آل الزبير

Al Zubair family

3

 

 

آل الزبير سلسلة التزوير في الإسلام

#آل_الزبير

 

 

راية الفتح عند دخول المسلمين مكة بقيادة رسول الله كانت عند أمير الأنصار (سعد بن عبادة) وولده(قيس) , حتى اثار (عمر بن الخطاب) الفتنة , فأعطاها النبي ل(علي بن ابي طالب) . وقد حاول رواة السلطة لاحقاً – على لسان (ابي هُريرة) – جعلها ذاك الْيَوْمَ بيد (الزبير) و(خالد بن الوليد) و(ابي عبيدة)[1]. لأن (الزبير) انشق عن (علي بن أبي طالب) وأثرى على حساب المال العام , وكان لولده دولة غير شرعية , وصولة في كتب الروايات الأموية , بينما كان (قيس) من الأوائل الذين نهضوا مع الامام (الحسن) حين خذله الناس , وكان (سعد بن عبادة) وأبوه وجدّه وجدّ جدّه سادة في الجاهلية والإسلام , يطعمون الطعام , وكان فيهم السؤدد , وكان يجير فيجار , وكذلك كان ابنه (قيس) , وكان ل(سعد) ستة أبناء كلهم نصروا رسول الله[2]. وبهذه النمط تمت كتابة تاريخ الإسلام الرسمي وشبه الرسمي , بإزاحة أصوله وتقديم فروعه . فمن الصعب على الباحث رؤية الحقيقة الا بمجهر الضمير والوعي .

 

ومن تناقض الروايات ان الأنصار يوم ( سقيفة بني ساعدة ) , وهو اليوم الفاصل بعد رسول الله , قالوا لا نبايع الا (علياً) , ثم تدّعي رواية أخرى انهم قالو ( منا امير ومنكم امير ) , وتنقل الروايات ان (أبا بكر) احتج على الأنصار في سقيفة (بني ساعدة) ان رسول الله جعل الخلافة في قريش , فأي قريش أولئك الذين جعل رسول الله الخلافة فيهم , هل هم كفار (بني أمية) , ام مسلمة الفتح , ام الهاربين في يومي (اُحد) و(الخندق) ؟! , ولأي مناسبة جعل النبي الخلافة في قريش , هل لسبب عصبي قبلي , ام هو امر ديني له قواعد ؟ , واذا كان له قواعد ما هي وما هي ضوابطها ؟ , وكيف يستقيم أن الامر شورى للأمة – بحسب عقيدة القوم اللاحقة – وأن النبي جعل في يد قريش عقده ؟! . لكنّ القرشيين من المهاجرين كانوا يعلمون ان النبي حصره في (علي بن ابي طالب) الهاشمي القرشي , لهذا سكت الأنصار عن مثل هذا الاحتجاج , الذي تم فيه رفع الخصوصية عن (علي) وتجريد المعنى ليكون عاماً , فكان تدخّل (بشير بن سعد الأنصاري) مساعداً كبيراً لنجاح فعلة القوم ضد (علي) والأنصار , بالإضافة الى شراكة (عويم بن ساعدة الأنصاري) الذي وقف (عمر بن الخطاب) على قبره بعدئذ فقال ( لا يستطيع أحد من أهل الأرض أن يقول أنه خير من صاحب هذا القبر )[3], وكذلك (معن بن عدي الأنصاري) الذي صار من قادة جيش (ابي بكر) بعد نجاح الانقلاب فقُتل في (اليمامة)[4]. ثم رووا ان (علياً) حين سمع ببيعة (ابي بكر) ركض مسرعاً وهو لم يتم لباسه للخروج فبايع وجلس , ورووا كذلك ان (علياً) خاصم (أبا بكر) ستة أشهر ولم يبايع , حتى ان (الزبير) شهر سيفه نصرة ل(علي) . ورووا كذلك ان (علياً) اجتمع الى (ابي بكر) وحده , رغم نهي (عمر) ل(ابي بكر) ان يجتمع بهم وحده , فاحتج (علي) بالقربى فقط ! وأقر بفضل (ابي بكر) وسابقته ! , ثم بايع . وهي منقولات سمجة تستهين بعقل القارئ وتضطرب حيثما حلت , لأنها ببساطة ملفقة ترقيعية . حتى ان التلفيق عدا الى حقيقة غسل (بني هاشم) لجسد النبي بعد وفاته اذ ولاه (علي بن ابي طالب) و(آل العباس بن عبد المطلب) , فروى (آل الزبير) عن (عائشة) قصة غريبة في غسل وتجهيز النبي , فيها من الأحداث ما يراد منه سلب فضيلة (علي) وجعل (بني هاشم) كباقي الناس وأن الغسل كان موكولاً للملائكة لا لهم , لذلك هي روت انها نادمة انها لم تلِ غسله .

انّ (الحباب بن المنذر) أستهجن امر أولئك النفر من غمرة قريش ومتشككي المسلمين , فهددهم , وكادوا يتراجعون , حتى انهم أبدلوا لهجتهم الخشنة بلهجة ألين , وجعلوا الكلام لثالثهم في الامر (ابي عبيدة بن الجراح) , الذي جعل يلين في مخاطبة الانصار ويدغدغ مشاعرهم , لولا أنْ وجدوا ليناً في امر (بشير بن سعد) احد اهم زعماء الانصار , فسارع (ابو بكر) الى حصر الامر في احد الثلاثة , (عمر) و(ابي عبيدة) وهو , دون غيرهم حين قال ( هذا عمر , وهذا أبو عبيدة , فبايعوا أيهما شئتم )[5], وكأنما هو يملك حقّ ترشيحهم وحصر الامر بهم ! . لكنّه وصاحبيه يعلمون انّ الانصار سترى الاخفّ وطئاً هو (ابو بكر) , ويبايعه قوم ممن يَرَوْن الشرّ في (عمر) , والسوء في (ابي عبيدة) , وهذا ما كان . غير انّ هذا المشهد لن يتم هكذا بهذه السهولة , وأهل الحلّ والعقد غائبون , من وجوه الصحابة من المهاجرين , ك(علي) و(الزبير) و(ابي ذَر) و(سلمان) و(المقداد) وغيرهم كثير , ليجيء هنا دور قبيلة (اسلم) , التي جاءت بجماعتها حتى ضاقت بهم السكك في (المدينة) , فكان (عمر) يقول ( ما هو إِلَّا أنْ رأيتُ اسلمَ فايقنتُ بالنصر )[6]. وعند ذلك اكتملت فصول الانقلاب العسكري الاول , لتبدأ لاحقاً مرحلة الانقلاب الثقافي , وبعدها الانقلاب العقائدي . بعد كل ذلك لا غرابة ان يخاف (عمر) الا يغفر الله له عند لحظة موته وفراقه للحياة وظل يكرر ( ويل امي ان لم يغفر الله لي ) حتى مات[7].

ورغم إدِّعاء التاريخ الرسمي انّ (أبا بكر) جعل على نقب (المدينة) (علي بن ابي طالب) و(الزبير بن العوام) و(طلحة بن عبيد الله) وَ(عبد الله بن مسعود) حين وردتها القبائل غاضبة من استيلاء (أبي بكر) , الّا انّ أمرين يكذّبان ذلك , احدهما انّ (علياً) لم يبايع (أبا بكر) اشهراً عدّة , وقد أوجدت عليهم (فاطمة) زوجه وبنت النبي , وأراد (الزبير) مناجزتهم – (أبا بكر) و(عمر) – بالسلاح نصرة ل(علي) وحقّه , والثاني انّ الذين خرجوا يدافعون عن سلطة الانقلاب هم (آل مقرن) , (النعمان , سويد , عبد الله) , وهي العائلة التي أخذت جرّاء موقفها هذا سهماً كبيراً من الولاية على جيوش المسلمين في عهد (عمر) , لا سيما في العراق وفارس , اذ جعل (النعمان بن مقرن) أميراً على جيش فارس[8], وهو من الأجنحة الجديدة , ثم بعد مقتله ولّى اخاه (سويد بن مقرن) على الجيش[9], كذلك جعل اخاهما (نعيم بن مقرن) على الجيش ذاته , وكان يعرف ل(نعيم) و(النعمان) موضعهما[10], وقد كان الثلاثة خرجوا في اول جيش ل(ابي بكر) من (المدينة) عن يمينه وشماله وأمامه[11], ولم يكن لهم ذكر في زمان رسول الله . وكان لقب (أبي الفصيل) يُستخدم بين القبائل الرافضة لبيعة (ابي بكر) تهويناً له . من هنا كان اتهام (عمر بن الخطاب) ل(علي بن ابي طالب) و(الزبير) وجماعة انه يخاف على العرب منهم ولا يخاف عليهم من العرب , لأنه كان يرى ان الامر كله مرتبط بقضيتهم .

وقد كان (أبو بكر) استعمل من قبل على المال (أبا عبيدة) , وعلى القضاء (عمر) , ومن الواضح انها قسمة حزب قد أزاحت مجمل الصحابة واجلّاءهم . فقد جعل (عتاب بن أسيد الأموي) أميراً على مكة , ليبدأ ما تم في زمان (عثمان) من وقف الضياع والأملاك العامة على بيوت (بني أمية) , لا سيما من قبل (معاوية) في الشام الذي لم يكتفِ براتبه السنوي الذي جعله (عثمان) له كأعلى راتب لعامل في الدولة , بل جعل الضياع المسيحية – التي هرب أهلها جميعاً – وقفاً على بيته حصراً , بعد أخذ موافقة (عثمان) . الامر الذي جعل باقي أهل الدنيا ممن حمل عنوان الصحابة مثل (الزبير) و(سعد بن أبي وقاص) يقتطعون الأراضي والضياع ويثرون على حساب المال العام . بل عمد جميع ولاة (عثمان) الى هذا الإجراء بعد ان أوقف قوانين محاسبة العمال لأنهم كانوا من أقاربه , فالخليفة ذاته وجدوا عنده بعد وفاته ثروة ضخمة جداً , مالية وحيوانية , وتحت يده الضياع والأراضي[12], حتى ان (عثمان) امر خازن بيت مال المسلمين بإخراج اعطية لأحد اقاربه فرفض الخازن ورآه مبلغاً كبيراً فيه خيانة للمسلمين جلية , فأخبره (عثمان) انه ليس سوى خازن لهم , فوضع الخازن المفتاح على باب الكعبة وجلس في بيته[13].

وكان ولاة (عمر بن الخطاب) يوم مات واستخلف (عثمان) بعده هم (نافع بن الحارث الاسلمي) الخزاعي بالولاء الذي بحسب كتاب ( الاستيعاب في معرفة الاصحاب ) انه اسلم يوم الفتح وانكر (الواقدي) ان تكون له صحبة , وهو الراوي بشارة النبي ل(ابي بكر) و(عمر) و(عثمان) بالجنة , و(سفيان بن عبد الله الثقفي) الذي جاء عنه في ( الطبقات الكبير ) انه حارب ضد رسول الله يوم (حنين) وأسلم بعد الفتح , و(يعلى بن منية) الذي ورد في ( الطبقات الكبير ) أيضاً انه اسلم يوم الفتح وولّاه (ابو بكر) ثم (عمر) على اليمن , فحمى حمى بغير حقه , فطلبه (عمر) , وعند وصوله قرب (صنعاء) سمع بموت (عمر) فولّاه (عثمان) مرة أخرى على اليمن بلا حساب , فاستحوذ على أموال المسلمين ورفد جيش (الزبير) الخارج ضد (علي) بأربعمائة الف وحمل سبعين رجلاً , واشترى الجمل المدعو عسكر ل(عائشة بنت ابي بكر) حين خرجت معهم , وتعهّد بالمال لمن يخرج على خلافة (علي بن ابي طالب) .

و(عثمان بن عفان) ابتدأ خلافته برشوة الناس عامة بزيادة عطائهم مائة مائة , ورشوة الخاص أمثال (الزبير) بستمائة الف و(طلحة) بأكثر من مائتي الف , ثم اذن للصحابة من المهاجرين بالخروج من (المدينة) بعد ان حبسهم (عمر) لكن بعد ان تمكّن رجالات الانقلاب من بث مسالحهم وفقهائهم ورواة الحديث[14].

وروى (المسعودي) انه في أيام (عثمان) اقتنى الصحابة الضياع والمال , فكان ل(عثمان) يوم قُتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم , وقيمة ضياعه في (وادي القرى) و(حُنين) وغيرهما مائة ألف دينار , وخلّف إبلاً وخيلاً كثيرة , فيما بلغ الثمن الواحد من متروك (الزبير) بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلّف ألف فرس وألف أمة , وكانت غلة (طلحة) من العراق ألف دينار كل يوم ومن ناحية (السراة) أكثر من ذلك , وكان على مربط (عبد الرحمن بن عوف) ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً , وخلّف (زيد بن ثابت) من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلّف من الأموال والضياع[15]. الا (علي بن ابي طالب) قد زهد في هذا كله[16], اذ كان امير البررة بنص النبي[17].

لقد اشترى (عثمان) سكوت (الزبير) بمئات الالاف من الدراهم , بلغت في اول عهده ستمائة الف , ثم يجمع (الزبير) الأموال والقروض من الخليفة ومن غيره , حتى بلغت تركته التي ورثها أبناؤه واستعانوا بها على إقامة دولتهم اكثر من خمس وثلاثين مليون درهم . كذلك كانت ذمة (طلحة بن عبيد الله التيمي) , الذي غضب حين لم ينتظر (عبد الرحمن بن عوف) وصوله الى مقر الشورى بعد ان جعله (عمر بن الخطاب) فيها , فبايعوا (عثمان) دون اخذ رأيه , فوصله (عثمان) بمئات الآلاف من الدراهم , وأسقط عنه ديونه لبيت المال , حتى بلغت تركته التي ورثها أبناؤه ثلاثين مليون درهم . ثم سايروا الناس وتيار الغاضبين على (عثمان) وصاروا من المؤلبين عليه . وهذا ما يفسر انقلاب (الزبير) و(طلحة) ومن شابههم على خليفة عادل مثل (علي بن ابي طالب) , لا يحابي احداً على احد بسبب العنوان او لشراء ذمته , بعد ان بايعوه , وتأملوا دفعة أخرى من الثروة لموقفهم , لكنهم لم يحظوا بما أرادوا من الدنيا[18].

 

ومن خطبة ل(علي بن ابي طالب) في اول خلافته يتحدث عن خروج (طلحة) و(الزبير) ووقعة (الجمل) قال فيها ( وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع , تعلمون ذلك , وقد نكثا وغدرا , ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم , ويلقيا بأسكم بينكم . اللهم فخذهما بما عملا أخذة رابية ولا تنعش لهما صرعة , ولا تُقل لهما عثرة , ولا تمهلهما فواقا , فإنهما يطلبان حقاً تركاه , ودماً سفكاه )[19].

بينما جاءت ام المؤمنين (ام سلمة) بولديها (محمد) و(سلمة) الى (علي) في معركة (الجمل) على ما يبدو ( فقالت: عليك بهما صدقة , فلو يصلح لي الخروج لخرجتُ معك )[20], وقد كتبتْ إلى (علي) من مكة ( اما بعد فإنّ طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون ان يخرجوا بعائشة , ويذكرون ان عثمان قُتل مظلوما , وأنهم يطلبون بدمه , والله كافيكهم بحوله وقوته , ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيوت لم ادع الخروج إليك والنصرة لك , ولكني باعثة نحوك ابني عِدل نفسي عمر بن أبي سلمة , فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا )[21].

 

وكانت شعوب الجزيرة العربية مقسمة الى بُطُون وقبائل وتجمعات تخضع بصورة كبيرة لأمرائها وقادتها , وتتأثر بتوجهاتهم السياسية , كما لعب العامل الحضاري وطريقة العيش والبداوة والتمدن والعلاقات التاريخية والتحالفات والحروب دوراً بارزاً في تشكلها الفكري . فكانت هناك أحزاب الصحابة , (علي) وشيعته , و(الزبير) و(عائشة) و(طلحة) , و(بنو أمية) .

ان العلة الأساس في حرب مثل (الجمل) ليس النفاق والإيمان كما كان في حرب (صفّين) بين (علي) و(معاوية) , بل بين الإيمان الواعي وبين الإيمان الساذج , فقد كان أنصار (عائشة) مؤمنين , لكنهم لا يعرفون حق (علي بن ابي طالب) وأهل بيته , وهم يظنون ان (عائشة بنت ابي بكر) لا تنطق الا بالحق لأنها زوج الرسول , لذلك قدّماها أمامهما الخارجان (طلحة) و(الزبير) , وهما من دعماها إعلامياً ايضاً ووثّقا جبهتها وخلقا مقامها . رغم ان (عائشة) كانت حقاً لا تحب (عثمان) وفعله وتبغضه وكانت تريد الخلافة ل(طلحة)[22], ومع هذا صدّقوها في امر طلبها لدمه .

 

وقد اختصر احد العقائديين من بني (عبد القيس) الامر كله بكلمة وجهها الى جموع القرشيين بقيادة (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) عند قدومهم الى البصرة يطلبون من اَهلها خلع (علي) او قتاله , حيث قال ( يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله -ص- , فكان لكم بذلك فضل , ثم دخل الناس في الاسلام كما دخلتم , فلما توفي رسول الله -ص- بايعتم رجلاً منكم , فرضينا وسلّمنا , ولم تستأمرونا في شيء , ثم مات واستخلف عليكم رجلاً , فلم تشاورونا فرضينا وسلّمنا , فلما توفي جل أمركم إلى ستة , فاخترتم عثمان عن غير مشورتنا , ثم أنكرتم منه شيئاً , فقتلتموه , عن غير مشورة منا , ثم بايعتم علياً عن مشورة منا , فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفيء ؟ أو عمل بغير الحق ؟ أو اتى شيئاً تنكرونه ؟ فنكون معكم عليه ) , فهمّوا بقتل الرجل , فمنعته عشيرته , فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه وقتلوا منهم سبعين[23].

 

ويقول (محمد بن ابي حُذيفة بن عتبة بن ربيعة العبشمي) مخاطباً ابن عمته (معاوية) في اتهامه (علياً) بدم (عثمان) , وقد كان (ابن ابي حذيفة) تربى برعاية (عثمان) , ما نصه ( إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحماً وأعرفهم بك , قال: أجل , قال: فوالله الذي لا إله غيره! ما أعلم أحداً شرك في دم عثمان وألّب الناس عليه غيرك لمّا استعملك ومن كان مثلك , فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك فأبى , ففعلوا به ما بلغك ; ووالله ما أحد اشترك في دمه بدءاً وأخيرا إلا طلحة والزبير وعائشة , فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألّبوا عليه الناس , وشركهم في ذلك عبد الرحمان بن عوف وابن مسعود وعمّار والأنصار جميعا . قال: قد كان ذلك; قال: فوالله! إني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد , ما زاد فيك الإسلام قليلاً ولا كثيرا , وأن علامة ذلك فيك لبينة , تلومني على حب علي , خرج مع علي كل صوّام قوّام مهاجري وأنصاري , وخرج معك أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء , خدعتهم عن دينهم وخدعوك عن دنياك ; والله! ما خفي عليك ما صنعتَ , وما خفي عليهم ما صنعوا , إذ أحلوا أنفسهم لسخط الله في طاعتك ; والله! لا أزال أحب علياً لله ولرسوله , وأبغضك في الله ورسوله أبداً ما بقيت )[24].

و(عمار بن ياسر) هو ( ابن السوداء ) الذي نسبوا فتنة قتل (عثمان) إليه في الحقيقة  , فقد كان يشتمه الأمويون والقرشيون بتلك العبارة , معيرين إياه بسواد أمه (سمية) , وموقفه من (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) وقبلها من (عثمان بن عفان) هو ذاته الموقف الذي ينسبونه ل(عبد الله بن سبأ) الذي يدّعون تأسيسه لمذهب التشيّع . وبينما كان (الطبري) وجماعة معه يقولون إن دعوته اقتصرت على الغلو في (علي) والانتصار لحقّه وكل ما يدور حول (علي) فقط , كان جماعة من المتأخرين يذهبون – ومعهم أسانيدهم طبعا – إلى أنه كان في كل بلد له دعوة خاصة , فيقول (محب الدين الخطيب) بأسانيده التي ذكرها ( ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي -ع- , وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة , وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير )[25] , ليختزل (الخطيب) كل الثورات الصحابية ضد إمارة (عثمان) الأموية في متهم واحد مجهول . 

 

وقد خرجت قبائل (عبد القيس) و(بكر بن وائل) ترد جيش (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) عن البصرة , بعد ان عاث فيها قتلاً ونهباً لبيت المال وشراء الذمم , قبل وصول جيش امير المؤمنين (علي) اليها , فخرجوا حتى كانوا على طريق (علي) يؤمنونه[26]. وحين أقام (علي) ب(ذي قار) , ينتظر (محمداً) و(محمداً) , قبل يوم (الجمل) , أتاه الخبر بما لقيت قبيلة (ربيعة) وخروج (عبد القيس) ونزولهم بالطريق , فقال ( عبد القيس خير ربيعة , وفي كل ربيعة خير ) , وقال ( يا لهف ما نفسي على ربيعة * ربيعة السامعة المطيعة … )[27]. وعن ( معجم البلدان ) أن (القطيف) جزء من بلاد (البحرين) , ومن أهم مدنها , وأنها من بلاد (عبد القيس) , وأن النبي زارها وأخذ إقليدها[28]. ونساء (عبد القيس) هن اللواتي ارسلهن (علي بن ابي طالب) عشرين امرأة مع (عائشة) الى (المدينة) , بعد انتصاره في معركة (الجمل) , عليهن العمائم والسيوف[29]. وقبل ذلك التحمت قبيلة (عبد القيس) بجيش (طلحة) و(الزبير) , قبل قدوم جيش امير المؤمنين (علي) , بقيادة (حكيم بن جبلة العبدي) , وأصحاب (عائشة) كافّون , يدفعون عن أنفسهم , و (حكيم) يذمر خيله , ويركبهم بها[30], حتى قُتل مع ولده (الأشرف) وأخيه (الرعل بن جبلة) , وكانوا من خيار الشيعة وأخلصهم , مع سبعين رجلاً من (عبد القيس) , و كانت (عبد القيس) , مخلصة في ولاء أمير المؤمنين , و(حكيم) وابنه من خلّص شيعة (علي)[31].

 

وعند بدء مسير أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب) , لرد جيش (عائشة) و(طلحة) و(الزبير) , قبل بدء معركة (الجمل) , وهو ب(الربذة) , أتته جماعة من قبيلة (طيء) , فقيل له ( هذه جماعة قد أتتك , منهم من يريد الخروج معك , ومنهم من يريد التسليم عليك ) , قال ( جزى الله كليهما خيرا , وفضّل المجاهدين على القاعدين اجراً عظيما ) . ثم سار من (الربذة) , حتى نزل ب(فيد) , فأتته قبائل (أسد) و(طيء) فعرضوا عليه أنفسهم , فقال الزموا قراركم في المهاجرين كفاية , كما فعلت بعدهم (بكر بن وائل)[32]. ومنه يُعلم حجم ولاء هذه القبائل له .

 

وكان في البصرة قوم من (الزط) , وهم قوم من الهند , و(السبابجة) , وهم قوم من (السند) , كانوا يسكنون البصرة , وكانوا في طاعة (علي) , حتى قتل منهم جيش (عائشة) العشرات غدراً في ليلة مظلمة ممطرة ذات ريح , اذ كانوا يحرسون بيت مال البصرة عند قدوم الجيش بقيادة (طلحة) و(الزبير) والقرشيين وأعرابهم[33].

 

اما قبيلة (تميم) فقد كانت مواطنها تمتد في البصرة التاريخية , تشاركها فيها قبائل (الازد) , وهذا ما وجده (عتبة بن غزوان) حين جاءها[34], وفي المركز الحالي لمدينة البصرة العراقية حيث عشيرة زعيم قبيلة (تميم) الأمير (الأحنف بن قيس) وهم (بنو سعد) , وعندهم قبر (طلحة بن عبيد الله) الْيَوْمَ , وكان بدو (تميم) بقيادة (غالب بن صعصعة) والد الشاعر (الفرزدق) في بادية (كاظمة) اَي الكويت الحالية , وأعرابها من (بني عمرو) و(بني حنظلة) عند شمال وشمال شرق (نجد) , وكانت بعض عشائرها في الكوفة . وكانت على ثلاثة فئات , فئة تعرف مقام (علي بن ابي طالب) وحقه , بقيادة (مالك بن نويرة) الشهيد , وقد تمت إبادة قادة هذه الفئة على يد (خالد بن الوليد) . وفئة تعرف حق (علي) في الوصية ولم تعرف مقامه في الإمامة الا بعد حين , مثل (بني سعد) الذين اعتزلوا الناس في وقعة (الجمل) ولم يشاركوا اَي من الطرفين , شكاً في ان يكون ل(طلحة) و(الزبير) مقام من الدين كما يكون ل(علي) فيكونون قد نصروا على مسلم , حتى ان (طلحة) قد دُفن بأرضهم , الا انهم كانوا اول من أجابوا (علياً) في (صفّين) حتى قبل قبيلة (ربيعة) الموالية له , بعد ان خاطبهم اميرهم (الأحنف بن قيس) ألّا يخذلوا حق الوصي , واحتج عليهم شاعرهم (معاوية بن صعصعة) ابن اخ (الأحنف) بما ل(علي بن ابي طالب) من مرتبة ومناقب في الإسلام[35]. وفئة ثالثة أعرابية تقطن شمال (نجد) وغرب الكويت الحالي من بني (عمرو بن تميم) كانوا يشبهون (بني ضبة) ويحالفونهم , لم يفقهوا مقام (علي) لبداوتهم , وكان من السهل خداعهم بشعارات (طلحة) و(الزبير) ومقام أزواج النبي . وقد كان قسم كبير من بني (تميم) انصاراً اشداء ل(علي بن ابي طالب) بعد واقعة الحكمينِ وخروج الخوارج وبدء غارات أهل الشام .

وهذه القبائل الاعرابية التي تقع أراضيها اليوم في بلدان الخليج بين الكويت والسعودية وقطر والامارات هي المقصودة بذم (علي بن ابي طالب) في اهل البصرة حينها , بدليل قوله في تفسير ( البرهان ) ما نصه ( وَاَلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى , قال: المؤتفكة: البصرة, و الدليل على ذلك‏ قول أمير المؤمنين « يا أهل البصرة, يا أهل المؤتفكة, يا جند المرأة, و أتباع البهيمة, رغا فأجبتم, و عقر فانهزمتم, ماؤكم زعاق‏ , و أديانكم‏ رقاق‏ , و فيكم ختم النفاق, و لعنتم على لسان سبعين نبيا, إن رسول الله -صلى الله عليه و آله- أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طوى له الأرض, فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء, و أبعدها من السماء, و فيها تسعة أعشار الشر و الداء العضال, المقيم فيها بذنب‏ , والخارج منها [متدارك‏] برحمة [من ربه‏] , و قد ائتفكت بأهلها مرتين, وعلى الله‏ [تمام‏] الثالثة, وتمام الثالثة في الرجعة » )[36]. فلم يقاتل مع المرأة (عائشة) الا هؤلاء , اذ كان اهل البصرة اليوم – وهم اهل شمال الولاية حينذاك – اغلبهم من (بني تميم) من (بني سعد) الذين لم يقاتلوا في (الجمل) وكانوا الى جانب (علي بن ابي طالب) في (صفّين) , وكذلك خليط من الانباط وبعض القبائل التي لم تشارك في نصرة جيش (عائشة) . وكانت أعراب (تميم) تمتد الى الأرض التي تشمل الكويت اليوم حيث دُفن فيها زعيمهم ابو الشاعر (الفرزدق) , وباقي القبائل من (مضر) التي شاركت في نصرة جيش (عائشة) و(طلحة) و(الزبير) كانت الى الجنوب من تلك الارض . وكانت كل تلك الارضين تسمى البصرة وتتبع لها حتى نهاية الحكم العثماني وبداية تكوين دويلات وإمارات الخليج على يد البريطانيين .

 

ومن غرائب التنبؤات وخفايا السياسة تنبؤات (كعب الأحبار) , حيث أورد (الطبري) في كتابه ( … فقال كعب وهو يسير خلف عثمان : الامير والله بعده صاحب البغلة وأشار إلى معاوية )[37], وجاء أيضاً ( … عن بدر بن الخليل بن عثمان ابن قطبة الاسدي عن رجل من بني أسد قال : ما زال معاوية يطمع فيها بعد مقدمه على عثمان حين جمعهم فاجتمعوا إليه بالموسم ثم ارتحل فحدا به الراجز ” إن الامير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي ” . قال كعب : كذبت صاحب الشهباء بعده . يعني معاوية . فأخبر معاوية , فسأله عن الذي بلغه , قال : نعم أنت الامير بعده , ولكنها والله لا تصل اليك حتى تكذب بحديثي هذا . فرفعت في نفس معاوية )[38].

والتنبؤات هذه من (كعب الأحبار) يمكن قراءتها من زاويتين , انّه كان يتنبأ فعلاً من خلال بعض العلوم الباطنية السحرية الكهنوتية الموروثة , او انه يشارك في خطة كبيرة لإزالة وتنصيب أمراء الدولة الاسلامية , ضمن فئة ومنظمة اكبر . ورغم رجاحة القرّاءة الثانية لتنبؤات (كعب الأحبار) , الّا انّ رواية (عبد الله بن الزبير) تؤيد القرّاءة الاولى , حيث قال ( عبد الله بن الزبير لما أتي برأس المختار : ما وقع في سلطاني شيء إلا أخبرني به كعب , إلا أنه ذكر لي أنه يقتلني رجل من ثقيف وهذه رأسه بين يدي . وما درى أن الحجاج خبيء له )[39]. وهناك روايات تشير الى التواصل مع عوالم اخرى كان يؤمن بها (كعب الأحبار)[40].

 

ومن الغرائب ايضاً أن يكون أهم داعية الى دولة (آل الزبير) هو ذاته المصلّي على جثة (معاوية) , وهو (الضحّاك بن قيس الفهري) , الذي شهد فتح دمشق وسكنها ووليها بعد ما كان ولي الكوفة من قـِبَل (معاوية بن أبي سفيان) , ثمّ دعا لخلافة (عبد الله بن الزبير) بعد وفاة (يزيد بن معاوية) فقُتل سنة 64 للهجرة في حرب خاضها ضد (مروان بن الحكم) ب(مرج راهط) . وعن (الزبير بن بكار) قال ( كان الضحاك بن قيس مع معاوية , فولاه الكوفة , وهو الذي صلى على معاوية , وقام بخلافته حتى قدم يزيد , ثم بعده دعا إلى ابن الزبير , وبايع له , ثم دعا إلى نفسه )[41], فيكفيه من أمره انه المصلّي على الطاغية الباغي (معاوية) .

ومن دعاتها أيضاً (المسور بن مخرمة) , ابن (مخرمة بن نوفل بن اهيب) الذي كان احد الطلقاء , وأحد المشيخة القرشيين الذين جعل (عمر) يستشيرهم مع (سعيد بن بربوع بن عنكثة) و(حكيم بن حزام) وكلّهم من مسلمة الفتح الطلقاء المؤلفة قلوبهم بالمال[42], وكان رسول الله يقول عنه اذا رَآه ( بئس اخو العشيرة )[43], وقد تزوج أخت متمول الانقلابيين (عبد الرحمن بن عوف) , فولدت ولده (المسور بن مخرمة) , الذي تزوج ابنة (شرحبيل بن حسنة) احد قادة الانقلابيين , وتزوج ايضاً ابنة (الزبرقان بن بدر) احد رجال (عمر بن الخطاب) , وكان (المسور) احد اهم أذرع (عبد الله بن الزبير) , لهذا لا غرابة ان يكون (المسور) هو الراوي قصة خطبة (علي) لابنة (ابي جهل)[44].

 

ويبدو واضحاً ان الله الذي جعل ولاية (علي بن ابي طالب) دِيناً قد هيّأ لاختياره ما لم يتهيأ لغيره , فمرحلة اختيار (علي) كانت الفترة الزمنية الوحيدة للرأي الحر في تاريخ الصحابة بعد رسول الله , بوجود الثورة الشعبية , فتبنته الصحابة كخيار إسلامي صالح , وهو الامر الذي سمح للعقيدة العَلَوية ان تخترق حتى صفوف حزب الطلقاء , بعد ان سرت في الجيل اللاحق , فقد كان (المهاجر بن خالد بن الوليد) مع (علي) يوم (صفّين) , وكان ابنه (خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد) مع (بني هاشم) في الشِعب في زمان (ابن الزبير)[45]حين حصرهم فيه . لذلك يبدو انه بسبب تعاون (يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني) مع (آل الزبير)[46]لم يتفاعل معه أهل العراق , رغم أنه من وجوه (شيبان) , فتركوه لأهل (الريّ) والخوارج , برغم أنه كان قائداً من الأمراء وشاعراً , وقد أدرك عصر النبوّة وأسلم على يد أمير المؤمنين (علي) , وشهد حرب (اليمامة) , حيث نزل البصرة , ثم كان أميراً على (الريّ) , لكن لما استباح الخوارج ما بين اصفهان والأهواز , ورأى (يزيد) كثرتهم دخل المدينة فحاصروه , ثم خرج إليهم فقاتلوه , وانقلب أهل (الريّ) عليه , فأعانوا الخوارج , وتم قتله , وأعقب (حوشب) الذي ولد (العوام) المحدّث[47].

 

وما كان لأولئك الذين تربّوا في الحضن القرشي , المعادي لرسول الله , ان يوفقوا لمعرفة حق (علي) , فساهموا بسكوتهم أو حيادهم السلبي او تعميم رتبة الفضل على عنوان الصحبة في قيام دولة مثل دولة (آل الزبير) وتغوّل دولة مثل دولة الامويين . فهذا (عبد الله بن عمر بن الخطاب) كان عثمانياً لم يبايع (علياً) , الا أنه عند وفاته ندم أنه لم يقاتل الفئة الباغية مع (علي بن ابي طالب)[48], ولما ولي (الحجّاج) بلاد الحجاز من قبل (عبد الملك بن مروان) راح يبايعه ليلاً وهو يقول ( من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )[49], فأخرج (الحجّاج) رِجله ليبايع عليها , وعيّره أنه لم يبايع (علياً) وقد كان إمام زمانه , لكنه جاءه يبايع خائفاً بعد مقتل (ابن الزبير) , فمسح على رِجله وخرج[50]. وهذا (البراء بن عازب) الصحابي الأنصاري , الذي ولد قبل الهجرة بعشر سنين , و شهد الرسول الأقدس , و شهد مع أمير المؤمنين (علي) واقعة (صفّين) و(النهروان) , غير أنّه كتم الشهادة عن يوم غدير (خم) , مع حضوره فيه , فدعا (علي) عليه بالبرص , فعمي . كما أنّه تقاعد عن نصرة الإمام السبط (الحسين) . لكنه نزل الكوفة , ومات أيّام (مصعب بن الزبير) عام ٧٢ ه , بعد أن أعقب[51].

 

ان نتناول تلك الحقبة من تاريخ الاسلام امر واسع , يمكن تلمّس بعض آثارها ودلائل أحداثها فقط , خلط الامويون والزبيريون تاريخها وتلاعبوا بملامحها لعداوتهم المشتركة لبيت النبي .

و(أبو بكر) لم يكن اكثر من وجهٍ مرحلي لعبور الفئة غير المتفقهة نحو استلاب الحكم الاسلامي , رغم ان القوم جعلوا له مناقب وصحبة , وأفردوه بلقب ( صاحب النبي ) وشراكته في الغار عند الهجرة , رغم ان الراوي الوحيد لهذا الحديث هو (ابو بكر) ذاته , كما كان هو الراوي الوحيد لحديثه الذي رد به شهادة سيدة النساء[52](فاطمة الزهراء) من ( ان معاشر الأنبياء لا يورثون ) , ثم كان دور ابنته (عائشة) في تبني هذا الحديث[53]. فحديث (ابي بكر) والغار في الكتب الحديثية التسعة بسند واحد (عن همام عن ثابت عن أنس بن مالك عن ابي بكر , حدّثه …)[54]. وهو مُعارَض بحديث (… ثم نام مكانه , قال وكان المشركون يرمون رسول الله , فجاء ابو بكر , وعليٌّ نائم , قال وأبو بكر يحسب أنه نبي الله , قال فقال يا نبي الله , قال فقال له علي إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه , قال فانطلق ابو بكر فدخل معه الغار …)[55], ومنه يُدرك بوضوح ان النبي لم يأخذ (أبا بكر) معه مطلقا , ف(أبو بكر) الذي لم يعلم بتوجه رسول الله الى مكة حتى رأى ابنته (عائشة) تتجهز , فسألها عن مقصد رسول الله فلم تعرف , أولى انه لم يكن شيئاً مذكوراً في حركة الرسالة الاسلامية[56]. وقد جعلوا له مقامات بروايات وفاة النبي , عن أمثال (يونس بن بكير) , الذي قالوا فيه انه احد رجال البرامكة وأنه مرجئ يتبع السلطان وضعيف ليس بالقوي ولا تحل الرواية عنه ولابد من التثبت فيه , وعن (يونس بن عمرو) , الذي قالوا فيه أنه لا يُحتج به وأن فيه غفلة وأن حديثه مضطرب , وعن ابن عمه (عبد الله بن ابي مليكة التيمي) قاضي ومؤذن (ابن الزبير) , ومع هذا احتجوا بهم وأثبتوا الفضل ل(ابي بكر) . والروايات جميعها متناقضة متضاربة لا تتفق أبداً مع المنطق , فقد رجع جيش (أسامة بن زيد) ولم ينفّذ ما أمره به رسول الله من مسيره الى تخوم فلسطين , رغم اللعن الذي لعنه النبي لمن تخلف عن المسير , وجعلوا يروون عكس ما يستفاد من اللعن , حيث ادّعوا دعاء رسول الله ل(أسامة بن زيد) , رغم ان النبي لا يتكلم بسبب مرضه الا ان (أسامة) – بزعمهم – فهم انه يقصد الدعاء حينما رفع النبي يده الى السماء وانزلها .

 

وحاز المؤلفة قلوبهم يوم (الجعرانة) في الإسلام ما لم يحزه أجلّاء الصحابة الذين دفعوا الأذى عن رسول الله من الأنصار والمهاجرين الأوائل , عن طريق خلفاء الانقلاب الثلاثة وعن طريق الامويين وعن طريق الزبيريين . ف(أبو سفيان) وولداه (يزيد) و(معاوية) أقطعتهم خلافة الثلاثة الشام , ثم صاروا الخلفاء بالملك العضوض على رقاب المسلمين , و(حكيم بن حزام) جعلوا ولادته في جوف الكعبة , وقد شارك في دفن (عثمان بن عفان) ليلا , ومات وهو من أغنى المسلمين[57], و(العلاء بن جارية الثقفي) صار ولده (الأسود) وحفيده (محمد بن أبي سفيان بن العلاء) من رواة الامة الموثقين عند العامة , و(الحارث بن هشام المخزومي) – اخو ابي جهل – تزوج (عمر) ابنته (ام حكيم) , وذهب في قريش الشام[58], وتزوج (معاوية بن أبي سفيان) ابنة ابنه (عبد الرحمن) , الذي زوّجه (عثمان بن عفان) ابنته , وزوّجه كذلك (الزبير بن العوام) بنت (أسماء بنت ابي بكر) , وقد خرج في يوم (الجمل) مع (عائشة) و(الزبير) ضد أمير المؤمنين (علي)[59], و(صفوان بن امية) – الذي كانت اليه الأزلام في الجاهلية ايضاً – فقد جعله (عمر بن الخطاب) احد أمراء جيش المسلمين في (اليرموك) , وأقطعه (معاوية) قطيعة حين قدم عليه[60], وقد قُتل ابوه (امية بن خلف) يوم (بدر) كافرا , وقُتل عمه (اُبي بن خلف) يوم (اُحد) كافرا , ومات اخوه (ربيعة بن امية) في بلاد الروم مرتدا , وقتل ابن ابنه (عبد الله) مع (ابن الزبير)[61], و(سهيل بن عمرو) ايضاً من أمراء جيش (عمر) الى (اليرموك) , وكان ابنه (عبد الله) من أمراء جيش (ابي بكر) , و(حويطب بن عبد العزى بن ابي قيس) جعله (عمر) على إعادة أنصاب الحرم في خلافته , وكان ممن شهد دفن (عثمان بن عفان)[62], و(الأقرع بن حابس التميمي) أقطعه (ابو بكر) مع (عيينة) قطيعة , وكان من أمراء جيشه وفِي مقدمة (خالد بن الوليد) الى العراق , وعلى جيش خراسان في زمان (عثمان) , اذ مضى (الأقرع) فشهد مع (شرحبيل بن حسنة) يوم (دومة الجندَل) , وشهد مع (خالد) حرب أهل العراق وفيه الأنبار[63]. و(خالد بن الوليد) أيضاً , الذي خالف امر رسول الله يوم (هَوازن) , حين قتل امرأة لا ذنب لها , فأرسل خلفه ونهاه[64], وَمِمَّا يدل على نزقه وسوء نواياه استماعه لمخنّث نصحه بإحدى النساء يوم (الطائف) ان يطأها[65], وقد اعتاد هذا الامر , كما ثبت في قتله (مالك بن نويرة) ووطئه امرأته بغير حق ولا شرع لاحقا , لكنّ الغريب ان تحرز عائلة (خالد) وهم (آل المغيرة) غنائم السلطة في الإسلام من طرق خلفاء الانقلاب والامويين والزبيريين معاً , ف(عبد الرحمن بن خالد) شهد (صفّين) مع معاوية , و(هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد) ولي حكم (المدينة) , و(إبراهيم) و(محمد) ابنا (هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد) وليا حكم (المدينة) ومكة في زمان (هشام بن عبد الملك) , و(هشام بن إسماعيل بن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد) ولي شرطة (المدينة) , و(الأزرق) وهو (عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة) ولي حكم اليمن ل(ابن الزبير)[66].

 

وقد تبعت الأمة في كثير من مجتمعاتها مدارس الانقلابيين والامويين والزبيريين جميعاً , رغم سوء موقفهم من النبوة او من الخلافة الشرعية وإمامة المسلمين , ورغم تضاربهم ورواية بعضهم سوء بعض . ف(أبو سفيان) وولداه (يزيد) و(معاوية) من المؤلفة قلوبهم بأموال وغنائم (الجعرانة)[67], فقد أعطى رسول الله كلاً من (أبي سفيان) وابنه (معاوية) و(حكيم بن حزام) و(الحارث بن كلدة) و(علقمة بن علاثة) و(العلاء بن حارثة) و(الحارث بن هشام) و(جبير بن مطعم) و(مالك بن عوف) و(سهيل بن عمرو) و(حويطب بن عبد العزى) و(عيينة بن أحصن) و(صفوان بن أمية) و(الأقرع بن حابس) مئة مئة من الإبل , يأتلف قلوبهم , وحين عوتب انه لم يعط (جعيل بن سراقة الضمري) مثلهم قال ( اما والذي نفس محمد بيده لجعيل خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع , ولكن تألفتهما ليسلما )[68], لكنّ (أبا سفيان) ابى الا النفاق , في اول تجربة من النبي له , اذ بعثه في سرية الى (الطائف) , فضربته قبيلة (ثقيف) على وجهه , فعاد منهزماً يذم أصحابه[69], ولما بويع (عثمان) , جاء (أبو سفيان) إلى قبر (حمزة) فرفسه برجله وقال ( يا أبا عمارة إن الذي تقاتلنا عليه يوم بدر صار في أيدي صبياننا )[70], ومع ذلك ينقل (عائذ بن عمر) دفاع (أبي بكر) عن (أبي سفيان) , حين اتهمه الصحابة (سلمان) و(صهيب) و(بلال) بأنه ( عدو الله ) وتمنوا قتله , فعاتبهم (أبو بكر) ووصفه بأنه ( شيخ قريش وسيّدها ) , فحذّره النبي من إغضاب هؤلاء الصحابة لأن ذلك يُغضب الرب[71]  وهو امر غريب في بابه ممن صار خليفة المسلمين الأول , ويُدّعى له أولية الإسلام , في رجل هو شيخ المشركين ثم المنافقين وسيّدهم . لهذا ربما لم يبايع الصحابي (بلالُ بن رباح) في زمانه (أبا بكر بن ابي قحافة) , ولم يُؤذَّن له , وهجره الى الشام التي مات فيها بالطاعون[72]. وشيخ قريش هذا هو من وقف وزوجته (هند) يوم (بدر) يحرض قريشاً على الجَلَد في قتال رسول الله[73], وعن (عبد الله بن الزبير) ان (أبا سفيان) – الصحابي الجليل! – كان واقفاً يوم (اليرموك) على تل , في جماعة لا يقاتلون , يشجع الروم ضد المسلمين[74].

 

لذلك نال المنافقون من (آل الأشعث) القرب من (آل الزبير) كما نالوه من (بني أمية) , ولهذا نالوا توثيق رجال التوثيق من العامة . فهذا (محمد بن الاشعث بن قيس الكِندي) , الذي قتل ابن عمّ (الحسين) ورسوله (مسلم بن عقيل بن أبي طالب) , ثم ساهم بقتل ريحانة رسول الله (الحسين) نفسه , كان (ابن اخت (ابي بكر) , وقد ذكره (ابن حبان) في الثقات[75], وذكر (ابن منده) أنه ولد في عهد النبي , وقال (أبو نعيم) فيه ( لا يصح لمحمد بن الاشعث صحبة ) , قالوا ( ولا رؤية , لأن أمه أم فروة بنت أبي قحافة أخت ابي بكر , وإنما تزوجها الأشعث في خلافة ابي بكر , لما قدم , بعد أن ارتدّ , وأُتي به من اليمن إلى المدينة أسيراً , فمنّ عليه أبو بكر , فتزوج أخت ابي بكر الصديق في قصة مشهورة ) , ول(محمد) رواية في السنن عن (عائشة) , وروى عنه (الشعبي) وغيرهم , قُتل سنة سبع وستين بالكوفة أيام (المختار) , كانت له او لأبيه عمة له يهودية , توفيتْ , فسأل عمر ( من يرثها ؟ ) , فقال (عمر) له ( يرثها أهل دينها ) , او ( لا يتوارث أهل ملتين ) , ثم سأل (عثمان) فقال له ( أتراني نسيتُ ما قال لك عمر ! يرثها أهل دينها ) , وهو ما يكشف أن هذه العائلة او حتى القبيلة كانت على اليهودية , وحين غزا (مصعب بن الزبير) العراق وحارب (المختار) بعث على مقدمته (محمد بن الاشعث)[76], فالرجل كان حرباً على (آل محمد) , اذ لما تتبع (المختار) أهل الكوفة جعل عظماؤهم يتسللون هراباً إلى البصرة , حتى وافاها منهم مقدار عشرة آلاف رجل , وفيهم (محمد بن الاشعث) , فاجتمعوا , ودخلوا على (مصعب بن الزبير) , فتكلم (محمد بن الاشعث) معه وقال ( أيها الأمير , ما يمنعك من المسير لمحاربة هذا الكذاب , الذي قتل خيارنا , وهدم دورنا , وفرّق جماعتنا , وحمل أبناء العجم على رقابنا , وأباحهم أموالنا ؟ , سر إليه , فإنا جميعاً معك , وكذلك من خلفنا بالكوفة من العرب , هم اعوانك ) , فقال (مصعب) له ( يا ابن الاشعث , أنا عارف بكل ما ارتكبكم به , وليس يمنعني من المسير إليه إلا غيبة فرسان أهل البصرة أشرافهم , فإنهم مع ابن عمك المهلب ابن أبي صفرة في وجوه الأزارقة بناحية كرمان , غير أني قد رأيت رأياً … رأيتُ أن أكتب إلى المهلب , آمره أن يوادع الأزارقة , ويُقبل إلي فيمن معه , فإذا وافى تجهّزنا لمحاربة المختار ) , فوافقه وأخذ الكتاب بيده حتى ورد (كرمان) , وأوصله إلى (المهلّب)[77], فالرجل قبلي ناصبي دنيوي بحت , يرى قتلة (الحسين بن علي) خيار الناس , ويتحدث بلغة عنصرية . ورغم ذلك فقد رفض (آل المهلّب) الإساءة لأهل العراق , فقد رفض (يزيد بن المهلّب) ولاية العراق ل(سليمان بن عبد الملك الاموي) حين طلب منه ذلك , خشية ان يسير فيهم بسيرة (الحجّاج) والعراق عراقه[78].

بينما يقيل (مصعب) أمثال (سعيد بن نمران الهمداني الناعطي) المتوفى 70 ه , الذي أدرك من حياة النبي أعواما , حدّث وروي عنه , وشهد (اليرموك) وسار إلى العراق مدداً لأهل (القادسية) , وكان كاتباً لأمير المؤمنين (علي) , وكان من أصحاب العبد الصالح (حجر بن عدي) , وسيّره (زياد بن أبيه) مع (حجر) إلى الشام , فأراد (معاوية) قتله , فشفع فيه (حمزة بن مالك الهمداني) , فخلّى سبيله , ولما ولي (مصعب بن الزبير) الكوفة استقضاه ثم‌ عزله , ثم هاجر إلى (جرجان) فسكنها[79].

 

والغريب أن (مصعب بن الزبير) يسمع لكلام أولئك المنافقين ولم يسمع لكلام ونصح الرئيس ابن الرئيس ووجه العراق (إبراهيم بن مالك الأشتر) , الذي اضطر الى التحالف مؤقتاً بعد سقوط دولة (المختار) , لأنه كان أفضل السيئينِ , رغم أن (إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي) وقد كان فارساً شجاعاً شهماً , مقداماً رئيساً عالياً , بعيد الهمة عالي النفس , وفياً شاعراً فصيحاً , كان مع ابيه (مالك الأشتر) في (صفّين) , وأبلى فيها بلاءً حسنا , وبه استعان (المختار) حين ظهر بالكوفة , وبه قامت إمارة (المختار) وثبتت أركانها , ربما لأن (إبراهيم) حظي بحصة خاصة من التاريخ الحركي لشيعة (علي بن ابي طالب) , لسببين , أنه ساهم بالنسبة الأكبر في تخليص العراق ممن نصب العداء ل(علي بن ابي طالب) , كما ورّث[80]وهج الثورة والعقيدة لذريته وذراري (النخع) , فقُتِل في حرب وقعت بين (مصعب بن الزبير) وَ(عبد الملك) سنة ٧١ , بسبب عدم استماع (مصعب) الى نصيحته , وجاء ان (محمد بن مروان بن الحكم) قتله بين بدير الجاثليق بين الشام والكوفة , وكان على الجزيرة[81] , ثم قُتل بعده (مصعب) بعد أن خانه أغلب أمراء جيشه لصالح الأمويين لأجل المال , فظل يندب وينادي باسم (إبراهيم بن مالك) حتى قُتل .

 

ويرى (ابن ابي الحديد) أن (الحسين بن علي) هو الذي – بإبائه – قد سنّ ل(بني الزبير) و(آل المهلّب) الثورة على (امية)[82]بعده صادقا , وأنهم ثاروا بوهج الثورة الحسينية .

 

ان التلاعب الرسمي وشبه الرسمي بالتاريخ جعله مشوهاً لا وجه له , وأبشع أنواع التلاعب هي المنطلقة من داخل الكيان المستهدف , الامر الذي يوفر فرصة لأعدائه من الخارج . فصاحب الانتهاكات التي برأ منها رسول الله الى الله (خالد بن الوليد) جعلوه ( سيف الله المسلول ) , ولا يُعرف كيف يكون ( سيف الشيطان ) بعدها , وقد اختلفوا كعادة المزورين فيمن سمّاه بهذا الاسم , رغم ان (الطبري) نقل انه هو من سمّى نفسه به في (الحديبية) , و(خالد) لم يسلم في (الحديبية) أكيدا , وهذا ما نقله (الطبري) في نفس الصفحة عن (الزهري) , اذ كان هو و(عكرمة بن ابي جهل) على خَيل المشركين حسب مجموع الروايات , ونسبوا ان رسول الله هو من سمّاه بهذا الاسم مكافأة له على هروبه يوم (مؤتة) أمام الروم , اذ دعا رسول الله ربه – بحسب قولهم – ان ينصر (خالداً) باعتباره ( سيف من سيوف الله ) , ورسول الله في (المدينة المنورة) لا يعلم ان (خالداً) أخذ القيادة لنفسه , الا ان ما جرى هو هروب (خالد) وانكساره , فأوهنوا سمعة النبي وقدسية دعائه لحفظ ماء وجه (خالد)[83], لذا كان من الطبيعي ان يجد له (ابو بكر) المبررات وهو يقتل المسلمين دفاعاً عن عرش (ابي بكر) ذاته , كما حمّل المجني عليهم (ابن ابي رهم بن قرواش) و(لبيد بن جرير) مسؤولية ان يقتلهم سيف (خالد) رغم إنهما مسلمان ويحملان كتاباً من (ابي بكر) بهذا , اذ أوجد عذراً ل(خالد) غير معهود بأن هؤلاء نزلا دار الحرب , فودّاهما[84]. كذلك جعلوا دليل مسيرة رسول الله في شعاب مكة احد (بني أسلم) عشيرة الانقلاب , رغم ان مكة هي بلد رسول الله , وأهل مكة ادرى بشعابها[85].

وهذا التزوير لم يكن فردياً عشوائيا , بل مجموعاً منظما . ففي مجلس (مروان بن الحكم) , وبحضور (سعيد بن المسيب) , يفرد (مروان) صدر المجلس ل(حكيم بن حزام) احد قادة المشركين في واقعة (بدر) , ليروي قصتها , لتكون هي القصة الرسمية أمام هذا الجمع وتحذيراً ألّا يروى غيرها , اذ جعل (حكيم) أسلاف (بني أمية) في حل من تهييج الناس على الإسلام وعلى رسول الله , وأحال الامر فيها الى علة وسبب شخصي ناشئ عن طلب (ابي جهل) لثأر (ابن الحضرمي) وتزمته في هذا الطلب , لا ان القضية كانت رسالة الاسلام ونبوة (محمد) وكفر قريش و(بني أمية)[86]. وتبنى بعده ابنه (عبد الملك بن مروان) منهج التزوير في التاريخ , فاختار الضعيف المكسور أمام (بني أمية) – الكاره ل(بني هاشم) – (عروة بن الزبير) فكاتبه في قصة معركة (بدر) , فنسبها (عروة) الى طمع رسول الله بسلب قريش , وإلى طمع أصحابه في أموالها , وأن الرسول بعث أباه (الزبير) في سرية قبضت على غلام لقريش عند ماء (بدر) , فأخذوا الأخبار منه بالضرب والتعذيب , ورسول الله ينظر! , رغم ان الغلام بحسب (عروة) كان صادقا , وأن قريشاً إنما اضطرت الى الخروج إجارة لأموالها , وأن (أبا سفيان) نهى قريشاً عن الخروج بعد نجاة الأموال , وأن النبي حثا في وجوههم التراب عند مقدمهم – في مشهد سحري – فانهزموا[87]. وهنا استجاب (عروة بن الزبير) لرغبات (عبد الملك بن مروان) الأموي الفكرية التلفيقية في تبرئة عموم قريش وخصوص (بني أمية) من دماء المسلمين ومن عداوة الإسلام والدين , وبالتالي جواز حكمهم على رقاب الامة المسلمة , وأنهم مظلومون من (محمد) , وأنه هو من ابتدأ الحرب لا قريش , وأوجد لأبيه (الزبير) منقبة برأيه , وأساء ل(بني هاشم) وللصحابة الذين كانوا في صف (علي) يوم (صفّين) , وشرّع للحكّام جواز التعذيب .

وتوافق المصالح بن (آل امية) و(آل الزبير) أنتج رواية أخرى حين استكتب (مروان بن الحكم) منهم (عروة بن الزبير) نفسه عن موقف (خالد بن الوليد) , هل أغار يوم الفتح ؟ ومع من كان ؟ , ما يكشف ان امر (خالد) لم يكن موضحاً للعامة وتم إخفاء شيء سيّء يخصه , ولو كان يومها مسلماً لما احتاج الى استكتاب من الخليفة ذاته , فجعله (عروة) مسلما , وجعل (أبا سفيان) مبايعاً للنبي دون ذكر كراهته , وفي مقابل ذلك ادخل أباه (الزبير) في رواية الفتح وأنه محور القصة . وبهذا أضاع (آل الزبير) و(آل امية) تاريخ الفاتحين الحقيقي[88]. هذا فضلاً عن تاريخ رسول الله الذي اضاعته متناقضات النقل بين الصحابة المفترضين , كما حدث في اختلاف (عبد الله بن عمر) و(عائشة) على عدد مرات ما اعتمر النبي . وهي ليست روايات عن رواة متعددين للتفاضل , بل راوٍ واحد يروي اختلاف صحابيين في نفس المقام[89].

حتى ان تاريخ حدوث معركة (بدر) الكبرى – الذي كان مفصلاً بيّناً – ضاع وتردد بين روايات الشعب والسلطان ما بين سبعة عشر وتسعة عشر من شهر رمضان .

ونقلوا ان رسول الله كان ضعيفاً لا رأي له بين أصحابه يوم (الحديبية) لولا (ام سلمة) زوجه[90]. وكان المتكفل لمثل هذه الروايات (عروة بن الزبير) , الذي لم يخالط سوى أمه (أسماء بن ابي بكر) وخالته (عائشة) و(بني أمية)[91], عن (المسور بن مخرمة) صريخ (عثمان) الى (معاوية) حين حصره القوم , واللازم ل(عمر بن الخطاب) الآخذ عنه , وشريك (آل الزبير) , والذي كانت تغشاه الخوارج تنتحل عنه[92], وعن (مروان بن الحكم) عدو رسول الله وأهل بيته , وقاتل (طلحة بن عبيد الله) , الذي جعلت ذريته الخلافة ملكاً عضوضا . و(مروان) كان زوج (عائشة بنت عثمان) ما قد يكون اكسبه حصانة عند الرواة لحفظ ماء وجه (عثمان) ذاته[93].

ولقد صنعت روايات (بني أمية) هولوكوست يهودياً يدين رسول الله في جريمة قتل (بني قريظة) بلا رأفة . اذ تنقل هذه الروايات انه جمعهم – بعد حكم حليفهم (سعد بن معاذ) فيهم – في أخاديد وذبحهم صبرا . وتنقل هذه الروايات ايضاً علائم البطولة والإخلاص والحب التي تمتع بها هؤلاء اليهود , وأنهم كانوا أسمى من المادة , كما في نبل (الزبير بن باطا اليهودي) حسب الرواية . وتنقل ايضاً صورة شبيهة بصورة (سارة) اليهودية المختلقة في مسلسل (باب الحارة) من البِشر والطيبة والصبر . وهي صور قطعاً لم يتمتع بها اليهود يوما , وإنما اريد منها تهويل المشهد الدرامي , ليزداد الغضب العاطفي العالمي من فعل رسول الله , ومن سوء صنيع (سعد بن معاذ) مع حلفائه[94], وبالتالي الطعن على النبي والأنصار , والتبرير لجرائم (بني أمية)[95]و(آل الزبير)[96]. والراوي لهذا الهولوكوست المختلق هو (ابن شهاب الزهري) , الذي صار في ديوان أصحاب (عبد الملك بن مروان الاموي) , بعد ان قصده الى الشام مدقعاً فقيرا , واستبقاه يفتيه بقضاء (عمر) – الذي كان حليفاً لليهود – , و(عمر) لا قضاء له قد شغله الصفق في الأسواق كما قال , وبعد وفاته لزم ابنه (الوليد) , ثم (سليمان) , ثم (عمر بن عبد العزيز) , ثم (يزيد بن عبد الملك) , فاستقضاه (يزيد) على قضائه مع (سليمان بن حبيب المحاربي) جميعا , ثم لزم (هشام بن عبد الملك) , وصيّره (هشام) مع أولاده , يعلّمهم ويحج معهم[97]. وكذلك عن (عروة بن الزبير) عن (عائشة) , تبريراً لما فعله اخوه (عبد الله بن الزبير) في جملة (بني هاشم) . وكان أبو (الزهري) من رجال (ابن الزبير) ايضاً .

و(عائشة) كانت ترى استحباب التزويج في شوال , لا لشيء شرعي , بل لدافع عاطفي هو ان رسول الله بنى فيها في شوال , وهي الرواية التي جمعت بين بيان عاطفتها وبين جرأة القوم على الإساءة لمقام رسول الله في زواجه من طفلة ذات ست او سبع سنين , اذ تدعي الرواية الزبيرية , وراويتها (عروة بن الزبير) , ان رسول الله بنى فيها في السنة الأولى للهجرة .

فمن مبتدعات (آل الزبير) انهم حين احتاجوا الى مصدر قديم للرواية جعلوا (عائشة) زوجة رسول الله من السنة الأولى للهجرة , رغم ان (آل ابي بكر) قدموا الى (المدينة) بعد ذلك حسب رواية رجوع (عبد الله بن أريقط) .

 

و(هشام) ابن المزور السابق (عروة بن الزبير) هو الذي روى زواج (عائشة) من رسول وهي بنت ست سنين عن ابيه (عروة) , اذ استكتبه – كالعادة – (عبد الملك بن مروان الأموي) في زواج النبي , فجعل (هشام) يحدّث عن (عروة) ان رسول الله تزوج (عائشة) قبل (سودة بنت زمعة) وهي بنت ست , وبنى ب(سودة) قبلها , ثم بنى ب(عائشة) وهي ابنة تسع . كل ذلك ليجعل ل(عائشة) فضلا , حتى وإن كان على حساب سمعة وإنسانية النبي ذاته . فيما ان رواية زواجها التي تروى عنها متناقضة البنيان والأركان , اذ تفترض ان (خولة) زوجة (عثمان بن مظعون) تعاطفت مع رسول الله وأرادت تزويجه لحاجة الرجل الى من يدير شؤون بيته , فكيف تختار طفلة سيتزوجها الرسول بعد ثلاث . لكن من الواضح ان الرواية كانت من مخرجات العصر الأموي وإلا لما احتاجت الى استكتاب (عبد الملك بن مروان) لو كانت ثابتة . وموضوع زواج النبي كان شائكا ً بسبب قصصهم وروايات عصر (بني أمية) , يروي كل راوٍ ما يوافق نفسه وقبيلته والقبائل التي تواليه , وتستعين الناس بروايات أمثال (آل الزبير) الملفقين , و(عائشة) التي تنطلق في كثير من رواياتها من كونها امرأة غيرى[98].

وحين يجد الباحث أن المستشرقين يطربون لسماع منقصة بحق نبي الإسلام لا يستغرب كثيراً , رغم ان ذلك مستهجن موضوعيا , لكن ان يطرب المسلم لذلك الصوت النشاز المسيء الى النبي دون تحقيق فهو أمر مَرَضي ناشئ عن نقص معرفي وخلل اجتماعي .

حتى لقد أكثر الراغبون في إظهار الإسلام بصورة سيئة في أمر زواج النبي من السيدة (عائشة) وأنه عقدها طفلة ذات ست سنين وبنى بها في تسع سنين . ورغم أن الباحث علمياً لا يمكن ان يقر بذلك , إلا أن التفكر وحده ينبأ بزيف هذه المقولة لأسباب , منها ان النبي في مقام الدعوة إلى دين جديد في محيط عربي متشدد في الجانب الاجتماعي , وهذه الفعلة من نبي بالزواج من طفلة ستجعله محل اتهام ونفور , وأن النبي لم يفعلها قبل ذلك ولا بعده اذا كانت نفسه تقبل هذا الأمر فما الذي يجعله يقبله عند ذاك .

وأن بعض هؤلاء المروجين لهذه الفرية وجدوا ضالتهم النفسية في تاريخ كتبه مسلمون , لكنهم لم يريدوا سوى الإساءة الى النبي ذاته مثل (بني أمية) , او لتحقيق مكاسب حديثية ودنيوية مثل (آل الزبير) .

لكن بحسبة بسيطة ان (عائشة) كانت أصغر من أختها (أسماء) ببضعة عشر سنة , و(أسماء) توفيت عام 73 هجرية وقد ولدت عام 27 قبل الهجرة وكان عمرها حين وفاتها 100 عام[99], والنبي تزوج من (عائشة) حسب المشهور نهاية عام 2 هجرية , فتكون النتيجة 100 – 73 = 27 , والبضع في العربية من 3 – 9 فيكون مولد (عائشة) مردد بين 27 – 13 = 14 , او 27 – 19 = 8 , وحين اضافة سنتي الهجرة 2 , يكون احتمال العمر عند الزواج حسب الروايات العامية المشهورة 14 + 2 = 16 , او 8 + 2 = 10 , فيكون الاحتمال المفتوح من 10 – 16 , واذا كان مولدها بعد البعثة النبوية ب 4 أو 5 سنين , والنبي بقي بعد البعثة في مكة 13 سنة , يكون الحساب 13 – 4 = 9 , 9 + 2 = 11 , 13 – 5 = 8 , 8 + 2 =10 , رغم الشك في هذا التاريخ . اما اذا تم اخذ الرواية التي تقول إن (عائشة) أصغر من اسماء ب 10 سنين يكون الحساب كالآتي 27 – 10 = 17 , 17 + 2 = 19 . وحين الاخذ برواية ان (أسماء) ولدت وعمر (ابي بكر) 21 سنة[100]وهو قد ولد قبل الهجرة بنحو 50 سنة , أي حسب المشهور بعد عام الفيل بسنتين , فيكون عمرها وعمر أختها مضافاً الى ما سبق 2 سنة , أي ان (عمر) (عائشة) حينها 19 – 21 سنة , والاحتمال الوسطي أكبر من (17) سنة , وربما يكون كل ذلك غير دقيق ويكون عمرها حين الزواج أكبر من ذلك .

ويؤيد ذلك ما رواه البخاري من ( … لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب ” بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ” , وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده … )[101], وقد روى (القرطبي) عن (ابن عباس) أنه ( كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين, فالآية على هذا مكية )[102], فتكون (عائشة) في بداية الشباب في حدود سنة 5 قبل الهجرة حسب روايتهم .

وهذه الروايات المسيئة الى النبي لا تتناسب مع شخص كان اشجع الناس وأجودهم كما نقلوا[103], فالشجاعة والجود من صفات أهل الآخرة لا الدنيا . وإذا كان القوم اختلفوا في الشيب أصاب رسول الله ام لا , وهل كان يخضب ام لا , وتضاربوا في رواياتهم , فكيف هم في نقل مواقفه السياسية والعقائدية والاجتماعية . بل ان خدعة ما انطلت على المسلمين الى هذا اليوم , قامت بها احدى أزواج النبي , والظن أنها بنت (ابي بكر) , اذ قامت بإخراج شعر أبيها الى الناس على انه من شعر النبي , فعن (عثمان بن عبد الله بن موهب) انه دخل على زوج رسول الله فأخرجت لهم من شعره مخضباً بالحناء والكتم , بينما ينقل خادمه (أنس) ان رسول الله لم يشتد به الشيب ولم يخضب , وقال ان الذي خضب بالحناء والكتم هو (ابو بكر) , وأن الذي خضب بالحناء فقط هو (عمر)[104].

 

و(هشام بن عروة بن الزبير بن العوام) كان من أشهر رواة قصة هجرة وصحبة (ابي بكر) مع النبي الى الغار , يرويها عن (عائشة) , ويكفي في بيان حاله انه من (آل الزبير) خصوم (علي) , وأنه ترك من عاصرهم من الصحابة لم يروِ عنهم وروى عن التابعين , وأنه اهوى على يد (ابي جعفر المنصور الدوانيقي العباسي) يريد تقبيلها وهو في شيخوخته على المال[105].

 

وليس غريباً على (آل الزبير) التزوير في حوادث ووقائع التاريخ الإسلامي لرفع مكانة ابيهم حين ادّعوا الخلافة واحتاجوا الى رتبة اعلى من رتبتهم . ف(هشام بن عروة بن الزبير) يستنسخ قصة بروز (علي بن ابي طالب) يوم (خَيْبَر) ورجزه وينحلها الى (الزبير)[106].

 

وهذا الخليط الأموي الزبيري هو ما أنتج لا شك الإساءة لمقام رسول الله – من اجل تبرير أفعال (بني أمية) – في رواية (ابن إسحاق) ان النبي دفع (كنانة بن الربيع بن ابي الحقيق) اليهودي الى (الزبير بن العوام) ليعذبه بالنار في صدره من اجل كنز من الذهب والفضة . وفعلاً استجاز (برهان الدين الحلبي) تعذيب الناس في ( السيرة الحلبية ) بهذه الرواية , رغم ان (الحلبي) ذاته يروي نسختها الأخرى ببطل آخر هو (حيي بن أخطب) اليهودي , الامر الذي يكشف اضطرابها[107].

وبفعل هذا التحالف الخفي بين (آل الزبير) و(بني أمية) نُسبت الى رسول الله جملة من عمليات الاغتيال , التي لا يأتيها نبي , وكانت في جملتها موجهة ضد يهود , لإتمام هولوكوست مدبّر يجعلهم مظلومين مغدورين , وهم في كثير من الأحيان من ابشع الغدرة . فعن (محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام) عن (عبد الله بن انيس) – الذي مات في الشام في خلافة (معاوية) سنة ٥٤ هجرية – رويت قصة بعث رسول الله على (خالد بن سفيان بن نبيح الهُذَلِي) لاغتياله . فلا غرابة بعدئذ ان تروى روايات اغتيال زعماء اليهود (يسير بن رزام) و(كعب بن الأشرف) بأمر النبي . لاسيما انها رويت عن (عبد الله بن ابي بكر) عن زوجته (فاطمة بنت عمارة) عن خالة أبيه (عمرة بنت عبد الرحمن) عن (عائشة بنت ابي بكر) كما يقول البعض , و(عائشة) عنها أخذ (آل الزبير) او نسبوا اليها . و (عبد الله بن ابي بكر) كان أبوه (ابو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) امير (المدينة) وقاضيها ل(بني أمية) و(بني مروان) , وكان يتختم بالذهب رغم حرمته , ومع هذا عدّوه من الثقات الأثبات وأوجدوا له الأعذار[108].

 

كما جعلوا ل(ابي بكر) فضلاً في اسلام جماعة على يديه , وهو امر مشكوك تناقضه الكثير من الروايات , مثل رواية الخمسين الذين اسلموا قبل (ابي بكر) , ومع هذا فقد كانوا جميعاً خصوماً ل(علي بن ابي طالب) , منهم (الزبير) و(طلحة) وَ(عبد الرحمن بن عوف) و(عثمان بن عفان)[109]. وهكذا , لا يمكن ان تكون هذه الروايات صحيحة مطلقا , وإنما كُتبت لغاية سياسية .

 

والملفت من ظاهرة انفجار الأحاديث النبوية في فضل (ابي بكر) و(عمر) التي يرويها القوم أنها كلها كانت في زمان مرض النبي , ينقل مجملها (الطبري) في تاريخه[110]. وبحسب منطق (عمر بن الخطاب) بقوله ( ان النبي ليهجر ) وهو في هذا الحال , اَي انه بغير وعيه , كان الأولى الا تؤخذ هذه الأحاديث – مع وضوح تلفيقها والتسليم بضعفها شكلاً ومضمونًا – على محمل الجد , كما فعلوا مع أمره بإحضار الكتاب له ليوصي وصيته التي منعوها . ويروون هذه الأحاديث عن مثل (حميد بن الربيع الخزاز) , الذي قالوا فيه أنه ( واهٍ , ضعيف , شره , يدلس , ويسرق الحديث , وكذاب , وأحد أربعة اكذب زمانه )[111], و(معن بن عيسى) , ربيب (مالك بن أنس) صاحب ( الموطأ )[112]الذي جعل له (بني أمية) الإفتاء في (المدينة) ومنعوا غيره , و (عطاء) الذي كان مع (ابن الزبير) حتى قُطعت يده وتركه (بنو أمية) يفتي في مكة[113]! .

 

وقد اعتاد (آل الزبير) التلفيق كلما احتاجوا الى ناصر , اذ هم لم يملكوا علم (بني هاشم) ولا مال ونفوذ (بني أمية) , وهما خصومهم . كما فعلوا من تمجيد شريك ابيهم (طلحة بن عبيد الله) , وجعلوه المدافع عن رسول الله بتميز , رغم كونه احد الهاربين عن رسول الله يوم (اُحد) وظن انه قُتل , برواية عن (يحيى بن عُبَاد بن عبد الله بن الزبير) عن أبيه عن جده[114].

وربما لهذا حظي (عبد الله بن الزبير) , ذلك العاصي لإمام زمانه والخارج عليه والسبب الأول في قتل ابيه (الزبير) , بمنقبة الأول كغيره من رؤوس الفتنة , اذ رووا انه كان اول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة , وأن النبي كبّر حين ولادته , وليجعلوا هذا التكبير منطقياً رووا ان اليهود سحروا المهاجرين وكان النبي يخشى ألّا يولد لهم ولد .

 

وليس عجيباً أن يحظى القائد العسكري في جيش الأمويين (الحصين بن نمير الكندي السكوني) , الذي كان من أهل (حمص) وكان بدمشق حين عزم (معاوية) على الخروج إلى (صفّين) وخرج معه وولي الصائفة ل(يزيد بن معاوية) وكان أميراً على جند (حمص) وكان في الجيش الذي وجهه (يزيد) إلى أهل (المدينة المنورة) من دمشق لقتال أهل (الحَرّة) واستخلفه (مسلم بن عقبة) المعروف ب(مسرف) على الجيش وقد أسهم في قتل (الحسين بن علي) وذرية النبي , ثم قاتل أبناء (الزبير) , وكان ب(الجابية) حين عًقدت ل(مروان بن الحكم) الخلافة[115], بأن يذكره (أبو علي بن مسكويه) في جملة من كان يكتب للنبي , كذا ذكره (العباس بن محمد الأندلسي) وجعله مع (المغيرة بن شعبة) يكتبان في حوائج النبي , وكذا ذكره جماعة منهم (القرطبي) المفسر و(القطب الحلبي) وأشار إلى أن أصل ذلك مأخوذ من كتاب (القضاعي) , نسبه (ابن الكلبي) فقال (حصين بن نمير بن فاتك بن لبيد بن جعفر بن الحارث بن سلمة بن شكامة) , وقال إنه كان شريفاً ب(حمص) , وكذا ولده (يزيد) وحفيده (معاوية بن يزيد) وليا إمرة (حمص)[116], وبئس أسماء الابن والحفيد الدالة على الضلالة والنصب , بعد أن ساعد (آل الزبير) ملوك (بني أمية) في التلاعب وتزوير التاريخ كله .

 

وكما يبدو فإنّ اغلب المحدّثين من التابعين من سكنة الكوفة , وهم حلقة الوصل مع الصحابة , ومنهم أخذت الامة . ولولا بدع (ابن الزبير) وأهل الشام لوصل الدين نقياً غير ملوث . لكنّ السياسة الزبيرية والأموية اقتضت وضع نصوص بديلة لما جاء من الحق . فظهرت احاديث أهل الشام وأسانيدهم , التي لازالت الى الْيَوْمَ مرفوضة من أهل العلم من الفريقين .

 

فلا غرابة اليوم أن يكون في الكويت (عثمان الخميس التميمي) المضري من أكثر المتطرفين فكرياً في الكويت وتلميذ مشايخ (نجد) الوهابية , من ذرية (عباد بن الحصين أبي جهضم) من وجهاء البصرة التاريخية ( بما فيها الكويت ) , والذي ولي شرطة البصرة أيام (عبد الله بن الزبير) , وكان من قادة جيش (مصعب بن الزبير) أيام قتل (المختار الثقفي) , وكان مع (عمر بن عبيد الله بن معمر) الذي تزوج قاتل (الحسين) سبط النبي وأمير الأمويين (عبيد الله بن زياد) ابنته (ام عثمان) , ويكون جدّ (عثمان الخميس) الثاني (المسور بن عباد) هو من أجج الحرب الأهلية في إقليم البصرة التاريخي حين غدر ببعض الأمويين من أجل بعضهم الآخر فدخلت فبائل (الازد) و(ربيعة) الحرب ضد (قيس عيلان) و(تميم) ومن تبعها .

وفي باكستان كان (أبو الطاهر زبير علي زئي البشتوني) محدّث السلفيين فيها , بعد أن أمضى بعض السنوات في المملكة العربية السعودية كمحقق ومرتّب لكتب السنة التي أصدرتها مطبعة ( دار السلام ) رجع وأنشأ مكتبة سماها مكتبة (الزبيري) يدّرس فيها عقائد السلفيين . وكان من قبائل (البشتون) الأعرابية , ليكون على سيرتهم اسماً ومسمى ويبدأ ظاهرة النصب والعداء لشيعة أهل البيت هناك .

[1][1] البداية والنهاية , ج 4  , صفة دخوله عليه السلام مكة

[2] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ١٠٥

[3] الآحاد والمثاني , أبو بكر الشيباني , دار الكتب العلمية , ص ٣٨٦

[4] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ١ , ص ٣٢١

[5] تاريخ اليعقوبي , احمد بن ابي يعقوب , دار صادر – بيروت , ج 2 , ص 123

[6] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج 2 , ص 265

[7] الشيخان \ طه حسين \ ص 121

[8] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ١ , ص ٤٠٣ – ٤٠٥

[9] تاريخ جرجان , حمزة السهمي

[10] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , ج ٤ , ت ٢٦٣٠

[11] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٧٩

[12] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ١٩ – ٢٠

[13] الفتنة الكبرى \ طه حسين \ مؤسسة هنداوي \ ج 1 \ ص 81

[14] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 65 – 67

[15] الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى , شهاب الدين أحمد الدرعي السلاوي , دار الكتب العلمية , ج1, ص 39

[16] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٤٦

[17] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار المعرفة , ج ٣ , ١٢٩

[18] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 127 – 131

[19] شرح نهج البلاغة , لابن أبي الحديد , بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم , الجزء الأول , دار احياء الكتب العربية , ص ٣٠٧-٣٠٨

[20] الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , علي خان المدني , ص ١٩٧

[21] بحار الأنوار , العلامة المجلسي , ج ٣٢ , ص ١٦٨

[22] موسوعة اعلام الخلفاء , علي سلمان , المنهل , ص ٨٩ ,

[23] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٥٧٨-٥٧٩

[24] قاموس الرجال , محمد تقي التستري , مؤسسة النشر الإسلامي – جماعة المدرسين , ج ٩ , ص ٢٤

[25] هوية التشيع , أحمد الوائلي , دار الصفوة – بيروت , ص 136

[26] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٥٨١

[27] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٥٤

[28] معجم البلدان , ياقوت الحموي , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٤٢٩

[29] موسوعة ال بيت النبي , د. مجدي باسلوم – سميرة مسكي , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٦٣

[30] إمتاع الأسماع , تقي الدين المقريزي , دار الكتب العلمية , ج ١٣ , ص ٢٣٤

[31] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٦٤ و ص ٢١٤

[32] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٥١ – ٤٥٤

[33] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٥٧٧

[34] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٩٠

[35] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٦٦

[36] البرهان في تفسير القران , هاشم البحراني , ج 5 , تفسير سورة النجم

[37] تاريخ الطبري , ج 3 , دار الفكر , ص 149

[38] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر ,   ج 39  , ص 307 – 308

[39] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر , دار الكتب العلمية – 1995م , ج ٥ , ص ٤٨٣

[40] معجم البلدان , الحموي , ج 4 , دار احياء التراث , ص 386

[41] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة – 1993م , ج ٣ , ص ٢٤٢

[42] الإصابة في تمييز الصحابة

[43] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٥٤٣

[44] الطبقات الكبرى , ابن سعد , ج ٦ , المسور بن مخرمة

[45] جمهرة النسب , ابن الكلبي , مطبعة حكومة الكويت , ج ١ , ص ٢٩٣ الهامش

[46] مقتل الحسين , أبو مخنف الازدي , تعليق : الحسن الغفاري , ص ٢٦٠

[47] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٦٠٦

[48] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٨٣

[49] نثر الدر في المحاضرات , الوزير الابي , دار الكتب العلمية , ٢-٣ , ص ٦٦

[50] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه  , الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ج ٢ , ص ٣٧٧

[51] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ٧٤

[52] فتح الباري شرح صحيح البخاري , ابن حجر العسقلاني , دار الريان للتراث , باب مناقب فاطمة , ح ٣٥٥٦

[53] المواهب المحمدية بشرح الشمائل الترمذية , سليمان بن عمر بن منصور , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٤٣٩ – ٤٤٨

[54] موقع اسلام ويب الالكتروني , وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر , فتوى رقم ٢٧٥٦١١

[55] مسند احمد , احمد بن حَنْبَل , مسند بني هاشم , مسند عبد الله بن عباس , ح ٢٩٠٣

[56] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٦٦

[57] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , ص ١٤٤ – ١٥١

[58] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ص ٤٢٠ – ٤٢١

[59] الطبقات الكبرى , دار الكتب العلمية , ج ٥ , ص ٤

[60] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٥٦٣ – ٥٦٧

[61] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , صفوان بن امية

[62] البداية والنهاية , ابن كثير , ج ٨

[63] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج ١

[64] البداية والنهاية , ج 4 , فصل هزيمة هَوازن

[65] البداية والنهاية , ج 4

[66] جمهرة النسب , ابن الكلبي , مطبعة حكومة الكويت , ط ١٩٨٣ م , ج ١ , ص ٢٩٣

[67] عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير , فتح الدين بن سيد الناس , دار القلم , ج ١  , ط ١ , ص ٢٤٢

[68] البداية والنهاية , ج 4 , مرجعه عليه السلام من الطائف وقسمة غنيمة هَوازن

[69] الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم , جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي , مؤسسة النشر الإسلامي , ج ١ , ص ١٨٤

[70] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٨٩

[71] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٢٥

[72] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٦٥٦

[73] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ١٩٦

[74] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٧٤

[75] تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , حرف الميم , ترجمة ٦٩

[76] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , ج ٦  , ترجمة ٨٥٠٨

[77] الاخبار الطوال , ابو حنيفة الدينوري , ص ٣٠٤

[78] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 29

[79] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ٢٥١-٢٥٢

[80]اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 221 ح 3  إسحاق بن محمد بن احمد النخعي صحب ثلاثة من الائمة المعصومين هم الجواد والهادي والعسكري ,

[81] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ٥٣

[82] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 581

[83] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٦٣

[84] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٨١

[85] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٢٧٢ – ٢٧٣

[86] تاريخ الطبري , ج ٢

[87] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر واقعة بدر الكبرى

[88] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٠

[89] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٢٩

[90] موسوعة نساء حول النبي , محمد القيسي , دار المنهل , ص ٥٣

[91] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , الطبقة الثانية , عروة

[92] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , من صغار الصحابة , المسور بن مخرمة

[93] اعيان الشيعة 1 \ ص 636

[94] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٠٩ – ١١

[95] من قتل أهل البيت وأولاد النبيين وجملة الصحابة واستباحة المدينة وتولية المجرم الحجاج الثقفي

[96] من إدخالهم بني هاشم وال بيت النبي في أخاديد لحرقهم

[97] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , الطبقة الثالثة , ص ٣٢٧ – ٣٣٢

[98] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٣٣ – ٢٣٥

[99] تاريخ مدينة دمشق \ ابن عساكر \ دار الكتب العلمية \ ج 37 \ ص 181

[100] تاريخ مدينة دمشق \ ابن عساكر \ دار الكتب العلمية \ ج 37 \ ص 181

[101] صحيح البخاري \ دار الكتب العلمية \ ج 3 \ ص 198 \ ح 4993

[102] الجامع لأحكام القران \ محمد بن احمد القرطبي \ دار احياء التراث العربي \ ج 17 \ ص 146

[103] مختصر صحيح مسلم , دار الكتب العلمية , ص ٥٠٣

[104] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٤٢ – ٢٤٣

[105] سير اعلام النبلاء , الذهبي , ج ٦ , الطبقة الرابعة , هشام بن عروة

[106] السيرة النبوية , ابن إسحاق , دار الكتب العلمية , مجلد ١ – ٢ , ص ٤٧٥

[107] السيرة الحلبية , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٦٢ – ٦٣

[108] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , ص ٣١٤

[109] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ١ , ص ٥٥٣ – ٥٥٤

[110] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٤٧ – ٢٤٨

[111] لسان الميزان , ابن حجر , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٣٦٤

[112] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٩ , ص ٣٠٥ – ٣٠٦

[113] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , ص ٧٩ وما بعدها

[114] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٧٢

[115] مختصر تاريخ دمشق , ابن منظور , ج ٧  , ص ١٩٠

[116] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , ج ٢  , ص ٩١  , ترجمة ١٧٤٩ ح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.