب البغلة وأشار إلى معاوية )[239]. وجاء أيضاً ( … عن بدر بن الخليل بن عثمان ابن قطبة الاسدي عن رجل من بني أسد قال : ما زال معاوية يطمع فيها بعد مقدمه على عثمان حين جمعهم فاجتمعوا إليه بالموسم ثم ارتحل فحدا به الراجز ” إن الامير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي ” . قال كعب : كذبت صاحب الشهباء بعده . يعني معاوية . فأخبر معاوية , فسأله عن الذي بلغه , قال : نعم أنت الامير بعده , ولكنها والله لا تصل اليك حتى تكذب بحديثي هذا . فرفعت في نفس معاوية )[240]. والتنبؤات هذه من (كعب الأحبار) يمكن قراءتها من زاويتين , انّه كان يتنبأ فعلاً من خلال بعض العلوم الباطنية السحرية الكهنوتية الموروثة , او انه يشارك في خطة كبيرة لإزالة وتنصيب أمراء الدولة الاسلامية , ضمن فئة ومنظمة اكبر . ورغم رجاحة القراءة الثانية لتنبؤات (كعب الأحبار) , الّا انّ رواية (عبد الله بن الزبير) تؤيد القرّاءة الاولى , حيث قال (عبد الله بن الزبير) لما أتي برأس (المختار) أنه ( ما وقع في سلطاني شيء إلا أخبرني به كعب , إلا أنه ذكر لي أنه يقتلني رجل من ثقيف وهذه رأسه بين يدي . وما درى أن الحجاج خبيء له )[241]. فيكون محرّك أحداث (الجمل) و(صفّين) وأحزاب (بني أمية) و(آل الزبير) مشروع أكبر منظّم .

 

إلا أن هذه الأحزاب التي جمعتها الدنيا فرّقتها الدنيا أيضاً , والخارجون للطلب بدم أموي في (الجمل) نال ذراريهم السيف الأموي , كما أن قادتها كانوا بلا هوية سوى التيه .

فهذا (الضحّاك بن قيس الفهري) شهد فتح دمشق وسكنها ووليها بعد ما كان ولي الكوفة من قـِبَل (معاوية بن ابي سفيان) , ثمّ دعا لخلافة (عبد الله بن الزبير) بعد وفاة (يزيد بن معاوية) فقُتل سنة 64 للهجرة في حرب خاضها ضد (مروان بن الحكم) ب(مرج راهط) , وعن (الزبير بن بكار) قال ( كان الضحاك بن قيس مع معاوية , فولاه الكوفة , وهو  الذي صلى على معاوية , وقام بخلافته حتى قدم يزيد , ثم بعده دعا إلى ابن الزبير , وبايع له , ثم دعا إلى نفسه )[242], فيكفيه من أمره انه المصلّي على الطاغية الباغي (معاوية) .

 

بخلاف ذرية أنصار (علي) ورجاله من الصحابة والتابعين ومن الذين عرفوه حق معرفته إماماً مفترض الطاعة , فقد ورّثوا المبدأ لذلك استقر في أبنائهم جيلاً بعد جيل . فقد حظي (إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي) , وأبوه قائد جيش (علي) , بحصة خاصة من التاريخ الحركي لشيعة (علي بن ابي طالب) , لسببين , أنه ساهم بالنسبة الأكبر في تخليص العراق ممن نصب العداء ل(علي بن ابي طالب) , كما ورّث[243]وهج الثورة والعقيدة لذريته وذراري (النخع) , وقد كان فارساً شجاعاً شهماً , مقداماً رئيساً عالياً , بعيد الهمة عالي النفس , وفياً شاعراً فصيحاً , كان مع ابيه (مالك الأشتر) في (صفّين) , وأبلى فيها بلاءً حسنا , وبه استعان (المختار) حين ظهر بالكوفة , وبه قامت إمارة (المختار) وثبتت أركانها , قُتِل في حرب وقعت بين (مصعب بن الزبير) وَ(عبد الملك بن مروان) سنة ٧١ , وأعقب (النعُمان) , (مالك) , وجاء ان (محمد بن مروان بن الحكم) قتله بين بدير الجاثليق بين الشام والكوفة , وكان على الجزيرة[244].

 

كما هاجر – هرباً من سيف الأمويين – بعض قبيلة (همدان) الى (جرجان) , وهي من أقاليم ايران الْيَوْمَ وإليه ينتسب جملة من الفلاسفة نتيجة هذا المد المبارك , ومنهم (سعيد بن نمران الهمداني الناعطي) المتوفى 70 ه , الذي أدرك من حياة النبي أعواما , حدّث وروي عنه , وشهد (اليرموك) وسار إلى العراق مدداً لأهل (القادسية) , وكان كاتباً لأمير المؤمنين (علي) , وكان من أصحاب (حجر بن عدي) , وسيّره (زياد بن أبيه) مع (حجر) إلى الشام , فأراد (معاوية) قتله , فشفع فيه (حمزة بن مالك الهمداني) , فخلّى سبيله , ولما ولي (مصعب بن الزبير) الكوفة استقضاه ثم‌ عزله , ثم هاجر إلى (جرجان) فسكنها[245].

وكما يبدو فإنّ اغلب المحدّثين من التابعين من سكنة الكوفة , وهم حلقة الوصل مع الصحابة , ومنهم أخذت الامة . ولولا بدع (ابن الزبير) وأهل الشام لوصل الدين نقياً غير ملوث . لكنّ السياسة الزبيرية والأموية اقتضت وضع نصوص بديلة لما جاء من الحق . فظهرت احاديث أهل الشام وأسانيدهم , التي لازالت الى الْيَوْمَ مرفوضة من أهل العلم من الفريقين .

 

 

وإذا كان (مروان بن الحكم) قد أعاد مسار الامويين الى خطه الأول الذي ورث مسيرة أعداء النبي من القرشيين , وحرّك ما حرّك من كواليس حرب (الجمل) , فإن ابنه (عبد الملك بن مروان) اتجه الى منهج التزوير في التاريخ , لإكمال لعبة التغيير , فاختار الضعيف المكسور امام (بني أمية) والكاره ل(بني هاشم) وبقية تلك الحرب (عروة بن الزبير) فكاتبه في قصة معركة (بدر) , فنسبها (عروة) الى طمع رسول الله بسلب (قريش) , وإلى طمع أصحابه في أموالها , وأن الرسول بعث أباه (الزبير) في سرية قبضت على غلام ل(قريش) عند ماء (بدر) , فأخذوا الأخبار منه بالضرب والتعذيب , ورسول الله ينظر ! , رغم ان الغلام بحسب (عروة) كان صادقا , وأن (قريشاً) إنما اضطرت الى الخروج إجارة لأموالها , وأن (أبا سفيان) نهى (قريشاً) عن الخروج بعد نجاة الأموال , وأن النبي حثا في وجوههم التراب عند مقدمهم – في مشهد سحري – فانهزموا[246]. وهنا استجاب (عروة بن الزبير) لرغبات (عبد الملك بن مروان) الأموي الفكرية التلفيقية في تبرئة عموم (قريش) وخصوص (بني أمية) من دماء المسلمين ومن عداوة الإسلام والدين , وبالتالي جواز حكمهم على رقاب الامة المسلمة , وأنهم مظلومون من (محمد) , وأنه هو من ابتدأ الحرب لا (قريش) , وأوجد لأبيه (الزبير) منقبة برأيه , وأساء ل(بني هاشم) وللصحابة الذين كانوا في صف (علي) يوم (الجمل) و(صفّين) , وشرّع للحكّام جواز التعذيب . وتوافق المصالح بين (آل امية) و(آل الزبير) أنتج رواية أخرى حين استكتب (مروان بن الحكم) منهم (عروة بن الزبير) عن موقف (خالد بن الوليد) , هل أغار يوم الفتح ومع من كان ؟ , ما يكشف ان امر (خالد) لم يكن موضحاً للعامة وتم إخفاء شيء سيّء يخصه , ولوكان يومها مسلماً لما احتاج الى استكتاب من الخليفة ذاته , فجعله (عروة) مسلما , وجعل (أبا سفيان) مبايعاً للنبي دون ذكر كراهته , وفي مقابل ذلك ادخل أباه (الزبير) في رواية الفتح وأنه محور القصة . وبهذا أضاع (آل الزبير) و(آل امية) تاريخ الفاتحين الحقيقي[247]. هذا فضلاً عن تاريخ رسول الله الذي اضاعته متناقضات النقل بين الصحابة المفترضين , كما حدث في اختلاف (عبد الله بن عمر) و(عائشة) على عدد مرات ما اعتمر النبي . وهي ليست روايات عن رواة متعددين للتفاضل , بل راوٍ واحد يروي اختلاف صحابيين في نفس المقام[248].

حتى ان تاريخ حدوث معركة (بدر) الكبرى – التي كانت مفصلاً بيّناً – ضاع وتردد بين روايات الشعب والسلطان ما بين سبعة عشر وتسعة عشر من شهر رمضان .

وليس غريباً على (آل الزبير) التزوير في حوادث ووقائع التاريخ الإسلامي لرفع مكانة ابيهم حين ادّعوا الخلافة واحتاجوا الى رتبة اعلى من رتبتهم . فقد أتم (هشام بن عروة بن الزبير) ما بدأه أبوه في عصر (عبد الملك) , اذ راح يستنسخ قصة بروز (علي بن ابي طالب) يوم (خَيْبَر) ورجزه وينحلها الى (الزبير)[249]. وهذا الخليط الأموي الزبيري هو ما أنتج لا شك الإساءة لمقام رسول الله – من اجل تبرير أفعال (بني أمية) – في رواية (ابن إسحاق) ان النبي دفع (كنانة بن الربيع بن ابي الحقيق) اليهودي الى (الزبير بن العوام) ليعذبه بالنار في صدره من اجل كنز من الذهب والفضة . وفعلاً استجاز (برهان الدين الحلبي) تعذيب الناس في ( السيرة الحلبية ) بهذه الرواية , رغم ان (الحلبي) ذاته يروي نسختها الأخرى ببطل اخر هو (حيي بن أخطب) اليهودي , الامر الذي يكشف اضطرابها[250].

وبفعل هذا التحالف الخفي بين (آل الزبير) و(بني أمية) نُسبت الى رسول الله جملة من عمليات الاغتيال , التي لا يأتيها نبي . وكانت في جملتها موجهة ضد يهود , لإتمام هولوكوست مدبّر يجعلهم مظلومين مغدورين , وهم في كثير من الأحيان كانوا من ابشع الغدرة . فعن (محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام) عن (عبد الله بن انيس) – الذي مات في الشام في خلافة (معاوية) سنة ٥٤ هجرية – رويت قصة بعث رسول الله على (خالد بن سفيان بن نبيح الهُذَلِي) لاغتياله . فلا غرابة بعدئذ ان تروى روايات اغتيال زعماء اليهود (يسير بن رزام) و(كعب بن الأشرف) بأمر النبي . لاسيما انها رويت عن (عبد الله بن ابي بكر) عن زوجته (فاطمة بنت عمارة) عن خالة أبيه (عمرة بنت عبد الرحمن) عن (عائشة بنت ابي بكر) كما يقول البعض , و(عائشة) عنها أخذ (آل الزبير) او نسبوا اليها . و(عبد الله بن ابي بكر) كان أبوه (ابو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) امير (المدينة المنورة) وقاضيها ل(بني أمية) و(بني مروان) , وكان يتختم بالذهب رغم حرمته , ومع هذا عدّوه من الثقات الأثبات وأوجدوا له الاعذار[251].

والملفت انه منذ عصر هذا التحالف بين بقايا (الجمل) من الزبيريين وبقايا (صفّين) من الأمويين كانت هناك ظاهرة انفجار الأحاديث النبوية في فضل (ابي بكر) و(عمر) , يرويها القوم عنهم , وكلها كانت في زمان مرض النبي , ينقل مجملها (الطبري) في تاريخه[252]. وبحسب منطق (عمر بن الخطاب) بقوله ( ان النبي ليهجر ) وهو في هذا الحال , اَي انه بغير وعيه , كان الأولى الا تؤخذ هذه الأحاديث – مع وضوح تلفيقها والتسليم بضعفها شكلاً ومضمونًا – على محمل الجد , كما فعلوا مع أمره بإحضار الكتاب له ليوصي وصيته التي منعوها . ويروون هذه الأحاديث عن مثل (حميد بن الربيع الخزاز) , الذي قالوا فيه أنه ( واهٍ , ضعيف , شره , يدلس , يسرق الحديث , كذاب , أحد أربعة اكذب زمانه )[253], و(معن بن عيسى) , ربيب (مالك بن أنس) صاحب ( الموطأ )[254]الذي جعل له (بني أمية) الإفتاء في (المدينة المنورة) ومنعوا غيره , و(عطاء) الذي كان مع (ابن الزبير) حتى قُطعت يده وتركه (بنو أمية) يفتي في مكة[255]! .

كما جعلوا ل(ابي بكر) فضلاً في اسلام جماعة على يديه , وهو امر مشكوك كما هي الروايات الآنفة ومنقوض برواية الخمسين الذين اسلموا قبل (ابي بكر) , ومع هذا فقد كان جميع هؤلاء المؤمنين على يديه خصوماً ل(علي بن ابي طالب) , منهم (الزبير) و(طلحة) وَ(عبد الرحمن بن عوف) و(عثمان بن عفان)[256]. وهكذا , لا يمكن ان تكون هذه الروايات صحيحة مطلقا , وإنما كتبت لغاية سياسية .

وبالطبع كان من أشهر رواة قصة هجرة وصحبة (ابي بكر) مع النبي الى الغار (هشام بن عروة بن الزبير بن العوام) عن (عائشة) , ويكفي في بيان حاله انه من (آل الزبير) خصوم (علي) , وأنه ترك من عاصرهم من الصحابة لم يرو عنهم وروى عن التابعين , وأنه اهوى على يد (ابي جعفر المنصور الدوانيقي العباسي) يريد تقبيلها وهو في شيخوخته على المال[257].

و(هشام) هو ذاته الذي روى زواج (عائشة) من رسول وهي بنت ست سنين عن ابيه (عروة) , اذ استكتبه – كالعادة – (عبد الملك بن مروان) الأموي في زواج النبي , فجعل (هشام) يحدّث عن (عروة) ان رسول الله تزوج (عائشة) قبل (سودة بنت زمعة) وهي بنت ست , وبنى ب(سودة) قبلها , ثم بنى ب(عائشة) وهي ابنة تسع . كل ذلك ليجعل ل(عائشة) فضلا , حتى وإن كان على حساب سمعة وإنسانية النبي ذاته . فيما ان رواية زواجها التي تروى عنها متناقضة البنيان والأركان , اذ تفترض ان (خولة) زوجة (عثمان بن مظعون) تعاطفت مع رسول الله وأرادت تزويجه لحاجة الرجل الى من يدير شؤون بيته , فكيف تختار طفلة سيتزوجها الرسول بعد ثلاث . لكن من الواضح ان الرواية كانت من مخرجات العصر الزبيري الأموي وإلا لما احتاجت الى استكتاب (عبد الملك بن مروان) لو كانت ثابتة . وموضوع زواج النبي كان شائكا ً بسبب قصصهم وروايات عصر (بني أمية) و(بني الزبير) , يروي كل راوٍ ما يوافق نفسه وقبيلته والقبائل التي تواليه , وتستعين الناس بروايات أمثال (آل الزبير) الملفقين , و(عائشة) التي تنطلق في كثير من رواياتها من كونها امرأة غيرى[258]. حتى لقد أكثر الراغبون في إظهار الإسلام بصورة سيئة في أمر زواج النبي من السيدة (عائشة) وأنه عقدها طفلة ذات ست سنين وبنى بها في تسع سنين . ورغم أن الباحث علمياً لا يمكن ان يقر بذلك , إلا أن التفكر وحده ينبأ بزيف هذه المقولة لأسباب , منها ان النبي في مقام الدعوة إلى دين جديد في محيط عربي متشدد في الجانب الاجتماعي , وهذه الفعلة من نبي بالزواج من طفلة ستجعله محل اتهام ونفور , وأن النبي لم يفعلها قبل ذلك ولا بعده اذا كانت نفسه تقبل هذا الأمر فما الذي يجعله يقبله عند ذاك . وأن بعض هؤلاء المروجين لهذه الفرية وجدوا ضالتهم النفسية في تاريخ كتبه مسلمون , لكنهم لم يريدوا سوى الإساءة الى النبي ذاته مثل (بني أمية) , او لتحقيق مكاسب حديثية ودنيوية مثل (آل الزبير) .

ولم يكتفِ تحالف هذا العصر الهجين بتلميع صور (بني أمية) و(آل الزبير) , بل كانت فرصة قبائل الأعراب التي مُنعت من عرقلة الإسلام بحد السيف لتأخذ في تشويه صورة النبي , اذ قد انتقل رواة الانقلابيين من فكرة تمجيد قادتهم الى فكرة تشويه تاريخ رسول الله , ومن مادتهم استمد المستشرقون مادة الطعن في نبي الإسلام . فقد رووا ان جيش المسلمين غزا (بني فزارة) , ثم أسر (ام قرفة) الفزارية , فربطوها الى بعيرين فانشقت الى ن(صفّين)[259], في جريمة غريبة لا معنى لها سوى العنف غير المبرر . وبالتأكيد كانت الرواية الملفقة هذه مختلفة كالعادة في النقل المزور , اذ مرة كان الجيش بقيادة (زيد بن حارثة) , وفِي رواية أخرى بقيادة (ابي بكر) .

ثم نقلوا ان رسول الله كان ضعيفاً لا رأي له بين أصحابه يوم (الحديبية) لولا (ام سلمة) زوجه[260]. وكان المتكفل لمثل هذه الروايات (عروة بن الزبير) , الذي لم يخالط سوى أمه (أسماء بنت ابي بكر) وخالته (عائشة) و(بني أمية)[261], عن (المسور بن مخرمة) , صريخ (عثمان) الى (معاوية) حين حصره القوم , واللازم ل(عمر بن الخطاب) الآخذ عنه , وشريك (آل الزبير) , والذي كانت تغشاه الخوارج تنتحل عنه[262]. وعن (مروان بن الحكم) عدو رسول الله وأهل بيته , وقاتل (طلحة بن عبيد الله) , الذي جعلت ذريته الخلافة ملكاً عضوضا . و(مروان) كان زوج (عائشة بنت عثمان بن عفان) مما قد يكون اكسبه حصانة عند الرواة لحفظ ماء وجه (عثمان) ذاته[263].

ولقد صنعت روايات (بني أمية) هولوكوست يهودياً يدين رسول الله في جريمة قتل (بني قريظة) بلا رأفة . اذ تنقل هذه الروايات انه جمعهم – بعد حكم حليفهم (سعد بن معاذ) فيهم – في أخاديد وذبحهم صبرا . وتنقل هذه الروايات ايضاً علائم البطولة والإخلاص والحب التي تمتع بها هؤلاء اليهود , وأنهم كانوا أسمى من المادة , كما في نبل (الزبير بن باطا اليهودي) حسب الرواية . وتنقل ايضاً صورة شبيهة بصورة (سارة) اليهودية المختلقة في مسلسل (باب الحارة) من البِشر والطيبة والصبر . وهي صور قطعاً لم يتمتع بها اليهود يوما , وإنما اريد منها تهويل المشهد الدرامي , ليزداد الغضب العاطفي العالمي من فعل رسول الله , ومن سوء صنيع (سعد بن معاذ) مع حلفائه[264], وبالتالي الطعن على النبي والأنصار , والتبرير لجرائم (بني أمية)[265]و(آل الزبير)[266]. والراوي لهذا الهولوكوست المختلق هو (ابن شهاب الزهري) , الذي صار في ديوان أصحاب (عبد الملك بن مروان الاموي) , بعد ان قصده الى الشام مدقعاً فقيرا , واستبقاه يفتيه بقضاء (عمر) – الذي كان حليفاً ثم مقرباً لليهود – , و(عمر) لا قضاء له قد شغله الصفق في الأسواق كما قال , وبعد وفاته لزم ابنه (الوليد) , ثم (سليمان) , ثم (عمر بن عبد العزيز) , ثم (يزيد بن عبد الملك) , فاستقضاه (يزيد) على قضائه مع (سليمان بن حبيب المحاربي) جميعا , ثم لزم (هشام بن عبد الملك) , وصيّره (هشام) مع أولاده , يعلّمهم ويحج معهم[267].

وكذلك عن (عروة بن الزبير) عن (عائشة) , تبريراً لما فعله اخوه (عبد الله بن الزبير) في جملة (بني هاشم) . وكان أبو(الزهري) من رجال (ابن الزبير) ايضاً .

وقد اعتاد (آل الزبير) التلفيق كلما احتاجوا الى ناصر , اذ هم لم يملكوا علم (بني هاشم) ولا مال ونفوذ (بني أمية) , وهما خصومهم . كما فعلوا من تمجيد شريك ابيهم (طلحة بن عبيد الله) , وجعلوه المدافع عن رسول الله بتميّز , رغم كونه احد الهاربين والمشيعين عن رسول الله يوم (أُحد) وظن انه قُتل , برواية عن (يحيى بن عُبَاد بن عبد الله بن الزبير) عن ابيه عن جده[268].

وفي ظل هذا التحالف الإعلامي حظي (عبد الله بن الزبير) , ذلك العاصي إمام زمانه والخارج عليه والسبب الأول في قتل ابيه (الزبير) , بمنقبة الأول كغيره من رؤوس الفتنة , اذ رووا انه كان اول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة , وأن النبي كبّر حين ولادته , وليجعلوا هذا التكبير منطقياً رووا ان اليهود سحروا المهاجرين وكان النبي يخشى الا يولد لهم ولد .

لكنّ الأمة تدريجياً بدأت تعي أبعاد هذا الحلف الخطير , فهذا (يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني) المتوفى 68 ه كان قائداً من الأمراء وشاعراً , أدرك عصر النبوّة , وأسلم على يد أمير المؤمنين (علي) , وشهد حرب (اليمامة) , ونزل البصرة , ثم كان أميراً على (الريّ) , ولما استباح الخوارج ما بين اصفهان والأهواز , ورأى (يزيد) كثرتهم دخل المدينة فحاصروه , ثم خرج إليهم فقاتلوه , وانقلب أهل (الريّ) عليه , فأعانوا الخوارج , وتم قتله , وأعقب (حوشب) الذي ولد (العوام) المحدّث[269], ويبدو أنه بسبب تعاونه مع (آل الزبير)[270]لاحقاً لم يتفاعل معه أهل العراق , فتركوه لأهل (الريّ) والخوارج .

 

بينما من جانب آخر كان الشيعة يزيدون ويكثرون بالتدريج في صدر الاسلام حتى بلغوا ألفاً أو أكثر. ولما نُفي (ابو ذر) إلى الشام تشيّع منها جماعة كثيرة ويقال أن تشيّع أهل (جبل عامل) من ذلك الوقت , وإنه لما أخرجه (معاوية) إلى القرى وقع في جبال (بني عاملة) فتشيعوا , وفي رواية مسندة إلى (عمار بن ياسر) و(زيد بن أرقم) تدل على أنه كان في زمان خلافة (علي) قرية في الشام عند (جبل الثلج) تسمى (أسعار) أهلها شيعة .

ولما وقعت الفتن في الاسلام وقُتل (عثمان) ووقع حرب (الجمل) ثم حرب (صفّين) ثم وقعة (النهروان) كان أكثر الصحابة مع (علي) ومن أشياعه , وجماعة منهم مع (معاوية) , وقليل منهم اعتزلوا الفريقين منهم (سعد بن أبي وقاص) و(عبد الله بن عمر) , فقال (علي) ( ان سعداً وعبد الله لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل ) .

ولما سكن (علي) في العراق تشيّع كثير من أهل الكوفة والبصرة وما حولهما , ولما تفرقت عماله وشيعته في البلاد كان من دخل منهم بلاداً تشيّع كثير من أهلها , وكان في مكة و(المدينة المنورة) والطائف واليمن ومصر كثير من الشيعة , مضافاً إلى من بالعراق وفارس , بل كان جل أهل اليمن شيعة , واليوم الغالب على اليمن التشيّع على مذهب (زيد) الشهيد وفيها عدد كثير من الشيعة الإمامية الاثني عشرية , وكذلك أهل مصر كان أكثرهم في ذلك العصر عَلَوية ومنهم طائفة عثمانية .

ولما قُتل (الحسين) استعظم أكثر المسلمين ذلك , حتى بعض الأمويين , وتنبهوا لفضل أهل البيت وما أصابهم من الظلم , وعلموا بتقصيرهم في نصرهم , وانحرف كثير عن (بني أمية) ومالوا إلى (بني هاشم) وخاصة إلى العلويين وكثرت شيعتهم . وكانت وقعة (الحَرّة) ووقعة التوابين ووقعة نهر (الخازر) وغيرهما مما أوجب انحراف الناس عن (بني أمية) , مضافاً إلى ما تأسس في نفوسهم من أفعال (بسر بن ارطأة) وغيره أيام (معاوية) . لاسيما حين طرد (بنو أمية) اهل (المدينة المنورة) في وقعة (الحَرّة) وأعال (علي بن الحسين السجاد) اربعمائة امرأة من (بني عبد مناف) , منهن نساء (مروان بن الحكم) الذي يعادي (بني هاشم) اشد العداوة , وقد رفض اهل (المدينة المنورة) استقبال نسائه . وكان اهل (المدينة المنورة) قد خلعوا (يزيد) بعدما زاروه ورأوا تهتكه , فاستباح مدينتهم , وما كان ذلك من اهل (المدينة المنورة) لولا ثورة (الحسين) ودمه , ولكن هيهات وقد دفع الابناء ثمن خذلان الاباء للحق العلَوي[271].

وكان هذا الانتشار العالمي العظيم للتشيّع سبباً في ادعاء صاحب الزنج عند ثورته على العباسيين النسب الى العلويين , رغم انه لم يكن منهم , بل وكان في عقيدته خارجياً من الأزارقة يلعن طرفي (الجمل) و(صفّين) , بدليل ان أهل البحرين الشيعة قد قاتلوه وطردوه , فيما كانت بعض (بني تميم) في أطراف البصرة تؤويه .

وبسبب انتشار التشيّع بين القبائل العربية حينذاك اضطر العباسيون ان يستعينوا بالأتراك لقتال وردع صاحب الزنج , الذي أسس جيشاً من العبيد وطالبي الغنائم من الأعراب . وقد استغل الزنج هذه الفجوة بين المؤسسة الرسمية – التي كانت عقيدتها تخالف عقيدة أهل البيت – وبين الجمهور الإسلامي العربي المحيط الذي ينتمي لعقيدة التشيّع , فكان الزنج يعلمون ان العباسيين يخشون الاستعانة بالعرب , وأنهم سوف يستعينون بالأتراك اللذين لا يعرفون هذه البلاد , وهو الامر الذي ساهم في استفحال الظاهرة التركية لاحقاً في بلاد العرب . وقد انهزم الأتراك فعلاً أمام الزنج عدة مرات . كما انشغلت القبائل الشيعية العربية بمحاولة كبح جماح الأتراك اللذين سلطتهم الدولة العباسية على المدن العربية , اذ لم يكن للأتراك حينها من مبادئ وعادات تناسب ما عليه الثقافة العربية الإسلامية , بل كان جل همهم جمع المال والسلطة بأية وسيلة . إضافة الى تذبذب القبائل والإمارات الكردية القريبة بحسب ميزان القوى , اذ تهادن من يملك القوة حينها . والقوى التركية هي من تبنّت تلميع صورة المشاركين في حرب (الجمل) لاحقا , بشكل مباشر أو غير مباشر .

فيما كانت في الجزيرة العراقية عند محيط (الموصل) دولة شيعية أخرى مهمة هي دولة (بني عقيل) , حتى تغلبت عليهم جموع السلاجقة المتتالية , فرجعوا الى إقامة دولتهم في بلاد البحرين في جزيرة (أوال) وشرق شبه الجزيرة العربية[272]. وكان تشيّع قبيلة (عقيل) اختراق صريح من الفكر الشيعي الى داخل القبائل النجدية , حيث تنتسب (عقيل) الى (عامر بن صعصعة) من قبيلة (هوازن) من (قيس عيلان) المضرية[273]التي كانت معضلة سابقا , وهو ما يكشف قوة وسعة انتشار العقيدة الشيعية حينها . ولولا هذا التشيّع ما قبلتها قبائل (عبد القيس) و(بكر بن وائل) التي كانت لها هذه البلاد في هجرتها من (نجد) الى بلاد البحرين . وقد يكون سبب هجرة هذه القبيلة عن صحاري (نجد) الابتعاد عن التعرّب . وكان تشيّع تلك القبائل بالمعنى الأعم , فمنذ زمان الإمام (جعفر بن محمد الصادق) لم يجد الائمة من الطاعة اللازمة للعقيدة الا ما هو اقل من المطلوب كما في قول (ابي عبد الله الصادق) انه لم يطعه الا (عبد الله بن ابي يعفور)[274].

 

وفي امتداد لأثر قبائل (نجد) , التي كانت تمثّل جيش الخارجين في (الجمل) , كانت نهاية الدولة الفاطمية والدعوة الشيعية الإسماعيلية على يد الأتراك (الغز) الأعراب غدرا , حيث كانت اكبر مصائب الفاطميين سيطرة احد الأمراء الأنانيين الوصوليين المدعو(شاور بن مجير السعدي) – أحد أعراب (هوازن) من (قيس عيلان) – على الوزارة , بعد قتله للقائد الشيعي الإمامي (رزيك بن طلائع بن رزيك) , بعد أن عزله الأخير عن ولاية (الصعيد) , وتسلّطه على أملاك الشيعة الإمامية من (آل رزيك) , اذ ان (شاور) هو  الذي جاء بالأتراك (الغز) والأكراد ليواجه بهم ثورة المصريين بقيادة (ضرغام) ضده , فدخل (بنو أيوب) مصر بالتركمان والأكراد , وغدروا بحكّام الدولية الفاطمية , بعد ان أكرمهم هؤلاء الحكّام , حيث عاتب الخليفة (العاضد) الأمير (شاور) على ما فعل من إدخال الأتراك الى مصر , فوعده بإخراجهم , لكنه تحالف مع الفرنجة , فتواجه الأتراك والفرنجة , ونهب الطرفان قرى مصر , ثم تصالحوا , وعفا (شيركوه) التركي عن (شاور) , ثم قتله بعد تآمر الطرفين على بعض , واستخلف على مصر ابن أخيه (صلاح الدين) , فقام (صلاح الدين الأيوبي) بقتل أمراء الشيعة وهدم جامعاتهم العلمية ومطاردة فقهائهم ومصادرة أموالهم , حتى انه اعتذر للأمير (نور الدين) في الشام عن قتال الفرنجة لانشغاله بقتل الشيعة وتصفيتهم , ثم انه قطع الخطبة للفاطميين وأقامها للعباسيين , رغم ان الخليفة الفاطمي (العاضد) – الذي ولّاه الوزارة واختاره وقدّمه على غيره من المنافسين الذين كانوا أقوى منه – كان على قيد الحياة , ثم انه استولى على كل ذخائر الفاطميين وسرقها , بعد ان خُرِّبت مصر على يده ويد حليفه السابق (شاور السعدي القيسي) , فأقام دولة الأيوبيين على ما أسسه الفاطميّون من بناء وإدارة , لكنه وقومه لم يكونوا قادرين على فهم قواعد الدولة , فخربت مصر , والأهم انها انكسرت حضارياً منذ تلك اللحظة .

لقد تشابهت نهاية الدولتين الفاطمية والعباسية , حيث انشغال الخلفاء بالمُلك والدنيا , والمؤامرات , وتحكّم النساء , وحدوث انفصام بنيوي بين النخبة التي اعتنقت مذهب الإمامية من الشيعة وبين الخلافة التي كانت على مذاهب تخاصمهم , وتفشّي ظاهرة التشيّع الإمامي شعبيا , ومحاولة هؤلاء الشيعة الإمامية نصرة الدولة واستنهاضها , فترفضهم طبقة الحاشية والقصر , فسيتعين الخلفاء بالأتراك و(الغز) الذين يعانون البداوة الحضارية , فكسر هؤلاء الأتراك و(الغز) ظهر الدولتين[275].

 

 

فيما لم يكن القرامطة سوى مجاميع من الموالي والأعراب الفوضويين في الفكر , قاتلهم الشيعة من (طيء) و(تغلب) و(شيبان) و(بني حمدان) , حتى ان القرامطة اسروا (أبا الهيجاء بن حمدان) والد (سيف الدولة) في طريقه الى الحج وقتلوا الحاج[276], وكان (آل الجراح) من (طيء) أمراء قبائل الشام . وقد اصطف شيعة العراق خلف (احمد بن محمد الطائي) الذي كان على الكوفة لقتال القرامطة بعد ان طلبوا مناظرتهم , فتم قتل هؤلاء القرامطة وإبادتهم . فهرب (قرمط) ولم يجبه على دعوته الا الأعراب الجنابيون من قبيلة (كلب) التي تمتد من صحراء (السماوة) الى داخل إقليم (نجد) . وكان (بنو ثعلب) و(بنو عقيل) من عرب البحرين في مد وجزر مع القرامطة , حتى أبادوهم لاحقاً وغلبوا على البلاد . بل ان العرب الذين كانوا الى جانب القرامطة انهزموا لصالح (المعز) الفاطمي , فكسروا جيش القرامطة حين حاصر مصر , ما يكشف ان هذا الجيش تأسس على قاعدة من الموالي ومجموعة من الأعراب . وقد كانت قوة القرامطة ناشئة عن الأعراب الذين معهم , وبعض من لا ركيزة حضارية , حتى ان (بني ضبة) – الأعراب بين البصرة و(هجر) , والذين كانوا في جيش العباسيين الذي خرج لقتال القرامطة – انهزموا لصالح القرامطة وكسروا جيش العباسيين , و(بنو ضبة) هم من كانوا حول عائشة يقاتلون (علي بن ابي طالب) في معركة (الجمل) , الامر الذي يثبت انهم ظلوا بلا عقل هاد .

ان تحالف الأتراك والقرامطة ضد الفاطميين يثبت ان القضية برمتها كانت نزاعاً على الملك , لا سيما ان هؤلاء الأتراك كانوا في الأصل من موالي (بني بويه) الشيعة الإمامية الذين حاربوا القرامطة[277]. وقد حصر القرامطة في حدود (الأحساء) الضيقة كدولة , لما رفضته الناس من عقيدتهم رغم سيفهم , كما حُصر جيرانهم الخوارج في عُمان , وقد كانوا قريبين الى بعض , يقاتلهم الشيعة من (بني بويه) جميعا[278]. فيما تم ارجاع ( الحجر الأسود ) من يد القرامطة عام 323 ه على يد الشريف العَلَوي (عمر بن يحيى) احد ذرية (زيد) الشهيد[279].

 

ومن أفراخ النواصب من (آل زياد) ظهر في اليمن الداعية (علي بن مهدي الحِمْيَري), وهو السلف الصحيح للوهابية السلفية النجدية السعودية , لا (احمد بن حَنْبَل) او (ابن تيمية) , حيث رعته (ام فاتك) احد نساء (آل نجاح) من موالي (آل زياد) , حتى انقلب على دولتهم وعلى من جاورهم , وخرج الى أعراب (هوازن) من (قيس عيلان) وبثَّ دعوته فيهم , و(قيس عيلان) ذاتها كانت محط رحال الوهابية الحديثة , كما كانت محط رحال خوارج معركة (الجمل) , ثم أخذ برأي الخوارج في تكفير (علي) و(عثمان) وتكفير سائر المسلمين وأخذ الجزية منهم , وقتل شارب الخمر وتارك الصلاة , بل والمتأخر عنها اوعن خطبته , فاجتمع لجهله بالعقائد الصحيحة اصلان (حِمْيَر) الأموية و(قيس عيلان) الأعرابية . وكان (بنو نجاح) موالي (آل زياد) يسيرون بسيرة الأمويين في قطع الرؤوس وإرهاب النساء بها[280].

 

ولا غرابة بعدها أن ابن تيمية (تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّمَيْرِيُّ الْحَرَّانِيُّ) الناصبي من ذرية قبائل (قيس عيلان) النجدية أيضاً , التي هاجرت إلى (حرّان) في جنوب تركيا الحالية , كما ان (محمد بن عبد الوهاب التميمي) الذي صار داعياً الى دين ابن تيمية في العصر الحديث من قبيلة (تميم) في (نجد) .

وكانت من قبل القبائل القيسية النجدية من (بني هلال) و(بني سليم) كما كانت عليه اليوم قبائل (نجد) من السلب والنهب , فاستخدمهم (بنو أمية) لضرب خصومهم , وضاق بهم العباسيون لأن دولتهم كانت أكثر مدنية من دولة الأمويين . فشاركت القبيلتان في نصرة القرامطة . وكانت تغير وتنهب على العراق والشام . ثم عبرت إلى أفريقيا , بعد منعهم من عبور النيل من قبل الدولة الفاطمية , حتى ضاق الفاطميون بوجودهم وفوضاهم في صعيد مصر , وبنفس الوقت بما صنعه (ابن باديس الصنهاجي) من غدر في أفريقيا , فغلبت هذه القبائل القيسية الأعرابية على أهل تلك البلاد , وجعلت عمرانها خرابا , ومدنيتها بداوة . ومنهم يستمد المتطرفون المعاصرون في شمال أفريقيا اليوم هويتهم[281]. ومن (بني هلال) المعاصرين (عبد القادر شيبة الحمد المصري) إمام المسجد النبوي والأستاذ في جامعات (نجد) السعودية , وولده (محمد) رئيس محكمة الاستئناف في ديوان المظالم السعودي في مكة .

ان (الدرعية) , بما فيها (عيينة) التي ولد فيها (محمد بن عبد الوهاب) , كانت في زمان الأمويين قاعدة للخوارج بقيادة (نجدة بن عامر الحنفي) من جهة الأب , التميمي من جهة الام , وفي (الجبيلة) منها قُتل فيها (مسيلمة الكذاب) وجماعته .

لقد كانت معظم حواضر (نجد) حول منطقة (العارض) تحت نفوذ (بني حنيفة) , من (بكر بن وائل) الذين يشكّلون الامتداد الجغرافي لإمارة (ربيعة) العراقية , التي تبدأ من واسط (الكوت) حتى أطراف البطائح (ذي قار) حيث شيبان من بني (بكر بن وائل) , ثم تمتد قبائلهم الأعرابية وشبه الأعرابية في البر إلى عمق (نجد) ومنهم (بنو حنيفة) و(عنزة) . وكانت (حنيفة) قبيلة شبه زراعية وشبه مستوطنة , ومنها طلع (مسيلمة الكذاب) حسب المنشورات العربية . كما كان منها (أبو الأسود الدؤلي) اول واضع لقواعد النحو العربي بأمر (علي بن ابي طالب) . وإليها يدّعي (ال سعود) اليوم الانتساب . وكانت تجاورها قبائل أعرابية صريحة , منها (عنزة) , و(تميم) , وقبائل (قيس عيلان) من (غطفان) و(هوازن) وغيرهما . وكان (بنو كلاب) من (قيس عيلان) رهط (شمر بن ذي الجوشن) – قاتل الحسين بن علي – يسكنون (اليمامة) في (نجد)[282]وتقع داخل منطقة (الرياض) اليوم الى جانب (بني حنيفة) .

وكان أهم قائد للدولة السعودية الأولى وسبب توسعها (إبراهيم بن عفيصان العائذي) , و(عائذ) مختلف في نسبها بين (قيس عيلان) وقحطان , والأرجح المنطقي من ديارها ونظام عيشها أنها من (عامر بن صعصعة) من (قيس عيلان) المضرية . وهذا الأعرابي هو الذي احتل الأحساء وقطر والبحرين والإمارات , وجعل (آل خليفة) أمراء على البحرين من (الزبارة) القَطَرية تحت إدارته , ودخل (بنو ياس) بفرعيهم من (آل نهيان) و(آل مكتوم) تحت طاعته وطاعة الدولة السعودية . سوى القواسم في عُمان والامارات لم يدخلوا في طاعة (ال سعود) , رغم ترجيح اصلهم القيسي من (عبس) من (غطفان) , أو المضري عموماً من (بني غافر) من (بني فهر) , ربما بسبب وجودهم في العراق فترة حيث يرى بعضهم انهم سادة حسينية قدموا من سامراء , إذ للعراق تأثير كبير على عقيدة وسلوك من سكنه كما تغيرت قبائل من (عنزة) و(شمّر) حين انتقلت إليه , ثم انهم توافقوا مع دولة( ال سعود) بتأثير عامل الزمن والسياسة .

اما القائد الثاني فكان (منّاع أبور جلين الزعبي) , من (بني سليم) من (قيس عيلان) , وبسبب غزواته ونهبه أملاك ومواشي الكويتيين بنى أهلها السور الأول حول الكويت .

فيما جعل (سعود بن عبد العزيز) القرصان وقاطع الطرق (رحمة بن جابر الجلاهمة) من قبائل (العتوب) – قراصنة الصحراء والبحر – أميراً لمنطقة (الدمام) , وهو أول من ارتدى قطعة على عينه من القراصنة بسبب تعرضها للأذى فذهبت صورة نمطية لهم . وكان قائد جيش (ابن سعود) من الغافرية (القواسم , النعيم) إلى عُمان هو (مطلق بن محمد المطيري القيسي المضري النجدي) .

 

فيما كان أعضاء هيئة كبار العلماء السعودية – أعلى سلطة دينية رسمية في المملكة ورئيسها هو مفتي الديار السعودية – على مر تاريخها منذ التأسيس عام ١٩٧١م حتى عام ٢٠٢١م , والتي ضمت نحو٥٠ شخصية , من هذه القبائل المضرية القيسية الأعرابية , لاسيما من (آل الشيخ) والمقصود الشيخ (محمد بن عبد الوهاب التميمي) , وكان معظم رجالها من أعراب (تميم) أو(قيس عيلان) أو أعراب أطراف القبائل القحطانية , مثل :

(إبراهيم بن محمد آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي المضري) , رئيس مجلس القضاء الأعلى والمشرف على الدعاة الوهابيين في المملكة والعالم ورئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ووزير العدل , و(عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي المضري) , مفتي المملكة السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء والبحوث العلمية والإفتاء , و(عبد الله بن محمد آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي المضري) , رئيس مجلس الشورى ونائب رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب , و(محمد بن حسن آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي المضري) , رئيس مجمع خادم الحرمين الشريفين للحديث النبوي , و(محمد بن صالح العثيمين التميمي المضري) , وهو من اهم الشخصيات التي أشرفت على تخريج دعاة الدعوة الوهابية محلياً ودوليا , و(عبد الله بن عبد الرحمن الغديان التميمي المضري) من جهة الأب والعتيبي القيسي المضري من جهة الأم , و(يعقوب الباحسين التميمي المضري) , و(قيس آل الشيخ مبارك التميمي المضري) , و(سليمان بن عبيد بن عبد الله آل عبيد السلمي التميمي المضري) , و(عبد السلام بن عبد الله محمد السليمان التميمي المضري) من جهتي الأبوين معا , عميد المعهد العالي للقضاء , و(عبد العزيز بن عبد الله بن باز) , الذي يجهل هو ذاته اصل نسبه إلا أن عائلته ترعرعت في (حوطة تميم) في صحراء (نجد) , و(عبد الله بن حسن بن قعود) , وعائلة (القعود) مختلف في نسبها أيضاً إلا أن عائلة هذا الشيخ ترعرعت في بلدة (الحريق) بين قبائل (تميم) النجدية , و(صالح بن علي بن غصون الحميدان) , و(الحميدان) مختلف في نسبهم أيضاً إلا أن عائلة هذا الشيخ ترعرعت في ديار (بني تميم) النجدية[283], و(محمد بن عبد الكريم العيسى) , وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء وأمين عام رابطة العالم الإسلامي ورئيس رابطة الجامعات الإسلامية ومشرف عام على مركز الحرب الفكرية في وزارة الدفاع السعودية ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب , ترعرعت العائلة في ديار (بني تميم) في (نجد) , وربما هي من نسل (العيسى) أبناء عم (ال سعود) , و(محمد بن إبراهيم بن جبير المطرفي الهذلي المضري) , ومن هذه العائلة الصحراوية التي اعتاشت أصولها على الحروب كان الكثير من رجال الدولة السعودية من السياسيين مثل وزير الخارجية (عادل الجبير)  و(صالح بن محمد اللحيدان العريني السبيعي القيسي المضري) , رئيس مجلس القضاء الأعلى , و(عبد الكريم بن عبد الله الخُضَير العريني السبيعي القيسي المضري) , و(محمد بن علي الحركان السبيعي القيسي المضري) , وزير العدل وأمين رابطة العالم الإسلامي ونائب رئيس المجمع الفقهي فيها , و(سعد بن تركي الخثلان السبيعي القيسي المضري) , و(صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي العتيبي القيسي المضري) , و(صالح بن عبد الرحمن الأطرم العتيبي القيسي المضري) , و(سعد بن ناصر الشثري العامري القيسي المضري) , و(عبد الوهاب أبو سليمان الزغبي القيسي المضري) , و(عبد الله بن عبد المحسن التركي الدوسري) , الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي , و(الدواسر) حلف في جنوب (نجد) متعدد الأعراق , منهم من أعراب (ربيعة) ومنهم من أعراب (الازد) , و(عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المطلق الدوسري النجدي) , و(سعود بن عبد الله بن مبارك المعجب الدوسري) , النائب العام السعودي , و(عبد الله بن سليمان المنيع الزيدي الحميري النجدي) , و(محمد بن عبد الله السبيل الزيدي الحميري النجدي) , و(بكر بن عبد الله أبو زيد الزيدي الحميري النجدي) , رئيس سابق لمجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي , و(بنو زيد) في (نجد) مختلف في نسبهم , و(عبد الله بن علي الركبان الباهلي القيسي المضري) , و(عبد الله بن حميد البريدي النجدي) , اصله من (بني خالد) خصوم (ال سعود) في بدايتهم وحكام الأحساء وقد كانوا أعراب ثم استقرت بعض قبائلهم , رئيس للمجلس الأعلى للقضاء وعضو في هيئة كبار العلماء ورئيس المجمع الفقهي وعضو في المجلس التأسيس لرابطة العالم الإسلامي , و(صالح بن عبد الله بن حميد النجدي) , من (بني خالد) , إمام وخطيب المسجد الحرام , و(عبد العزيز بن صالح الصالح النجدي) , من أعراب (عنزة) , و(عبد الرحمن بن عبد العزيز الكلية النجدي) , رئيس المحكمة العليا في السعودية , من أعراب (عنزة) , و(سليمان بن عبد الله بن حمود أبا الخيل النجدي) , مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً وعضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء ووزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي , من أعراب (عنزة) , و(أحمد بن علي بن أحمد سير المباركي العكي النجدي) أصلاً والجازاني محالفة , و(عك) جيش (بني أمية) , و(عبد الله بن حسن بن قعود) , من بقايا أعراب (طيء) في (نجد) , و(جبريل بن محمد بن حسن البصيلي الغفيلي) , من أعراب (شمّر طيء) في (نجد) , و(راشد بن صالح بن محمد بن خنين العائذي النجدي) , وعائذ مختلف في نسبها بين (قيس عيلان) وقحطان , والأرجح المنطقي من ديارها ونظام عيشها أنها من (عامر بن صعصعة) من (قيس عيلان) المضرية , و(عبد الله بن محمد الخنين العائذي النجدي) , و(علي بن عباس حكمي المذحجي) , جازان , مدني التكوين البيئي , و(عبد الله عبد الغني خياط) , ومختلف في أصول نسب عائلة (الخياط) المكية , فربما هي هندية غير عربية , وربما هي من (بلى) الحِميرية جيش (بني أمية) , و(محضار بن عبد الله عقيل) , من أشراف مكة وقاضي المحكمة الكبرى فيها , تم استخدامه لرئاسة اول اجتماع لهيئة كبار العلماء لإضفاء هالة شرعية وقدسية تاريخية , و(بندر عبد العزيز بليلة) , إمام الحرم المكي , و(بليلة) اسم لعائلة ربما تكون مهاجرة غير عربية أو أنها حميرية , و(عبد المجيد بن حسن الجبرتي) , إمام الحرم المدني , من قبيلة (أدكبيري) من مقاطعة (جمة) في الحبشة , و(عبد الرزاق عفيفي) , مصري , تم استخدامه ومواطنه وابن قريته (شنشور) وتلميذه القاضي الشيخ (مناع خليل القطان) في تنظيم المناهج العلمية والبحثية التي لا يجيد أعراب (نجد) تدبيرها , ويشغل ابناء الأخير مناصب بحثية طبية في المملكة , و(محمد الأمين الشنقيطي) الموريتاني , قاضي , اختاره (ال سعود) لترتيب مسارهم التنظيمي الذي لا يجيده أعراب (نجد) , كما اختاروا (عبد الرزاق عفيفي) المصري , لكنّ الاول كان من بيئة صحراوية مشابهة لما عليه قبائل (نجد) من تكوين , و(محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي) , ابن الشنقيطي الموريتاني الاول , و(محمد بن محمد المختار الشنقيطي) , حفيد الموريتاني الأول . فيما رئيس الجامعة الإسلامية ب(المدينة المنورة) وهو (عبد المحسن العباد) من أعراب (عنزة) النجديين , ومعاون مفتي السعودية ومن له حق الإفتاء (عبد الرحمن البراك) من (سبيع) القيسية المضرية .

لذلك لم يكن (جهيمان العتيبي) – الذي احتل الحرم المكي بدعوى ظهور المهدي المزيف صهره (محمد بن عبد الله القحطاني) – بدعاً من الأعراب الذين كانوا يصنعون الدين وفق رؤيتهم البدوية البسيطة , فهو نموذج مثالي لأفراد قبيلة (عتيبة) القيسية التي شكلت هِجر الجهاد (اخوان من طاع الله) بقيادة (سلطان بن بجاد) , وكان الاخير صديقاً لوالد (جهيمان) , والذين يرون قدوم مجدد كل مائة سنة , ولم يتوقف عندهم زمان هذا الحديث عند (ال سعود) كما غيرهم من الأعراب , ورغم أنه لم يتجاوز دراسياً الرابع الابتدائي كان يعمل لمدة ثمانية عشر سنة جندياً في الجيش السعودي ذاته , حتى أن ابنه ظل ضابطاً فيه , وكان على علاقة وطيدة بالجامعة الإسلامية في (المدينة المنورة) و(ابن باز) , فيما صهره من الجهتين شاعر الوطن (خلف بن هذال العتيبي) كان مقرباً جداً من ملوك (ال سعود) وقد رفعوه من جندي إلى رتبة ضابط بعد أن ابتعثوه إلى بريطانيا حتى تقاعد برتبة لواء وله ستة أبناء جميعهم ضباط كبار في الجيش السعودي كباقي قبيلة (عتيبة) الأعرابية , وقد كان (القحطاني) ذاته من تلاميذ مفتي المملكة (ابن باز) , الذي أسس بمباركته ( جماعة السلفية المحتسبة ) المتطرفة التي قامت بدعم (جهيمان) و(القحطاني) .

 

وفي الكويت كان هناك السلفي (عثمان الخميس التميمي المضري) , من أكثر المتطرفين فكرياً في الكويت وتلميذ مشايخ (نجد) , من ذرية (عباد بن الحصين أبي جهضم) الذي كان من وجهاء البصرة التاريخية ( بما فيها الكويت ) , والذي ولي شرطة البصرة أيام (عبد الله بن الزبير) , وكان من قادة جيش (مصعب بن الزبير) أيام قتل (المختار الثقفي) , وكان مع (عمر بن عبيد الله بن معمر) الذي تزوج قاتل (الحسين) سبط النبي امير (بني أمية) (عبيد الله بن زياد) ابنته (ام عثمان) , وجدّ (الخميس) كان الثاني (المسور بن عباد) هو من أجج الحرب الأهلية في إقليم البصرة التاريخي حين غدر ببعض (بني أمية) من أجل بعضهم الآخر فدخلت قبائل (الازد) و(ربيعة) الحرب ضد (قيس عيلان) و(تميم) ومن تبعها .

ولذلك أيضاً ليس من الغرابة أنه في بلد بعيد مثل باكستان كان (أبو الطاهر زبير علي زئي البشتوني) محدّث السلفيين فيها , من قبائل (البشتون) الأعرابية , بعد أن أمضى بعض السنوات في المملكة العربية السعودية كمحقق ومرتب لكتب السنة التي أصدرتها مطبعة (دار السلام) , اذ رجع وأنشأ مكتبة سماها مكتبة (الزبيري) يدّرس فيها عقائد السلفيين , اذ تلاقت بداوة البشتون ببداوة (نجد) لتنتج عنوان (الزبير) . فواقعة (الجمل) لم تكن معركة سياسية او عسكرية , بقدر ما كانت مواجهة بين الحضارة والبداوة , بين الديانة والتعرّب , بين الإرث الإبراهيمي والإرث الوثني . لذلك هي مستمرة بأثواب أخرى تلائم كل عصر , لكنّ الخطورة اليوم تكمن في إدراك أعداء الإسلام لما أدركه بنو أمية من إمكانية تحريك الصنمية المتحجرة لأحد طرفي معركة (الجمل) واستخدامها لقمع العقل الإسلامي العَلَوي , لكن هذه المرة بسلاح أموال النفط .

 

 

[1] تاريخ الأمم والملوك , الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ١٣

[2] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٤١٦

[3] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٢٥

[4] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ١٩٧

[5] إمتاع الأسماع , تقي الدين المقريزي , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٣٢

[6] الحاوي للفتاوى , جلال الدين السيوطي , دار الفكر , ص ٩١

[7] تاريخ الطبري , ج ٢ , سرية عبد الله بن جحش

[8] الطبقات الكبرى , ابن سعد , ذكر عدد مغازي رسول الله , سرية أسامة بن زيد بن حارثة

[9] حياة الصحابة , محمد يوسف الكاندهلوي , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٣٣

[10] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ١ , ص ٦٧٢

[11] الإرشاد , المفيد , دار المفيد للنشر , ج ١ , ص ١٨٤

[12] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٣٠٧

[13] تاريخ مدينة دمشق , دار الفكر , ج ٤٨ , ص ٣٢٣

[14] البداية والنهاية , ابن كثير , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ١٨

[15] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٢٠٥

[16] البداية والنهاية , ابن كثير , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ١٤٠

[17] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٣٥

[18] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٨٤

[19] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٠٠

[20] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٢

[21] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦١٨ – ٦٢١

[22] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦٣٣

[23] فتح الباري شرح صحيح البخاري , ابن حجر العسقلاني , دار الريان للتراث , باب مناقب فاطمة , ح ٣٥٥٦

[24] المواهب المحمدية بشرح الشمائل الترمذية , سليمان بن عمر بن منصور , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٤٣٩ – ٤٤٨

[25] موقع اسلام ويب الالكتروني , وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر , فتوى رقم ٢٧٥٦١١

[26] مسند احمد , احمد بن حَنْبَل , مسند بني هاشم , مسند عبد الله بن عباس , ح ٢٩٠٣

[27] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٦٦

[28] الآحاد والمثاني , أبو بكر الشيباني , دار الكتب العلمية , ص ٣٨٦

[29] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ١ , ص ٣٢١

[30] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج 2 , ص 265

[31] الشيخان , طه حسين , ص 121

[32] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٧٨

[33] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ١ , ص ٤٠٣ – ٤٠٥

[34] تاريخ جرجان , حمزة السهمي

[35] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , ج ٤ , ت ٢٦٣٠

[36] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٧٩

[37] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ١٩ – ٢٠

[38] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 81

[39] فتح الباري شرح صحيح البخاري , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج ٩ , ص ٢٧٢

[40] تاريخ الطبري , دار كتاب , ج ٣ , ص ١٥

[41] فتح القدير , محمد بن علي الشوكاني , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٤١٢ وقال : فأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ام سلمة ، الحديث .

[42] أسباب نزول القران , علي بن احمد الواحدي , دار الكتب العلمية , ط ١ , ص ٣٦٨

[43] المستدرك على الصحيحين – كتاب الإيمان , الحاكم النيسابوري , ج ١ , ت ٤٧١٩

[44] كتاب فضائل الصحابة , احمد بن حَنْبَل , ت ١٤٠٢

[45] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٦٦

[46] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٧٩

[47] اسد الغابة في معرفة الصحابة , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٣١٩

[48] الطبقات الكبرى , ابن سعد , مكتبة الخانجي , ج ٦ , ص ١٧٤ – ١٨١

[49] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , ص ١٤٤ – ١٥١

[50] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ص ٤٢٠ – ٤٢١

[51] الطبقات الكبرى , دار الكتب العلمية , ج ٥ , ص ٤

[52] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٥٦٣ – ٥٦٧

[53] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , صفوان بن امية

[54] البداية والنهاية , ابن كثير , ج ٨

[55] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج ١

[56] المعجم الكبير , الطبراني , ج ١٩ , من اسمه مالك

[57] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٥٤٣

[58] الطبقات الكبرى , ابن سعد , ج ٦ , المسور بن مخرمة

[59] الإصابة في تمييز الصحابة , دار الكتب العلمية , ج ٦ , ص ٤٩٢

[60] الإصابة في تمييز الصحابة

[61] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٩١

[62] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ٢١

[63] السيرة النبوية , ابن إسحاق , دار الكتب العلمية , ص ٥٩٨

[64] تاريخ الطبري  , ج ٣ , ذكر الخبر عن غزوة تبوك

[65] تاريخ ابن خلدون , ج ٤ , ص ٢٨٧

[66] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم , أبو الفرج بن الجوزي , ج ٣ , غزوة الأحزاب

[67] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد , المفيد , ج ١ , ص ١٦٥

[68] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٢٢٢ – ٢٢٣

[69] شرح معاني الاثار , أبو جعفر الطحاوي , عالم الكتب , ج ٣ , ص ٢١

[70] المستدرك على الصحيحين , دار المعرفة , ج ٤ , ص ٢٦

[71] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٦١ – ٦٣  , ح ٧

[72] سورة التحريم , الايات 1 – 10

[73] صحيح مسلم , كتاب الطلاق , باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى وإن تظاهرا عليه

[74] تفسير القرطبي (الجامع لاحكام القران) , سورة الحجرات

[75] الدر المنثور في التفسير بالمأثور , جلال الدين السيوطي , دار المعرفة , ج 6 , ص 239

[76] صحيح البخاري , كتاب النكاح , باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها

[77] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٤٤

[78] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٢٦

[79] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , باب فضالة

[80] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ١٦١

[81] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , ص ٥٣

[82] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٦٩ – ٧٠  , ح ٢

[83] جامع بيان العلم وفضله , الحافظ أبو عمر بن عبد البر , دار الكتب العلمية , ص ٩١ , حيث امر عمر بن الخطاب بمحو ما كتب من الحديث

[84] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , احداث سنة سبع وثلاثين

[85] تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج ٥ , ص ٤٢٧

[86] وقعة صفين , المنقري , ص ٩٤

[87] البرهان في تفسير القران , هاشم البحراني , ج 5 , تفسير سورة النجم

[88] السيرة الحلبية , نور الدين الحلبي , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ٥٠٠

[89] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ٤ , ص ٢٢

[90] هوية التشيع , أحمد الوائلي , دار الصفوة – بيروت , ص 136

[91] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ١٨ , ح ١

[92] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٣٠ , ح ٣٦

[93] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٤٥ , ح ١

[94] الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , علي خان المدني , ص ١٩٧

[95] بحار الأنوار , العلامة المجلسي , ج ٣٢ , ص ١٦٨

[96]   البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[97] تاريخ الأمم والملوك , الطبري , مؤسسة الاعلمي للمطبوعات , ج ٢ , ص ١٩٩

[98] دلائل النبوة , أبو نعيم الأصبهاني , دار النفائس , ص ٥٠٢ – ٥٠٣

[99] السيرة النبوية , ابن هشام , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ١٦٦ – ١٦٧

[100] السيرة النبوية , ابن هشام , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ١٨١

[101] السيرة النبوية , ابن هشام , مؤسسة علوم القران , ج ٢ , ص ٣١٧ – ٣١٩

[102] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 54

[103] الإمامة والسياسة , ابن قتيبة الدينوري , مؤسسة الحلبي للنشر , ج ١ , ص ١٨

[104] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ١٢٦

[105] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 123 – 124

[106] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 65 – 67

[107] الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى , شهاب الدين أحمد الدرعي السلاوي , دار الكتب العلمية , ج1, ص 39

[108] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٤٦

[109] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار المعرفة , ج ٣ , ١٢٩

[110] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 90

[111] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 92 – 93

[112] غنية النزوع الى علمي الأصول والفروع , ابن زهرة الحلبي , مؤسسة الامام الصادق , ص ٦

[113] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 64

[114] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 80 – 84

[115] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 127 – 131

[116] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ٢ , ص ١٥٣

[117] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 159 – 175

[118] شرح نهج البلاغة , لابن أبي الحديد , بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم , الجزء الأول , دار احياء الكتب العربية , ص ٣٠٧-٣٠٨

[119] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٥٨

[120] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٥٧٨-٥٧٩

[121] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 100 – 101

[122] مناقب ال ابي طالب , ابن شهراشوب , المطبعة الحيدرية , ج ٢ , ص ٣٤٦

[123] أعيان الشيعة , محسن الأمين , دار التعارف , ج ١ , ص ٢٤

[124] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج 4  , ص ٢٣٩

[125] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٢٣٠

[126] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص٩٢

[127] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ١١٣

[128] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٢٣٦ – ٢٣٧

[129] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٢٨٦ ,, سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , الجزء الثالث , ص ٥٣٨

[130] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٥٩

[131] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٧٨

[132] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص١٢٦

[133] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ١٦٠

[134] معجم البلدان , ياقوت الحموي , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٤٢٩

[135] موسوعة ال بيت النبي , د. مجدي باسلوم – سميرة مسكي , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٦٣

[136] إمتاع الأسماع , تقي الدين المقريزي , دار الكتب العلمية , ج ١٣ , ص ٢٣٤

[137] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٦٤ و ص ٢١٤

[138] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٤٥٤

[139] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٢٧٨

[140] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٥٨١

[141] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٥٤

[142] منتظم الدرين , ج 1 , ص 508

[143] منتظم الدرين , ج 2 , ص 150

[144] السيرة الحلبية , ج ٣ , ص ٢٨٤

[145] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٣٠٢

[146] البداية والنهاية , ابن كثير , دار الكتب العلمية , ج٤ , ص ٢٤٨

[147] وقعة صفين , المنقري , ص ٤٣٠

[148] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٤١٢

[149] وقعة صفين , المنقري , ص ٤٨٢

[150] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , ج ١٦ , ص ٣٨

[151] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٢٤٨

[152] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٥١ – ٤٥٤

[153] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , محمد هادي الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ط ١ , ج ١ , ص ٢٦٤

[154] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٤٠

[155] صلح الحسن عليه السلام , السيد عبد الحسين شرف الدين , ص ٣٤٥

[156] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر واقعة بدر الكبرى

[157] الطبقات الكبرى , ابن سعد , دار صادر , ج ١ , ص ٣٣٨

[158] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , محمد هادي الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ط ١ , ج ١ , ص١١٩

[159] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , محمد هادي الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ط ١ , ج ١ , ص ٣٠٦

[160]تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص 575

[161] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص 580

[162] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٢٤٤

[163] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٥٧٧

[164] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٩٨

[165] اعيان الشيعة 1 , ص 655

[166] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٧٤ , ح ٢

[167] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٩٠ – ٥١٤

[168] اعيان الشيعة , ج ١ , ص 565

[169] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٩٠

[170] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٦٦

[171] المعجم الصغير لرواة الامام محمد بن جرير الطبري , أكرم بن محمد زيادة الفالوجي الأثري , المجلد الأول , ص ٥٦٨

[172] تهذيب التهذيب , ابن حجر , دار الفكر – 1984 , ج ٤ , ص ٢٥٩ – 260 ,, ميزان الاعتدال , الذهبي , دار المعرفة – بيروت , ج ٢ , ص ٢٥٥ ,, كتاب الضعفاء , أبو نعيم الأصبهاني , دار الثقافة – المغرب , ص ٩١ ,, أرشيف ملتقى أهل الحديث الالكتروني , بالتعاون مع مشروع المكتبة الشاملة الالكتروني , ج 8 , ص 491 ,,

[173] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٧٩

[174] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٧

[175] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٥٩

[176] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٨١ – ٥٨٣

[177] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٦٢ – ٥٦٤

[178] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٩٠

[179] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦٤٧ – ٦٤٨

[180] اعيان الشيعة , دار التعارف , ج 1 , ص 188

[181] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥١٩ – ٥٢٨

[182] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٣١

[183] اعيان الشيعة , دار التعارف , ج 1 , ص 194

[184] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار احياء الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٧٣٣

[185] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 565

[186] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٩٤

[187] وقعة صفين , المنقري , ص ١٨٧ – ١٨٨

[188] سير أعلام النبلاء , الذهبي , ج ٤  , بقية الطبقة الأولى من كبراء التابعين , شبث بن ربعي

[189] تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , ج ٤ , ص ٣٠٣ , ترجمة ٥٣٠

[190] جمع الجوامع , جلال الدين السيوطي , دار الكتب العلمية , ج 12 , ص 345

[191] زاد المعاد في هدي خير العباد , شمس الدين بن القيم , دار الكتب العلمية , ص ٥٠٦

[192] عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن عبيد، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر؟ فقال: ( هن في كتاب علي عليه السلام سبع: الكفر بالله، و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البينة، و أكل مال اليتيم ظلما، و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة ) . البرهان في تفسير القران , هاشم البحراني , ج 5 , تفسير سورة النجم

[193] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٨٣

[194] نثر الدر في المحاضرات , الوزير الابي , دار الكتب العلمية , ٢-٣ , ص ٦٦

[195] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه  , الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ج ٢ , ص ٣٧٧

[196] قاموس الرجال , محمد تقي التستري , مؤسسة النشر الإسلامي – جماعة المدرسين , ج ٩ , ص ٢٤

[197] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد المعتزلي , تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم , ج ٧ , ص ٢٩٧-٢٩٨

[198] شواهد التنزيل لقواعد التفضيل , الحاكم الحسكاني النيسابوري ,  وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي – مجمع أحياء الثقافة الاسلامية , ج ١ , ص ٢٩٥

[199] الفصول المهمة في معرفة الأئمة , ابن الصباغ , دار الحديث – قم , ج ١ , الهامش ص ٤٥٥

[200] الفصول المهمة في معرفة الأئمة , ابن الصّباغ المالكي , تحقيق : سامي الغريري , دار الحديث , ج ١ , ص ٤٥٥ الهامش

[201] جمع الجوامع , جلال الدين السيوطي , دار الكتب العلمية , ج ١٣ , ص ١٠٤

[202] البداية والنهاية , ابن كثير , دار إحياء التراث العربي , ج ٧ , الصفحة ٣٢٥

[203] اسد الغابة في معرفة الصحابة , ابن الأثير , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٥٢٩

[204] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٦٥

[205] الامام علي بن ابي طالب , احمد الرحماني الهمداني , ط افسيت فتاحي , ص ٦٧٧

[206] جمهرة النسب , ابن الكلبي , مطبعة حكومة الكويت , ج ١ , ص ٢٩٣ الهامش

[207] تاريخ المقريزي الكبير (المقفى الكبير) , تقي الدين المقريزي , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٤٢٨

[208] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ١١٧

[209] موسوعة اعلام الخلفاء , علي سلمان , المنهل , ص ٨٩ ,

[210] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 602

[211] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 603

[212] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 605

[213] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 606

[214] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 454

[215] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 595

[216] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 595

[217] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 595

[218] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 596

[219] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 589

[220] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 586

[221] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 590

[222] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 603

[223] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 604

[224] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 604

[225] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 612

[226] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 612 – 613

[227] لقد كانت قبائل (نجد) وما جاورها من البادية معضلة دائمة في صدر الإسلام وفي زمان الامويين , امتداداً الى اليوم , حيث منها ظهر مكفّر المسلمين وحليف البريطانيين (محمد بن عبد الوهاب التميمي) الذي انشأ دولة (آل سعود) التي حاربت كل الطوائف الإسلامية . عن رسول الله قال ( اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا . قال : قالوا : وفي نجدنا . قال : قال : هناك الزلازل والفتن , وبها يطلع قرن الشيطان ) , ( ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ) , شهاب الدين القسطلاني , دار الكتب العلمية , ج 3 , ص 62 , ح 1037

[228] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 622

[229] سير أعلام النبلاء , الذهبي , الجزء الثاني , الصحابة : الأشعث بن قيس

[230] البداية والنهاية , ابن كثير ,  الجزء التاسع , أحداث سنة أحدى وثمانين , فتنة ابن الأشعث

[231] تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , حرف الميم , ترجمة ٦٩

[232] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , ج ٦  , ترجمة ٨٥٠٨

[233] الاخبار الطوال , ابو حنيفة الدينوري , ص ٣٠٤

[234] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 29

[235] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 581

[236] ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري , شهاب الدين القسطلاني , دار الكتب العلمية , ج ١١ , ص ١٤٤

[237] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٦٥

[238] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٧١ , ح ١

[239] تاريخ الطبري , ج 3 , دار الفكر , ص 149

[240] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر ,   ج 39  , ص 307 – 308

[241] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر , دار الكتب العلمية – 1995م , ج ٥ , ص ٤٨٣

[242] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة – 1993م , ج ٣ , ص ٢٤٢

[243]اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 221 ح 3  إسحاق بن محمد بن احمد النخعي صحب ثلاثة من الائمة المعصومين هم الجواد والهادي والعسكري ,

[244] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ٥٣

[245] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ٢٥١-٢٥٢

[246] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر واقعة بدر الكبرى

[247] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٠

[248] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٢٩

[249] السيرة النبوية , ابن إسحاق , دار الكتب العلمية , مجلد ١ – ٢ , ص ٤٧٥

[250] السيرة الحلبية , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٦٢ – ٦٣

[251] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , ص ٣١٤

[252] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٤٧ – ٢٤٨

[253] لسان الميزان , ابن حجر , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٣٦٤

[254] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٩ , ص ٣٠٥ – ٣٠٦

[255] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , ص ٧٩ وما بعدها

[256] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ١ , ص ٥٥٣ – ٥٥٤

[257] سير اعلام النبلاء , الذهبي , ج ٦ , الطبقة الرابعة , هشام بن عروة

[258] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٣٣ – ٢٣٥

[259] تاريخ الطبري , دار كتاب , ج ٢ , ص ٦٤٣

[260] موسوعة نساء حول النبي , محمد القيسي , دار المنهل , ص ٥٣

[261] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , الطبقة الثانية , عروة

[262] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , من صغار الصحابة , المسور بن مخرمة

[263] اعيان الشيعة 1 , ص 636

[264] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٠٩ – ١١

[265] من قتل أهل البيت وأولاد النبيين وجملة الصحابة واستباحة المدينة وتولية المجرم الحجاج الثقفي

[266] من إدخالهم بني هاشم وال بيت النبي في أخاديد لحرقهم

[267] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , الطبقة الثالثة , ص ٣٢٧ – ٣٣٢

[268] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٧٢

[269] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٦٠٦

[270] مقتل الحسين , أبو مخنف الازدي , تعليق : الحسن الغفاري , ص ٢٦٠

[271] اعيان الشيعة 1 , ص 636 – 637

[272] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ١١٨

[273] لهجة بني عقيل , د . عادل محمد عبد الرحمن , جامعة بغداد – كلية الإدارة والاقتصاد , ص ٢

[274]اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 215 ح 12

[275] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ٩٨ – ١٠٦ ,, سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج 20 , ص 514 – 517

[276] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ١٢٨

[277] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ١١٠ – ١١٨

[278] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ١٢٠

[279] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 537

[280] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ٢٧٢ – ٢٧٩

[281] تاريخ ابن خلدون , ج ٦ , ص ١٣ – ١٦

[282] تاريخ ابن خلدون , ج ٦ , ص ١٢

[283] دخلت قبائل مضر الحمراء النجدية من (ضبة) و(الرباب) في عنوان (بني تميم) بمرور الزمن

 

 

 

 

آل سعودالأعرابالأنصارالبصرةالحسين بن عليالخليجالدرعيةالربابالرياضالزبير بن العوامالسعوديةالسلفيةالشمر بن ذي الجوشنالصحابةالعجمانالوهابيةباهلةبني أميةبني تميمبني هاشمجهيمان العتيبيخندفرحمة بن جابر الجلاهمةزبير علي زئي البشتونيسبيعشبث بن ربعيضبةضيدان بن حثلينطلحة بن عبيد اللهعائشة بنت ابي بكرعبد القيسعبد الله بن الزبيرعتيبةعثمان الخميسعلي بن أبي طالبعلي بن مهدي الحميريفيصل الدويشقبائل العربقيس عيلانمحمد بن عبد الوهابمضرمطيرمعركة الجملمنطقة نجدهشام بن عروة بن الزبيرهوازنهيئة كبار العلماء
Comments (0)
Add Comment