تاريخ بني أمية

Umayyad clan

2

 

 

تاريخ بني امية

 

علي الابراهيمي[1]

 

 

 

 

(أمية بن عبد شمس) كان اول خلاف له مع (هاشم) جد الرسول خلافاً أخلاقياً , حيث حسد (أميةُ) (هاشماً) ونبله ولم يستطع ان يأتي فعال الخير التي كان يأتيها (هاشم) , رغم انه كان متمولاً , الا انه كان من أهل الرياء الدنيوي[2].

فيما خالف (خالد بن الوليد) امر رسول الله بالكف عن القتل في (بني جذيمة) بعد فتح مكة , اذ أمّنهم , وطلب منهم إلقاء السلاح , لأن الجميع مسلمون , فَلَمَّا ألقوا سلاحهم قتلهم , آخذاً بثأر عمه (الفاكه بن المغيرة) وثار (عوف) والد (عبد الرحمن بن عوف) , اذ قتلتهم (جذيمة) في الجاهلية , بعد ان سرق (الفاكه) و(عوف) و(عفان) والد (عثمان بن عفان) ومعهم (عثمان) أموال رجل مات من (جذيمة) , كانوا قد وجدوه في اليمن . ولا تتضح حقيقة ان كانوا قد قتلوه غيلة وأخذوا ماله , لأن أولادهم هم من كتب التاريخ بعد ذلك , غير ان ظاهر القصة يخفي باطناً هكذا, الامر الذي يكشف شيئاً من سر العلاقات في الطبقة السياسية (العُمَرية) مستقبلا , وحينها فرّ (عثمان) وأبوه (عفان) من القتال أيضا[3]. فقال رسول الله ( اللهم أني أبرأ اليك مما صنع خالد ) , وبعث (علياً) اليهم , فأعطاهم الدية الشرعية عن الدماء والاموال[4]. وليس من الصدفة أن من ساعدته في جريمته تلك قبيلة (بني سليم) الأعرابية النجدية القيسية , التي يتزعمها حليف (بني أمية) ضد رسول الله (سفيان بن عبد شمس السلمي) , والذي صار ولده (أبو الأعور السلمي) قائد جيش (معاوية) في معركة (صفّين) لاحقاً , حيث قتلوا من بأيديهم , اما المهاجرون والأنصار فقد أطلقوا أساراهم[5]. و(سفيان بن عبد شمس) أيضاً زعيم (بني سليم) حلفاء مشركي (بني أمية) في غزوة الخندق ضد رسول الله[6], وهم ذاتهم – بنو سليم – الأعراب الذين كبسهم (علي بن ابي طالب) ليقي المسلمين شرهم , فنزلت بحق خَيل (علي بن ابي طالب) في وقعتهم آيات (( والعاديات ضبحا ))[7] .

و(خالد) أيضاً خالف امر رسول الله يوم (هَوازن) , اذ قتل امرأة لا ذنب لها , فأرسل خلفه ونهاه[8] . وَمِمَّا يدل على نزقه وسوء نواياه استماعه لمخنّث نصحه بإحدى النساء يوم (الطائف) ان يطأها[9], وقد اعتاد هذا الامر , كما ثبت في قتله (مالك بن نويرة) ووطئه امرأته بغير حق ولا شرع لاحقا . لكنّ الغريب ان تحرز عائلة (خالد بن الوليد بن المغيرة) غنائم السلطة في الإسلام في زمان (بني أمية) , ف(عبد الرحمن بن خالد) قد شهد (صفّين) مع (معاوية) , و(هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد) ولي حكم (المدينة) , و(إبراهيم) و (محمد) ابنا (هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد) وليا حكم (المدينة) ومكة في زمان (هشام بن عبد الملك) , و(هشام بن إسماعيل بن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد) ولي شرطة (المدينة) , و(الأزرق) وهو (عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة) , ولي حكم اليمن ل(ابن الزبير)[10].

وفي الوقت الذي تُروى رواية ثبات (عمر) و(ابي بكر) يوم (حنين) مع رسول الله حين فر الناس[11], رغم ما عُرف من فرارهما في غيرها من المشاهد , وغياب ذكرهما عنها في روايات أخرى , وراويها (عاصم بن عمر بن قتادة) , الذي كان محدّث (بني أمية) في مسجد دمشق , حيث جعله عليه (عمر بن عبد العزيز) مقابل المال[12], يروي (ابن ابي الحديد) عن (محمد بن علي الباقر) أنه قال لبعض أصحابه ( ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا , وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس , أن رسول الله -صلى الله عليه وآله- وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس , فتمالت علينا قريش حتى أخرجت الأمر من معدنه , واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا , ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد , حتى رجعت إلينا , فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا , ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قُتل , فبويع الحسن ابنه وعوهد , ثم غُدر به وأُسلم , ووثب عليه أهل العراق حتى طُعن بخنجر في جنبه وانتهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده , فوادع معاويةَ وحقن دمه ودماء أهل بيته , وهم قليل حق قليل , ثم بايع الحسينَ من أهل العراق عشرون ألفا , ثم غُدر به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه , ثم لم يزل أهل البيت تستذل وتستظام وتقتضي وتمتهن وتحرم وتقتل وتخاف ولاءنا من على دمائنا ودماء أولادنا , ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة , فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة , ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله ليبغضونا إلى الناس , وكان عظم ذلك وكبره زمان معاوية بعد موت الحسن , فقُتلت شيعتنا بكل بلدة وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنة , وكان من ذكر محبتنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله أو هُدمت داره , ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتلِ الحسين , ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة , حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي , وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعاً صدوقاً يحدّث بأحاديث عظيمة من تفضيل من قد سلف من الولاة , ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولو كانت ولا ولو كانت ولا وقعت , وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع )[13].

 

والهجرة التي لم تكن الا بعد محاصرة قريش ل(بني هاشم) في شِعب (ابي طالب) , والتي أراد كتّاب السلاطين سرقتها , فجعلوها على دفعتين , الأولى كان فيها “مؤمنو (بني أمية)” مثل (عثمان بن عفان) و(بني عبد شمس) , والثانية كانت بقيادة (جعفر بن ابي طالب)[14]. والحقيقة إنما هي هجرة واحدة بقيادة بعض (بني هاشم) , حماية لضعفاء المؤمنين , ولإعطائهم فرصة تعلّم الأحكام والعقائد .

وب(حمزة بن عبد المطلب) –اخي (ابي طالب) – أعز الله المسلمين , في قبالة جيش جهلة قريش من أمثال (ابي جهل بن الحكم) وعتاة (بني أمية) . والذي جعلت أقلام (بني أمية) إسلامه عصبية قبلية , وقد اتهمته بالشرك كما اتهمت اخاه (أبا طالب) , لأنه أرغم انوف (بني أمية) في معارك (بدر) و(أحد) . وقد ابتدعت اقلامهم في إسلامه قصة ساذجة جداً , تقوم على انه غضب من اعتداء (ابي جهل) على النبي , وأثناء انفعاله أعلن إسلامه ! , فأي دِين كان عليه (الحمزة) , وأي دِين صار اليه بهذه الطريقة[15]؟ .

وتحت ظل هذا التلاعب الرسمي وشبه الرسمي بالتاريخ الإسلامي , لتزكية بني امية وأمثالهم من عتاة المشركين وقتلة الصحابة كان هناك الحذف والتعويم والتعميم وغيرها من طرق التغطية على المواقف والرجال . فمن الحذف قولهم (… فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك , وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب , فكانوا أربعة آلاف , وعقدوا اللواء في دار الندوة , وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة , وقادوا معهم ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير , وخرجوا يقودهم أبو سفيان . ووافتهم بنو سليم بمرّ الظهران , وهم سبعمائة يقودهم [ سفيان بن عبد شمس ] …) , لكن في رواية أخرى (… ثم خرجوا إلى غطفان , فدعوهم , فاستجابوا لهم , ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك , فاستجاب لهم من استجاب , فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف , ووافتهم بنو سليم بمر الظهران , وخرجت بنو أسد وفزارة ) , فتم حذف اسم (سفيان بن عبد شمس) في الرواية الثانية , لأنه والد (أبي الأعور السلمي) قائد جيش (معاوية) والأمويين في (صفّين) . حيث كان (سفيان بن عبد شمس) هذا زعيم (بني سليم) حلفاء مشركي (بني أمية) في غزوة (الخندق) ضد رسول الله[16]. وهم ذاتهم – بنو سليم – الأعراب الذين كبسهم (علي بن ابي طالب) ليقي المسلمين شرهم , فنزلت بحق خَيل (علي بن ابي طالب) في وقعتهم آيات (( والعاديات ضبحا ))[17].

وفي معركة احد نادى (أبو سفيان الاموي) على المسلمين , وسأل عن رسول الله وعن غيره بحسب الرواية , فقال رسول الله ( لا تجيبوه ) , لكنّ الوحيد الذي لم يتمالك نفسه كان (عمر بن الخطاب) , اذ خالف امر رسول الله , فأجاب[18]. ثم كانت له مع (بني أمية) قصة التعاون في خلافته, التي اختتمها بتسليم الحكم لهم عن طريق ولدهم (عثمان بن عفان) .

وكان الجهلة عبر التاريخ لا يعلمون من (عثمان) وما فعل وما هو تاريخه , ويتركون (علياً) الذي كان ممثل رسول الله يوم صلح (الحديبية) , فيما كان (عثمان) حينها بين ظهراني المشركين من قومه (بني أمية) , مستجيراً بعتاتهم . كذلك يجعلون – (عثمان) الهارب بعيداً يوم (اُحد) , حتى قال له ولصحبه الهاربين معه رسول الله ( لقد ذهبتم فيها عريضة ) , اذ بلغوا (الجلعب) وهو جبل بناحية (المدينة) , وبقوا فيه ثلاثة ايّام[19]– يجعلونه أفضل من (علي) , الذاب عن وجه رسول الله وقائد جيوشه .

ونفوس الكفر والنفاق هذه , التي استولت على مقدرات المسلمين , من قريش ومن (بني أمية) وحلفائهم , قتل منها (علي بن ابي طالب) سابقاً ما يزيد على نصف قتلاهم في معركة (بدر)[20], غير (اُحد) و(الخندق) وغيرها من الوقائع والأيام . لهذا لم يكونوا لينسوا دماء آبائهم , لا سيما والإيمان ما دخل قلوبهم . وكانت بلوى (علي) بعد الانقلاب انه قتل هؤلاء القرشيين , وهو ما جعل هذا البغض في صدورهم , بعد بغضهم للحق الذي يمثله . وهؤلاء القتلى الذين سببوا حقد السلطة عليه هم ذاتهم من خاطبهم رسول الله قبل دفنهم في (القليب) بقوله ( بئس عشيرة النبي كُنتُم )[21]. يضاف الى هذا العدد الخمسمائة من وجوه العرب الذين قتلهم (علي) بسيفه يوم (صفّين)[22]. فقد بذلت قريش حتى النفوس في سبيل إطفاء نور الله في حربها ضد النبي , وربما لم يُحارب نبيٌ بمثل ما حورب به (محمد) معنوياً ومادياً بقيادة (آل أبي سفيان) . ولم يكن مع النبي إلا (بنو هاشم) وبعض المهاجرين القلائل والأنصار من (الاوس) و(الخزرج) .

ومن جهاد الأنصار العقائدي , أنهم بعد الانكسار والجروح والاذى التي عانوها في معركة (اُحد) , أمر رسول الله بأن يتجهز للخروج معه من المقاتلين من شارك في المعركة السابقة حصرا , بعد يوم واحد فقط , لمّا سمع بتجهز المشركين بقيادة (أبي سفيان) للهجوم على المسلمين مرة أخرى , فخرجوا على ما بهم من جراح , يحفز احدهم الاخر , لا دواب لهم , رافضين أن يتخلفوا عن غزوة واحدة مع النبي , حتى بلغوا مع رسول الله منطقة (حمراء الأسد) , وأقاموا فيها يرهبون المشركين[23].

وطالما باتت وجوه الأنصار وأشرافهم تحرس مقام رسول الله من غيلة قريش واليهود , لا سيما بعد عودتهم من معركة (اُحد) , وعلى رأسهم سيدهم (سعد بن عبادة)[24]. وهو الموقف الذي كشف فيه (أبو سفيان الاموي) و(شيبة بن عثمان بن ابي طلحة العبدري) فكرهما صراحة بالشماتة بالمسلمين , رغم اظهارهم الإسلام كذباً يوم فتح مكة[25].

فيما قصة هروب (عمر) هذه يوم (اُحد) الى الصخرة وبثّه إشاعة مقتل رسول الله منقولة عن (أنس بن النضر) – عّم (أنس بن مالك) – , وهي ذاتها الصخرة التي كلّم عليها (أنس بن النضر) بعض المنافقين الهاربين يوم (اُحد) الذين قالوا ( لو كان نبياً ما قُتل ) و( ليت عبد الله بن ابي يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان ) , زعيم بني امية , فوبّخهم (أنس) وحثهم بأن رب (محمد) لم يُقتل وبرأ الى الله من قولهم , وهم ذاتهم من كادوا يقتلون رسول الله بسهم لولا ان صاح عليهم , ومن ثم ف(عمر بن الخطاب) هو من كان على الصخرة وفيه نزلت (( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا )) , لوحدة الزمان والمكان والموضوع والراوي[26].

لهذا كان من المتوقع ان يخالف (عمر بن الخطاب) امر رسول الله بألّا يجيب (أبا سفيان) حين نادى عليهم يوم (اُحد) , فأجاب[27], رغم ان (البخاري) حذف امر رسول الله ل(عمر) بعدم الإجابة , مخالفاً لسياق الرواية المنطقي ومختلفاً عن الذين نقلوها غيره , لأنه يفهم معنى مخالفة (عمر) لأمر النبي وأنه محض معصية . لذا لم يكن رسول الله يستخلفهم على مدينة او يرسلهم معلمين مع قومٍ حديثي الإسلام .

لذلك لا غرابة أن يسلك (عمر) والامويون مسلكاً متشابهاً في شأن زعيم سابق للمشركين هو (صفوان بن امية) , الذي كانت اليه الأزلام في الجاهلية ايضاً , فقد جعله (عمر بن الخطاب) احد أمراء جيش المسلمين في (اليرموك) , وأقطعه (معاوية) قطيعة حين قدم عليه[28], وقد قُتل ابوه (امية بن خلف) يوم (بدر) كافرا , وقُتل عمه (اُبي بن خلف) يوم (اُحد) كافرا , ومات اخوه (ربيعة بن امية) في بلاد الروم مرتدا , وقُتل ابن ابنه (عبد الله) مع (ابن الزبير) منافقاً جاهلا[29].

وفِي موقف يجمع عدة من قيادات المخالفين , منهم (أبو بكر بن ابيّ قحافة) و(المغيرة ابن شعبة) و(عمر بن الخطاب) و(عثمان بن عفان) , يوم (الحديبية) , حين جاء احد سادة العرب (عروة بن مسعود الثقفي) وسيطا , بين قريش والنبي , فكأن القوم وجدوا متنفساً لعقدهم الاجتماعية حين وجدوه بين يدي رسول الله ضيفا , فشتمه (أبو بكر) بلفظ فاحش , وضرب (المغيرة) يده , فسأل (عروة) رسول الله عنهم , فعرّفهم له , فعيّرهم , فسكتوا . فيما قال (عمر) لرسول الله انه يخاف الذهاب الى قريش رسولاً ولا عشيرة له فيها , ورفض تنفيذ امر النبي ونصحه ب(عثمان الاموي) , ولا يُعرف كيف بعدها أعز الله الإسلام ب(عمر)! , ثم ظل (عثمان) بين ظهراني المشركين , بين قومه (بني أمية) , بداعي انهم حبسوه , ولا يُعرف أيضاً ما نفعهم من حبس رسول ما! , ثم ان (عمر) سعى – بعد ان اصطلح رسول الله مع مندوب قريش (سهيل بن عمرو) – الى تشكيك الناس في مقام النبي , وكذلك حاول جاهداً دفع (أبا جندل بن سهيل بن عمرو) ليقتل أباه , لتقول العرب ربما أن رسول قوم قُتِل عند (محمد) , فتنفر منه وضده , لكن ضن الولد بابيه ودفع الفتنة وسوء النية[30].

 

وحين سارت قريش الى حرب النبي , ووصلت الى (الأبواء) , الموضع الذي فيه قبر (آمنة) أم النبي , فأرادوا نبش قبرها , أشارت بذلك (هند بنت عتبة) ام (معاوية) والامويين , فمنع منه ذوو الرأي منهم , وقالوا ( لو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا عند مجيئهم ) , وكانوا حلفاء رسول الله[31].

 

و(عثمان) هو الشافع ل(معاوية بن المغيرة بن ابي العاص بن أمية) – جد (عبد الملك بن مروان) لأمه – عند رسول الله , و(معاوية) هذا هو الذي منّ عليه رسول الله يوم (بدر) فأطلقه , فرجع , فأخذه بعد واقعة (اُحد) يوم (حمراء الأسد) , وقال له (والله لا تُمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول خدعت محمداً مرتين) وضرب عنقه , بعد ان أرسل اليه (زيد بن حارثة) و(عمار بن ياسر) , وتجاهل شفاعة (عثمان) الغريبة فيه , اذ دلّ الرسولين على مكانه ليقتلاه .

 

 

فيما يسلم (أبو سفيان) – الذي كتب ولده التاريخ الإسلامي لاحقا – بعد ان قال له رسول الله ما مضمونه ( الم يأن ان تعلم ان لا اله الا الله ؟ ) , وهو يجيب ( ان في النفس من هذه الشهادة الخالصة شيء ) , ولكنه اقرّ بها في ذات اللحظة , مع انه حدّث نفسه بجمعٍ جديد ضد النبي في ذات الساعة , حتى أخزاه رسول الله وفضحه امام نفسه[32], وهو ما لا يحتاج فيه النبيه الى مناقشة في أسبابه السياسية , ومع هذا يجعلون إسلامه وأولاده معادلاً لإسلام (علي) وأولاده! .

وقد لعن رسول الله (أبا سفيان) وولده (معاوية) في حديث (عاصم بن عمرو) بقوله ( لعن اللهُ القائدَ والمقودَ , وَيْل لهذه الامة من معاوية ذي الاستاه )[33]. وكذلك لعن رسول الله (أبا سفيان) وولده (معاوية) وولده (عتبة)[34].

وفي ايام الفتح أيضاً اعترفت (هند بنت عتبة) – زوجة (أبي سفيان بن حرب) وأمّ (معاوية) – انها سارقة , حين اجتمعت النسوة عند رسول الله لمبايعته , وحين قال رسول الله لها ( ولا تزنين ) وأجابت ( وهل تزني الحرّة ؟! ) , وقال ( ولا تقتلن أولادكن ) وردت ( ربّيناهم صغاراً , وقتلتهم يوم بدر كبارا ) , فضحك (عمر) حتى استغرق[35], ولا يُدرى أكان ضحكه لاتهامها رسول الله بقتلهم حرقة , ام لقولها ( وهل تزني حرة ) , وكيف سلّم الخلافة لأبنائها لاحقا! .

ومن غريب التاريخ ان يتفق إسلام الرجلين أبوي (معاوية) و(أبي بكر) – الذي انشغل حينها وهو اول خليفة للمسلمين , وأفضلهم عند شق الامة الأكبر يوم الفتح الأعظم بطوق لأخته مفقود[36], باحثاً عنه منشغلاً عن قضية الجيش الإسلامي , وعن اسلام ابيه ذلك الْيَوْمَ – يوم فتح مكة , اذ كان (أبو قحافة) من مسلمة الفتح , فما أسرع ان جاء به (عمر بن الخطاب) الى النبي مبشراً بإسلامه , ولا يُعلم وجه سرور (عمر) بإسلام هذا الرجل ذلك الْيَوْمَ الذي دخلت فيه قريش بأجمعها للإسلام , وعلى رأسها زعيم باطلها (أبو سفيان بن حرب)[37], رغم أن القوم اختلفوا في من جاء ب(أبي قحافة) الى النبي , هل هو (عمر) أم (أبو بكر)[38].

 

بينما ينقل (ابن كثير) شماتة (أبي سفيان بن حرب) بالمسلمين حين انكسر بعضهم في غزوة (هَوازن) , وكان يحمل معه يومها أوثان (الأزلام) , رغم أنه أظهر الإسلام قبلها , يشاركه (كلدة بن الحنبل) و(صفوان بن أمية) , الذين كان ينتظرون ومسرورين بهزيمة المسلمين[39].

وقد حفظ أبناء (هند) من (آل ابي سفيان) للعبد الحبشي (وحشي) طعنته ل(حمزة بن عبد المطلب) عّم النبي , اذ مات تحت ولايتهم في (حمص) في الشام , يُحد كل يوم في الخمر[40], بعد ان كان احد عناصر جيوش (أبي بكر) التي يقودها (خالد بن الوليد)[41], اذ يبدو انه لم يبقَ احد من كفار قريش والأعراب الا استعان به . وقد نذرت (هند بنت عتبة) – زوجة (أبي سفيان) – رعايته حتى ترمّ عظامها , بعد قتله (حمزة) عّم النبي , وبعد ان جدعت ونساؤها اذان وأنوف شهداء المسلمين , ثم لاكت كبد (الحمزة) ثم لفظته[42]. و (هند) كانت لجوجة حقودة , كما يتضح من حديثها مع رسول الله حين أخذ البيعة على النساء يوم الفتح[43]. وهي احدى اللواتي امر رسول الله بقتلهن يوم الفتح وإن كن متعلقات بأستار الكعبة[44].

وقد كان (أبو سفيان) وولداه (يزيد) و(معاوية) من المؤلفة قلوبهم بأموال وغنائم (الجعرانة)[45] . فقد أعطى رسول الله كلاً من (أبي سفيان) وابنه (معاوية) و(حكيم بن حزام) و(الحارث بن كلدة) و(علقمة بن علاثة) و(العلاء بن حارثة) و(الحارث بن هشام) و(جبير بن مطعم) و(مالك بن عوف) و(سهيل بن عمرو) و(حويطب بن عبد العزى) و(عيينة بن أحصن) و(صفوان بن أمية) و(الأقرع بن حابس) مئة مئة من الإبل , يأتلف قلوبهم , وحين عوتب انه لم يعط (جعيل بن سراقة الضمري) مثلهم قال ( اما والذي نفس محمد بيده لجعيل خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع , ولكن تألفتهما ليسلما )[46].

لكنّ (أبا سفيان) ابى الا النفاق , في اول تجربة من النبي له , اذ بعثه في سرية الى (الطائف) , فضربته قبيلة (ثقيف) على وجهه , فعاد منهزماً يذم أصحابه[47]. ولما بويع (عثمان) , جاء (أبو سفيان) إلى قبر (حمزة) فرفسه برجله , وقال ( يا أبا عمارة إن الذي تقاتلنا عليه يوم بدر صار في أيدي صبياننا )[48].

ومع ذلك ينقل (عائذ بن عمر) دفاع (أبي بكر) عن (أبي سفيان) , حين اتهمه الصحابة (سلمان) و(صهيب) و(بلال) بأنه “عدو الله” وتمنوا قتله , فعاتبهم (أبو بكر) ووصفه بأنه “شيخ قريش وسيدها” , فحذّره النبي من إغضاب هؤلاء الصحابة لأن ذلك يُغضب الرب[49]  وهو امر غريب في بابه ممن صار خليفة المسلمين الأول , ويُدّعى له أولية الإسلام , في رجل هو شيخ المشركين ثم المنافقين وسيدهم . لهذا ربما لم يبايع (بلالُ بن رباح) بالإمارة (أبا بكر بن ابي قحافة) , ولم يُؤذَّن له , وهجره الى الشام التي مات فيها بالطاعون[50]. وشيخ قريش هذا هو من وقف وزوجته (هند) يوم (بدر) يحرض قريشاً على الجَلَد في قتال رسول الله[51]. وعن (عبد الله بن الزبير) ان (أبا سفيان) –الصحابي الجليل! – كان واقفاً يوم (اليرموك) على تل , في جماعة لا يقاتلون , يشجع الروم ضد المسلمين[52].

وكان (عكرمة بن ابي جهل) – الذي صار قائداً لجيوش المسلمين لاحقاً في زمان هؤلاء الخلفاء – من القلائل الذين اصروا على الكفر وقتال النبي يوم فتح مكة , اذ اتخذ من (الخندمة) مقراً , فقاتل جيش المسلمين , حتى فرّ منهزماً مع جماعة من أصحابه[53].

لذلك ليست هناك غرابة في غياب (أبي بكر) و(عمر بن الخطاب) و(عثمان بن عفان الاموي) عن نجدة النبي وعن تحشيد الرجال , وأن رسول الله محمداً لم يؤمّرهم على سرية او يخلّفهم على (المدينة) , حيث استعمل غيرهم مثل (علي بن ابي طالب) و(ابا ذَر الغفاري) و(ابن أم مكتوم) .

بينما حين تساءل الأنصار – الذين لم ينالوا من الخلافة الثلاثة او بني أمية شيئاً لاحقا – عن سرّ إعطاء النبي مال وإبل (هوازن) بعد معركة (حُنين) هذه للمؤلفة قلوبهم , مثل (أبي سفيان) و (عيينة) و (الأقرع) و (سهيل بن عمرو) , فيما لم يعطهم شيئاً , وتسرّب الشك الى نفوس بعض شبابهم , دون رؤسائهم , رغم أن أولئك الشباب لم يقولوا أكثر من ( يغفر الله لرسول الله ) , قال لهم النبي ( أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال , وتذهبون بالنبي إلى رحالكم ؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ) , فقالوا ( يا رسول الله قد رضينا ) , وقال لهم النبي ( أنتم الشعار والناس الدثار ) , وقال ايضاً ( فستجدون أثرة شديدة , فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله  فإني على الحوض ) , وقال كذلك ( الأنصار كرشي وعيبتي ) , وقال ( لو سلك الناس وادياً , وسلكت الأنصار شِعباً , لسلكت شعب الأنصار ) , وقال ( ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار )[54].

ولهذا التبادل النفعي بين الخلفاء الثلاثة الأوائل , ليس لرواية ثبات (عمر) و(ابي بكر) يوم (حنين) مع رسول الله حين فر الناس[55]من قيمة , لما عُرف من فرارهما في غيرها من المشاهد , وغياب ذكرهما عنها في روايات أخرى , ولأن راويها (عاصم بن عمر بن قتادة) كان محدّث (بني أمية) في مسجد دمشق , جعله عليه (عمر بن عبد العزيز) مقابل المال[56].

 

ومن الملفت ان هؤلاء المؤلفة قلوبهم يوم (الجعرانة) حازوا في الإسلام ما لم يحزه أجلّاء الصحابة الذين دفعوا الأذى عن رسول الله من الأنصار والمهاجرين الأوائل . ف(أبو سفيان) وولداه (يزيد) و(معاوية) أقطعتهم خلافة الثلاثة الشام , ثم صاروا الخلفاء بالملك العضوض على رقاب المسلمين . و(حكيم بن حزام) جعلوا ولادته في جوف الكعبة , وقد شارك في دفن (عثمان بن عفان) ليلا , ومات وهو من أغنى المسلمين[57]. و(العلاء بن جارية الثقفي) صار ولده (الأسود) وحفيده (محمد بن أبي سفيان بن العلاء) من رواة الامة الموثقين عند العامة . و(الحارث بن هشام المخزومي) – اخو ابي جهل – تزوج (عمر) ابنته (ام حكيم) , وذهب في قريش الشام[58], وتزوج (معاوية بن أبي سفيان) ابنة ابنه (عبد الرحمن) , الذي زوّجه (عثمان بن عفان) ابنته , وزوّجه كذلك (الزبير بن العوام) بنت (أسماء بنت ابي بكر) , وقد خرج في يوم (الجمل) مع (عائشة) ضد (علي)[59].

ويبدو ان رسول الله تألفهم بمال ثانٍ بعثه اليه (علي بن ابي طالب)[60]. لكنّ هؤلاء العتاة الشرهين لم يمل قلبهم سوى الى الطمع وانتهاك حرمة الدين والثراء على حساب الفقراء , فيبني (معاوية) قصره في الشام ايّام (عثمان) بأشد البذخ , فيوبّخه الصحابي الجليل (أبو ذرّ الغفاري) , الذي تربى في مدرسة الحق المحمدية والزهد العَلَوية , بعد ان احتج عليه انه اما خائن او مسرف , فيكتب فيه (معاوية) الى (عثمان) الخليفة بأنه افسد الشام , وما الفساد برأيهم الا الحق , فيأمر (عثمان) بحمله على قتب بغير وطاء الى (المدينة) إجهاداً له[61]. وهو الذي فِي غزوة (تبوك) حين راح القوم يتخلفون عن رسول الله الواحد والاثنين والجماعة لشدة العطش والحر والخوف من الروم وأعدادهم , ضلت ناقة (ابي ذرّ) , فلحق برسول الله ماشياً , فقال النبي حين شاهده المسلمون يمشي وحيداً باتجاههم ( يرحم الله أبا ذرّ , يمشي وحده , ويموت وحده , ويُبعث وحده )[62]. نفاه (عثمان بن عفان) من (المدينة) إلى الشام, ثم نفاه (معاوية) من الشام إلى (المدينة) سنة 30 ه, وبعد فترة نفاه (عثمان) إلى (الربذة), وقام فيها إلى أن مات عام 32 ه. ومن المشهور أنّ تشيّع أهل (جبل عامل) كان على يد (أبي ذر) , وأنّه لما نفي إلى الشام وكان يقول في دمشق ما يقول, أخرجه (معاوية) إلى قرى الشام فجعل ينشر فيها فضائل أهل البيت , فتشيّع أهل تلك الجبال على يده, فلما علم (معاوية) بذلك أعاده إلى دمشق ثم نفي إلى (المدينة)[63].

 

 

ولقد ورد أنه كان مع (عمرو بن العاص) – وزير معاوية – ابن عم له فتى شاب , وكان داهياً حليما , فلما جاء (عمرو) بكتاب (معاوية) له بإمارة مصر مسروراً , عجب الفتى وقال ( ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش؟ أعطيتَ دِينك ومنيتَ دنيا غيرك. أترى أهل مصر – وهم قتلة عثمان – يدفعونها إلى معاوية وعليٌّ حي؟! )[64] .

 

لذلك يصف (همام بن الأغفل الثقفي) – الشاعر الذي حضر مع (علي) في (صفّين) – أصحاب (معاوية) بأنهم فسّاق , ورؤوس الكفر والنفاق , وقادة البغي والتمرد على (عثمان بن عفان) الذين حرقوا داره[65]. وهو اتهام صريح .

ولهذا قد لعن رسول الله (أبا سفيان) وولده (معاوية) في حديث (عاصم بن عمرو) بقوله ( لعن اللهُ القائدَ والمقودَ , وَيْل لهذه الامة من معاوية ذي الاستاه )[66]. وكذلك لعن رسول الله (أبا سفيان) وولده (معاوية) وولده (عتبة)[67].

 

 

وبعد وفاة النبي , اختارت الأنصار (علياً) اول الامر , ثم انها لم تختر الشيخين , حتى هجر سيد الأنصار (سعد بن عبادة) (المدينة) , ورحل الى الشام , على الا يبايع أحداً منهما , فقتلوه غيلة , ونسبوا قتله الى سهم من الجن , ثم كان سيد الأنصار ولده الصحابي ابن الصحابي (قيس بن سعد بن عبادة) حامل راية (علي بن ابي طالب) يوم (صفّين) , ثم كانوا من سكنة العراق وشيعته , وهذا هو الوادي الذي سلكوه , وقد صبروا على الإثرة والقهر القرشي لهم , حتى ثار غسيل الملائكة (حنظلة) على جذور قريش الوثنية وبطش وفسق (بني أمية) , فاستباحهم البيت الأموي ثلاثة ايّام , بما يعرف بوقعة (الحَرّة) .

وكان الانقلاب يوم سقيفة (بني ساعدة) بعد وفاة رسول الله قد عزل صحابة رسول الله (محمد) وتقاتهم , وأشراف الناس وزعماء القبائل النبيلة , مثل (علي بن ابي طالب) , ورفدة بيت مال المسلمين الاوائل (سعد بن عبادة) وابنه (قيس) , والمعذّب في سبيل الله (عمار بن ياسر) , والعالم الصحابي (سلمان المحمدي) , والفارس الذي أراد خوض غمار البحر نيابة عن رسول الله (المقداد) , والقائد الشيخ الرئيس (مالك الاشتر) وغيرهم , وجاء بالمشركين والمنافقين وأهل الرزايا والمصائب الاخلاقية , فجعلهم القادة والسادة الجدد . وذلك ما يمكن تسميته ( عصر الاسلام العُمَري ) , الذي هو غير ( الاسلام المحمدي ) . وهو ما جلب وسيجلب البلايا على أمة (محمد) وشيعته , ويفتح الباب واسعاً للكفر والنفاق , ويعطي الفرصة للحضارة القابيلية المنحرفة لانتقاد حركة المسلمين , عبر تصوير هذا الانقلاب انه هو ما جاء به (محمد بن عبد الله) , وهيهات . وهو شبيه بما كان من قبول حكم (بني أمية) وقريش على أمة الإسلام , في الوقت الذي تم فيه عزل ثم ذبح الأنصار , رغم ان (بني أمية) وقريشاً جهدوا ان يفتنوا الأنصار عن دينهم وأن يسلموا النبي الى الكفار عمراً طويلا[68].

 

وحين أراد (ابو بكر) أنْ يعقد لواءً ل(خالد بن سعيد) نحو الشام نهاه (عمر) , قائلاً ( انه لمخذول , وانه لضعيف التروئة – اي النظر في العواقب – , فلا تستنصر به ) . وربما كان (عمر) يظن أنه ابصر من رسول الله حين ولّى (خالد بن سعيد) على اليمن[69]! . ويبدو انّ القوم قرّروا قتله , فهو الفرع الوحيد في (بني أمية) الذي يوالي (علي بن ابي طالب) . لذلك لم يستجب (ابو بكر) لمنع (عمر) من اخراج (خالد بن سعيد) في الجيش , بل ارسله , وأمر بقية قادة الفئة الانقلابية على الجيوش الّا ينصروه اذا هو أحتاجهم , فباغتته جيوش الروم في (مرج الصفر) , ولم ينصره احد , فانكسر , وقيل انه قُتِل فيها , وقيل اخرى .

لكنّ اهم ما يجب الاشارة اليه في امر الجيوش التي اخرجها (ابو بكر) مزامنة مع اخراج (خالد بن سعيد) هو اسماء القادة , فكلّهم كانوا من مسلمة الفتح , بل شرارهم , مثل (سهيل بن عمرو) و(عكرمة بن ابي جهل) , الذين خرجوا حتى على اجماع قريش يوم الفتح بالمسالمة , فاعتزلوا الناس واستقدموا الخيل والرجال وواجهوا رسول الله حتى هُزموا . كذلك كان النصف الاخر من القادة كلهم من (بني أمية) , العشيرة التي قادت كل شرور الدم ضد الرسول , ولم يعلنوا اسلامهم الكاذب الّا يوم فتح مكة عنوة , مثل (يزيد بن ابي سفيان) و(الوليد بن عقبة بن ابي معيط) شقيق (عثمان بن عفان) لأمّه , الذي كان يشرب الخمر وهو على الكوفة ! , وعائلة (آل ابي معيط) بشّرهم رسول الله بالنار حين قتل أباهم , اذ قال له (عقبة بن ابي معيط) : فمن للصبية يا محمد ؟ قال : النار[70].

 

لذلك ربما سرق (بنو أمية) كتاب (علي بن ابي طالب) الى (محمد بن ابي بكر) واليه على مصر بعد قتله , وجعلوه في خزائنهم , وقالوا للناس انه من علم وموعظة (ابي بكر) , حتى جاء (عمر بن عبد العزيز) وكشف حقيقة كونه من وصايا (علي)[71].

ولهذا ربما يروي (الزهري) وأمثاله من رواة (بني أمية) ان رسول الله كان في معركة مفصلية مثل (بدر) يجلس في (العريش) ويقوم على حمايته الأنصار مثل (سعد بن معاذ)[72], كي يجد (الزهري) المبرر الشرعي والتاريخي لاعتزال (أبي بكر) والخلفاء الثلاثة , ثم (معاوية) و(بني أمية) قيادة الجيوش الإسلامية , رغم ان (علي بن ابي طالب) يقول ( كنا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله , فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه )[73], كما نقلوا هم . في حين كانت جميع روايات (حارثة بن مضرّب) في تاريخ (الطبري) , والتي ينسبها الى (علي) لتكون ابلغ , تنقل تردد وانكسار (علي) واصحابه وترفع من شأن اجداد الأمويين وقادتهم الكفرة (عتبة بن ربيعة) و(شيبة بن ربيعة) و(الوليد بن عتبة) , وتظهرهم حكماء نبلاء[74]. ولهذا يبدو واضحاً سبب توثيق جميع رجال الجرح والتعديل العُمَريين ل(حارثة)[75]. و(الزهري) هو ذاته من يروي ان رسول الله نام عن صلاة الصبح هو وأصحابه فصلّوها بعد طلوع الشمس قضاء[76], ليجد المبرر ايضاً لولاة (بني أمية) من أهل الدنيا .

 

والملفت ان هناك ظاهرة انفجار الأحاديث النبوية في فضل (ابي بكر) و(عمر) التي يرويها القوم أنها كلها كانت في زمان مرض النبي , ينقل مجملها (الطبري) في تاريخه[77]. وبحسب منطق (عمر بن الخطاب) بقوله ( ان النبي ليهجر ) وهو في هذا الحال , اَي انه بغير وعيه , كان الأولى الا تؤخذ هذه الأحاديث – مع وضوح تلفيقها والتسليم بضعفها شكلاً ومضمونًا – على محمل الجد , كما فعلوا مع أمره بإحضار الكتاب له ليوصي وصيته التي منعوها . ويروون هذه الأحاديث عن مثل (حميد بن الربيع الخزاز) الذي قالوا فيه أنه ( واهٍ , ضعيف , شره , يدلس , ويسرق الحديث , وكذاب , وأحد أربعة اكذب زمانه )[78], و(معن بن عيسى) ربيب (مالك بن أنس) صاحب ( الموطأ )[79]الذي جعل له (بني أمية) الإفتاء في (المدينة) ومنعوا غيره , و(عطاء) الذي كان مع (ابن الزبير) حتى قُطعت يده لكن تركه (بنو أمية) يفتي في مكة[80]! .

وحديث ( سد الأبواب الا باب ابي بكر … ) نسبوه الى عدة رواة , واختلفوا في راويه منهم . فمرة عن رجل اسمه (أيوب بن بشير) مرسلا , ومرة عنه عن (معاوية بن أبي سفيان) , فظهر ل(ابن عساكر) ان ايراد (معاوية بن أبي سفيان) هنا تصحيف من الطبراني لعبارة ( احد بني معاوية ) التي وصفوا بها (أيوب) , ومرة عن (عروة) – محدّث بني امية – عن (عائشة) .

 

 

ولأنّ (علي بن ابي طالب) – كما نحن – كان يدرك انّ الانقلابيين العُمَريين بعد رسول الله لم يعقدوا اتفاقهم مع قبيلة (اسلم) الأعرابية وحدها , بل لابدّ انّ الامر اكبر من ذلك , وأنّ قريشاً كانت تعلم , وربما كان للروم واليهود يد في ذلك , كما تبيّن بالدلائل لاحقا , وكان (علي) والأنصار وشيوخ المهاجرين بين أمرين , الوقوف بوجه الفتنة , وبالتالي الحصول على دولة منقسمة , يحكمها (خلفاء) عدّة , كل واحد بدِين , او التسليم لحكم (ابي بكر) , حتى يتمّ تغيير الواقع مستقبلا , فكان الثاني اخفّهما ضررا , ولهذا كان (علي بن ابي طالب) قد رد شيخ الامويين (أبا سفيان) حين جاءه يحرضه على رفض بيعة (ابي بكر) , او كما سماه (ابا فصيل) , اذ علم (علي) من (أبي سفيان) النفاق . وبالفعل فقد اشترى (ابو بكر) ذمة (أبي سفيان) بتولية ابنه (يزيد) على بلاد الشام , فقال (أبو سفيان) بحقه ( وصلته رحم ) , لتبدأ من هنا قصة الملك العضوض . يؤيده ما حدث في زمان (عثمان) من وقف الضياع والأملاك العامة على بيوت (بني أمية) , لا سيما من قبل (معاوية) في الشام الذي لم يكتفِ براتبه السنوي الذي جعله (عثمان) له كأعلى راتب لعامل في الدولة , بل جعل الضياع المسيحية -التي هرب أهلها جميعاً- وقفاً على بيته حصراً , بعد أخذ موافقة (عثمان) .

وقد كان (أبو بكر) استعمل على المال (أبو عبيدة) , وعلى القضاء (عمر) , ومن الواضح انها قسمة حزب قد أزاحت مجمل الصحابة وأجلّاءهم , ولم ينسَ حصة (بني امية) فجعل (عتاب بن أسيد الأموي) أميراً على مكة .

وهذا الإقطاع للشام من قبل الفئة الانقلابية ل(بني أمية) لم يأتِ عفويا , بل عن مفاوضات بالتأكيد , وإنّ مقدم (أبي سفيان) الى (علي) كان ورقة ضغط على قوى الانقلاب لرفع سقف المكاسب ربما . وفعلاً أمّر (عمرُ بن الخطاب) (يزيدَ بن أبي سفيان) على دمشق عند فتحها مباشرة , وولّى (يزيدُ) اخاه (معاوية) على الشام دون الرجوع الى (عمر) قبل رحيله , فأقرّ (عمر بن الخطاب) هذه الولاية[81]. لهذا ليس من المنطقي ما روي من قول (عمر) ل(أبي سفيان) يوم فتح مكة ( لو لم اجد الا الذر لجاهدتكم ) , وإنما هي رواية اريد منها إبعاد (عمر) عن الشبهات والصفقات , وإدخال (علي) في علاقة مع (بني أمية) خفية , اذ نسبوا فيها نصح (علي) ل(أبي سفيان) دون (عمر) او (ابي بكر) , ثم جعلوه على لسان (أبي سفيان) الين القوم , ثم هو مخادع بما رووا , فيما جعلوا (عمر) أعدى القوم ل(بني أمية) على لسان (أبي سفيان)[82]. وربما يكون (يزيد) هذا هو ابن (أبي سفيان) الذي كان معه كافراً يوم فتح مكة حين كان يبحث في الحيل للنجاة من غضبة المسلمين لله يومها[83]. فجيء ب(علي بن ابي طالب) ليبايع (أبا بكر) مكرهاً[84], وما كانوا ليقدروا عليه لولا إيمانه بضرورة حفظ النظام وخشيته من الحرب الأهلية .

 

ومن الغرائب أنْ يكون قاصّ الجيش الإسلامي في عصر خلافة الانقلابيين – الذي يحثّهم ويزيد عزيمتهم – هو (أبو سفيان بن حرب) , الذي روى القوم انّه كان في فتح الشام يصيح ( الله الله , أنكم ذادة العرب وأنصار الاسلام , وأنها ذادة الروم وأنصار الشرك , اللهم انّ هذا يوم من ايامك , اللهم انزل نصرك على عبادك ) !!! , وهو الذي اسلم مكرهاً متأففاً بنوايا خبيثة يوم فتح مكة[85]! .

 

 

بينما كان (أبو شرحبيل السميفع ذو الكلاع الحِمْيَري) , قائد جيش (معاوية) في حرب (صفّين) , زعيم إمارة (حِمْيَر) الكبيرة , الراوي عن النبي قوله ( اتركوا الترك ما تركوكم ( شارك في معارك (اليرموك) وفتح دمشق , وكان على ميمنة (معاوية) يوم (صفّين) , من العُمَريين فكراً , وهو على الأرجح لم يرَ النبي , بدليل رواية (جرير) أن النبي قُبض قبل اسلام (ذي الكلاع) وأن الأخير وصل الى (المدينة) في خلافة (أبي بكر) , كان في الجاهلية ملكاً يسجد الناس له , ولا يمكن الدخول عليه الا بصعوبة وبعد زمن طويل نسبيا[86], وكان عظيم الخطر عند (معاوية) , وربما كان يعارض (معاوية) , فيطيعه (معاوية)[87].

 

والغريب وحدة جبهة الوثنيين والانقلابيين والامويين على طول التاريخ , فهذا (عثمان بن ابي العاص الثقفي) الذي اسلم متأخراً مع وفد (ثقيف) , ورفض الخروج على (ابي بكر) عند اعتراض الامة على خلافته بالانقلاب , بحسب كتاب ( الازهية في علم الحروف ) ل(ملا علي القاري) فقد ولّى (الحجّاج الثقفي) ابن أخيه ثم عزله فوصله (سليمان بن عبد الملك الاموي) بما يعدل عمالة فارس[88].

 

وحين كان الخليفة الشرعي (علي بن ابي طالب) – الذين يعلمون انّ قيمه لن تدعه يترك اخاه وسيد الخلق (محمداً) بلا تجهيز – مشغولاً برسول الله جاء الرجلان لسقيفة (بني ساعدة) للمطالبة بالخلافة (القرشية) , فنهاهم الانصار , الذين كانوا يرونها حقاً مفروضاً ل(علي) , لكنّ الرجلينِ وجماعتهم اصرّوا على تولّيها بدعوى انها لقريش , وذلك رأي الانصار أيضاً لكن ل(علي بن ابي طالب) من قريش , فأبى الأنصار , فتنازع الناس , فارتأى بعض الانصار الاحتفاظ بمقامها لحين قدوم (علي) , فسارع احد سادة قبيلة (الخزرج) لنصرة (ابي بكر) و(عمر) حسداً منه وردّاً منه لرأي ابن عمه سيد (الخزرج) وزعيمهم (سعد بن عبادة) وطمعاً بما ناله ابنه – (النعمان بن بشير) – من دنيا مستقبلا, في خطأ تاريخي سيدفع قومه ثمنه بطشا , فقد ورث (النعمان بن بشير) – وهو ثاني اثنين من الأنصار مع (معاوية) – سوء صنيع ابيه يوم السقيفة فصار عبداً لنزوات (بني أمية) , بعد ان أعز الله قومه بالإسلام , فصار يغير باسمهم فساداً على مدن المسلمين في العراق وهي تحت حكم خليفة رسول الله ووصيه (علي بن ابي طالب) , كغارته على (عين التمر) ثم ولّى مهزوماً أمام مائة وخمسين رجلاً فقط , بعد ان كان القليل من أهله يقاتلون الكثير وينتصرون , لأنهم إنما قاتلوا على الآخرة , وهو قد قاتل على الدنيا .

وإصرار الأنصار على بيعة (علي) كان دليلاً قاطعاً على ان امر الخلافة قد حسم في حياة النبي , ولا اقل من انه تمت مناقشته عدة مرات وأن جزءاً كبيراً من الامة كان مقتنعاً بأن (علياً) هو أفضل الصحابة , اذا شاء احد ترك القول بالوصية . فكيف ساغ تأخيره لاحقاً بعد (عمر) و(عثمان) , حتى مساواته ب(معاوية) ! .

 

 

فيما كانت القبائل قد وفدت الى الشام من اليمن أو ما بين مكة واليمن في زمان (ابي بكر) بديلاً عن جيش رسول الله وقادته , الذين كانوا على خلاف فكري مع (ابي بكر) حول موضوع الخلافة , وكذلك بديلاً موضوعياً لقبائل العراق في الشمال العربي المهم , التي كانت تعرف ما عليه كيان الانقلاب , فكانت قبائل اليمن اول ما عرفت الإسلام عن طريق أمثال (يزيد بن أبي سفيان) احد اهم قادة (ابي بكر) الى الشام , بالإضافة الى أخيه (معاوية) الذي أمدّه به (ابو بكر) في جند اخرين , ليتم لكفار قريش قيادة الجيش الاسلامي[89]. حتى ان هذه القبائل الجنوبية اليمنية ظلت الى جوار (يزيد بن أبي سفيان) حين فصل (عمر بن الخطاب) بين أهل العراق وأهل اليمن بعد فتح الشام[90], اذ كانت هذه القبائل العراقية الشمالية واليمنية الجنوبية شوكة جيش المسلمين , ولما كانت الشمالية موالية ل(علي بن ابي طالب) , كان لابد من إعادة توجيه بوصلة الجنوبية ضده . ومثلهم (ازد) غسّان في الشام , اذ قبلوا الإسلام , الا انهم تربّوا في حضن (بني أمية) , واختلط (ازد) غسّان بمهاجرة اليمن من (حِمْيَر) وغيرها , وكانوا جميعاً يعرفون الإسلام القرشي المعروض من (بني أمية) ومن حالفهم على الدنيا من قريش او شذاذ الصحابة , لذلك كانوا اعداءً ل(علي) , وكانت المهمة الأصعب هي اختراقهم , الا انها كانت مهمة مرسومة في ذهن العراقيين من اتباع آل البيت . هذا كله بالإضافة الى الكتل البشرية من الموالي والأنباط والأقباط في العراق والشام وفارس ومصر , وهي كتل تختلف في رتبها المعرفية , فكانت تقترب من الإسلام ومن ثم (علي) بمقدار ميراثها الحضاري الفردي والجماعي , وكانت تتأثر بمن يجاورها من العرب المسلمين , الا انها قبلت الإسلام في الجملة .

 

 

وبينما تحكي بعض المصادر ان (أبا بكر) في خلافته سار بالسوية في توزيع العطاء على المسلمين من خمس الغنائم , بعد ان يأخذ الجند أربعة اخماس الغنيمة ويبعثوا الخمس الى مركز الخلافة , لكنّ الطريف ان (عمر بن الخطاب) اخذ بمشورة (هشام بن الوليد بن المغيرة) بتدوين الديوان وجعل المال للجند تشبهاً بملوك الروم , في مخالفة صريحة للقران الكريم وسيرة النبي الكريم ونصيحة (علي بن ابي طالب) , فصار للجند من الخمس الخامس غير ما اخذوا , في اول خطوة نحو عسكرة المجتمع الإسلامي , وفضلاً عن هذه الطبقة العسكرية المترفة والمميزة فصل (عمر) بين طبقات الناس وجعل العطاء وفق رأيه ولم يجعله بالسواء , في ثاني خطوة طبقية فتحت الباب لمن بعده من الحكام للتلاعب بقوت الناس لا سيما في عهود خليفته (عثمان) ثم خلفائه (بني أمية) , ثم بني العباس , والى اليوم الراهن[91].

 

و(عمر بن الخطاب) , الذي اختلفت روايات القوم في سبب اسلامه وتاريخه , ولي الخلافة بعد (أبي بكر) , تولية فضولية , بنص من الأخير , رغم أنه لم يجاهد ولم يشهر سيفاً في حرب . فصنع له الامويون بعده فضائل في أمهات الكتب , لأنه سبب مجيء (بني أمية) الى السلطة , كما أنه المعادل الموضوعي في قبالة أهل البيت لدى العلويين في عيون العباسيين خصومهم . وكان يراجع (علي بن أبي طالب) في معضلات المشاكل في فترة حكمه التي تجاوزت العشر سنين , وقد أقرّ بحاجته الدائمة لعلم (علي) , حتى قتله مولى مجوسي في عام 23 هجرية[92].

 

ومن ذلك يدّعي القوم ان (عمر بن الخطاب) اسرع في اعلان اسلامه في اندية قريش , لشجاعته , وأن قريشاً اجتمعت عليه وآذته وصرعته , لولا مجيئ (العاص بن وائل) –وهو الذي نزل القران الكريم يحكي كفره وعناده , وهو احد الساخرين من النبي الكريم- ليذكّرهم بمكانة (عمر بن الخطاب) في (بني عدي)[93], وأنه يخشى على قريش منهم . والحقيقة ان (بني عدي) لم يكن لهم ذكر في قريش ولا زعيم وكانوا محميين ب(بني أمية) , فكيف يكون ذلك التذكير منطقيا , لا سيما ان قريشاً ما هابت (بني هاشم) , رغم أنهم الأشد بأساً في العرب والأعزّ مالاً وولدا , ثم اين هي شجاعة (عمر) حين صرعه القوم[94].

 

وإذا كانت بداية ملك (بني امية) العضوض عند تولّي (أبي بكر) الخلافة , فإنّ ذلك كله عززه ونمّاه (عمر) . حيث جعل (عبد الله بن ابي ربيعة المخزومي) ابن عم (خالد بن الوليد) و(ابي جهل) , وبحسب كتاب ( الاستيعاب في معرفة الاصحاب ) كان من الوفد الذي بعثته قريش لإيذاء المسلمين في الحبشة , اسلم يوم الفتح واستجار بدار (ام هانئ) حين أراد (علي) قتله , و(علي) لا يقتل أي احد يوم الفتح لا شك , ولّاه (عمر) على الجند , ثم فعل (عثمان) الاموي . و(المغيرة بن شعبة) , الذي يعلم المسلمون ما كان من المكر والخديعة وأنه بحسب كتاب ( اسد الغابة ) اسلم فراراً من دم كان عليه حين غدر بقومه في سفر وقتلهم ليسرقهم , وكان اول من رشى في الإسلام برشوته لحاجب (عمر بن الخطاب) , فولاه (عمر) على البصرة , فشُهد عليه بالزنى , فعزله وجعله على الكوفة , وكأن لا احد غيره , وكان قد ولاه على البحرين , فشكى منه أهلها وشهدوا عليه بالرشوة , ثم كان من رجالات (معاوية بن أبي سفيان) . وكذلك (أبو موسى الاشعري) و(عمرو بن العاص) و(معاوية بن أبي سفيان) , وهم من بقوا طيلة حياتهم ضد (علي بن ابي طالب) , حتى مكر (عمرو بن العاص) ب(ابي موسى الاشعري) لخلع (علي بن ابي طالب) وتولية (معاوية بن أبي سفيان) الخلافة في واقعة الحكمين . و(عمير بن سعد) ربيب (الجلاس بن سويد) الذي اتهم وشكك في رسول الله يوم (تبوك) . و(عبد الرحمن بن علقمة الكناني) الذي ليس له ترجمة واضحة في المستقصى . و(عثمان بن ابي العاص الثقفي) الذي اسلم متأخراً مع وفد (ثقيف) ورفض الخروج على (ابي بكر) عند اعتراض الامة على خلافته بالانقلاب , وبحسب كتاب (الازهية في علم الحروف) ل(ملا علي القاري) فقد ولّى (الحجّاج الثقفي) ابن أخيه ثم عزله فوصله (سليمان بن عبد الملك الاموي) بما يعدل عمالة فارس[95]. فيما (عمر) و(عثمان) كلاهما يوليان (الوليد بن عقبة بن ابي معيط) , مرة صدقات النصارى , ومرة على الكوفة , رغم محاولته ان يخدع النبي , ورغم ارتداده عن الإسلام , ورغم وجود خيرة أصحاب رسول الله احياء حينذاك , فكان يسامر النصارى على شرب الخمر , ويستعين بالسحرة , فدخل اهل الكوفة معه في صراع على الدِين والبدع وطالت شكواهم الى (عثمان) فيه[96].

 

بل لا يُعرف ما كان تعريف (عمر) لنصارى (تغلب) , حين غيّر مفاهيم الجزية بخصوصهم , هل كانوا بنظره نصارى , وحينها لا تجوز منهم الا الجزية , ام كفاراً , وحينها لا تجوز منهم الجزية ولا الصدقة , ام مسلمين , وحينها لا تجوز عليهم مضاعفة الصدقة ؟! . غير انّ الواضح من التاريخ كون قبيلة (تغلب) ليست على شيء من النصرانية , وكان الكثير من أفرادها يأتون المنكرات , لكنّ (عمر) أراد إبقاءهم , لهواهم الأموي , حيث كانوا من عدد (بني أمية) لاحقا , فابتدع لهم هذه الطريقة .

 

وفيما يتعلق بالهيكل الاسرائيلي المفترض مادياً , والذي يسميه المسلمون “المسجد الأقصى” , والذي يدّعي اليهود اليوم ملكيته , كبقايا لهيكلهم , فهناك من الاحداث والوقائع الغريبة والمحيرة التي صدرت عن الحكام المسلمين – لصالح الخطط اليهودية – ما يثير العجب . فأول من احدث الايهام والتدليس تاريخياً كان الخليفة (عمر بن الخطاب) , حينما اختط للمسلمين –عند فتحه (القدس) – مسجداً على الصخرة الجنوبية من ( مسجد داوود ) ! , في حين كان ( مسجد داوود ) الى الشمال !! , بمشورة اليهودي المتأسلم (كعب الاحبار) , الذي كان يرافقه في الرحلة[97] , وكان يشغل رسمياً المفتي الرسمي للدولة , رغم وجود نخبة الصحابة , فيما هو اسلم في خلافة (عمر) ! . حتى اتى زمان الخليفة الاموي (عبد الملك بن مروان) , والذي بنى ما يُعرف بأنه اسم للقبة الصفراء المثمنة والمشهورة اليوم “المسجد الأقصى” , فكان تعزيزاً للإيهام الذي ابتدأه (عمر بن الخطاب)[98] .

 

 

واتماماً للحركة الانقلابية , اختار (عمر) من بعده – في مخالفة لدعوى الشورى , وهروباً من ضرورات النص – مجموعة يغلي في اغلبها بغض (علي بن أبي طالب) , منهم (عثمان) الذي وتر (علي) رؤوسَ قبيلته من (بني أمية) من أجل الإسلام , كما ان الشخص الذي لكفته الترجيح عند التساوي (عبد الرحمن بن عوف) كان صهر (عثمان بن عفان) وابن عّم (سعد) الذي لم يبايع (علياً) حتى مات[99]. وكان (عبد الرحمن بن عوف) الذي جعله (عمر) رئيساً لمجلس الستة الذين يختارون الخليفة بعده صهر (بني أمية) رهط (عثمان بن عفان) من عدة طرق , فهو متزوج من (ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط) اخت (عثمان) بالرضاعة , وصهر (عتبة بن ربيعة بن عبد شمس) أي متزوج من خالة معاوية , وصهر (شيبة بن ربيعة بن عبد شمس) . وهو اذ اختار (عثمان) ورشّحه لهذه القرابة وخوفاً من عدل (علي بن ابي طالب) , لكنّ (عبد الرحمن) اضطر ان يتراجع عن تأييد (عثمان) بعد ذلك حين بلغ ما بلغ من جور على الصحابة وابتعاد عن السنة النبوية , ودعا الناس الى مجاهدته ومنعه من الاسراف على نفسه وعلى الامة , من خلال توليته اقاربه الامويين بعد ان قاطعه[100], الذي هاله إعطاء (عثمان) هذا الكم من ابل الصدقة ل(بني الحكم) الامويين أعداء النبي , الا ان الحقيقة ان الخطر الذي ربما استشعره (ابن عوف) كان قيام نفوذ (بني أمية) فوق نفوذ فريقه الذي صنعه (عمر) , وهذا ما كان لاحقا .

 

 

و(سعد بن ابي وقاص) الذي قد انتقد الناس موقفه المتخاذل في معركة (القادسية) وبقائه في القصر هو وأهله , وقد قُتِل الناس واُجهدت الأهلون , حتى قالوا في نقده الأشعار , كان يستخلف مكانه (خالد بن عرفطة) حليف (بني أمية) .

 

وكان ضعف وتخاذل القوم قديم , فلم يذكر لهم التاريخ من موقف في معارك رسول الله , سوى قول (عمر) لرسول الله بعد نهاية كل معركة متوجهاً لكل أسير ( دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا )[101]. وهو امر شاركهم فيه (معاوية) , الذي سنّ القعود للقائد في يوم (صفّين) , حين نكص عن مبارزة (علي) , وذهب ليصعد فرسه هارباً حين بانت علائم انكسار جيشه لولا الحياء الذي رده , وشاركه ذلك (عمرو بن العاص) قائد جيشه حين كشف عورته لينجو من سيف (علي بن ابي طالب) . وفيما كان (عمر) يهم بقتل الأسرى كان ذوو النجابة الأنصار يطعمون أسارى (بدر) الخبز ويتركون لأنفسهم التمر ايثاراً منهم لتوصية رسول الله بالأسرى[102].

ومن تشويههم لتاريخ رسول الله انهم نسبوا اليه إجازة الكذب في تحصيل المال لأصحابه . وقد ذكروا ذلك نقلاً عن (الحجاج بن علاط السلمي)[103]. وحين يُعلم ان (الحجاج) كان احد الأربعة الصالحين المنتخبين الى (عمر) من ولاته في الأمصار, وأن (معاوية) استعمل ولده (عبد الله بن الحجاج بن علاط) على (حمص)[104], يُدرك من كان وراء هذه القصة العجيبة .

 

و(حابس بن سعيد الطائي) أحد جيش (ابي بكر) الى الشام , استوطن (حمص) , واستقضاه (عمر بن الخطاب) عليها رغم أنه أقرّ أمامه أنه يقضي برأيه ورأي الناس[105]! , لكنه روى رؤياه ل(عمر) بأن الشمس والملائكة قدمت من المشرق , والقمر والكواكب قدمت من المغرب , وكان هو مع رجال المغرب فتركه (عمر) , حيث كان هو في جيش (معاوية) في (صفّين) لا مع جيش الملائكة ! , وكان يرعب المصلين في الصف الأول في المسجد بدعوى أنهم مراؤون[106]! .

و(يزيد بن أسد بن كرز البجلي) أحد جنود الانقلابيين الى الشام , كان يكذب على رسول الله ويدّعي صحبته , لكنّ ذريته أنكروا أن تكون له صحبة كما ينقل (يحيى بن معين)[107]. وهو جد (خالد القسري) الذي كان ناصبياً يقول السوء في أمير المؤمنين (علي) , وكان متهماً في دينه يذم (زمزم) , كان يسمى ( ابن النصرانية ) وقد بنى كنيسة لأمه , وشرّع الغناء , وهدد بهدم (الكعبة) لو أمره (بنو أمية) , واعتقل الرجال الصالحين (سعيد بن جبير) وأصحابه , وكان له غلام مجوسي يغتصب النساء بعلمه , وكان أمير مكة و(المدينة) ل(سليمان) و(الوليد) , والعراق ل(هشام) , ابناء (عبد الملك بن مروان الاموي) , ثم عذّبه (بنو أمية) وقتلوه , بعد أن جمع المال الكثير جداً تحت راية ظلمهم[108]. وكان (يزيد البجلي) أمير الجيش الذي بعثه (معاوية) لنجدة (عثمان) حين حاصره الثوار , لكنه تأخر عنه[109].

و(مسلمة بن مخلد) أنصاري , كان عمره عشر سنوات حين توفي رسول الله , لكنهم جعلوا له صحبة – كعادتهم في أهل الشام – , غير أن (أبا حاتم) نفى وجود مثل تلك الصحبة . ولّاه (عمر) على صدقات (فزارة) الأعرابية, والتحق ب(معاوية) قبل استتباب الامر له , ثم ولّوه مصر وشيئاً من أفريقيا الى زمان (يزيد بن معاوية)[110].

وقد كان جيش (معاوية) عموده قبيلة (عك) , وهي حلف وثني كان يحج الى مكة في عصر عبادة الأصنام . وقد كانوا يقاتلون في صف (معاوية) على الدنيا . فحين برزت (همدان) من جيش (علي) لحرب أهل الشام , ندب (معاوية) قبيلة (عك) لمواجهتهم , ( فقال ابن مسروق العكي : أمهلوني حتى آتي (معاوية) , فاتاه , فقال : اجعل لنا فريضة ألفي رجل في ألفين ألفين ومن هلك فابن عمه مكانه لتقر اليوم عينك . قال : ذلك لك . فرجع ابن مسروق إلى أصحابه فأخبرهم الخبر فقالت عك نحن لهمدان فتقدمت عك إلى همدان ) . وكذلك قبائل اليمن الجنوبية (السكاسك) و (السكون) و (الأشعريون)[111]. وكانت (عك) والأشعريون قد ارتدت عن الإسلام فور سماعهم خبر وفاة النبي بحسب ما روى القوم , فسمّاهم (ابو بكر) الأخابث[112].

 

 

فيما كان (عثمان بن عفان الاموي) هو الشافع في (معاوية بن المغيرة بن ابي العاص بن أمية) – جد (عبد الملك بن مروان) لأمه – عند رسول الله , و(معاوية بن المغيرة) هذا هو الذي منّ عليه رسول الله يوم (بدر) فأطلقه , فرجع , فأخذه بعد واقعة (اُحد) يوم (حمراء الأسد) , وقال له ( والله لا تُمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول خدعتُ محمداً مرتين ) وضرب عنقه , بعد ان أرسل اليه (زيد بن حارثة) و(عمار بن ياسر) , وتجاهل شفاعة (عثمان) الغريبة فيه , اذ دلّ الرسولين على مكانه ليقتلاه .

 

فيما اختار (عثمان) ان يغيّر رغبة وأمر النبي بأن تكون (المدينة) ارض ووطن إقامة الصحابة وعاصمة الخليفة , فأتم الصلاة في (منى) بمكة حيث كان النبي يقصر , ليجعل مكة دار وطن ايضاً , لأسباب قبلية عصبية , تخالف سيرة النبي والصحابة , في حركة مقصودة مدروسة منه , تكيد للمسيرة السياسية الإسلامية . فاعترض عليه المهاجرون من الصحابة , حتى الذين كانوا حزباً له , فأبى الا ما فعل .

وأضاف بدعة الزكاة على الخيل , وحمى الحمى له ول(بني أمية) , وقيّد حرية المسلمين في الكلأ والماء والهواء , خلافاً لتشريعات الإسلام التي تبيحها للعامة .

وخالف فريضة الله بنص القرآن في أموال الصدقة , وصرفها في غير مواردها , فشرع لمن بعده , وسنّ التلاعب بمال المسلمين وأحكام الله بهوى الحاكم .

وردَّ عمه (الحكم بن العاص الاموي) , الذي كان يؤذي النبي كافراً , ويؤذيه منافقاً يظهر الإسلام خوفاً من الناس , حتى وصفه النبي بالوزغ , وأمر ان يُطرد من (المدينة) , ولا يساكنه ابدا , فردّه (عثمان) , رغم اعتراض الصحابة , وأعطاه من المال الكثير له ولأبنائه , ثم عمّرَ قبره , وجعل ابنه (الحارث) مسؤولاً عن سوق (المدينة) , فظلم وطمع وغش وخالف السيرة والشريعة , واتخذ (مروان بن الحكم) وزيرا .

وقد ولّى الأحداث وأهل الفسق من (آل ابي معيط) و(بني أمية) على امصار المسلمين , فجاروا وفسقوا , ولم يسمع (عثمان) لقول الصحابة واعتراضهم فيهم , حتى (الوليد) الذي سمّاه القرآن فاسقاً , وكان حاله من الفسوق ظاهراً للناس , وهو الوالي الذي اعترف انه صار اميراً بسبب استئثار (بني أمية) بملك المسلمين على يد (عثمان) , وأنه على فسقه . حاله في ذلك حال (ابن ابي سرح) , الذي نزل في فسقه قرآن ايضاً .

فكأن (عثمان الاموي) تعمّدَ تولية أعداء وخصوم القرآن . فكان اهل الكوفة وأهل مصر يثورون باستمرار على ولاة (عثمان) الذين يُفتضح امر فسقهم وشربهم للخمر , ويعند (عثمان) حتى يضطر الى عزلهم بعد الثورات العنيفة .

وكان (علي بن ابي طالب) يتابع أفعال هؤلاء الولاة الفسقة ويصر على (عثمان) ان يحاسبهم , اذ كان اهل الامصار يتواصلون مع (علي) لا مع (عثمان) , لما علموا من جور (عثمان) وميله الى (بني أمية) الظالمين .

ولا يمكن موافقة (طه حسين) في اعتذاره عن (عثمان) في سوء سياسته المالية وأخذه ما شاء من بيت مال المسلمين , بحجة انه كان ثرياً قبل الخلافة وقد شغله المنصب عن إدارة ثروته واستثمارها , وأن له أن يعطي لنفسه ما يفيض من حاجة المسلمين . فلو كان ثرياً حقاً قبل الاستخلاف لم يكن محتاجاً لمال المسلمين , بوجود من ينوب عنه في استثمار ثروته , من اهله او بالأجر . لكنّ اغلب الظن انه لم يكن ثرياً , وقد وُضعت الروايات المبتدعة في ثروته , لنصرته وحفظ ماء وجهه , وإيجاد المناقب المزعومة له , بدليل انه اعطى زوجته غنائم المسلمين للزينة فقط , وأباح المال لفسقة (بني أمية) من عشيرته , استعانوا بها على حرب الإسلام والصحابة وأهل الدين والفقراء , واشتروا بها الذمم .

وكان مما ابتدعه (عثمان) ابتداءً انكاره للشورى , فجعل خلافته من قمصان الله , التي لا يمكن ان تُنتزع منه برغبة اهل الحل والعقد من المسلمين وخيار الصحابة , ولا حتى ممن اتى به الى السلطة , فسنّ بذلك لمن بعده من (بني أمية) , ولكل حاكم ظالم , يجور وليس لأحد ان يحاسبه , ويولّي من يشاء من الاحداث والفسقة , وليس لأحد ان يعترض , فتخسر الامة مرتين , بولايتهم الصبيانية , وبعزل الافاضل الاخيار عن السلطة والمال . فيما أشاعوا أن على الناس الطاعة ليحظوا بأجر الاخرة , الذي هو في الحقيقة لن يكون الا سؤال الله عن سكوتهم غير الشرعي وغير المبرر .

وكذلك يمكن الاعتراض على رأي (طه حسين) مرة أخرى , في ان الصحابة اطاعوا (عثمان) بحثاً عن اجر الاخرة . والحقيقة انهم اطاعوه حين نفى بعضهم , بعد ان اظهروا الاعتراض على جوره بكل وضوح , لكنهم حين لم يجدوا الناصر الكافي لحفظ وحدة بلاد المسلمين لم يحملوا السيف ضده , فكان السيف مناسباً حين اجمع اهل العراق وأهل مصر على الثورة .

بل وصل الامر ب(عثمان) ان اعطى من يتزوج من بناته كل واحد مائة الف , من بيت المال , ووهب ل(بني أمية) مئات الالاف , ووهب لمن قاد حرب (الجمل) لاحقاً مئات الالاف لكل شخص منهم , حتى اضطر مسؤول بيت المال (عبد الله بن الارقم) الى الاستقالة ورفض تنفيذ بعض تلك الأوامر . بل وهب ل(الحارث بن الحكم بن ابي العاص) كل صدقة (قضاعة) . فضلاً عن الأراضي التي اقطعها ل(بني أمية) حصراً في عموم بلاد المسلمين .

ويرى (طه حسين) ان سياسة (عثمان بن عفان) المالية كانت تنتهي الى نتيجتين , كلتاهما شر , انفاق الأموال العامة في غير حقها , وتكوين طبقة غنية مسرفة طماعة . ويرى أيضاً انه أسس للطبقية , وتبعاتها الاجتماعية السلبية والمتناقضة , وتأثيراتها السياسية , التي استحكمت بعده , من خلال استغلال المال في النفوذ والسلطة , ومن تجويع العامة واشغالهم بمعاشهم .

وطالب الثائرون على (عثمان) بتغيير سياسته الرأسمالية المجحفة , وكذلك طالبوه بعدم الرجوع الى ما كانت عليه سياسة (عمر) المالية الطبقية , من الانفاق على البطالين وغير العاملين , تحت ظل عناوين غير شرعية ابتكرها (عمر) , لينفق على أناس أراد كسب ودهم , وحجب المال الكثير عن غيرهم , من الذين استحقوه بكدهم وجهدهم , لكنهم كانوا معارضين ل(عمر) , ولم يستطيعوا حينها الاعتراض , خوفاً على وحدة الدولة الإسلامية . فسياسة (عمر) هي من فرخت جور سياسة (عثمان) , التي طغت في البلاد , فأكثرت فيها الفساد[113].

والغريب ان (عثمان) – الشافع في عتاة الكفرة والمنافقين – حين اُستخلف بعد (عمر) , امر (ابن زمعة) بضرب وطرد الصحابي البدري وحاضر بيعة الرضوان ومعارك الخندق و(حنين) مع رسول الله وأستاذ القرآن (عبد الله بن مسعود) , حتى كسر ضلعاً من أضلاعه على باب المسجد , و(عائشة) تنهى (عثمان) عن فعل هذا بأصحاب رسول الله ولا ينتهي ! , لا لشيء الا لمعرفة (عثمان) بولاء (ابن مسعود) ل(علي بن ابي طالب)[114], في إعادة لواقعة ضرب (عبد الله بن مسعود) من قبل مشركي قريش قبل الهجرة , بعد ان جهر بينهم بالقرآن مضحياً بنفسه الشريفة[115].

فيما يولّي (عثمان) على الناس شرار (بني أمية) , قومه , ومنهم اخاه لأمه (الوليد بن عقبة) , الذي حدّه (علي) على الخمر , اذ صلى بالناس سكرانا[116]. و(الوليد هو ابن عقبة بن ابي معيط) كان أشد الناس على رسول الله , حتى كاد يقتله من خلال خنقه بالثوب[117].

وقد مزّق (عثمان) المصحف الذي بين أيدي المسلمين , واختار مصحفاً على رأي (زيد) . فاعترض عليه اقرأ الناس (عبد الله بن مسعود) , الذي قرأ القرآن من فم رسول الله حين كان (زيد) طفلاً يلعب في (المدينة) , الا ان (عثمان) ابى[118]. ويبدو ان أهل العراق كانوا الى جانب (ابن مسعود) , وفِي صفه , يثقون في رأيه وينتظرونه في امر المصحف , حين أمرهم بحفظ مصاحفهم عن مشروع (عثمان بن عفان)[119]. رغم ان رسول الله يقول ( وما اقرأكم عبد الله بن مسعود فاقرؤوه )[120], وقال كذلك – بحسب القوم ومروياتهم – ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ القرآن غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ, فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ )[121], أي (عبد الله بن مسعود) . وقد اغضبت فعلة (عثمان) هذه (عليَّ بن ابي طالب) و(ابا ذرّ الغفاري) , ووصفه (علي) بأنه امر عظيم , وتنبأ بأن يسلط الله عليه الحديد[122].

 

لقد بدأ الشر على بلاد المسلمين حين فك (عثمان) الأسْرَ عن قريش التي حاربت النبي ولم تسلم الا خوفاً وطمعا . فبدأ يظهر العنف بظهورهم في الساحة السياسية والمالية , من قبل الخليفة وعماله , الذين كانوا هم قريش غير العَلَوية ذاتها . حتى يكاد يُستيقَن ان (عثمان) اذاع انه أضاع خاتم النبي في بئر (اريس) والذي ورثه عن الخليفتين قبله لإمضاء عقود الدولة رغبة منه في التخلص من أي صلة بالرسول الكريم وعودة لحضن قريش المعادية للنبي بقيادة اهله من (بني أمية) .

 

فيما مهّد (عثمان بن عفان) ل(معاوية بن أبي سفيان) امر الخلافة وجعلها ملكاً عضوضاً ل(بني أمية) حين ضم الى ولايته الطويلة جداً غير العادية فلسطين والأردن وسوريا كلها , وجعل جيشه من اقوى جيوش المسلمين بما ضم اليه من مدد اليمن وغيره , بدعوى حماية الثغور والبحر[123]. لهذا عظُمَ (عثمان) عند بيت (معاوية) , وساء عند اهل العراق الذين يعرفون دنيوية (معاوية) وكرهه لآل بيت النبي .

وكان رأي الامة في عامل الخليفة (معاوية بن أبي سفيان) انه سيء , كما يتبين من دفاع (عثمان) في المفاوضات معهم عنه . وقد هدد (عثمان) الثائرين طلباً للحق بأنصاره من (بني أمية) وغيرهم ممن اشتراهم بالمال , وكان خطابه اقرب الى الخطاب الجاهلي الذي عرضه القرآن الكريم وانتقده , وكان وزيره (مروان بن الحكم) الذي كاد يُجمع الصحابة على نبذه لسوء صنائعه . وقد اعترف ضمنياً اثناء تفاعله مع حركة الثائرين ان (عمر) اساء اختيار الولاة كما اساء هو , وأن (عمر) هو من أسس ما قام به من تقريب بالمحسوبية ومن طبقية .

فجمع (عثمان) ولاته الأربعة السيئين في موسم الحج , و(معاوية بن أبي سفيان الاموي) أشار عليه بأن يبقى على ما هو عليه ويكفيه كل والٍ ولايته ويواجه كل واحد منهم المعارضة في البلاد التي هو يحكمها , لأن (معاوية) لم يستشعر خطراً في الشام , كما شعر ولاة باقي الأقاليم من العراق ومصر وغيرها , لذلك أشار عليه واليه الثاني (سعيد بن العاص الاموي) بقتل قادة المعارضة , لأنه لا يستطيع ان يكفي (عثمان) ولاية الكوفة ذات القادة الكبار المعارضين , وأشار عليه اخوه من الرضاعة – مهدور الدم من رسول الله – (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) برشوة الناس بالمال , فيما أشار عليه نصف الأعرابي (عبد الله بن عامر) بإشغال الناس بالجهاد وفتح جبهات للحروب . فكانت هذه اراء القادة السياسيين ل(عثمان) , كلها مكر وبلاء وانانية . لكنّ (عثمان) اخذ بها جميعاً واعتمدها سياسة لتفريق الناس والمعارضين .

و(ابن ابي سرح) هذا جعلوه كاتباً للنبي بروايتهم ليرفعوا من شأنه , كما جعلوا (معاوية) كاتباً للنبي وقد اسلم يوم فتح مكة وكان من المؤلفة قلوبهم![124]. حتى ان (عثمان) حين وبّخ (عمرو بن العاص) وعيّره بأن خراج مصر بعده في أيام (ابن ابي سرح) قد زاد وقال ( قد درّت تلك اللقاح بعدك يا عمرو ) , أجابه (عمرو بن العاص) بأن ذلك لم يتم الا بزيادة الضغط على اهل تلك البلاد وايذائهم , فقال ل(عثمان) ما نصه ( نعم , وهلكت فصالها )[125]. ولقد وهب (عثمان) لأخيه من امه (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) ذلك المغضوب عليه من المؤمنين معظم غنائم افريقية , ووهب بعضها الاخر ل(مروان بن الحكم) , الامر الذي اغضب الجيش الذي فتح افريقية على يديه واسخطه على الخليفة وامير جيشه , وقد كان (عثمان) نقل الى هذا الجيش الكثير من الأنصار حتى لا يبقوا الى جانبه في (المدينة) يعترضون على امر (بني أمية) وانقلابهم الثاني على الإسلام . حتى اهلك المهدور دمه في الإسلام بأمر الرسول وذم القرآن له (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) اهل مصر , كما عبّر (عمرو بن العاص) ل(عثمان) حين عيّره الأخير ان (عبد الله) يرسل اموالاً اكثر للخليفة بعد عزل (ابن العاص) وتوليته هو بما حملهم فوق طاقتهم , بل قتل من اعترض على ظلمه منهم , فاجبر (علي بن ابي طالب) الخليفة على عزله ومحاكمته وتولية (محمد بن ابي بكر) , وانضم كثير من الصحابة ل(علي) مؤيدين[126]. وقد كان (محمد بن ابي بكر بن ابي قحافة) ربيب (علي بن ابي طالب) و(محمد بن ابي حذيفة) ربيب (عثمان بن عفان) و(عمار بن ياسر) هم من لزموا ارض مصر لمواجهة ظلم (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) والي (عثمان) , وقد أراد الوالي البطش بهم[127].

ومنه يُعلم ان قريشاً قد خرجت في غالبها لنصرة (معاوية) و(بني أمية) , واحتلاب الدنيا , حتى من كان منهم لم يرَ ايّام الشرك والجاهلية , مما يكشف ان عداءهم للنبي ودينه تم زقّه الى ذراريهم , وقد صيروه عداءً لأهل بيته ووصيه , لكنهم لم يكشفوا مكنون كفرهم , بل اخفوه لحاجتهم لجيوش من قبائل المسلمين التي لم تكن تحمل من الوعي ما هو ضروري لكشف زيفهم ومكرهم , لا سيما مع انثيال هذه القبائل على الدنيا التي منحها لهم (معاوية) , ووجود من يحمل عنوان الصحبة والفقاهة الكاذبة يخدعهم . فيما خرج الأنصار جميعاً يطلبون نصر (علي بن ابي طالب) , وقتال قريش المنافقة معه , كما قاتلوا قريش الكافرة مع النبي .

 

وفي مجلس جمع حزب (عثمان) السياسي وقادة الامة من وجوه المعارضة فيهم (علي بن ابي طالب) جعل (معاوية) فيه يكثر التهديد والوعيد بعد ان بلغ (بنو أمية) من النفوذ ما بلغوا , فكان (علي) ينهره ويرده .

ثم رد الكوفيون والي (عثمان) الاموي (سعيد بن العاص) , وثار اهل مصر واحتجوا على (عثمان) وأرادوا مناظرته وأن يكون الحكم بينهم كتاب الله , الا انه اعتذر لهم تسويفا , واخذ برأي (مروان) في خداعهم . فرجع المصريون مرة ثانية ثائرين لا محاورين .

وعلى الاظهر ان الصحابة جعلوا معسكرات لهم على حدود (المدينة) باعتبارها العاصمة لدفع خطر انصار (عثمان) من (بني أمية) خشية قدومهم لنصرته , لا كما يروي بعض الرواة انهم أرادوا دفع الناس عن (عثمان) , فالظاهرة واحدة لكنّ القرّاءات لها تختلف .

ولم يدفع احد من الصحابة او الأنصار عن (عثمان) , بل دخل الثائرون العاصمة بغير قتال , فكانت تلك إجازة واضحة من مجمل الصحابة ووجوههم لثورة الثائرين بوجه سلطان جائر .

ولم يزد اول امر الثائرين عن الاعتصام السلمي المطالب باستقالة الخليفة , لكنهم حين علموا برسائل (عثمان) لولاته من (بني أمية) لإرسال الجند ونصرته بقتل الثائرين تغيّر الموقف .

وكان انصار (عثمان) – كما هو متوقع – شخصيات براغماتية مثل (محمد بن مسلمة) و(زيد بن ثابت) , حين حاول (عثمان) استخدام الخطاب الديني في توهين مقام الثائرين بين اهل (المدينة) والصحابة , في سلوك غريب منه , اذ لم يكن الثائرون يطلبون سوى العدالة الاجتماعية وحماية رقابهم من جور (بني أمية) , فكانت خطبة (عثمان) تصفهم بالأعداء , في إصرار منه على رفض الاستجابة لمطالبهم او الاقتصاص من ظلمة (بني أمية) . وكانت كلمات بعض الأنصار من اهل (المدينة) وبعض اهل بيعة (الرضوان) من اهل الحجاز تؤنبه وتشمت به وتذكّره بما فعل من نفي الصحابة الى البراري , وكانوا يمنعون من يحاول الدفاع عنه من الكلام . فقام (جهجاه بن سعيد الغفاري) – احد الصحابة الذين بايعوا بيعة (الرضوان) مع النبي – واخذ عصا الخطبة من يد الخليفة وكسرها , في إشارة نوعية مهمة لإقالته . ومنع الثائرون (عثمان) من الصلاة بالمسلمين , وكان يصلي بالجميع بعض الصحابة .

وقد دنا (بنو أمية) الذين في (المدينة) من دار (عثمان) لحمايته يقودهم (مروان بن الحكم) , وربما أصاب بعضهم احد الثائرين بسهم فقتله , فعظم الامر واصروا على تسليم قاتل صاحبهم , فرفض (عثمان) .

وكان الذي انفذ الثائرين الى دار (عثمان) جاره الصحابي (عمرو بن حزم الانصاري) , احد الرواة وصاحب احد المساند وممن بعثه النبي برسائله وممن شهد معركة (الخندق) , وصار حفيده (أبو بكر بن محمد بن عمرو) امير (المدينة) وقاضيها في عهد (بني أمية) ويرونه اعلم اهل زمانه وأحد الائمة الأثبات عند العامة من المسلمين كما في ( سير اعلام النبلاء ) , كذلك يوثقون ويجلّون ولد الحفيد (عبد الله) الذي يرى (أحمد بن حنبل) أن ( حديثه شفاء )[128].

 

وقد كان الخلاف بين الصحابة واهل العراق وباقي الأقاليم وبين (بني أمية) امتداداً لخلاف الصحابة مع (عثمان بن عفان) , والجرأة على الصحابة وضربهم وسجنهم وقتلهم التي اتاها (بنو أمية) , حتى قتلوا ريحانة رسول الله ( الحسين) , بقية من زمان (عثمان) ذاته . فقد كان (عبد الله بن مسعود) من اقرب الصحابة الى النبي في حياته , لذلك كان من اشد المعارضين ل(عثمان) وسياسته في الكوفة و(المدينة) . فحاربه (عثمان) وضربه وقطع رزقه وحبسه عن الوعظ والإرشاد, ووُصفَ بأسوأ الوصف , رغم صحبته للنبي ووصف النبي له ان ساقيه اثقل على الميزان يوم القيامة من جبل (اُحد)[129], حتى لامته (عائشة) ولامه (علي) فيما يفعل ب(ابن مسعود) ولم ينته , وكان يسمع فيه قول المجاهيل من (بني أمية) وغيرهم . حتى مات (ابن مسعود) وليس له عطاء او لأهله, وصلى عليه (عمار بن ياسر) بعد ان أوصى الا يصلّي عليه (عثمان) .

وكان (أبو ذر) كذلك من اشد المعارضين لسياسة الخليفة (عثمان) في مال المسلمين وقسمته على اقاربه ومن ينافقه, وفي تقريب (عثمان) ليهودي منافق مثل (كعب الاحبار) واستفتائه في أمور الدين والمسلمين رغم وجود عظماء الصحابة المقربين وآل بيت النبي . فكان (عثمان) يعاقب (أبا ذر) الذي وصفه النبي بأنه ( اصدق لهجة )[130]بين الناس , لأجل مدّعٍ مثل (كعب الاحبار) , فسيّره (عثمان) الى الشام , ففضح نفاق (معاوية) واسرافه وسرقته وأهله لبيت المال , فاجتمع بعض اهل الشام حوله , فشكاه (معاوية) الى الخليفة فأمرهم ان يسيّروا (أبا ذر) اليه على اوعر وأخشن ما يكون , ثم نفاه الى (الربذة) وحيداً هو وعياله , حتى مات ودفنه (مالك بن الحارث الاشتر) وبعض اهل العراق معونة لامرأته .

فغضب (عمار بن ياسر) على (عثمان) لما فعل في واحد من اعاظم الصحابة لأجل مجموعة من سراق المال العام , وكاد (عثمان) ينفيه لولا غضب (علي بن ابي طالب) وبعض الصحابة الذين منعوه , حتى انه هدد (علياً) بالنفي كصاحبيه فتحداه (علي) ان يفعل . ثم فعل ب(عمار بن ياسر) , الذي غفر الله له ولأهله بحسب حديث النبي لجهادهم وصبرهم على ايمانهم في مرحلة تعذيب قريش لهم , كما فعل بصاحبيه , لأنه اعترض على سلب (عثمان) لبيت المال من اجل زينة اهله فقط , فغضبت زوج النبي (ام سلمة) وغضبت (عائشة) , وأخرجوا أغراض النبي وقالوا انها لم تبلَ وقد تخليتم عن سنّته , فحدثت ضجة بعد ضرب (عثمان) ل(عمار بن ياسر) حتى اغمي عليه يوماً كاملا , كما كانت قريش تضربه وأهله على الإسلام من قبل . و(عمار) كان قد ولّاه (عمر) من قبل على الكوفة ثم عزله. وحين اتاه (عمار) بمطالب المسلمين في كتاب مجموع متفق عليه مزقه (عثمان) وضرب (عماراً) برجليه وشتمه. وقد كان (عمار بن ياسر) اشد المعارضين لسياسة وخلافة (عثمان) واقاربه.

 

وفي حدود سنة اربع وثلاثين بلغت الناس ذروة المعارضة ل(عثمان) وحزبه , وكان الصحابة في (المدينة) لا ينهون الناس عن معارضتهم , بل يكاتبون من كان خارج (المدينة) من الصحابة للقدوم ومحاولة تقويم اعوجاج الخليفة وحزبه الاموي , وشبّهوا قدومهم هذا بالجهاد لدفع شر السلطان .

 

فيما كانت قصة اهل العراق مع (عثمان بن عفان الاموي) دينية عقائدية , تريد نصرة الشريعة والسلوك النبوي , ترفض العنصرية وجعل الناس طبقات , لا انها خلاف سياسي . اذ غضب اهل الكوفة ووجوهها على امير الخليفة (عثمان) في بلادهم (سعيد بن العاص) حين ادعى ان السواد بستان لقريش , وردّوا عليه انما الفيء للمسلمين جميعا , فحاول رئيس شرطته اخافتهم فضربوه , فشكاهم الى (عثمان) , خوف الثورة على هذا الحكم الملكي الذي يريد النكوص بالأمة الى ما قبل عصر الجاهلية , فأمره (عثمان) بترحيل وإجلاء وجوههم الى الاموي الاخر في الشام (معاوية) . والغريب ان الخليفة – الذي حاول الكتّاب السلطويون تعديل القصة لأجله – لم يحاسب واليه بل عمد الى وجوه الصلحاء والقرّاء ونفاهم خارج بلادهم وأرضهم , في إقرار صريح منه بدعوى واليه الاموي وابن عمه , ليحتج عليهم (معاوية) بفضل قريش على العرب , ولا فضل لعربي على اعجمي لو تأمّل بروح الإسلام , الا انهم كتموا ما في صدورهم من حقيقة جاهليتهم وقبليتهم , فكان الذين تم نفيهم اليه اكثر منه حجة وموعظة , وقد طلبوا اليه ان يترك الامارة لمن هو خير منه في الإسلام ومن ابيه , فخافهم هو على الشام , خاف فكرهم لا سيفهم , فأمر (عثمان) بنفيهم الى (عبد الرحمن بن خالد بن الوليد) في (حمص) , فعنّفهم , وحينها بدأت الثورة تعتمل في نفوسهم , غضباً لما آلت اليه أحوال امة الإسلام من تسلط أبناء الامويين والقرشيين الدنيويين الذين كانوا حرباً على الله ورسوله[131].

 

و(عثمان) كان الذي يجهر بأنه سيأخذ من بيت مال المسلمين ما شاء برأيه , فنهاه (علي بن ابي طالب) وهدده . وكان (عثمان) ناقماً من التفاف المعارضة الإسلامية حول (علي) حتى نوى ان يحاربهم لولا الوساطة . وكان (عبد الله بن عباس) حَبر الامة هو من يؤلب الناس ضد سياسة الخليفة الدنيوية . فيما كانت رؤية (عثمان) لأمر الخلافة قبلية عنصرية كما في جوابه وشكواه ل(العباس بن عبد المطلب) عم النبي , حتى غلبه على رأيه اقاربه وعلى رأسهم (مروان بن الحكم) الذي آلت الخلافة بعد سنين الى ولده بعد كل هذا التخطيط والمؤامرات[132].

 

وكان الذي انفذ الثائرين الى دار (عثمان) جاره الصحابي (عمرو بن حزم الانصاري) , احد الرواة وصاحب احد المساند وممن بعثه النبي برسائله وممن شهد معركة (الخندق) , وصار حفيده (أبو بكر بن محمد بن عمرو) امير (المدينة) وقاضيها في عهد (بني أمية) ويرونه اعلم اهل زمانه وأحد الائمة الأثبات عند العامة من المسلمين كما في ( سير اعلام النبلاء ) , كذلك يوثقون ويجلّون ولد الحفيد (عبد الله) الذي يرى (أحمد بن حنبل) أن ( حديثه شفاء )[133].

 

وقد اساء (عثمان) السيرة , وقرّب في خاصته شرار (بني أمية) , وجفا الصالحين من الصحابة , حتى انه نفى اصدق الناس لهجة (ابا ذرّ الغفاري) الى (الربذة) , دفاعاً عن اليهودي (كعب الأحبار)[134]. فاجتمع عليه أهل العراق وأهل مصر وأهل (المدينة) فقتلوه , فأقام مطروحاً على الكناسة[135]ثلاثا[136].

 

ولذلك رفض (علي بن ابي طالب) تسليم قتلة (عثمان) الى معاوية وحزبه , لأنه كان يراهم ثواراً ينطلقون من مبادئهم العراقية المتأصلة فيهم . ففي جوابه على احد كتب معاوية اليه يقول ( … واما ما ذكرت من أمر عثمان , فإنه عمل ما بلغك , فصنع الناسُ به ما قد رأيتَ . وأما ما ذكرتَ من أمر قتلة عثمان , فإني نظرتُ في هذا الأمر , وضربتُ انفه وعينيه , فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك . ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك, ولا يكلفونك ان تطلبهم في بر ولا بحر ولا جبل ولا سهل )[137].

 

وبهذا يُدرك ان المعارضة ل(عثمان) وخلافته وسياسته كانت عامة , يقوم عليها اجلّاء الصحابة ومعظم الناس في الامصار بقيادة وجوههم . ولم يكن وجوه الصحابة يرون تمامية اسلام (عثمان بن عفان) من الأساس . ومن ثم كانت سياسة (عثمان) – بعد سياسة (عمر) ومن قبله جرأة (ابي بكر) على تكذيب فاطمة بنت النبي في حقها في فدك – باباً ل(بني أمية) وكل حكام الأرض الظلمة لإهانة الصحابة ورجال الدين المطالبين بنصرة الشريعة او حكم الله او نصرة الضعيف وأخذ حقه له من المستكبرين , فمن قَبِلَ من (عثمان) ذلك قَبِلَ ايضاً متابعته في النتائج . وبذلك ايضاً يكون المطالب بدم (عثمان) من الامة منافقاً أراد ان يحكم بدعوى باطلة لا تستقيم مع رغبة الصحابة والأمة[138].

 

وفي مصر انقسم الشعب الى قسمين , احدهما متمسك بموروثه , والآخر انضم الى جيش المسلمين . وفي بعض الروايات انّ بعض رؤساء الأقباط أصلحوا الطرق وأعانوا جيش المسلمين . وقد اسهم الأقباط في فتح (قبرص) , واشتركوا في المعارك البحرية للمسلمين . فيما جاء بعض (البربر) يعرضون اسلامهم قبل دخول جيش المسلمين . وقد كان أهل مصر اكثر الناس ولاءً ل(علي بن ابي طالب) , وأشدهم نقمة على (عثمان بن عفان) وحزب (بني أمية) , حتى أعلنوا الثورة الكبرى بقيادة أبناء الصحابة , وهي الثورة الشعبية التي جاءت ب(علي بن ابي طالب) الى السلطة[139].

 

بينما كان أنصار (عثمان بن عفان) المحتملين عند ثورة الامة الإسلامية عليه هم الأعراب في البصرة التاريخية ( مناطق نجد وساحل الخليج الصحراوية ) , وربما هم ذاتهم من شهدوا معركة (الجمل) مع (عائشة) , والبصرة كانت يومئذ تضم اكثر من نصف الخليج الحالي , وأجناد الشام , من القبائل اليمنية الجنوبية المهاجرة , الذين تربّوا في مدرسة (بني أمية)[140].

 

وقد خلق القوم على لسان الكذّاب الوضّاع برأيهم (سيف بن عمر التميمي) شخصية وهمية فنتازية لتبرير الثورة باسمها على (عثمان الاموي) , هي شخصية (عبد الله بن سبأ) . إلا ان جملة الخلاف بين الصحابة كان موجوداً قبل الزمان الذي وضعت فيه شخصية (عبد الله بن سبأ) , ولعل اشهر صور الاختلافات كانت حادثة (السقيفة) , وحرق دار (فاطمة) ابنة الرسول (محمد) وسلب بساتين (فدك) منها , واغتيال زعيم الانصار (سعد بن عبادة) , ورفض (بني هاشم) للخليفة الاول , وتبعهم على ذلك قسم كبير من الأنصار , وقتل (عمر بن الخطاب) , ورفض غالبية الصحابة تولية الطلقاء من (بني أمية) على الامصار الاسلامية , واستئثار (عثمان) بالثمين من الغنائم والفيء لبني عمه , ونبذ الصحابي الكريم (أبا ذر) الى منطقة (الربذة) النائية من قبل (عثمان) , الخ من احداث سبقت وجود هذه الشخصية في تأريخ الصراع .

 

وكان الاضطراب بين الناس في حق (علي) بالولاية ناشئاً عن سبب موضوعي , لعدم استيعاب الجماعة القريبة على عاصمة الرسالة لمفهوم الإمامة , وبالتالي فهي كانت تنظر الى (علي بن ابي طالب) على انه شخصية فاضلة دينيا , لكنها ليست مقدسة . وبالتالي يسع النفوس المتأججة عاطفياً ضده ان تتجاوزه لغيره . ولزهد علي الشديد تجاه المال[141], فيما غيره اجتذب الناس بالمال . حتى قال (زين العابدين علي بن الحسين بن علي) ما مضمونه ( ان علياً كان يقاتله معاوية بذهبه ) , بعد ان فرّق (بنو أمية) المال في اجتذاب الدهاة من الناس وشراء الذمم[142].

وكانت نفوس الكفر والنفاق هذه , التي استولت على مقدرات المسلمين , من قريش ومن (بني أمية) وحلفائهم , قتل (علي بن ابي طالب) منها سابقاً ما يزيد على نصف قتلاهم في معركة (بدر)[143], غير (اُحد) و(الخندق) وغيرها من الوقائع والأيام , لهذا لم يكونوا لينسوا دماء آبائهم , لا سيما والإيمان ما دخل قلوبهم . وكانت بلوى (علي) بعد الانقلاب انه قتل هؤلاء القرشيين , وهو ما جعل هذا البغض في صدورهم , بعد بغضهم للحق الذي يمثله . وهؤلاء القتلى الذين سببوا حقد السلطة عليه هم ذاتهم من خاطبهم رسول الله قبل دفنهم في القليب بقوله ( بئس عشيرة النبي كُنتُم )[144]. يضاف الى هذا العدد الخمسمائة من وجوه العرب الذين قتلهم (علي) بسيفه يوم (صفّين)[145]. وقد بذلت قريش النفوس في سبيل إطفاء نور الله في حربها ضد النبي , وربما لم يُحارب نبيٌ بمثل ما حورب به (محمد) معنوياً ومادياً بقيادة (آل أبي سفيان) .

 

بينما كان عدداً من اليهود – في حركة غريبة ومريبة – قد عادوا الى (المدينة) في اخر ايام رسول الله , بعد ان أجلاهم النبي عنها , كما يذكر صاحب كتاب ( تاريخ اليهود في بلاد العرب ) , الّا انهم لم يكونوا يحملون علم وحنكة (كعب الأحبار) وخبرته بالإسرائيليات والعلوم الباطنية , او انهم لم يشاؤوا إظهار ذلك لضرورات المرحلة , واكتفوا بوظائف تمهيدية لمرحلة (كعب الأحبار) . ورغم انّ الرجل ما اسلم الّا في زمان (عمر) , وكان كبير السن , وما هو فيه من حال مريب , الّا انّ بعض ( الصحابة ) وقادة الفئة الانقلابية كانوا يجلّونه , ويستفتونه , ويرجعون اليه في العلم ! . فقد روى (ابن سعد) أيضاً في طبقاته الكُبرى عن (عبد الله بن شقيق) ما نصه ( أن أبا هريرة جاء إلى كعب يسأل عنه, وكعب في القوم, فقال كعب ما تريد منه؟ فقال: أما إني لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله, أن يكون أحفظ لحديث رسول الله مني, فقال كعب: أما أنك لم تجد طالب شيء إلا سيشبع منه يوماً من الدهر إلا طالب علم, أو طالب دنيا, فقال: أبو هريرة: أنت كعب؟ فقال: نعم, فقال: لمثل هذا جئتك )[146]. وأيّ داء اكثر من ان يترك (ابو هُريرة) مقام (علي) ويأتي (كعباً) ! . فيما كان (ابو الدرداء) – الصحابي وقاضي دمشق ل(بني أمية) – يقول عن (كعب) ما نصه ( انّ عند ابن الحميرية لعلماً كثيرا )[147]. وهذه المقولات وغيرها عن (كعب الأحبار) ليست مستغربة , اذا علم انّ الخليفة (عمر) جعله على رأس جماعة من الحجاج اقبلوا من الشام الى (المدينة) ومكة . ولا غرابة بعد هذا ان يقول عنه (سعيد) – أمير البصرة عن (بني أمية) – حين يروي عنه ( حدّثنا هذا الرجل الصالح من أهل الكتاب كعب الأحبار … )[148].

لذلك في المجلد الثالث من تاريخ (الطبري) (عن أبي مريم مولى سلامة قال: شهدت فتح ايلياء مع عمر رحمه الله , فسار من الجابية فاصلاً حتى يقدم ايلياء , ثم مضى حتى يدخل المسجد , ثم مضى نحو محراب داود ونحن معه فدخله ثم قرأ سجدة داود فسجد وسجدنا معه . وعن رجاء بن حيوة عمن شهد قال: لما شخص عمر من الجابية إلى ايلياء فدنا من باب المسجد قال ” ارقبوا لي كعباً ” , فلما انفرق به الباب قال ” لبيك اللهم لبيك بما هو أحب اليك ” , ثم قصد المحراب محراب داود , وذلك ليلا , فصلى فيه , ولم يلبث أن طلع الفجر فأمر المؤذن بالإقامة فتقدم فصلى بالناس وقرأ بهم ” ص ” وسجد فيها , ثم قام وقرأ بهم في الثانية صدر ” بني إسرائيل ” , ثم ركع , ثم انصرف , فقال ” عليَّ بكعب ” , فأتى به , فقال ” أين ترى أن نجعل المصلى ؟ ” فقال ” إلى الصخرة ” , فقال ” ضاهيت والله اليهودية يا كعب , وقد رأيتك وخلعك نعليك ” , فقال ” أحببتُ أن أباشره بقدمي ” , فقال ” قد رأيتك , بل نجعل قبلته صدره كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة مساجدنا صدورها , اذهب اليك , فإنّا لم نؤمر بالصخرة , ولكنا أُمرنا بالكعبة ” فجعل قبلته صدره , ثم قام من مصلاه إلى كناسة قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني اسرائيل , فلما صار إليهم أبرزوا بعضها وتركوا سائرها , وقال ” يا أيها الناس اصنعوا كما أصنع ” وجثا في أصلها , وحثا في فرج من فروج قبائه , وسمع التكبير من خلفه , وكان يكره سوء الرعة في كل شيء , فقال ” ما هذا ؟ ” فقالوا ” كبّر كعب وكبّر الناس بتكبيره … )[149]. و(رجاء بن حيوه) هذا الذي سجد لسجود (كعب الأحبار) من أهل الكتاب الذين اظهروا اسلامهم , وصار المفتي والفقيه الأموي الابرز لطواغيت (بني أمية) , وله احال (عبد الملك) هندسة النقوش عند إعمار الحرم في (بيت المقدس) .

ومن تنبؤات (كعب الأحبار) ما أورده (الطبري) في كتابه ( … فقال كعب وهو يسير خلف عثمان : الامير والله بعده صاحب البغلة وأشار إلى معاوية )[150]. وجاء أيضاً ( … عن بدر بن الخليل بن عثمان ابن قطبة الاسدي عن رجل من بني أسد قال : ما زال معاوية يطمع فيها بعد مقدمه على عثمان حين جمعهم فاجتمعوا إليه بالموسم ثم ارتحل فحدا به الراجز ” إن الامير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي ” . قال كعب : كذبت صاحب الشهباء بعده . يعني معاوية . فأخبر معاوية , فسأله عن الذي بلغه , قال : نعم أنت الامير بعده , ولكنها والله لا تصل اليك حتى تكذب بحديثي هذا . فرفعت في نفس معاوية )[151].

والتنبؤات هذه من (كعب الأحبار) يمكن قراءتها من زاويتين , انّه كان يتنبأ فعلاً من خلال بعض العلوم الباطنية السحرية الكهنوتية الموروثة , او انه يشارك في خطة كبيرة لإزالة وتنصيب أمراء الدولة الاسلامية , ضمن فئة ومنظمة اكبر .

ورغم رجاحة القرّاءة الثانية لتنبؤات (كعب الأحبار) , الّا انّ رواية (عبد الله بن الزبير) تؤيد القرّاءة الاولى , حيث قال ( عبد الله بن الزبير لما أتي برأس المختار : ما وقع في سلطاني شيء إلا أخبرني به كعب , إلا أنه ذكر لي أنه يقتلني رجل من ثقيف وهذه رأسه بين يدي . وما درى أن الحجاج خبيء له )[152].

 

 

وحين اجتمعت سذاجة دين الخوارج وجهل بعض أعراب (تميم) ودنيوية (الأشعث بن قيس) اتفقوا جميعاً على قتل (علي) في الكوفة , في المِحْراب , بين يدي الله , اذ لم يمكنوا من قتله في ساحة الحرب , ففعلوا على يد (عبد الرحمن بن ملجم) , بالاتفاق مع اثنين من (تميم) , ومعونة (الأشعث) داخل الكوفة[153]. لتنعم (بنو أمية) بالدنيا , وقد ذلّ أبناء (الأشعث) على أيديهم لاحقا , وليتشرد الخوارج ويقتلون على يد جيوش (بني أمية) , وينتشر الفسق الأموي , ولتخسر قبيلة (تميم) مكانتها لأهل الشام , رغم هجرة (بني تميم) والكثير من القبائل العدنانية باتجاه شمال العراق التاريخي لاحقا , الامر الذي غيّر بعض المعالم الاجتماعية والقبلية حينها . لذلك عاش أمثال القاضي (أبي الفتح عبد الواحد الامدي التميمي) شمالاً في (آمد) في زمان الحمدانيين – وهم مع (آل ورقاء) من العدنانيين أيضا – والذي جمع كتاب ( غرر الحكم ودرر الكلم ) من كلام (علي بن ابي طالب)[154].

 

ان الفرق بين (علي) وبين خصومه , وبين أهل العراق وبين حزب قريش والشام , حينها , يمكن ان تلخصه حادثة شريعة الماء يوم (صفّين) , اذ ملك عسكر معاوية الماء وأحاطوا بشريعة الفرات , وقالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش كما قتلوا (عثمان) عطشا , فسألهم (علي) وأصحابه ان يسوغوا لهم شرب الماء , فقالوا لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأً كما مات (ابن عفان) , فلما رأى أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وحمل على عساكر (معاوية) حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم , بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي , وملكوا عليهم الماء , وصار أصحاب (معاوية) في الفلاة , لا ماء لهم , فقال له أصحاب (علي) وشيعته ( أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك , ولا تسقهم منه قطرة , واقتلهم بسيوف العطش , وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة إلى الحرب ) , فقال ( لا والله , لا أكافيهم بمثل فعلهم . أفسحوا لهم عن بعض الشريعة , ففي حد السيف ما يغني عن ذلك )[155]. الا ان رواة القوم من (بني أمية) لم يعدموا المخرج ل(معاوية) من هذه الفعلة غير النبيلة, فأرسلوا الروايات غير المسندة عن النبي انه أقام على الماء يوم (بدر) ومنع منه قريش[156], ليسيئوا الى مقام النبي , ويظهروا ظلامة لقريش الكافرة , ويجدوا العذر ل(معاوية) , وتركوا المقارنة بين سلوك الفريقين التي تكشف من منهم المسلم الحقيقي .

ولم يكن الفرق بين (علي) وبين (معاوية) في الدين فقط , ف(علي) امام عادل , و(معاوية) امام جائر , كما كان (علي) عالماً في سياسة الدنيا , اذ هو على الجانب الاقتصادي اول من امر بسك العملة الإسلامية في البصرة عام 40ه , قبل ان يتبنى (عبد الملك بن مروان) إتمام الامر تحت نظر الامام (الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب) عام 76ه[157].

 

 

وبذلك يكون الذين قاتلوا الى جانب (علي بن ابي طالب) هم وجوه الصحابة وصلحاؤهم وزعماء القبائل الكبرى من وجوه العرب ونبلاء الناس وذراريهم , وأن الذين نصروا الخلافة الانقلابية و(بني أمية) هم مسلمة الفتح ومسلمة اليهود وزعماء الأعراب وذراريهم وورثة الكفار وأهل الضيعة من الناس .

لذلك يصف (همام بن الأغفل الثقفي) , الشاعر الذي حضر مع (علي) في (صفّين) , أصحاب (معاوية) بأنهم فسّاق , ورؤوس الكفر والنفاق , وقادة البغي والتمرد على (عثمان بن عفان) الذين حرقوا داره[158]. وهو اتهام صريح .

ومن قول (عمرو بن العاص) لمعاوية يوم (صفين) , وبيانه القرابة القريبة لعلي بن أبي طالب من رسول الله وقِدمه في الإسلام وشجاعته وتضحيته , وأن أصحاب علي هم أصحاب النبي (محمد) وفضلاء الامة وأشرافها , وحثه له أن يجذب أهل الشام بالطمع , ويعودهم على الحرب , يمكن فهم مستوى ورتبة كل فريق منهما في الإسلام[159] .

 

ورغم انّ الجيوش التي واجهت ظلم الدول الكبرى مثل فارس والروم احتوت على اجلّاء الصحابة وقادة أفذاذ كانوا أنصار رسول الله حقّاً وزعماء وأشراف القبائل الّا انّ فئة الانقلاب جعلتهم جنداً وتبعاً لمسلمة الفتح وفسقة (بني أمية) . ومن أولئك الذين جاءت بهم فئة الانقلاب (ذو الكلاع الحِمْيَري) , الذي جعلت له اقلام السلطان صحبة كاذبة لرسول الله , لكنّهم اختلفوا فيها , ولم يرووا من صحبته المزعومة الّا حديث واحد أنه قال ( سمعت رسول الله يقول: اتْرُكُوا التّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ ) . ويبدو انّه كان عند حسن ظنّهم وملائماً لاختيارهم, حيث كان في صفّ (معاوية) و(بني أمية) حين قاتلوا الخليفة والإمام (علي بن ابي طالب) في (صفّين) . لكن مع ذلك كان (معاوية) يخشاه, لأنه من (السبئية) , الذين لم يشاركوا مباشرة في الانقلاب العُمَري , وإنما من السذج الذين جيء بهم خديعة . وذكر صاحب ( الكامل في التاريخ ) أن (ذا الكلاع) سمع من (عمرو بن العاص) حديث النبي ل(عمار بن ياسر) بأنه ( تقتلك الفئة الباغية, وآخر شربة تشربها ضياح من لبن ), فكان (ذو الكلاع) يقول ل(عمرو) قوله ( ما هذا ويحك يا عمرو؟ ) , فيجيب (عمرو) بردّه ( إنه سيرجع إلينا ) , لكن قُتل (ذو الكلاع) قبل (عمار) مع (معاوية) , وأصيب (عمار) بعده مع (علي) , فقال (عمرو) ل(معاوية) قولته ( ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحاً, بقتل عمار أو بقتل ذي الكلاع, والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام إلى علي ) . ثم أتى جماعةٌ إلى (معاوية) كلهم يقول ( أنا قتلتُ عماراً ) , فيقول (عمرو) لهم ( فما سمعته يقول؟ ) , فيخلطون , فأتاه (ابن حوي) فقال ( أنا قتلته فسمعته يقول: اليوم ألقى الأحبة, محمداً وحزبه ) , فقال (عمرو) له ( أنت صاحبه ) , ثم قال ( رويداً والله ما ظفرت يداك ولقد أسخطت ربك ) ! . كذلك ابنه (شرحبيل بن ذي الكلاع) كان على سرّ ابيه , حيث كان من قوّاد (بني أمية) الذين قتلوا التوّابين المطالبين بثأر حفيد النبي (الحسين) في معركة (عين الوردة) , وشارك أيضاً في مواجهة ثورة (إبراهيم بن مالك الاشتر) في معركة (نهر الخازر)[160].

 

ولمّا قدم (شرحبيل بن السمط الكِندي) – زعيم قبيلة (كِندة) النجدية , وهو أعلى نفوذاً من (معاوية) في أهل الشام – على (معاوية) , أراد معاوية خداعه , فأخبره أن (جرير بن عبد الله البجلي) يدعوه لبيعة (علي) , وأن (علياً) خير الناس , لكنه -بزعم معاوية- قتل (عثمان بن عفان) , وأنه لا يستطيع تجاوز رأي (شرحبيل) , وكان (شرحبيل) ساذجاً , هيأ له (معاوية) مجموعة تخدعه من خلال مسرحية معدة مسبقا , فحين خرج ليتأكد من اتهام (معاوية) ل(علي) لاقاه هؤلاء المكلفون بخداعه وأيدوا كلام (معاوية) , وهدد (شرحبيل) -بسذاجة- (معاوية) اذا بايع (علياً) , وهو ما كان ينتظره (معاوية) من هذا الرجل “القائد الساذج” , لكنه اصطدم بعقلانية (جرير بن عبد الله) زعيم قبيلة (بجيلة) , وهو أقدم اسلاماً وصحبة للنبي , والذي احتج على (شرحبيل) بأن الأنصار والمهاجرين الى جانب (علي) , وأن اتهام (علي) بدم (عثمان) ليس سوى رجم بالغيب لا يقوم على دليل , لكنه ميل نفسي شخصي , فتراجع (شرحبيل) عن قرار الحرب , لكنّ (معاوية) صار يُدخل ويُخرج عليه الرجال المكلفين بخداعه , يشهدون عنده بالباطل ويستفزون سذاجته , حتى أخذ يدور في مدن الشام يدعو أهلها الى حرب (علي) نيابة عن (معاوية) , بكل سذاجة , والناس كانت تثق به في الشام أكثر من ثقتها في (معاوية) , الا اهل العبادة في مدينة (حمص) رفضوا الانسياق خلفه واعتزلوا القوم[161].

وقد كانت قبائل الشام القحطانية المهاجرة ك(حِمْيَر) تجهل فعلاً مقام (علي) . وقد شذ منهم موالي كبير , هو الشاعر العظيم (السيد الحِمْيَري) , الذي يصف حاله في أهله وقومه من (حِمْيَر) الشام ( صُبّتْ عليَّ الرحمة صباً , فكنت كمؤمن آل فرعون )[162]. و(حِمْيَر) هي التي غزت مكة في عهد ملكها (حسان بن عبد كلال بن مثوب ذي حرث الحِمْيَري) , وأرادت نقل احجار الكعبة الى بلادها , فصدتها قبائل (مضر) بقيادة جد النبي (فهر بن مالك) , وأسرت ملك (حِمْيَر)[163]. هكذا كان قادة جيش وجبهة (معاوية بن أبي سفيان) .

وبينما كان عمَّال وولاة (علي بن أبي طالب) على الامصار والجيوش من وجوه الصحابة , كانت نسبة كبيرة من عمَّال وولاة وجمهور (معاوية) من (حِمْيَر) . فبعد (ذي الكلاع )على الجيوش , كان واليه على اليمن (بحير بن ريسان الحِمْيَري)[164], وقاضيه (عبد الله بن محمد الحِمْيَري) , الذي جعله على ديوان الخاتم[165], وحارسه (أبو المخارق) مولى ل(حِمْيَر)[166], وأمير احد الجيوش (حوشب بن طخمة الالهاني الحِمْيَري)[167], وليس بالصدفة ان يكون قاتل (علي بن ابي طالب) الخارجي (عبد الرحمن بن ملجم الحِمْيَري) الكندي بالولاء[168], يجمع بين فرعي جيش (معاوية) . وقد قاتلوا في صف (معاوية) جهلاً وحَمية , لا عن علم , كما هو واضح من دعوة احد اهم سادتهم (ابرهة بن الصباح الحِمْيَري) لاعتزال القتال مع الطرفين حتى ينتصر احدهم فيميلون معه[169]. ولهذا أيضاً كان (علي بن ابي طالب) يرتجز بمناقب (آل ابي طالب) وهو في أشد القتال , ليعلم الجميع ما يجهلون من حق آل بيت النبي[170].

وقد نتج عن هذا الحزب أقاليم ناصبية , توارثت نصب العداء لآل (علي) وشيعتهم كبيئة اجتماعية , بتأثير التجاور والاجتماع لذات السبب . ومن هذه الأقاليم (الفلوجة) في العراق , لأن (معاوية بن أبي سفيان) كان يقطع أراضيها لكبار أعداء (علي بن ابي طالب) من أهل العراق . فقد ورد ان (أبا بردة بن عوف الأزدي) كان عثمانياً , تخلّف عن (علي) يوم (الجمل) , وحضر معه (صفّين) على ضعف نية في نصرته . كما روى (أبو الكنود) أن (أبا بردة) مع حضوره في (صفّين) كان ينافق أمير المؤمنين و يكاتب (معاوية) سرا, فلما ظهر (معاوية) أقطعه قطيعة بالفلوجة , وكان عليه كريما[171].

وقد وصف حفيد (علي) الإمام (محمد بن علي الباقر) كيف أن قريشاً اجتمعت على ظلمهم , وعلى ظلم شيعتهم , رغم وصية النبي بولايتهم , وتمكنت قريش من السلطة بالاحتجاج عند الأنصار بما هو حق لأهل البيت من (بني هاشم) حصرا , ثم تداولت السلطة غصبا , حتى عادت الى أهل البيت , فنكثت قريش بيعتها ونصبت الحرب لهم , وقتلت أحفاد النبي (الحسن) و(الحسين) , بعد أن غدر بهم أكثر الناس , فصار ظلم أهل البيت والكذب والافتراء عليهم قربة يتقرب بها المنحرفون وأهل الدنيا الى السلطات الظالمة من قريش والى قضاة وولاة السوء , حتى قتل (معاوية) شيعتهم في كل بلدة , وكانت محبة أهل البيت سبباً للسجن والقتل والتقطيع وهدم الدور , على يد أمثال (عبيد الله بن زياد) و(الحجاج بن يوسف الثقفي) , حتى أن الانسان يُتهم بالإلحاد خير له من أن يُتهم بالتشيّع ل(علي) , حتى صارت الأحاديث في تفضيل غيرهم عليهم كأنها حقيقة تنقلها الناس من كثرتها , وهي تظن أنها صدق[172].

وعن أبي (قيس الأودي) قال ( أدركت الناس وهم ثلاث طبقات , أهل دِين يحبون علياً , وأهل دنيا يحبون معاوية , وخوارج )[173] .

 

فيما كان رجال (معاوية) كما وصفهم (الحسن بن علي) في رده عليهم حين اساءوا اليه وإلى ابيه بقولٍ زور انهم كانوا بين كافر وزانٍ ومنافق , أعداء لرسول الله , وبين حاقد على سيف (علي) الذي قتل آباءهم واخوانهم , وبين من يعبد المال , وبين من كان خمّارا , وبين من وقع عليه حق الحدّ , لهذا كانوا حاقدين على أئمة الصلاح وبغضوا ذرية رسول الله[174]. ومثل هذه الخطب من قبل الإمام (الحسن) اعادت الكثير من الناس الى رشدهم وبيّنت تاريخ هؤلاء الذين سرقوا الخلافة بدعوى باطلة , وقد كانت الامة حينذاك تجهل الكثير مما حصل في مكة .

اذ كان قادة (معاوية) مثل (شرحبيل بن ذي الكلاع الحِمْيَري , حبيب بن مسلمة الفهري , ابو الأعور السلمي , عمرو بن العاص , مسلم بن عقبة , الضحّاك بن قيس , عبيد الله بن عمر , …) , وغيرهم من رجال المؤامرة ومسلمة الفتح واعداء رسول الله . وهذا ما ذكره (البلاذري) فيما يُنقل عنه ( وكان قادة جيش معاوية على النحو التالي: عمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها, والضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم, وذو الكلاع الحِمْيَري على ميمنة الجيش, وحبيب بن مسلمة على ميسرة الجيش, وأبو الأعور السلمي على المقدمة. هؤلاء هم القادة الكبار ) , وورد ( وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب , ودفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد, وجعل على الميمنة حبيب بن مسلمة الفهري, وعلى الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص, وعلى الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي وعلى خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري, وعلى رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي, وعلى أهل حمص ذا الكلاع, وعلى أهل فلسطين مسلمة بن مخلد )[175].

ف(حبيب بن مسلمة) كان من سدنة العهد العُمَري , يطالب (معاوية) بسيرة (ابي بكر) و(عمر) , لذلك جعلوا له صحبة رغم انّ عمره لم يتجاوز الحادية عشر حين توفي رسول الله , وقد سجد (معاوية) شكرًا حين وفاته ووفاة (عمرو بن العاص) .

و(مسلم بن عقبة) هو الذي يسمِّيه المسلمون (مسرف بن عقبة) , لأنه صاحبة وقعة (الحرّة) التي قتل فيها خيرة اصحاب رسول الله والأنصار , واستباح (المدينة) المنورة أياماً ثلاثة .

امّا (ابو الأعور السلمي) فيُنقل عن (أبي حاتم الرازي) قوله ( لا تصح له صحبة ولا رواية, وشهد حنيناً كافرًا ثم أسلم بعد هُوَ ومالك بْن عوف النصري, وحدّث بقصة هزيمة قبيلة هوازن بحنين , ثم كَانَ هُوَ وعمرو بن العاص مَعَ معاوية بن أبي سفيان بصفّين , وكان من أشد من عنده علَى علي بن ابي طالب )[176].

و(الضحّاك بن قيس الفهري) شهد فتح دمشق وسكنها ووليها بعد ما كان ولي الكوفة من قـِبَل (معاوية بن أبي سفيان) , ثمّ دعا لخلافة (عبد الله بن الزبير) بعد وفاة (يزيد بن معاوية) فقُتل سنة 64 للهجرة في حرب خاضها ضد (مروان بن الحكم) ب(مرج راهط) . وعن (الزبير بن بكار) قال ( كان الضحاك بن قيس مع معاوية , فولاه الكوفة , وهو الذي صلى على معاوية , وقام بخلافته حتى قدم يزيد , ثم بعده دعا إلى ابن الزبير , وبايع له , ثم دعا إلى نفسه )[177], فيكفيه من أمره انه المصلّي على الطاغية الباغي (معاوية) .

امّا (عبيد الله بن عمر) فله من التاريخ ما يشابه تاريخ رجالات (عمر) و(ابي بكر) , حيث عند غزوهما العراق هو وأخوه (عبد الله) أخذا المال العام من والي البصرة لأبيهما (ابي موسى الاشعري) باقتراح منه , ثم تاجرا به , وحين طالبهما الاب بالمال وربحه سكت (عبد الله) وعاند (عبيد الله) حتى أخذ نصف الربح[178]. فإذا كان هذا شأنه مع ابيه وهو الخليفة فكيف هو طغيانه مع غيره , وكيف هو تلاعبه بمال الله ! . وينقل جماعة من المؤرخين أنه لما قُتل (عمر) أخبرهم (عبد الرحمن بن ابي بكر) بأنه رأى (الهرمزان) و(جفينة) و(أبا لؤلؤة) يتناجون فنفروا منه فسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه , فلما رأى الخنجر الذي قُتل فيه (عمر) على نفس الوصف الذي ذكر (عبد الرحمن) , خرج (عبيد الله) مشتملاً على السيف حتى أتى (الهرمزان) وطلب منه أن يصحبه حتى يريه فرساً له , وكان (الهرمزان) بصيراً بالخيل , فخرج يمشي معه فعلاه (عبيد الله) بالسيف , فلما وجد حر السيف صاح “لا إله إلا الله” . ثم أتى (جفينة) , وكان نصرانياً , فقتله . ثم أتى بنت (أبي لؤلؤة) , جارية صغيرة فقتلها . فقُبض عليه وسجن . إلى أن تولى (عثمان بن عفان) الخلافة , فاستشار الصحابة في أمره , فأفتى بعضهم بقتله , وأفتى بعضهم الآخر بالدية , فأدى (عثمان) الدية من ماله وأطلقه[179]. ولما تولى (علي) الخلافة , وكان يرى أن يُقتل ب(الهرمزان) , خرج (عبيد الله) إلى الشام وانضم إلى (معاوية بن أبي سفيان) , حارب وقُتل في معركة (صفّين) .

ويكفي من امر (عمرو بن العاص) و(شرحبيل بن ذي الكلاع) ما قد عُرف من سوء . أما (عبد الله بن عمرو بن العاص) فكما اختلف وتناقض النقل فيه بين كونه مرة طويلاً ومرة قصيراً , اختلف النقل في موقفه من واقعة (صفّين) , بين حضوره فيها الى جانب (معاوية) – الذي أثرى تحت راية ملكه جداً – وبين اعتراضه على (معاوية) وأبيه (عمرو) واعترافه بأن الحق ليس معهم[180].

 

 

وهذا الصحابي (الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي) يشهد ل(علي) , ويرد على رسالة معاوية لأخيه (عبد الله بن عباس) , بفضح (بني أمية) , وبيان خداع (معاوية) ومكره , ويختمها بقوله ( … فهذا عليٌّ خير حاف و ناعل‌ , وصيّ رسول اللّه من دون أهله …) [181].

 

وبعد وفاة النبي , اختارت الأنصار (علياً) اول الامر , ثم انها لم تختر الشيخين , حتى هجر سيد الأنصار (سعد بن عبادة) (المدينة) , ورحل الى الشام , على الا يبايع أحداً منهما , فقتلوه غيلة , ونسبوا قتله الى سهم من الجن , ثم كان سيدهم (قيس بن سعد بن عبادة) حامل راية (علي بن ابي طالب) يوم (صفّين) , ثم كانوا من سكنة العراق وشيعته , وهذا هو الوادي الذي سلكوه وأمر النبي الناسَ بسلوكه معهم , وقد صبروا على الإثرة والقهر القرشي لهم , حتى ثار غسيل الملائكة (حنظلة) على جذور قريش الوثنية وبطش وفسق (بني أمية) , فاستباحهم البيت الأموي ثلاثة ايّام , بما يعرف بوقعة (الحَرّة) .

لذلك ذمّ (معاوية) الأنصار , فدعا (النعمانَ بن بشير بن سعد الأنصاري) و(مسلمةَ بن مخلد الأنصاري) , ولم يكن معه من الأنصار غيرهما , فقال ( يا هذان , لقد غمّني ما لقيت من الأوس والخزرج , صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم , يدعون إلى النزال , حتى والله جبّنوا أصحابي , الشجاع والجبان )[182].

 

وأكبر قبائل العرب وأعرقها إسلاماً ومدنية قبيلة (ربيعة) اختارت صف (علي) . قال (علي) عن راياتهم يوم (صفّين) ما نصه ( … هي رايات الله, عصم الله أهلها وصبرهم وثبت أقدامهم )[183]. وقال في اهم ليلة من ليالي (صفّين) وأشدها ( فخرٌ طويل لك يا ربيعة ) . وكان امير المؤمنين (علي بن ابي طالب) قد سار بين رايات (ربيعة) في (صفّين) , فتعاهدوا على الموت الا يصاب وهو فيهم , وأحاطوا به حياطة بياض العين بسوادها , واشترط سبعة آلاف منهم الا يعودوا الا بعد ازالتهم فسطاط (معاوية) , فلما رأى (معاوية) جلادتهم هرب وترك لهم فسطاطه بمشورة (عمرو بن العاص) , فقال (علي) لهم ( أنتم رمحي ودرعي ) . وحين جاءهم (علي) يوم العاشر في (صقّين) , تعاقدوا وتواصوا ألا ينظر رجل منهم خلفه حتّى يرد سرادق (معاوية) , فلما نظر إليهم (معاوية) قد أقبلوا قال ( إذا قلتَ قد ولّتْ ربيعة أقبلت * كتائبُ منهم كالجبال تجالد ) , ثم خرج فاراً لائذاً الى بعض مضارب العسكر[184].

وكان من سادات (ربيعة) (كردوس بن هانئ البكري) , القائل في فتنة التحكيم في (صفّين) ما نصه ( أيها الناس , إنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه , ولا تبرأنا من علي منذ توليناه . وإنّ قتلانا لشهداء , وإنّ أحياءنا لأبرار , وإن علياً لعلى بينة من ربه , ما أحدث إلا الإنصاف , وكلّ محق منصف , فمن سلم له نجا , ومن خالفه هلك )[185].

 

 

ومنهم الصحابي (مجزأة بن ثور بن عفير السدوسي) , كان رئيساً شريفاً , اشترك في (صفّين), و حارب أهل الشام مع (ربيعة) , وهو يعتقد جازماً بضلال (معاوية)[186].

وحين وجّه (معاوية) قائده (سفيان بن عوف) في ستة آلاف الى (هيت) و(الأنبار) و(المدائن) , ليوقع بأهلها , حين اتى (الأنبار) كان فيها مسلحة ل(علي) خمسمائة رجل , وقد تفرقوا , ولم يبق منهم إلا مائتان , لأن قائدهم (كميل بن زياد) بلغه ان قوماً ب(قرقيسيا) يريدون الغارة على (هيت) , فسار إليهم بغير أمر (علي) , فأتى أصحاب (سفيان) , و(كميل) غائب عنها , وخليفته (أشرس بن حسان البكري) , فطمع (سفيان) في أصحاب (علي) لقتلهم , فقاتلهم , فصبروا له , حتى قُتل قائدهم (أشرس البكري) وثلاثون رجلا[187]. ويبدو واضحاً انتشار (بكر بن وائل) من (ربيعة) في جيوش (علي) , وبقاؤهم الى جانبه عند غياب الناصر .

ومنها (نعيم بن هبيرة بن الشيباني) فارس , كان شديد التشيع , حيث كتب اليه أخوه (مصقلة) , الذي هرب إلى (معاوية) فاستعان به على إغراء قبيلة (ربيعة) , ويوعده عن (معاوية) بالإمارة والكرامة , فردّ عليه بشعرٍ يعيّره فيه الخيانة , ويمدح (علياً) , ويقول له ( أصبحتَ تبغضك الأحياء قاطبة * لم يرفع اللّه بالبغضاء إنسانا )[188]. وشعره يُبين شدة ولاء قبيلة (شيبان) ووعيهم واخلاصهم .

ومنهم التابعي الكبير (صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي الكوفي) , أمير قبيلة (عبد القيس) من (ربيعة) , العالم الجليل , الخطيب الأديب, الفصيح البليغ المتكلم , كان (الشعبي) يتعلم منه الخطب . قام في مرة إلى (عثمان بن عفان) , وهو على المنبر , فقال ( ملتَ , فمالت أمتك , اعتدلْ يا أمير المؤمنين تعتدلْ أمتك ) . حضر جنازة أمير المؤمنين , وبكى عليه , ورثاه بكلمات , وأثار على رأسه التراب . له شعر في المعاجم , كان أروعه في رثاء (علي) , منها ( ألا من لي باُنسكَ يا اخيّا * و من لي أن أبثّك ما لديّا … وكانت في حياتك لي عظات * و أنت اليوم أوعظ منك حيّا .. فيا أسفي عليك و طول شوقي .. ) . نفاه (المغيرة) بأمر (معاوية) من الكوفة إلى الجزيرة , أو إلى البحرين , فمات بها . له مع (معاوية) مواقف حاسمة[189]. وقد استأذن على (علي) وهو يعاني آثار ضربة (ابن ملجم) , ولم يكن يأذن لأحد , فقال (صعصعة) للآذن ( قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين , حياً وميتا , لقد كان الله في صدرك عظيما , ولقد كنت بذات الله عليما ) , فابلغه الآذن , فقال ( قل له : وأنت يرحمك الله , فلقد كنت خفيف المئونة , كثير المعونة )[190]. وقد ضرب (بنو أمية) رسول أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب) الأمير (صعصعة بن صوحان) حين جاء برسالة (علي) إلى (معاوية) ، متنكرين لأخلاق العرب وجميع الامم في احترام رسل السلم والحرب[191].

ومنهم (المثنى بن مخرمة العبدي) , القائل ل(ابن الحضرمي) رسول (معاوية) الى أهل البصرة الذي اثار الشغب فيها ضد امير المؤمنين (علي بن ابي طالب) , بغياب (ابن عباس) واليه عليها , قولته ( لا و الّذي لا إله إلّا هو لئن ترجع إلى مكانك الذي أقبلتَ منه لنجاهدنّك بأسيافنا وأيدينا ونبالنا وأسنة رماحنا, نحن ندع ابن عمّ رسول اللّه وسيد المسلمين , وندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ ! واللّه لا يكون ذلك أبدا , حتّى نسيّر كتيبة , ونفلق السيوف بالهام )[192].

وشارك أبناء قبيلة (عبد القيس) في معركة (القادسية)[193], وكان فرسان قبيلة (عبد القيس) اهم المشاركين في فتح الهند وفارس , منهم الصحابي (سوار بن همام العبدي) الذي قتل مرزبان فارس وولده , بعد أن وجّههم (معاوية) إليها خلاصاً منهم[194]. ومعاوية اعترف ل (صحار بن العباس العبدي) ببلاغة (بني عبد القيس)[195].

 

 

ورغم مساهمة اختلاط أفراد قبيلة (بني أسد) بقبائل (ربيعة) و(النخع) و(طيء) في سرعة معارفهم العَلَوية , ولهذه العلة التاريخية , تدرج المعرفة والوعي , ثم حمل راية التشيع لقرون , لكنّ جماعة منهم كانوا أعراباً نواصب , فهاجروا من العراق الى منطقة (الرقة) في الشام , التي كان جل أهلها من العثمانية , برأيهم وأهوائهم إلى (معاوية) , فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها , وأميرهم (سماك بن مخرمة الأسدي) في طاعة (معاوية) , وكان قد فارق (علياً) في نحو مائة رجل من (بني أسد) , ثم اخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل[196]. وقد أسهمت مثل هذه الهجرة في نقاء ارض العراق من النواصب وزيادتهم في الشام على مراحل , بلغت ذروتها بعد معركة (الطف) , حين لفظهم العراق .

 

 

وكان (العكبر بن جدير الأسدي) فارس أهل الكوفة الذي لا ينازع , وكان فارس أهل الشام الذي لا ينازع (أبو الأحمر عوف بن مجزأة الكوفي المرادي) , وهو أبو الشخص الذي استنقذ (الحجّاج بن يوسف الثقفي) الظالم يوم صُرع في المسجد بمكة , كان (العكبر) له عبادة ولسان لا يطاق , فقام إلى (علي) فقال ( يا أمير المؤمنين , إن في أيدينا عهداً من الله لا نحتاج فيه إلى الناس , وقد ظننا بأهل الشام الصبر , وظنوه بنا , فصبرنا وصبروا . وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة , وصبر أهل الحق على أهل الباطل , ورغبة أهل الدنيا , ثم نظرت , فإذا أعجب ما يعجبني جهلي بآية من كتاب الله : الم , أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) , وأثنى عليه علي خيرا , وقال خيرا , وهو كلام يدل على وعي ديني راق . وخرج يبارز (عوف بن مجزأة  المرادي) , وهو يقول ( الشام محل والعـــراق تمطــر * بهــا الإمـام … ) , فصرعه (العكبر) فقتله , و(معاوية) على التل في أناس من قريش ونفر من الناس قليل , فوجّه فرسه ركضاً يضربه بالسوط , مسرعا نحو التل , حتى انتهى إلى (معاوية) وجعل يطعن في أعراض الخيل راجياً أن يفردوا له (معاوية) , فقتل رجالا , وقام القوم دون (معاوية) بالسيوف والرماح , فلما لم يصل إلى (معاوية) نادى ( أولى لك يا ابن هند , أنا الغلام الأسدي ) , ورجع إلى (علي) فقال له ( ماذا دعاك إلى ما صنعت يا عكبر! , لا تلق نفسك إلى التهلكة ) , فقال ( أردتُ غرة ابن هند ) , فهدر (معاوية) دمه , فقال (العكبر) ( يد الله فوق يد معاوية , فأين دفاع الله عن المؤمنين )[197], وهو وعي كبير بالدِين .

 

 

وكان على ميمنة (علي) يوم (صفّين) أمير قبيلة (خزاعة) حلفاء رسول الله الصحابي ابن الصحابي (عبد الله بن بديل بن ورقاء الخُزاعي) , حيث زحف على ميسرة (معاوية) , فلم يزل يحوزهم , حتى اضطرهم إلى قبة (معاوية) , وهو يحرض أصحابه فيقول ( ألا إن معاوية ادعى ما ليس له , ونازع الحق أهله , وعاند من ليس مثله , وجادل بالباطل ليدحض به الحق , وصال عليكم بالأعراب والأحزاب الذين قد زيّن لهم الضلالة , وزرع في قلوبهم حب الفتنة , ولبس عليهم الأمر , وزادهم رجساً إلى رجسهم , فقاتلوا الطغاة الجفاة ولا تخشوهم , قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) , فأقبل الذين تبايعوا على الموت إلى (معاوية) , فأمرهم أن يصمدوا ل(ابن بديل) في الميمنة , فأنجده (الأشتر) في جماعة من القرّاء نحو المائتين أو الثلاثمائة , فخالف وصية (الأشتر) بالثبات وعدم التقدم , من شدة حماسه , ومضى نحو(معاوية) , وحوله كأمثال الجبال وبيده سيفان , وخرج (عبد الله) أمام أصحابه يقتل كل من دنا منه , حتى قتل جماعة , ودنا من (معاوية) , فنهض إليه الناس من كل جانب , وأحيط به وبطائفة من أصحابه , فقاتل حتى قُتل , وقتل ناس من أصحابه , ورجعت طائفة منهم مجرحين , فاستنقذ (الأشتر) الباقين , فلما رآه (معاوية) قال ( هذا عبد الله بن بديل , والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا , فضلاً عن رجالها )[198]. ذكره (البخاري) في تاريخه أنه ممن دخل على (عثمان) , فطعن (عثمان) في ودجه . أسلم مع أبيه قبل الفتح , وشهد الفتح وما بعدها , وكان شريفاً وجليلا , قُتل هو وأخوه (عبد الرحمن) يوم (صفّين) مع (علي) , وكان على الرجالة[199].

 

 

ومن وجوه (خزاعة) البيض الصحابي (عمرو بن الحمق الخُزاعي) , الذي أسلم قبل الفتح , وهاجر الى (المدينة) , فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي بأن يمتعه اللّه بشبابه , فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء , على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء . وصحب بعده امير المؤمنين (علياً) , فكان الحواري المخلص الذي يقول له (علي) ما نصه ( ليت في جندي مائة مثلك ) , ودعا له , وتنبأ بقتله بعده , وأنذر بالويل لقاتله . وشهد معه (الجمل) و(صفّين) و(النهروان) . كان من شيعة (علي) المعروفين , المراقبين من قبل ولاة (بني أمية) , فكان حذراً خائفاً منهم على سنة (موسى بن عمران) , حتى كانت حادثة (حجر بن عدي الكندي) , فأبلى فيها بلاء حسناً , وضربه رجل من ( الحمراء ) – شرطة زياد من الموالي – يدعى (بكر بن عبيد) بعمود على رأسه , فوقع , وحمله الشيعة , فخبأوه في دار رجل من (الازد), ثم خرج فاراً , وصحبه الزعيم الآخر (رفاعة بن شداد) , نحو (المدائن) , ثم ارتحلا , حتى أتيا ارض (الموصل) فكمنا في جبل هناك , فاستنكر أمير تلك المنطقة وجودهم , وحاصرهم , وكان (عمرو) مريضاً , و (رفاعة) قوياً أراد الدفاع عن صاحبه , الا أن (عمرو) رفض وطلب منه النجاة بنفسه , فدفعهم (رفاعة) بسيفه , وظل (عمرو) , حتى أسلموه الى والي (الموصل) المدعو (عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي), فأمرهم (معاوية) بأن يطعنوه تسع طعنات كما كان فُعل ب(عثمان) , فطُعن ومات بالأولى منهن أو الثانية[200]. وكان ممن كتب الى (عثمان) مهدداً بالثورة ايضاً . و(عمارة) الذي اشتكى (ابن الحمق) الى (ابن زياد) هو احد ولد (عقبة بن ابي معيط) المبشرين بالنار على لسان رسول الله , و (ابن ابي معيط) هو من كان يجيش ضد رسول والإسلام في (بدر) , اذ عيّر (امية بن خلف) بأنه من النساء حين اجمع على القعود وعدم الذهاب , فاستجاشه وهيّجه[201]. بينما والي الامويين على (الموصل) الذي ألقى القبض على (عمرو بن الحمق) المدعو (عبد الرحمن) فهو ابن (عبد الله) زوج (ام الحكم بنت ابي سفيان) اخت (معاوية) , كان جده (عثمان الثقفي) حامل راية المشركين بوجه رسول الله يوم (حُنين) , قتله (علي)[202].

 

 

ومن اصول قبيلة (الازد) العربية (شريك بن الحارث الأعور بن عبد اللّه الازدي الحارثي البصري) المتوفى 60 ه , كان شاعراً متكلماً شجاعا , صحب أمير المؤمنين (علياً). ودخل على (معاوية), فقال له ( ما اسمك؟ فقال: شريك, قال: ابن من؟ قال: ابن الأعور. قال: إنّك شريك , وما للّه من شريك , وإنّك لابن الأعور, والصحيح خير , وإنّك لدميم سيئ الخلق , فكيف سدتَ قومك؟ فقال: وأنت يا معاوية واللّه , وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت , فسميت معاوية , وإنّك لابن صخر, والسهل خير , وإنّك لابن حرب , والسلم خير , وإنّك لابن أميّة , وأميّة أمة صغرت بها , فكيف سُمّيتَ أمير المؤمنين؟ فقال معاوية : واحدة بواحدة , والبادي أظلم ) , فقال (شريك) شعراً ( أيشتمني معاوية بن حرب * وسيفي صارم ومعي لساني‌ .. وحولي من ذوي يمن ليوث *  ضراغمة تهش إلى الطعان‌ … فلا تبسط لسانك يا ابن حرب .. متى ما تدع قومك أدع قومي …‌ يجبني كل غطريف شجاع * كريم قد توشح باليماني‌ .. فإن تك من أمية في ذراها * فإنّي من بني عبد المدان‌ ) , فقاسمه (معاوية) أن يسكت وقرّبه وأدناه[203].

 

وكانت قبيلة (النخع) المذحجية الأزدية من أهم أنصار (علي بن أبي طالب) أمام جبهة (معاوية) والامويين , بالسلاح , بقيادة (مالك بن الحارث الأشتروالعلم , ولقرون . فقد اقبل الناس على (الأشتر) , فقالوا ( يوم من أيامك الأول , وقد بلغ لواء معاوية حيث ترى ) , فاخذ (الأشتر) لواء فحمل وهو يقول ( اني انا الأشتر معروف الشتر * أني انا الأفعى العراقي الذكر .. لا من ربيعة ولا حي مضر * لكنني من مذحج الغر الغرر ) , فضارب القوم حتى ردهم على اعقابهم , فرجعت خيل عمرو . وقال (النجاشي) في ذلك ( رأينا اللواء لواء العقاب * يقحمه الشانئ الأخزر .. كليث العرين خلال العجاج .. دعونا لها الكبش كبش العراق .. فرد اللواء على عقبه * وفاز بحظوتها الأشترفإن يدفع الله عن نفسه * فحظ العراق بها الأوفر .. إذا الأشتر الخير خلى العراق * فقد ذهب العرف والمنكر .. وتلك العراق ومن عرقت * كفقع تبينه القرقر[204].

وكانت قبيلة (النخع) المذحجية الأزدية من أهم أنصار (علي بن أبي طالب) أمام جبهة (معاوية) والامويين , بالسلاح , بقيادة الشيخ الرئيس (مالك بن الحارث الأشتر) , وبالعلم لقرون .

فقد اقبل الناس على (الأشتر) , فقالوا ( يوم من أيامك الأول , وقد بلغ لواء معاوية حيث ترى ) , فأخذ (الأشتر) لواءً , فحمل وهو يقول ( اني انا الأشتر معروف الشتر * أني انا الأفعى العراقي الذكر .. لا من ربيعة ولا حي مضر * لكنني من مذحج الغر الغرر ) , فضارب القوم حتى ردهم على اعقابهم , فرجعت خيل (عمرو بن العاص) . وقال (النجاشي) في ذلك ( رأينا اللواء لواء العقاب * يقحمه الشانئ الأخزر .. كليث العرين خلال العجاج .. دعونا لها الكبش كبش العراق .. فرد اللواء على عقبه * وفاز بحظوتها الأشترفإن يدفع الله عن نفسه * فحظ العراق بها الأوفر .. إذا الأشتر الخير خلى العراق * فقد ذهب العرف والمنكر .. وتلك العراق ومن عرقت * كفقع تبينه القرقر)[205]. ومن الواضح من هذه الأشعار تصريح (الأشتر) بعراقيته , وأصالتها , ولا يصح لمهاجر من أهل اليمن ان يقول ذلك . كما يتضح من شعر (النجاشي) ان الأشتر ( كبش العراق ) لا اليمن , وتلك العراق ومن عرقت كما يقول , وليس ومن هاجرت , ولا حتى بالإشارة . وقد غمّت بسالته (معاوية) و(مروان بن الحكم) , وجبن أمامه (عمرو بن العاص) ورجع راكضاً إلى المعسكر , فنادى غلام من قبيلة (يحصب) اليمنية معهم ( يا عمرو , عليك العفا ما هبت الصبا , يا لحِمْيَر! هاتوا اللواء ) , فأخذه , وكان غلاماً شاباً وهو يرتجز , فنادى (الأشتر) ابنه (إبراهيم) وقال ( خذ اللواء , فغلام لغلام )  فأخذه (إبراهيم) وتقدم وهو يقول ( يا أيها السائل عني لا ترع * أقدم فاني من عرانين النخع .. كيف ترى طعن العراقي الجذع … أعددت ذا اليوم لهول المطلع ) , وحمل على الحِمْيَري , حتى سقط الحِمْيَري قتيلا[206]. وفِي ليلة المناجزة التي عزمها امير المؤمنين (علي) على أهل الشام قال (الأشتر) شعرا , فلما انتهى إلى (معاوية) شعر (الأشتر) قال ( شعر منكر , من شاعر منكر , رأس أهل العراق , وعظيمهم , ومسعر حربهم , وأول الفتنة وآخرها )[207].

ومن نساء (النخع) كانت (ام الهيثم بنت الأسود) , التي رثت (علي بن ابي طالب) بقصيدة تشرح مناقبه الكريمة , قالت فيها ( ألا يا عين ويحك أسعدينا * ألا تبكي أمير المؤمنينا … ألا قل للخوارج حيث كانوا * فلا قرت عيون الشامتينا .. أفي شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طراً أجمعينا … فكل مناقب الخيرات فيه * وحب رسول رب العالمينا .. لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا … وكنا قبل مقتله بخير * نرى مولى رسول الله فينا … فلا تشمت معاوية بن صخر * فإن بقية الخلفاء فينا )[208].

 

ومن أنصار جبهة (علي بن ابي طالب) من قبائل العرب الكبرى كانت قبيلة (همدان) , التي أسلمت في زمان رسول الله كلها في يوم واحد بدعوة من (علي) .

فحين انتدب (معاوية) قطيع أهل الشام (عك) لقتال خير أهل العراق (همدان) , اشترطت (عك) زيادة العطاء من المال والإقطاع من الأراضي كي تقاتل (همدان) , فجعل لها (معاوية) ما اشترطت , فكانت أشد اقداماً طمعاً , ثم حمية وعصبية قبلية بعدئذ , فصمدت لها (همدان) , وقد اقسم أبناؤها انهم لن يرجعوا حتى تولّي (عك) عن مقامها , فكان هذا . وحين حزن امير المؤمنين من طمع النفوس التائقة الى مال (معاوية) , جاءت (همدان) تخبره انها تريد الآخرة , فحمد فعلهم واثنى عليهم[209]. وقد كان بعض (همدان) رسل (علي) الى الأقاليم وصد الغارات , مثل (مالك بن كعب الهمداني) , الذي بعثه الى (دومة الجندل) , لصد غارات جند (معاوية) , ودعوة أهلها الى الحق[210].

فيما يمكن معرفة عمق العقيدة العَلَوية في قبيلة (همدان) من موقف (سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية) , شاعرة من شواعر العرب , ذات فصاحة وبيان وقدرة , ومن نصيرات أمير المؤمنين (علي) , والتي كانت تحض الرجال على القتال , وفدت على (معاوية بن أبي سفيان) , فاستأذنت عليه , فأذن لها , فلما دخلت عليه سلّمت , فقال لها: كيف أنت يا ابنة الأشتر؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين , قال لها: أنت القائلة لأبيك ( شمّر لفعل أبيك يا ابن عمارة * يوم الطعان وملتقى الأقران‌ .. وانصر علياً والحسين ورهطه * واقصد لهند وابنها بهوان‌ .. إنّ الإمام أخا الإمام محمد * علم الهدى ومنارة الإيمان‌ .. فقُدْ الجيوش وسر أمام لوائه * قُدمْاً بأبيض صارم وسنان‌ ) ؟ قالت: إي واللّه , ما مثلي من رغب عن الحق , أو اعتذر بالكذب . قال لها: فما حملك على ذلك؟ قالت: حب (علي) واتّباع الحق . قال: فواللّه ما أرى عليك من أثر (علي) شيئا . قالت يا أمير المؤمنين: مات الرأس وبتر الذنب , فدع عنك تذكار ما قد نسي , وإعادة ما مضى . قال: هيهات , ما مثل مقام أخيك يُنسى , وما لقيت من قومك وأخيك . قالت: صدقت واللّه يا أمير المؤمنين , ما كان أخي خفيّ المقام , ذليل المكان[211].

 

 

وان كانت قبائل (طيء) و(خزاعة) و(الازد) و(مذحج) و(النخع) و(الأشعريون) و(همدان) من قبائل (سبأ) القحطانية , فقد كان خيرتهم الصحابي الجليل (عمار بن ياسر بن مالك العنسي) من (مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان) , آتاه اللّه تعالى الحكمة, وأجلسه على كرسي الاستقامة, وأشرق عليه أنوار الملكوت , وكان من كبار الصحابة , هاجر مع النبيّ إلى (المدينة), فهو من المهاجرين الأولين, وشهد (بدراً) والمشاهد كلها, وصلّى القبلتين, ولرسول اللّه فيه فضائل ومناقب وثناء, وساهم في بناء مسجد (قباء) , واشترك في حرب (اليمامة), وقطعت أذنه, وقد استشهد ب(صفّين), ودفنه أمير المؤمنين (علي) بثيابه, ولم يغسّله ودفنه ب(صفّين), وخلّف (سعداً) و (محمداً), وعمره يوم قتل ثلاث وتسعون سنة, له أكثر من ستين حديثاً في كتب السنن[212]. وقد شهد (عمرو بن العاص) عند قتله – في مجلس (معاوية) – ان النبي قال تقتله الفئة الباغية , فأغضب (معاويةَ) منه[213]. وقد كان مميزاً لأهل الباطل في زمان النبي , حتى انه كان على خلاف حاد مع (خالد بن الوليد) , وهو الخلاف الذي وصل الى سمع النبي فبيّن مقام (عمار) وأن من يعاديه يعادي الله[214]. وهو سبب تسمية الشيعة بالسبئية . وحين نظر (عمار بن ياسر) إلى راية (عمرو بن العاص) يوم (صفّين) قال ( والله ان هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات , وما هذه بأرشدهن ) , ثم قال ( نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله ) , وقال ( والذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله )[215], وخرج على الناس ب(صفّين) معلناً أن عمله هذا ارضى لله من كل عمل , وأنه عازم على قتال جماعة (معاوية) حتى الموت , ثم قال ( من يبتغي رضوان الله ربه ولا يرجع إلى مال ولا ولد ؟ ) , فأتاه عصابة , فقال (  اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان , والله ما أرادوا الطلب بدمه , ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها , وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها , ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم , فخدعوا أتباعهم وإن قالوا : إمامنا قُتل مظلوما , ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا , فبلغوا ما ترون , فلولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان ) , ثم مضى ومعه تلك العصابة , فكان لا يمر بوادٍ من أودية (صفّين) إلا تبعه من كان هناك من أصحاب النبي , ثم جاء إلى (هاشم بن عتبة بن أبي وقاص) , وهو (المرقال) , وكان صاحب راية (علي) فركب ومضى معه , وكان (عمار) يقول ( الجنة تحت ظلال السيوف , والموت تحت أطراف الأسل , وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين . اليوم ألقى الأحبة , محمداً وحزبه ) , وتقدم حتى دنا من (عمرو بن العاص) فقال له ( يا عمرو بعت دينك بمصر , تباً لك ) , فقال له ( لا , ولكن أطلب بدم عثمان ) , فقال (عمار) له ( أنا أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله , وأنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا , فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك , لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – , وهذه الرابعة ما هي بأبر وأتقى ) , ثم قاتل الصحابي الكبير (عمار بن ياسر) فلم يرجع وقُتل .

وروى (أبو نوح الكلاعي الحِمْيَري) أنه بينما كان الى جانب (علي بن ابي طالب) في قبائل (قحطان) أتاه قائد جيوش (معاوية) وكبير أهل الشام (ذو الكلاع الحِمْيَري) يسأله عن حديث ( يلتقي أهل الشام وأهل العراق , وفي إحدى الكتيبتين الحقّ وإمام الهدى ومعه عمار بن ياسر ) الذي رواه لهم (عمرو بن العاص) في إمارة (عمر بن الخطاب) , فأخبره (أبو نوح) بصدق (عمار) في قتالهم , فجاء به (ذو الكلاع) الى قبائل جيش الشام ليشهد بوجود الصحابي (عمار) بينهم ويجمع الناس على ترك الحرب , فحاول (عمرو بن العاص) وجماعته استفزاز (ابي نوح) لتخريب مشهد الشهادة بالحق لما يعلمون من تأثيرها في رأي (ذي الكلاع) وبالتالي كل (حِمْيَر) , فعيّروه بسيماء (علي بن ابي طالب) عليه , فأخبرهم انها سيماء رسول الله واصحابه لا سيماء الفراعنة التي تظهر عليهم , فأرادوا قتله ومنعهم (ذو الكلاع) , واستغرب (أبو نوح) من سؤالهم عن كون (عمار) في جيش (علي) بينما في جيشه عشرات الصحابة الكبار الاخرين على رأسهم (علي) نفسه ! , فطلب (عمرو بن العاص) لقاء يجمعه ب(عمار بن ياسر) ليحوك مؤامرة جديدة لتجهيل (ذي الكلاع) وقبيلته , فذهب ومعه جماعة من زعماء اهل الشام منهم (شرحبيل بن ذي الكلاع) , وأخبر (أبو نوح) بالخبر (عمارَ بن ياسر) فوافق على لقائهم وأقرّ الحديث الذي رواه (عمرو بن العاص) وقال أن (عمرو) لن ينتفع بما رواه , وكاد (عمرو) يثير فتنة تشوش على موضوع الشهادة ذلك بمحاولته استفزاز وقتل رسول جيش (علي) اليهم وهو احد فرسان قبيلة (عبد القيس) الموالية , وهو (عوف بن بشر) , الذي اخبرهم ايضاً ان سيماء رسول الله علامة صلاح افراد جيش (علي) بينما سيماء اهل الكفر على وجوه جيش (معاوية) وأن (عمرو بن العاص) وجماعته أهل غدر معروفين , وعند اللقاء بين الجماعتين في موضع الشهادة تكلم (عمرو بن العاص) وأراد البدء بالتشهد , فقال (عمار بن ياسر) له ( اسكت , فقد تركتَها في حياة محمد صلى الله عليه وبعد موته , ونحن أحق بها منك , فإن شئتَ كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك , وإن شئتَ كانت خطبة فنحن أعلم بفصل الخطاب منك , وإن شئتَ أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك وتكفرك قبل القيام , وتشهد بها على نفسك , ولا تستطيع أن تكذبني ) , وبمكر معهود منه لم يفتح (عمرو بن العاص) موضوع الحديث المروي عن الرسول في قتل الفئة الباغية للصحابي (عمار بن ياسر) , وحاول استعطاف (عمار) والظهور بمظهر المسلم الذي يريد السلام , وذكر لهم أن أهل الشام دينهم على دين أصحاب (علي) لا يختلفون عنهم , فقال (عمار) له ( الحمد لله الذي أخرجها من فيك , إنها لي ولأصحابي : القِبلة والدِين وعبادة الرحمن والنبي صلى الله عليه والكتاب من دونك ودون أصحابك . الحمد لله الذي قررك لنا بذلك , دونك ودون أصحابك , وجعلك ضالاً مضلا , لا تعلم هادٍ أنت أم ضال , وجعلك أعمى . وسأخبرك علامَ قاتلتك عليه أنت وأصحابك , أمرني رسول الله صلى الله عليه أن أقاتل الناكثين , وقد فعلت , وأمرني أن أقاتل القاسطين , فأنتم هم , وأما المارقون فما أدري أدركهم أم لا . أيها الأبتر, ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه قال لعلي ” من كنت مولاه فعلي مولاه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه “. وأنا مولى الله ورسوله وعلي بعده , وليس لك مولى ) , فغيّر (ابن العاص) الموضوع كله وأراد الظهور أمام زعماء اهل الشام من الأعراب وغيرهم من سكنة البلاد البعيدة عن (المدينة) بمظهر المظلوم المستضعف وأن (عماراً) يسيء اليه وهو ملتزم بأدبه ! , بينما لم يشتمه (عمار) ولم يقل فيه سوى الحقّ , و(عمرو) لا يملك ما يرد به على (عمار) الصحابي المضحي الكبير , فجرّ الحديث الى موضوع قتل (عثمان بن عفان) ليعيد تحريك عاطفة اهل الشام وينسيهم ما جاءوا من أجله أي الشهادة الميدانية لحديث ( عمار تقتله الفئة الباغية ) , فأقر الصحابي (عمار) أن الله قتل (عثمان) وأنه شارك في الثورة عليه لأنه كما قال ل(عمرو) عنه ( فتح لكم باب كل سوء ) , فقال (عمرو) له ( أكنت فيمن قتله؟ ) , فقال (عمار) له ( كنتُ مع من قتله , وأنا اليوم أقاتل معهم ) , فكانت شهادة كافية لمثل (عمرو بن العاص) , انقذته من تبعات حديث ( الفئة الباغية ) , فقال (عمرو) زيادة في الاثارة ( فلم قتلتموه؟ ) , فقال (عمار) مجيباً ( أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه ) , فقال (عمرو) لهم ( ألا تسمعون؟  قد اعترف بقتل عثمان ) , فقال (عمار) له ( وقد قالها فرعون قبلك لقومه : ألا تستمعون ) , فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم فرجعوا . فانقذ (عمرو بن العاص) سلطان رفيقه (معاوية بن ابي سفيان الاموي) من انقلاب معظم جيش الشام عليهم بقيادة كبير قبائل الشام (ذي الكلاع الحِمْيَري) . ونزل (عمار بن ياسر) بعدها للقتال وهو يقول ( أيها الناس , الرواح إلى الجنة )[216]. لهذا كان (معاوية) مسروراً بمقتل (ذي الكلاع الحِمْيَري) بعد ذلك .

 

لذلك , بسبب موقف مجتمع القبائل العربية السبئية هذا , حين أرسل الدعي (زيادُ بن ابيه) الصحابي (حجرَ بن عدي الكندي) وأصحابه الى (معاوية بن ابي سفيان) كتب ( إن طواغيت من هذه الترابية السبئية , رأسهم حجر بن عدي , خالفوا أمير المؤمنين , وفارقوا الجماعة جماعة المسلمين , ونصبوا لنا الحرب , فأظهرنا اللهُ عليهم وأمكننا منهم . وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي الستر والدين منهم فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا … )[217]. علماً ان ( الخيار والأشراف وذوي الستر ) الذين شهدوا زوراً على الصحابي (حجر بن عدي) – الذي كان ممن كاتب (عثمان) معترضاً على سياسته – هم ذاتهم من قادوا الجيوش ضد ريحانة رسول الله (الحسين بن علي) في كربلاء .

 

 

ومن أصحاب (علي بن ابي طالب) من قبائل (مضر الحمراء) , نصف الأعرابية , كان الأمير (الأحنف بن قيس) سيد (بني تميم) , وهو متكلم شاعر خطيب, من سادات التابعين يضرب بحلمه المثل , أدرك النبي وأسلم قومه بإشارته, وكان متمتعاً بخصال الخير العربية والإنسانية , كان من تلامذة أمير المؤمنين (علي) والصحابي القرآني (عبد اللّه بن مسعود). قال يوماً في مجلس (معاوية) – بعد سبّ رجاله ل(علي بن ابي طالب) – ما نصه ( إنّ هذا القائل ما قال لو يعلم أنّ رضاك في لعن الأنبياء والمرسلين لما توقف من لعنهم, فاتق اللّه, ودع عنك علياً , فقد لقي ربه بأحسن ما عمل عامل, واللّه المبرز في سبقه الطاهر في خلقه الميمون النقيبة, العظيم المصيبة, أعلم العلماء, وأحلم الحلماء, وأفضل الفضلاء, ووصيّ خير الأنبياء )[218].

ومن (تميم) ايضاً (جارية بن قدامة بن مالك التميمي السعدي) , صحابي , شاعر فارس شجاع محدّث ثقة صادق , صاحب السرايا والألوية والخيل يوم (صفّين). وجهه أمير المؤمنين (علي) إلى أهل (نجران) عند ارتدادهم عن الإسلام , وروى عنه أهل (المدينة) وأهل البصرة , قدم على (معاوية) فقال له ( هل أنت إلا نحلة, قال: لا تقل , فقد شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق, واللّه ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب, وما أمية إلا تصغير أَمَة )[219].

ومنهم (محرز بن شهاب السعدي التميمي) , من مقدمي أصحاب (علي) , كان موصوفاً بالشجاعة وجودة الرأي , قتله (معاوية) بعد أن قبض عليه (زياد بن ابيه) في الكوفة مع (حجر بن عدي)[220]. قام الى (علي) بعد الحكمين وخروج الخوارج فقال ( يا أمير المؤمنين شيعتك كقلب رجل واحد في الاجماع على نصرتك والجدّ في جهاد عدوك , فأبشر بالنصر , وسر بنا إلى أي الفريقين أحببتَ , فإنّا شيعتك الذين نرجو في طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب , ونخاف في خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال )[221].

ومن (تميم) المرأة الفاضلة المتكلمة (جروة بنت مرة بن غالب) النجيبة , قال لها (معاوية) يوماً ( للّه أنتِ , فما قولك في علي بن ابي طالب ؟ ) , فقالت ( جاز واللّه في الشرف حداً لا يوصف, وغاية لا تُعرف )[222].

 

وكان الشيعة يزيدون ويكثرون بالتدريج في صدر الاسلام , حتى بلغوا ألفاً أو أكثر. ولما نفي (ابو ذر) إلى الشام تشيّع منها جماعة كثيرة ويقال أن تشيّع أهل (جبل عامل) من ذلك الوقت , وإنه لما أخرجه (معاوية) إلى القرى وقع في جبال (بني عاملة) فتشيّعوا , وفي رواية مسندة إلى (عمار بن ياسر) و(زيد بن أرقم) تدل على أنه كان زمن خلافة (علي) قرية في الشام عند (جبل الثلج) تسمى (أسعار) أهلها شيعة . ولما وقعت الفتن في الاسلام وقُتل (عثمان) ووقع حرب (الجمل) ثم حرب (صفّين) ثم وقعة (النهروان) كان أكثر الصحابة مع (علي) ومن أشياعه, وجماعة منهم مع (معاوية) , وقليل منهم اعتزلوا الفريقين منهم (سعد بن أبي وقاص) و(عبد الله بن عمر) , فقال (علي) عنهم ( ان سعداً وعبد الله لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل ) . ولما سكن (علي) في العراق تشيّع كثير من أهل الكوفة والبصرة وما حولهما , ولما تفرقت عماله وشيعته في البلاد كان من دخل منهم بلاداً تشيّع كثير من أهلها , وكان في مكة و(المدينة) و(الطائف) واليمن ومصر كثير من الشيعة , مضافاً إلى من بالعراق وفارس , بل كان جل أهل اليمن شيعة , واليوم الغالب على اليمن التشيّع على مذهب (زيد) الشهيد وفيها عدد كثير من الشيعة الإمامية الاثني عشرية , وكذلك أهل مصر كان أكثرهم في ذلك العصر عَلَوية ومنهم طائفة عثمانية . ولما قُتل (الحسين) استعظم أكثر المسلمين ذلك, حتى بعض الأمويين , وتنبهوا لفضل أهل البيت وما أصابهم من الظلم , وعلموا بتقصيرهم في نصرهم , وانحرف كثير عن (بني أمية) ومالوا إلى (بني هاشم) وخاصة إلى العلويين وكثرت شيعتهم . وكانت وقعة (الحَرّة) ووقعة التوابين ووقعة نهر (الخازر) وغيرهما مما أوجب انحراف الناس عن (بني أمية) , مضافاً إلى ما تأسس في نفوسهم من أفعال (بسر بن ارطأة) وغيره أيام (معاوية) . لاسيما حين طرد (بنو أمية) اهل (المدينة) في وقعة (الحَرّة) , وأعال (علي بن الحسين السجاد) اربعمائة امرأة من (بني عبد مناف) , منهن نساء (مروان بن الحكم) الذي يعادي (بني هاشم) اشد العداوة , وقد رفض اهل (المدينة) استقبال نسائه . وكان اهل (المدينة) قد خلعوا (يزيد) بعدما زاروه ورأوا تهتّكه , فاستباح مدينتهم , وما كان ذلك من اهل (المدينة) لولا ثورة (الحسين) ودمه , ولكن هيهات وقد دفع الابناء ثمن خذلان الآباء للحق العَلَوي[223].

 

وفي الطرف الآخر كان هناك قبائل (مضر السوداء) او (قيس عيلان) , وهي قبائل أعرابية تقيم في إقليم (نجد) , لم تدخل في الإسلام حتى بعد الفتح , وقد كانت تروم القضاء على الدولة الإسلامية بالتعاون مع قريش , لولا انتصار الرسول عليهم في معركة (حُنين) , وقد صار جزء كبير منهم في جيش معاوية او خصوماً ل(علي) , ومع هذا حاول (علي) وأصحابه اختراقهم فكرياً لإكمال دعوة الإسلام فيهم .

 

فقد كانت الأقوام الأبعد عن مركز الرسالة في (المدينة) اكثر جهلاً بالواقع العقائدي , وتستجيب لجميع من يقود الدولة الإسلامية كائناً من كان , لثقتها بأن (المدينة) تزخر برفاق النبي ومعاونيه وأهل بيته , ومن أهل بيته – وفق المنظور العربي البدوي – زوجة النبي (عائشة) , لهذا كثر أخذ الحديث عنها , لا سيما مع الدعاية المناصرة لسيرتها خلال فترة إمارة الشيخين , لتكون بديلاً عن مدرسة (علي بن ابي طالب) , لا سيما مع تخلّف مجموعة ممن حملوا العنوان العام لمفهوم “الصحابة” عن بيعة امير المؤمنين (علي) , كانوا عثمانية الهوى ومن خُزّان بيت مال (عثمان الاموي) وممن اثروا على حساب الامة التي تجهل فعالهم[224], فيهم (صهيب الرومي) الذي جعله (عمر بن الخطاب) على الصلاة عند اختيار (عثمان)[225], و(فضالة بن عبيد) الذي ولي القضاء ل(معاوية بن ابي سفيان) ومات في دمشق تحت رعايته بعدما ولي له الجيش[226], و(قدامة بن مظعون) خال أبناء (عمر بن الخطاب) وواليه على البحرين والذي حدّه على شربه للخمر وعزله[227], و(كعب بن عجرة) الذي كان عابداً للأصنام دون أهل (المدينة) حتى تأخر إسلامه عنهم[228]. لكنّ هذه الدعوات والدعايات لم تكن تنطلي على الواعين من زعماء القبائل , مثل (زيد بن صوحان العبدي) امير قبيلة (عبد القيس) , الذي حين راسلته (عائشة) ان يخذّل الناس عن (علي) ويجلس في بيته استغرب وقال ما مضمونه ( أمرتنا بأمر هي مأمورة به من الجلوس في بيتها , ونهتنا عن امر هي منهية عنه وقد أُمرنا بالقتال )[229].

 

لهذا كله كان من السهل خداع قائد دنيوي كبير لقسم كبير من العرب وهو (ذو الكلاع الحِمْيَري) من قبل (معاوية) ورجاله , ومن ثم افهامه ان (علي بن ابي طالب) وأصحابه قد قتلوا رجلاً صالحاً اسمه (عثمان بن عفان) , لتقوم كبرى حروب المسلمين الداخلية (صفّين) بإصرار منه , نتيجة سذاجته , لا نتيجة بغضه (علياً) , ودليل ذلك انه دخله الشك عندما سمع حديثاً عن الرسول مضمونه ان (عمار بن ياسر) تقتله الفئة الباغية , و(عمار) كان في صف (علي بن ابي طالب) , فكان أمراً جللاً على (ذي الكلاع) الذي هو أقوى من (معاوية) عمليا . حتى قتل (خندفُ البكري) الأمير (ذا الكلاع الحِمْيَري) , و تضعضعت أركان قبيلة (حِمْيَر) , و ثبتت بعد (ذي الكلاع) تحارب مع (عبيد الله بن عمر)[230].

فيما كان خداع رأس أهل الشام الثاني (شرحبيل بن السمط الكِندي) اسهل من ذلك , اذ أقاموا له الشهود ان جماعة (علي) قتلوا الخليفة (عثمان) , واستفزوه بمقدم خصمه (جرير بن عبد الله البجلي) رسولاً من (علي) الى (معاوية) . ( فسار , فبدأ بأهل حمص فقام فيهم خطيباً , وكان مأموناً في أهل الشام ناسكاً متألهاً , فقال : يا أيها الناس إن علياً قتل عثمان , وقد غضب له قوم فقتلهم , وغلب على الأرض , فلم يبق إلا الشام , وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا , ولا نجد أحداً أقوى على قتاله من معاوية , فجدّوا . فأجابه الناس, الا نسّاك من أهل حمص , فإنهم قالوا : بيوتنا قبورنا ومساجدنا , وأنت أعلم بما ترى . وجعل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها , لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به )[231].

وهؤلاء الجهلة لا يعلمون من (عثمان) وما فعل وما هو تاريخه, ويتركون (علياً) الذي كان ممثل رسول الله يوم صلح (الحديبية) , فيما كان (عثمان) حينها بين ظهراني المشركين من قومه (بني أمية) , مستجيراً بعتاتهم . يجعلون (عثمان) الهارب بعيداً يوم (اُحد) حتى قال له ولصحبه الهاربين معه رسول الله ( لقد ذهبتم فيها عريضة ) اذ بلغوا (الجلعب) وهو جبل بناحية (المدينة) وبقوا فيه ثلاثة ايّام[232], يجعلونه أفضل من (علي) الذابّ عن وجه رسول الله وقائد جيوشه .

وقد أسست الفئة الساذجة , التي كان في طليعتها أمثال (ذي الكلاع الحِمْيَري) , لضلالات في التفسير والحديث والعقائد , من توهين للأنبياء والصالحين وتأويل القرآن بالباطل , استنقاذاً لرموز بشرية قدموها بلا وعي , بسبب ابتعادهم عن المصدر الحقيقي للمعرفة الدينية الإسلامية , المتمثل في آل بيت النبي , ولاعتمادهم – بسبب الاضطرار – على رواة أهل الشام ذوي التربية الأموية غير الموثوقين .

ففي (صفّين) أخذ (ذو الكلاع) يخطب الناس ويحرضهم على قتال (علي) وأهل العراق , وكان من أعظم أصحاب (معاوية) خطرا , فقعد على فرسه وخطب خطبة طويلة قال في آخرها ( كان مما قضي الله ان ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفّين , وانّا لنعلم ان فيهم قوماً كانت لهم مع رسول الله -ص- سابقة ذات شأن وخطر عظيم , ولكنني ضربتُ الأمر ظهراً وبطناً فلم أرَ يسعني ان يهدر دم عثمان ) , وعدّد فضائله , ثم قال ( فإن كان أذنب فقد أذنب من هو خير منه , قال الله عز وجل لنبيه -ص- ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر , وقتل موسى نفساً ثم استغفر الله فغفر له , وأذنب نوح فاستغفر الله فغفر له , وأذنب أبوكم آدم ثم استغفر فغفر له , وانّا لنعلم انها كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله -ص- فإن لم يكن مالأ على قتل عثمان فقد خذله , ثم قد اقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم وبلادكم , وانما عامتهم بين قاتل وخاذل , ولقد رأيت في منامي لكانا وأهل العراق اعتورنا مصحفاً نضربه بسيوفنا ونحن في ذلك جميعاً ننادي ويحكم الله )[233].

ولولا هذين الرجلين الساذجين , الذين خسرا نفوذ وشباب قبائلهم وأهل بلدهم لصالح بضعة أفراد من (بني أمية) ليس لهم من الامر شيء , لما استطاع (معاوية) ان يقوم ل(علي بن ابي طالب) , ولما وصلت الامة الى قتل أعدلها بعد رسول الله .

 

وفي (حمص) أذنَ (معاوية) ل(كعب الأحبار) ان يقصّ القصص في مسجدها , فكان اوّل من قصّ القصص في مساجد المسلمين , وهي عادة من عادات اليهود قبل الاسلام . فيما واليه على (المدينة) (عمرو بن سعيد) يضرب الصحابي الموالي (ابن ابي رافع) خمسمائة سوط لأنه يقول ان مولاه رسول الله , فلما قال انه مولى (بني أمية) تركه[234].

لذا كان أمير المؤمنين (علي) يتحدّث صراحة عن حقيقة (كعب الأحبار) , فعن (ابن أبي الحديد) روى جماعةٌ من أهل السِّيَر ( أنّ علياً كان يقول عن كعب الأحبار إنَّه الكذَّاب )[235].

ومن مبتدع وغرائب اجتماع الثلاثة (معاوية بن أبي سفيان) و (وهب بن منبه) و (كعب الأحبار) قصة (ارم ذات العماد) التي اوردها (الثعلبي) , وحين يجتمع هذا العدد من الحزب القرشي ستخرج عجائب الحكايات , اذ حكى (وهب بن منبه) عن شخص اسمه (عبد الله بن قلابة) أنه خرج يبحث عن إبل ضاعت له في صحاري (عدن) وكيف وجد مدينة وحصون ورايات وقصور محمولة على أعمدة من الزبرجد وبساتين وقنوات ماء من فضة وابواب عظيمة بمسامير من ياقوت وغرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ ومفروشة بالمسك والزعفران , فأخذ الرجل من كل ذلك وباعه في (صنعاء) اليمن , فأرسل اليه (معاوية) وخلى به , وكيف أمر (معاوية) أميره على (صنعاء) مع الرجل أن يخرج ببعض ما جاء به من متاع تلك المدينة فسار الرجل ورسول (معاوية) حتى قدموا عليه , فخلى به وسأله عما رأى وعاين , فقص عليه أمر تلك المدينة , فأعظم ذلك (معاوية) وأنكر ما حدّثه , ثم صدّقه , وقال ( كيف لي حتى أعلم ما اسم هذه المدينة ومن بناها ولمن كانت ؟ فوالله ما أعطي أحد مثل ما أعطي سليمان بن داود , وما ملك سليمان مثل هذه المدينة ) , فقال بعض جلسائه ( يا أمير المؤمنين إنك لن تجد خبر هذه المدينة عند أحد من أهل الدنيا في زماننا هذا إلا عند كعب الأحبار , فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث إليه ويأمر بأن يغيب عنه هذا الرجل , فإنه سيخبر أمير المؤمنين بأمره وأمر هذا الرجل إن كان دخلها , لأن مثل هذه المدينة على مثل هذه الصفة لا يستطيع هذا الرجل دخولها إلا أن يكون قد سبق في الكتاب الأول دخوله إياها . فابعث إلى كعب الأحبار فإنه يا أمير المؤمنين لم يخلق الله -عز وجل- أحداً على ظهر الأرض أعلم منه ولا من مضى من الدهر ولا يكون من بعد اليوم إلا وهو في التوراة مفسراً منسوباً معروفاً مكانه .. ) , فأرسل (معاوية) إلى (كعب الأحبار) , فلما أتاه أخبره أنها مدينة (إرم) التي بناها (شداد بن عاد) , فطلب (معاوية) منه حديثها , فقصّ عليهم (كعب الاحبار) قصة الاخوين (شديد) و (شداد) وملوك الأرض , بقصة عجيبة غريبة , و(معاوية) يستزيده ويسأله متابعة الحديث , فأخبرهم (كعب الاحبار) انه لن يدخلها الا رجل من زمانهم , ظهر بالصدفة انه من خدم (معاوية) , فقال له (معاوية) مادحاً هذا الدجّال ( لقد فضّلك الله يا أبا إسحاق على غيرك من العلماء , ولقد أعطيت من علم الأولين والآخرين ما لم يعط أحد ) , فقال له (كعب الأحبار) مثبتاً لحاكمية التوراة على عقائد المسلمين ( والذي نفسي بيده ما خلق الله تعالى شيئاً إلا وقد فسّره في التوراة لعبده موسى تفسيراً . يا أمير المؤمنين وإن القرآن لشدة ووعيد وكفى بالله وكيلا وشدة ووعيدا )[236]. ولا تحتاج القصة الى تعليق , بل الى بحث في كل إشاراتها المؤسسة للخرافة وحاكمية التوراة واختراق اليهود لعالم المسلمين وتوهين شأن القرآن الكريم .

 

 

كما كان في صف (علي) من يمكن تسميتهم فئة أهل الإيمان غير الواعي , من عوام قبائل العرب , الذين لم يعرفوا مقام الإمامة و(علي) , وكذلك لم يدعموا (معاوية) , الا انهم كانوا كالمادة الخام التي يمكن إعادة صياغتها وتأهيلها إيمانيا , كما يمكن خداعها وإغرائها مادياً .

ومن هؤلاء امير قبيلة (كندة) الأمير (الأشعث بن قيس) , وهي القبيلة التي رفضت الإسلام في اول أمره حين عرضه النبي عليها في الموسم[237], والذي دفع له (علي) لواءه يوم (صفّين) ليزيح أهل الشام عن الماء الى جوار (النخع) بحزم , فقال (علي) يصف مشاركته ( هذا الْيَوْمَ نصرنا فيه بالحميّة )[238], بمعنى أن (علياً) لم يكن يرى له عقيدة . وكان من قلة دينه ووعيه انه لم يركن الى رأي امير المؤمنين (علي) حين اوهمهم (معاوية) بخدعة وكذب انه يريد حفر الماء باتجاههم , حيث امرهم قائدهم (علي) بعدم الالتفات الى هذا , فأبوا وعلى رأسهم (الأشعث) , فارتحلوا عن مقامهم , وكان اخر من ارتحل (علي) , فنزل (معاوية) في هذا المقام , فعرفوا سوء صنيعهم , فاضطر (الأشعث) ان يصلح ما افسد برأيه , فحمل على جيش (معاوية) وأزالهم عن الماء , لكن بعد ان كلّف قومه وعشيرته وجيش (علي) العشرات من الانفس الثمينة[239].

وقد اعترف (الأشعث) في مراسلاته مع (عتبة بن ابي سفيان) اخي (معاوية) انه يقاتل الى جانب أهل العراق حمية , رغم انه رفض إغراءات (بني أمية) عظمة من نفسه . الا ان عظمته هذه لم تدم لوِلده , مثل (محمد بن الأشعث) , الذين صاروا من اذناب ولاة (بني أمية) في الكوفة , بسبب ما أنتجته سياسة ابيهم غير الواعية وتربيته لهم غير الراشدة .

ومن سذاجة ودنيوية (الأشعث) أنه خطب في ليلة الهرير في (صفّين) , وقد لاحت بشائر النصر لجيش (علي) على يد (الأشتر) وانكسر جيش (معاوية) , فثبّط الناس وكسر أنفسهم وأرقّ قلوبهم لأهل الشام , فكان كلامه مقدمة لخروج الخوارج[240].

وقد وصفه (علي بن ابي طالب) بأنه (منافق ابن كافر)[241]. وكان اول من أجاب أهل الشام بالقبول حين رفعوا مصاحفهم مكراً وخديعة , رغم رفض قادة جيش (علي) من الصحابة لهذه الفكرة .

وبسبب أمثال (الأشعث) ومواقفهم جاء الى (علي) عشرين ألفاً مقنعين في الحديد وشاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم وقد اسودت جباههم من السجود يتقدمهم (مسعر بن فدكي) و(زيد بن حصين) وعصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج , فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين ( يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك )[242]. بعد ان قام (الأشعث) مغضباً من مقولة أصحاب (علي) المخلصين وكسر رأيهم برفض هذه الخدعة , وأعلن انه يجب مهادنة أهل الشام والاستماع لرأيهم , رغم ان (علي بن ابي طالب) اخبر أصحابه ان هذه ( كلمة حق يراد بها باطل ) , وأن (معاوية) و(عمرو بن العاص) و(ابن ابي سرح) و(آل ابي معيط)[243]من شرار الناس , وأنه صحبهم اطفالاً وكباراً فكانوا من الأشرار , وليسوا من أهل معرفة كتاب الله[244].

 

 

 

وكانت مكة و(المدينة) قد فرغت من أهلها اذ ذاك , ولم تعودا تضمان سوى بعض أبناء الأنصار وبعض أبناء القرشيين , حيث انتقل اغلب الأنصار الى العراق[245], والكثيرون من قريش الى الشام . وقد نقلهم (معاوية بن أبي سفيان) لاحقاً الى امصار مختلفة , مع بقاء نسبة منهم في العراق عند بدأ مشروع التغيير الديموغرافي الذي استهدف جميع أنصار (علي بن ابي طالب) في العراق , حين أخرجهم الى أقاليم بعيدة وجاء بغرباء اسكنهم العراق[246].

لذلك استخلف (بسر بن ارطأة) جزّار (معاوية) وأمير غاراته على (المدينة) صاحبهم (أبا هُريرة) والياً عليها , باسم (معاوية بن أبي سفيان) , لما يعلم من دنيويته وخضوعه لعالم المادة , ورغم وجود أجَلَّ الصحابة (علي بن ابي طالب) خليفة للمسلمين وحربه مع (معاوية) . من هنا كان (ابو هُريرة) الراوي الأول لكتب السنة , ومن هنا يُعلم ما عليه تلك الكتب من حال ردي , وكيف كُتبت , ويُستشف كذلك الغاية من كتابتها ومن وراءها .

ومثل هؤلاء كان ذو العقل الدنيوي (شبث بن ربعي التميمي) , الذي ينصح (علياً) بتولية (معاوية) شيئاً من الإمارة ليأتلفه , ظاناً ان (علياً) إنما يقاتل على الدنيا او بسياسة من قبله او يحكم بالرؤية القبلية التي عليها هو , ولا يعي عظمة دين (علي) . وكان (شبث) هو من يقود فئة (بني تميم) التي ساعدت (أبا موسى الاشعري) في تثبيط الناس عن نصرة (علي بن ابي طالب) , وقد ردوا على خطبة الصحابي (عمار بن ياسر) الذي كانوا يدعوا الى حق (علي) , فيما تولى (شبث بن ربعي) الرد على (زيد بن صوحان) الذي غضب من خذلان القوم للحق العَلَوي[247].

ثم يثير (معاوية) الذي وصف (ابن ربعي) بالأعرابي , وهذه الصفة احد أسباب التذبذب في شخصيته , وهي التي جعلته في فئة الأعراب في حروب (الردة) الذين لا هم مع الثوار على (ابي بكر) ولا في جيش قادة الانقلاب[248]. لذلك قام (شبث) بعد هذا بقتل (الحسين بن علي) سيد شباب أهل الجنة لصالح (بني أمية)[249].

ويبدو ان الخصائص الأعرابية التي اشتمل عليها (شبث بن ربعي) قد اشترك فيها مع عشرات الآلاف في جيش (علي بن ابي طالب) , باعتبار ان جيشه ذو صفة رسمية يشتمل على فئات متعددة في الامة باعتباره الخليفة . وهؤلاء الآلاف هم الذين أصبحوا فئة (الخوارج) , حيث فرضوا على (علي) إيقاف القتال , ثم القبول بالتحكيم , وقد عارضهم (علي) , لكنهم اصروا , فرشّح لهم (ابن عباس) و(الأشتر) أطرافاً في التحكيم , فرفضوا , وفرضوا عليه (أبا موسى الاشعري) , الذي كان قومه اغلب في جيش (معاوية) وكان هواه في (عبد الله بن عمر بن الخطاب) , وهو الذي خذّل الناس عن (علي) , ثم طلبوا الى (علي) ان يقول بكفر من قَبِلَ التحكيم ويتوب .

 

فكيف استطاعت الآلة الإعلامية والمخابراتية حينذاك خداع أمثال هؤلاء في نفوذهم ومكانتهم ونسكهم , وإقناعهم ان (معاوية) كثر تديناً من (علي) !. لقد ساعد في ذلك رجال آخرون بسكوتهم عن الحق, او تأييدهم للباطل , أمثال (عبيد الله بن عمر) , بسبب حاجتهم لدعم (معاوية) , رغم معرفتهم حق (علي بن ابي طالب) . فحين ابى ان يشتم (علياً) او ان يتهمه في دم (عثمان) على منبر الشام – بعد هروبه اليها من دم سفكه – قاطعه (معاوية) وحصره , فاضطر ان يكتب شعراً يُتهم فيه (علياً) , فأدناه (معاوية) حتى شهد معه (صفّين) , وهو كان ابن (عمر بن الخطاب) الذي يجلّه أهل الشام , فهم يجعلون (عثمان) من أهل الدين .

وقد استغل (معاوية) ان قرّاء أهل الشام من مرتبة دون مرتبة أهل العراق في الوعي , فأحال اعتراضهم عليه ان يقاتل (علياً) , وكون (علي) أسمى منه وأعلى سابقة في الإسلام , الى مناسبة لصنع أسس المناظرات المذهبية , حين طلب اليهم ان يكونوا رسله الى (علي) . فجعل يؤسس الى ترتيب الأفضلية الثلاثي (ابو بكر, عمر, عثمان) المشهور بين العامة الْيَوْمَ , والذي أضيف له لاحقاً (علي بن ابي طالب) ليكتسب شيئاً من الشرعية العامة ولتخفيف الاحتقان الطائفي . فقد كتب في احدى رسائله ( … فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام , فكان أفضلهم الخليفة من بعده وخليفة خليفته والثالث الخليفة المظلوم … ) . لتكون هذه الرسائل من التأسيسات المذهبية المبكرة, وقد حملها هؤلاء القرّاء وهم لا يعلمون غبّها ووزرها الى يوم القيامة[250].

وكتب (معاوية) إلى (علي) – بعد يأسه من النصر وقرب (الاشتر) من مخيمه – يطلب تحكيم كتاب الله بشهادة رجل من كل طرف ,  فكتب إليه (علي) يخبره أنه ليس من اهل كتاب الله وأن (معاوية) لا يريد حكم القرآن , لكنّ الإمام أجاب ( وقد أجبنا القرآن إلى حكمه , ولسنا إياك أجبنا , ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالاً بعيدا ) , بعد ضغط الخوارج في جيش (علي) بقيادة (الاشعث بن قيس الكِندي) , الذي ذهب الى (معاوية) نيابة عن (علي) , فطلب (معاوية) انتداب رجل من كل فريق فرضي بذلك (الاشعث) , فأوفد كل فريق قرّاءه ليتدارسوا حكم القرآن , ولم يكن المؤرخون قد اوضحوا نتائج هذه المدارسة , لكنّ الغريب فيها أن جزءاً كبيراً من الامة ترك بها أعلم الناس بالقرآن خلف ظهره ! . ثم اختار (معاوية) وفرقته الشامية (عمرو بن العاص) ممثلاً لهم , واختار (الاشعث) والقرّاء – الذين صاروا خوارج لاحقاً – (أبا موسى الاشعري) , فرفضه (علي) , فأصر (الاشعث) و(يزيد بن حصين) (مسعر بن فدكي) ومجموعة من القرّاء عليه , فقال (علي) لهم ( فإنه ليس لي برضى , وقد فارقني وخذل الناس عني , ثم هرب حتى امنته بعد أشهر ) , واختار لهم (عبد الله بن عباس) , فرفضوه واتهموه أنه من (علي) , رغم أنه حَبر الامة وأعلم الناس بالقرآن -بعد علي وأهل بيته- في تناقض غريب بين تحكيمهم لكتاب الله ونبذهم أهله ! , لكنها البداوة . فاختار لهم علي مرة أخرى (مالك الاشتر) , فقال (الأشعث) له ( وهل سعر الأرض علينا غير الأشتر , وهل نحن الا في حكم الأشتر ) , فسأله (علي) عن رؤيته لحكم (الاشتر) فقال ( حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف , حتى يكون ما أردت وما أراد ) كأنه نادم على مشاركته في القتال الى جانب الخليفة الشرعي .

وقد كان واضحاً من مجمل روايات التاريخ ان قائد الثورة الشعبية ضد ما نتج عن انقلاب السقيفة من ولاية (بني أمية) ايّام (عثمان بن عفان) هو الصحابي (عمار بن ياسر) , الذي اليه نُسبت السبئية من أنصار (علي) وشيعته , وهذا يتضح من قول (معاوية بن أبي سفيان) لبعض وفود الصلح في (صفّين) ما نصه ( والله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان , ولكني كنت أقتله بنائل مولى عثمان! )[251], فهو من دنيويته المحضة لا يعترف ل(عمار بن ياسر) بمقام الصحبة للرسول ولم يعدله ب(عثمان) حتى الذي خرجت عليه الامة بعد ان ولّى الأمور لأمثال (بني أمية) من أهل الدنيا .

كذلك كان مجمل المترددين في جيش (علي) من جهة بادية البصرة , مثل (خالد بن المعمر السدوسي) الذي شاء كسر جيش (علي) يوم (صفّين) بتثبيط عزم قبائل (ربيعة) , ولم يتم له ذلك لإخلاص هذه القبيلة دونه , اما الذين نصروا خصومه غير الأمويين فكانوا من (نجد) وبوادي البصرة التاريخية ايضاً , من (ازد) عُمان و(قيس عيلان) . وقد كانت رسالة أهل الكوفة الدينية تقتضي إعادة تأهيل هذه المنطقة عقائديا .

وقد خرج (شمر بن أبرهة بن الصباح الحِمْيَري) في يوم من ايّام (صفّين) فلحق ب(علي) في ناس من قرّاء أهل الشام , وترك حزب (آل ابي سفيان) , الامر الذي فتَّ في عضد (معاوية) , حيث كان (علي بن ابي طالب) في ذلك الْيَوْمَ يعيد التعريف بمقام آل بيت النبي في خطبة على الجمع العسكري بعد ان أحاط به وجوه الصحابة[252]. وكان ايضاً احد قادة جيش (علي) المهمين في (صفّين) وهو (هاشم بن عتبة المرقال) في أشد ظروف القتال قسوة يحاور احد (بني غسان) الشاميين الذي كان يُؤْمِن بظلامة (عثمان بن عفان) ويعتبر سيرته عقيدة دينية , فيقنعه (هاشم) بخلاف ذلك , ويرجع الشاب الغساني قوياً في فكره الى جند الشام [253], وهو لا شك فتح باب التساؤل هناك بين أهله حين رجع اليهم , وهو المطلوب عَلَويا .

إذن رغم كل هذه الحروب والمنازعات , كان هناك امر إيجابي حاسم في التاريخ الإيماني , حيث خرج الكثير من النواصب وضعيفو الإيمان وأهل الدنيا عن العراق . اذ ان من بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان (معاوية)[254]. كما انتقل جزء كبير ممن كان قد شارك في (الجمل) ضد الإمام الشرعي (علي بن ابي طالب) الى صفه عند معركة (صفّين) , لا سيما من (ازد) البصرة تحت قيادة (صبرة بن شيمان الازدي) , ومن (تميم) و(الرباب)[255]. الامر الذي سمح لهم بلقاء وجوه الصحابة والتابعين , والاحتكاك بالفكر الكوفي , كما سمح لهم بمعرفة (علي) بصورة مباشرة , الامر الذي سيكون كفيلاً بتغيير القناعات والأفكار تجاه مفهوم الإمامة .

وهذا كله و(فارس) لم تعرف بعد (علي بن ابي طالب)[256], فيما ينسب أهل الباطل من كتّاب السلاطين التشيّع اليها . حتى انهم خرجوا على عامله (سهل بن حنيف) قبل عام ٤٠ هجرية , وأخرجوه , فوّلى عليهم احد الموالي الذي يعرف تدابيرهم وطريقة عيشهم , وهو (زياد بن ابيه) , الذي استلحقه (معاوية) بعد ذلك وقرّبه , فأجاد إدارة إقليمهم الشائك .

 

ومن ثم لا يُتوقع لمن تربّى في الحضن القرشي المعادي لرسول الله ان يوفق لمعرفة حق (علي) . فهذا (عبد الله بن عمر بن الخطاب) كان عثمانياً لم يبايع (علياً) , الا أنه عند وفاته ندم أنه لم يقاتل الفئة الباغية مع (علي بن ابي طالب)[257]. و لما ولي (الحجّاج) بلاد الحجاز من قبل (عبد الملك بن مروان) , راح يبايعه ليلاً وهو يقول “من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية”[258] , فأخرج (الحجّاج) رِجله ليبايع عليها , وعيّره أنه لم يبايع (علياً) وقد كان إمام زمانه , لكنه جاءه يبايع خائفاً بعد مقتل (ابن الزبير) , فمسح على رِجله و خرج[259].

 

 

 

وهذا الصحابي (الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي) يشهد ل(علي) , ويرد على رسالة معاوية لأخيه (عبد الله بن عباس) , بفضح (بني أمية) , وبيان خداع (معاوية) ومكره , ويختمها بقوله ( … فهذا عليٌّ خير حافٍ و ناعلٍ‌ , وصيُّ رسول اللّه من دون أهله …)[260].

وعن الصحابي الكبير (عمار بن ياسر) أن رسول الله لقّب (علي بن ابي طالب) ب(ابي تراب) في غزوة (ذي العشيرة) وقال له ( ألا أنبئك بأشقى الناس رجلين: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة , والذي يضربك على هذا حتى تبل منه هذه . وأومى برأسه ولحيته )[261]. لهذا قال الصحابي الآخر (سهل بن سعد الساعدي الأنصاري) – حين طلب اليه بعض أمراء (بني أمية) على (المدينة) ان يسب (علياً) بقول (ابي تراب) على المنبر – ( والله ما سمّاه بذلك الا رسول الله )[262].

فيما استأذن أمير قبائل (عبد القيس) على (علي) وهو يعاني آثار ضربة (ابن ملجم) , ولم يكن يأذن لأحد , فقال (صعصعة) للآذن ( قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين , حياً وميتا , لقد كان الله في صدرك عظيما , ولقد كنت بذات الله عليما ) , فأبلغه الآذن , فقال ( قل له : وأنت يرحمك الله , فلقد كنت خفيف المئونة , كثير المعونة )[263] . وقد ضرب (بنو أمية) رسول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب الأمير (صعصعة بن صوحان) حين جاء برسالة (علي) إلى (معاوية) , متنكرين لأخلاق العرب وجميع الامم في احترام رسل السلم والحرب وأمراء القبائل سيما المؤمنين المجاهدين في الإسلام مثل (صعصعة)[264].

ويبدو ان واحداً من اعظم أصحاب أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب) وهو(رُشيد الهجري) يُنسب الى (هجر) من بلاد البحرين , تلك التي كانت تقطنها قبائل (عبد القيس) , وقد أخبره (علي) بتقطيع أوصاله , على حبه , من قبل (بني أمية) , وأنه يكون معه في الجنة , فصبر ولم يترك حب علي وولائه , حتى حصل ما أخبره به (علي) , فلم يزدد الا صموداً وقوة عقيدة[265], وقد كان الامام (علي) يسميه (رُشيد) البلايا , وقد ألقى اليه بعلم البلايا والمنايا . وقد كان ((بنو أمية)) يفرضون على عرفاء الاقوام والجماعات تسليم المعارضين لظلمهم[266], وكان هؤلاء الدعاة يذهبون غدرا , حتى انه و(ميثم التمار) و(حبيب بن مظاهر الأسدي) كانوا يحدّثون الناس كيف هو مقتلهم[267].

ومن وجوه (خزاعة) البيض الصحابي (عمرو بن الحمق الخُزاعي) , الذي أسلم قبل الفتح , وهاجر الى (المدينة) , فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي بأن يمتعه اللّه بشبابه , فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء , على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء , وصحب بعده أمير المؤمنين (علياً) , فكان الحواري المخلص الذي يقول له (علي) ما نصه ( ليت في جندي مائة مثلك ) , ودعا له , وتنبأ بقتله بعده , وأنذر بالويل لقاتله , وشهد معه (الجمل) و(صفّين) و(النهروان) , فكان من شيعة (علي) المعروفين , المراقبين من قبل ولاة (بني أمية) , فكان حذراً خائفاً منهم على سنة (موسى بن عمران) , حتى كانت حادثة (حجر بن عدي الكندي) , فأبلى فيها بلاء حسناً , وضربه رجل من الحمراء – شرطة (زياد) من الموالي غير العرب – يُدعى (بكر بن عبيد) بعمود على رأسه , فوقع , وحمله الشيعة , فخبأوه في دار رجل من (الازد) , ثم خرج فاراً , وصحبه الزعيم الآخر (رفاعة بن شداد) , نحو (المدائن) , ثم ارتحلا , حتى أتيا ارض (الموصل) فكمنا في جبل هناك , فاستنكر أمير تلك المنطقة وجودهم , وحاصرهم , وكان (عمرو) مريضاً , و (رفاعة) قوياً أراد الدفاع عن صاحبه , الا أن (عمرو) رفض وطلب منه النجاة بنفسه , فدفعهم (رفاعة) بسيفه , وظل (عمرو) , حتى أسلموه الى والي (الموصل) (عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي), فأمرهم (معاوية) بأن يطعنوه تسع طعنات كما كان فُعل ب(عثمان) , فطُعن ومات بالأولى منهن أو الثانية[268]. وكان ممن كتب الى (عثمان) مهدداً بالثورة ايضاً . و(عمارة) الذي اشتكى (ابن الحمق) الى (ابن زياد) هو احد ولد (عقبة بن ابي معيط) المبشرين بالنار على لسان رسول الله , و (ابن ابي معيط) هو من كان يجيش ضد رسول والإسلام في (بدر) , اذ عيّر (امية بن خلف) بأنه من النساء حين اجمع على القعود وعدم الذهاب , فاستجاشه وهيّجه[269].

ومن اصول قبائل (الازد) الأمير (شريك بن الحارث الأعور بن عبد اللّه الازدي الحارثي البصري) المتوفى 60 ه , كان شاعراً متكلماً شجاعا , صحب أمير المؤمنين (علياً),. ودخل على (معاوية), فقال له: ما اسمك؟ فقال: شريك, قال: ابن من؟ قال: ابن الأعور. قال: إنّك شريك وما للّه من شريك , وإنّك لابن الأعور, والصحيح خير , وإنّك لدميم سيئ الخلق , فكيف سدتَ قومك؟! فقال: وأنت يا (معاوية) واللّه , وما (معاوية) إلا كلبة عوت فاستعوت , فسميت (معاوية) , وإنّك لابن (صخر) , والسهل خير , وإنّك لابن (حرب) , والسلم خير , وإنّك لابن (أميّة) , وأميّة أَمَة صغرت بها , فكيف سميتَ أمير المؤمنين؟ فقال (معاوية) : واحدة بواحدة , والبادي أظلم . فقال (شريك) بعدها ( أيشتمني معاوية بن حرب * وسيفي صارم ومعي لساني‌ .. وحولي من ذوي يمن ليوث *  ضراغمة تهش إلى الطعان‌ … فلا تبسط لسانك يا ابن حرب .. متى ما تدع قومك أدع قومي …‌ يجبني كل غطريف شجاع * كريم قد توشح باليماني‌ .. فإن تك من أمية في ذراها * فإنّي من بني عبد المدان‌ ) , فقاسمه (معاوية) أن يسكت وقرّبه وأدناه[270].

ومن (تميم) ايضاً (جارية بن قدامة بن مالك التميمي السعدي) , صحابي , شاعر فارس شجاع محدّث ثقة صادق , صاحب السرايا والألوية والخيل يوم (صفّين) , وجهه أمير المؤمنين (علي) إلى أهل (نجران) عند ارتدادهم عن الإسلام , وروى عنه أهل (المدينة) وأهل البصرة , قدم على (معاوية) فقال له ( هل أنت إلا نحلة , قال: لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق, واللّه ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب, وما أمية إلا تصغير أَمَة )[271].

كذلك من أصحاب أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) الأمير الكبير (أبو صفرة ظالم بن سراق بن صبيح الازدي) , مات بالبصرة , وصلّى عليه أمير المؤمنين , وقدم بعد معركة (الجمل) , وقال ل(علي) ما نصه ( أما واللّه لو شهدتك ما فاتك أزدي ) , وابنه الأمير الشهير (أبوسعيد المهلب) , كان من أشجع الناس وحمى البصرة من الخوارج , مات سنة 83 ه[272]. وقد كان ل(آل المهلب) بعد ذلك شأن سياسي مهم , لا سيما في دولة (آل بويه) , متمثلين بكاتب (معز الدولة) (الحسن بن محمد المهلّبي)[273], والذي كان حسن السيرة قد كشف الظلامات وقرّب العلماء والادباء , وأحسن اليهم عند ولايته الوزارة[274], كما كانت لهم علاقات واسعة مع (النخع) وأبناء (الأشتر) في ثوراتهم ضد (بني أمية) .

وبضم مئات , او آلاف الصحابة والتابعين وأمراء القبائل وزعماء الجماعات , يمكن الإقرار ان أصحاب (علي بن أبي طالب) كانوا جميعاً من السادات والنجباء والفرسان وأهل الرأي والإيمان والبيان والثبات والجنان , عرفاء قومهم ونجباء مصرهم وحماة ديارهم وأوعية الحكمة والحكم وظهير الصالحين وأنصار النبيين , وأن القبائل السبئية كانت اقرب الى الحق العَلَوي لقربها من الارتكاز العقلي العراقي , وأن القبائل التي فيها تردد وتذبذب في معرفة (علي) هي التي كانت تقطن جنوب البصرة باتجاه اليمن , من (تميم) الكبرى و(الازد) , فيما كانت (تميم) و (أزد) السواد في العراق المعاصر اقرب الى معرفته ونصرته .

فأصحاب (علي) كما وصفهم (معاوية بن الضحاك) صاحب راية (بني سليم) في جيش (معاوية) وأهل الشام ” فوارس (بدر) و(النضير) و(خيبرٍ)  * و(أحد) يروّون الصفيح المهندا ,, ويوم (حُنين) جالدوا عن نبيهم * فريقا من الأحزاب حتى تبددا “[275] .

وكذلك يمكن ادراك ان من قتلتهم سيوف (بني أمية) هم اجلّاء الصحابة وأهل الإسلام الأول والإيمان المحمدي الواعي , وأن الامة فقدت بذلك دعاتها الصادقين وعلماءها العاملين وقادتها النجيبين , لذلك كانت بعد فقدهم مهيئة لمثل (يزيد بن معاوية) وحكومته .

يقول (محمد بن ابي حُذيفة) مخاطباً (معاوية) في اتهامه (علياً) بدم (عثمان) ما نصه ( إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحما وأعرفهم بك, قال: أجل, قال: فوالله الذي لا إله غيره! ما أعلم أحدا شرك في دم عثمان وألّب الناس عليه غيرك لمّا استعملك ومن كان مثلك, فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك فأبى, ففعلوا به ما بلغك; ووالله ما أحد اشترك في دمه بدءاً وأخيراً إلا طلحة والزبير وعائشة, فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألّبوا عليه الناس , وشركهم في ذلك عبد الرحمان بن عوف وابن مسعود وعمّار والأنصار جميعا. قال: قد كان ذلك; قال: فوالله! إني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد, ما زاد فيك الإسلام قليلاً ولا كثيرا, وأن علامة ذلك فيك لبيّنة , تلومني على حب عليٍّ , خرج مع علي كل صوّام قوّام مهاجري وأنصاري, وخرج معك أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء, خدعتهم عن دينهم وخدعوك عن دنياك; والله! ما خفي عليك ما صنعت , وما خفي عليهم ما صنعوا, إذ أحلوا أنفسهم لسخط الله في طاعتك; والله! لا أزال أحب علياً لله ولرسوله , وابغضك في الله ورسوله أبداً ما بقيتُ )[276].

وكذلك يمكن ادراك ان من قتلتهم سيوف (بني أمية) هم اجلّاء الصحابة وأهل الإسلام الأول والإيمان المحمدي الواعي , وأن الامة فقدت بذلك دعاتها الصادقين وعلماءها العاملين وقادتها النجيبين , لذلك كانت بعد فقدهم مهيئة لمثل (يزيد بن معاوية) وحكومته .

وأصحاب (علي) كما وصفهم (معاوية بن الضحاك) صاحب راية (بني سليم) في جيش (معاوية) وأهل الشام ( فوارس بدر والنضير وخيبرٍ  * وأحدٍ يروّون الصفيح المهندا ,, ويوم حُنين جالدوا عن نبيّهم * فريقا من الأحزاب حتى تبددا )[277].

 

ان عدم فهم غالبية الناس لحقيقة الإمامة العَلَوية , وخلط الأوراق على الناس من قبل القوى الانقلابية ودعاة (بني أمية) , وذهاب جل زعماء القبائل الواعين الذين كان لهم الدور المشرّف والحقيقي في نصرة الإسلام وقيام دولته في معارك مثل (صفّين) , والذين كانت تدور حول رأيهم آراء أفراد قبائلهم , جعل مثل الإمام (الحسن بن علي) – على حكمته – غريباً في وسط هذه الامة , حتى وصل الامر ان يدخل اليه احدهم ويسميه ( مذل المؤمنين ) , بعد اضطراره لعقد الصلح مع (معاوية بن ابي سفيان) , رغم ان هذا المتحدث كان محباً للإمام (الحسن) وموالياً له , لكنه لم يبلغ بعد فهم الإمامة , حتى وإن كان من قبيلة (همدان) المعروفة بولائها لآل محمد . لذلك كان اول وزير لبني العباس (أبو سلمة الخلال) من (همدان) , وقد كان شيعياً , لم يعط الامامة حقها , فلقي مصرعه على يد بني العباس انفسهم[278].

ولنفس السبب انفرط عقد بعض أعراب (بني اسد) , فانقلبوا ضد الإمام (الحسن) وطعنه بعضهم , فتحصن عند عّم (المختار الثقفي) , رغم ان قبيلة (بني اسد) هي من حملت لواء التشيع لاحقا , أي بعد جهود (الحسين بن علي) وتضحيته لدفع الناس باتجاه مدرسة (آل محمد) بالهزة العاطفية , ومن ثم جهود الأئمة الثلاث (السجاد) و(الباقر) و(الصادق) في تعليم الناس عبر جامعة العلم المحمدية العَلَوية[279].

ولم يكن فهم عقيدة الإمامة أمراً يسيراً , بسبب تركة خلفاء الانقلاب الحديثية , وكذلك دعاية (بني أمية) وسلطانهم الظالم وتشددهم ضد اتباع (علي بن ابي طالب) , اذ التقطوا خيار شيعته وذبحوهم مثل (حجر بن عدي) و(عمرو بن الحمق) , بل ذبحوا ولده ريحانة رسول الله (الحسين بن علي) , كذلك بسبب انشغال الناس بإقبال الدنيا من مال الفتوحات , وكون الكثير من القبائل لازالت أعرابية لم تتحضر , والتقية المكثفة التي عاشها بعض الأئمة مثل (علي بن الحسين السجاد) .

وعند ذلك لم يكن أمام (الحسن بن علي) سوى الإبقاء على شيعته لئلا تطحنهم الحرب فيندثرون كما اندثر من سلف , فهم قطعاً سيكونون اشد الناس إقداماً ومن ثم اكثرهم تعرضاً للخطر , ولن يبقى في ظل هذا الخلط القبائلي والحضاري سوى المنافقين ومتشتتي الرأي , وسيكون (بنو أمية) وشيعتهم قادة الدين والرأي بلا معادل موضوعي . فكان اختيار (الحسن) للصلح مع (معاوية) – على مرارته – نجاة لشيعته من الاندثار الكلي , ومن ثم نجاة للخط الديني ذي العمق الفلسفي النقي . وبالتالي سينتشر التشيع بالعقل[280] , وهو ما حصل . لذلك حين خرج (الحسن) من الكوفة وبلغ (دير هند) نظر الى الكوفة نظرة الآمل المنتظر وقال ( ولا عن قلى فارقتُ دار معاشري * هم المانعون حوزتي وذماري )[281].

 

وقد وجدت الفئة الانقلابية , ومن بعدهم (معاوية) , نوعية من الناس لا عقل لها , بل لها من ظاهر الدين والسذاجة . فقد نهض بأهل الشام ضد (علي بن ابي طالب) رجلان , كان باستطاعتهما عزل (معاوية) وتنصيب من هو خير منه , احدهما (ذو الكلاع الحِمْيَري) , والآخر (شرحبيل بن السمط الكندي) , كانا اكبر من (معاوية) نفوذاً في الشام , الا ان (معاوية) استغل سذاجتها ليحارب بقبائلهما (عليَّ بن ابي طالب) الخليفة الشرعي .

 

لقد كانت خطبة معاوية في اهل الكوفة بعد استلامه منصب الخلافة المغصوب – والتي استهان فيها بالصلاة والزكاة والحج وبالمسلمين[282]– ضرورية لتغيير فكرة الفئة الخام من المسلمين باتجاه التشيّع ومعرفة حقيقة ما يبطن الامويون من اسرار الكفر بالنبوة . ثم كان استلحاقه ل(زياد بن ابيه) تنبيهاً للأمة ان (معاوية) لا دين له[283], وأن سيرة (بني أمية) هي سيرة اهل الجاهلية . ثم كانت امارة (يزيد) اعلاناً صريحاً للكفر والفسوق وخلاعة الحاكم , وهذا ما أشار اليه (الحسين بن علي) وجعله يرفض السكون والسكوت , اذ كان (معاوية) يبطن الفسوق ويظهر الصلاح , فكان الخروج عليه اصعب لما في ذهن الامة من شبهة معرفية , لكنّ حكومة (يزيد) أظهرت الموبقات بسبب الدعة التي اصابت الامة وذهاب عظماء الإسلام ورجالات الصحابة[284]. وقد كان (معاوية) يؤسس لمفاهيم الجاهلية , ويبتدع الفرقة بين ما عليه (علي بن ابي طالب) من دين وما عليه غيره , ليسهل انتزاع الناس عن الإمامة , ومن ثم يمكنه بهاتين الطريقين ان يتم الولاية لولده (يزيد) ويجعل الخلافة ملكاً عضوضا , فكان (الحسين) يرد عليه ويحتج[285].

 

فيما بلغ الامر ب(بني أمية) ان يأخذوا البيعة ل(يزيد) من أئمة المسلمين بالسيف[286]. لهذا لم تكن كلمة (الحسين) أمام (الوليد) والي (بني أمية) على (المدينة) وأمام (مروان بن الحكم) سوى بيان ضروري لمقام اهل البيت النبوي السامي وواقع (يزيد) الجائر على الدين والعباد[287]. بعد ان كان (الحسين) يتجنب الاحتكاك المباشر حتى يستطيع نشر الإسلام الصحيح دون ان يعطي الحجة المباشرة لمضايقة حركته , لكن حين حُصر المقام بين الاعتراف بالظالم كحاكم شرعي وبين نشر العلوم الدينية اختار (الحسين) الانتصار بالدم وإيقاظ الامة من سباتها وإعادتها الى رشدها بدرس من نوع اخر . اذ لم يكن (الحسين) فرداً عادياً في الامة , بل ايقونة معرفة ودين , وموقفه حينئذ سيكون بوصلة توجه الناس الى درب سلوكي واجب , ولهذا توقع (عبد الله بن مطيع) الاسترقاق من قبل (بني أمية) اذا قُتل (الحسين) , فلا مقام اعلى من مقامه وإنه كان محوراً اجتماعياً مهما [288].

 

 

ولما قُتل (الحسين) من قبل (بني امية) استعظم أكثر المسلمين ذلك , حتى بعض الأمويين , وتنبهوا لفضل أهل البيت وما أصابهم من الظلم , وعلموا بتقصيرهم في نصرهم , وانحرف كثير من الناس عن (بني أمية) ومالوا إلى (بني هاشم) , وخاصة إلى العلويين وكثرت شيعتهم . وكانت وقعة (الحَرّة) ووقعة التوابين ووقعة نهر (الخازر) وغيرهما مما أوجب انحراف الناس عن (بني أمية) , مضافاً إلى ما تأسس في نفوس المسلمين من أفعال الطاغية (بسر بن ارطأة) وغيره أيام (معاوية) . لاسيما حين طرد الامويون اهل (المدينة) في وقعة (الحَرّة) , وأعال (علي بن الحسين السجاد) اربعمائة امرأة من (بني عبد مناف) , منهن نساء (مروان بن الحكم) الأموي الذي يعادي (بني هاشم) اشد العداوة , وقد رفض اهل (المدينة) استقبال نسائه . وكان اهل (المدينة) قد خلعوا (يزيد بن معاوية) بعدما زاروه ورأوا تهتكه , فاستباح مدينتهم , وما كان ذلك من اهل (المدينة) لولا ثورة (الحسين) ودمه , ولكن هيهات وقد دفع الابناء ثمن خذلان الآباء للحق العَلَوي[289].

 

وقد نشطت حينذاك الشخصيات من الصحابة والتابعين والقبائل العارفة بحق أهل البيت سراً , سيما تلك التي لها تأثير ديني او اجتماعي في الطائفتين , مثل قبيلة (النخع) , والنخعيون كانوا اهم اسباب الانتصار في معركتي (اليرموك) و(القادسية) . ومن (النخع) كان (أسامة بن سلمان) , أستاذ (عمر بن نعيم المقصوص)[290], والأخير هو مؤدب (معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي) , الذي تنازل عن الخلافة بعد أبيه لأنه يراها من حق (آل محمد) , وأن اباه وجدّه كانوا من الظالمين , فغضبت عليه امه , واتفقت مع (بني أمية) على جعل الخلافة ل(مروان بن الحكم) , وأخذ الامويون (عمر بن نعيم المقصوص) ولاموه في ما صار اليه حال (معاوية بن يزيد) من حب (آل محمد) , ودفنوه حيا[291].

و(حجر بن قيس الهمداني المدري) من المختصين بخدمة أمير المؤمنين (علي) , ويقال له (الحجوري) , كان من خيار التابعين , وفي الطبقة الأولى ممن كان باليمن , بعد الصحابة من المحدّثين . أقامه (أحمد بن إبراهيم) أمير (بني أمية) في الجامع ليلعن (علياً) , أو يُقتل , فقال (حجر الهمداني) فيهم ( أما إنّ الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن علياً فالعنوه‌ لعنه اللّه ) , قال (طاووس) ما نصه ( فلقد أعمى اللّه قلوبهم , حتّى لم يقف أحد منهم على ما قال . وكان يقصد العنوا أحمد بن إبراهيم )[292].

والأمير (هانئ بن عروة المرادي) زعيم قبائل (مذحج) , الذي رفض ان يوالي (بني أمية) حتى قُتل على يد (عبيد الله بن زياد) . و(آل المهلب) الذين تزعموا ثورات متتالية على الدولة الاموية في الاهواز وجنوب العراق . و(حنظلة بن ابي عامر) غسيل الملائكة وصاحب ثورة (المدينة) على طواغيت (بني أمية) . و(عمرو بن الحمق الخزاعي) , … الخ .

وقد كانت القبائل اليمانية السبئية وبعض الازدية تعيش بين الديانات التوحيدية الإبراهيمية واليهودية والمسيحية , اما في العراق فقد كانوا على المسيحية , وهذا مميز آخر , يجعلهم يفضلون على غيرهم لو تم القياس . وهذا لا يلغي دور قبائل وأنساب اخرى ناصرت (علي بن ابي طالب) مثل (ربيعة) , بل ان (الازد) بتفرعاتهم في العراق كانوا محور حركة هذه النصرة , فهناك قبائل كثيرة لم تقل إقداماً في نصرة الحق مع (علي) , حيث لا يفترقان حتى يردا على رسول الله الحوض .

 

وحظي (إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي) بحصة خاصة من التاريخ الحركي لشيعة (علي بن ابي طالب) , لسببين , لأنه ساهم بالنسبة الأكبر في تخليص العراق ممن نصب العداء ل(علي بن ابي طالب) , كما ورّث[293]وهج الثورة والعقيدة لذريته وذراري النخع . وقد كان فارساً شجاعاً شهماً , مقداماً رئيساً عاليا , بعيد الهمة عالي النفس , وفياً شاعراً فصيحا , كان مع ابيه (مالك الأشتر) في (صفّين) , وأبلى فيها بلاءً حسنا , وبه استعان (المختار) حين ظهر بالكوفة , وبه قامت إمارة (المختار) وثبتت أركانها , قُتِل في حرب وقعت بين (مصعب بن الزبير) و(عَبَد الملك) سنة ٧١ ه , وأعقب (النعمان) و(مالك) , وجاء ان (محمد بن مروان بن الحكم) قتله ب(دير الجاثليق) بين الشام والكوفة , وكان على (الجزيرة)[294].

 

ومن اجلى معاني قول القائد العسكري الاموي (الحصين بن نمير) في واقعة كربلاء عن صلاة (الحسين بن علي) وأصحابه انها ( لا تُقبل ) انه لم يكن يفهم من مقام (الحسين) الديني شيئا[295]. وهذا ما جعل الموالي من الانباط وغيرهم منقسمين في كربلاء وفقاً لانقسامات القبائل التي حالفوها , فالمعرفة كانت تخضع للأثر الجغرافي والقبلي كثيرا , البعض مع (الحسين) , والكثير في جيش (بني أمية) , وكثير جداً لا خلاق لهم[296]. لهذا وُجد من يشتم (الحسين) ويضربه بالسيف على رأسه ويسلب البرنس , مثل (مالك بن النسر الكندي) , فيما رفضت زوجه ادخال سلب ابن رسول الله الى بيتها[297], وهكذا ظلت مثل هذه القبائل ,  مثل (كندة) , التي خضعت لزعامات مترددة بسبب الدنيا , او ناصبية , وتأثرت بالمحيط المعرفي العراقي , بين المد والجزر في قربها من آل الرسول . وقد صرّح (الحسين) بوضوح ان من يقاتلونه هم ( شيعة ال ابي سفيان ) لا شيعة ابيه (علي بن ابي طالب)[298].

ومن خطبة السيدة (زينب بنت علي بن أبي طالب) يمكن كشف كفر (يزيد) وحزب الطلقاء , حيث ذكرت ان السلطان ل(آل محمد) في محضر الشاميين , ليعيد الإمام (زين العابدين علي بن الحسين) الاحتجاج بعدها مذكراً بكفر (آل ابي سفيان) وقتالهم لرسول الله منذ بدء الدعوة , فيما كان (علي) وولده يحملون رايات الإسلام . وكان ان بلغ من تأثير هذه الاحداث والخطب ان شخصاً طمع في الدنيا مثل (النعمان بن بشير الانصاري) وقاتل الى جانب (بني أمية) بدأ يميل الى العود لمبادئ الدين والتأكيد على الاحسان الى آل الرسول , وهي نقلة كبيرة صنعها تأثير الاعلام الزينبي والسجّادي , وقد كان (النعمان) اول المتأثرين بنحو إيجابي بما ورث من ارث معنوي عن أهله الأنصار[299]. ثم ان الإمام (علي بن الحسين) ابتدأ اثارة ثورية للعاطفة الإيجابية في (المدينة المنورة) تستنهض همم الأنصار[300]. كما تمكّن الإمام أيضاً من اختراق فكر القرشيين , بمواقفه الدينية والإنسانية , كما فعل في صفحه عمن اساء اليه في ولايته وهو (هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي) , حين عزله الامويون ولم يقابله الإمام بالسوء , فكان يشير الى الامام ويقول ( الله اعلم حيث يجعل رسالته )[301].

وكانت هذه الاثارة العاطفية هي غاية (الحسين بن علي) – بعد رضا الله – في خروجه واستشهاده , لا انه يرى ان الواقع يسمح بالانتصار العسكري وسط كل هذا العدو من الخوارج وأهل الشام ومع تخاذل وغفلة اغلب الأمة , فكانت شهادته فتيل التسلسل الثوري العاطفي , ثم الفكري , ضد نوعية الدِين الذي جاء به وشجعه الامويون , لهذا لا حاجة فعلية لمحاولة إيجاد تفسير لاختلاف موقف (الحسين) الثوري عن موقف الإمام (الحسن) السلمي من قبل بعض العلماء مثل (المرتضى) و(ابن طاووس)[302], فلكل زمان كان حال ومقال ورجال .

وإجلال الناس للإمام (علي بن الحسين) بمحضر الخليفة الاموي (هشام) – الذي تجاهلوه وهو بين وجوه قادته من اهل الشام – بمكة يعني ان ثورة (الحسين) انتصرت وكسرت (بني أمية) وبينت فضل اهل البيت[303].

 

 

وحينذاك لم تكن القبائل تعي البعد العقائدي للتشيّع او التسنن , بل تدرك البعد السياسي للخلاف بين بيت النبوة وبين (بني أمية) في الغالب , وكانت تحتكم الى كل الصحابة الذين تثق بهم من خلال المعرفة المباشرة او من خلال التابعين , لكنها تجعل لبيت النبوة مقاماً معرفياً عالياً ومنزلة أخلاقية فوق منازل الناس . ونتيجة البعد السياسي كانت هناك قبائل تنصب العداء للبيت النبوي بسبب سيف (علي بن ابي طالب) في رجالات قبائلها في معاركه على التنزيل ضد الكفر او في معاركه في الإسلام على التأويل ضد النفاق , ومن هنا اختارت هذه القبائل نسقها العقائدي لاحقا . ومن ثم كانت المناطق الأعرابية والصحراوية اكثر بغضاً ل(آل علي) , بسبب معارك (قيس عيلان) و(الجمل) . كذلك كانت مناطق الشام , بسبب الثقافة التي نشرها ولاة (عمر بن الخطاب) عليها مثل (يزيد بن ابي سفيان) وأخيه وخليفته (معاوية) و(عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي) . وقد ظلت قبائل كبيرة في مدينة مثل البصرة – التاريخية حتى عُمان – ناصبية في الى زمان الإمام (جعفر بن محمد الصادق) ابن حفيد (الحسين)[304]. الا ان هناك تطوراً نسبياً في قبيلة بصرية مثل (تميم) حين دعاهم (الحسين) الى نصرته[305]. وكان هناك زعماء قبائل مثل (عمرو بن الحجاج الزبيدي) عيناً ل(بني أمية) , رغبة في الدنيا , وقد كسر بموقفه قبيلة كبيرة كان شريكاً في زعامتها هي (مذحج) , وبذلك انكسرت الكوفة التي تشكّل (مذحج) ثقلاً فيها , وتم الامر بمعونة القاضي (شريح) , وكذلك زعيم قبلي كبير هو (محمد بن الاشعث بن قيس الكِندي) الذي كسرها ب(كندة) كما كسر ابوه جيش (علي) بتردده[306]. وكانت لعبتهم كبيرة وخطيرة بعقول الناس الذين كانوا حديثي عهد بهذا النوع من المؤامرات بعد الإسلام , اذ عمل (محمد بن الاشعث) كجاسوس ل(عبيد الله بن زياد) , في انحطاط اجتماعي وسلوكي كبير , فضلاً عن ترك الدِين , اذ ان هذا الشخص – الذي كاد ابوه ان يصير ملكاً – يصير العوبة بيد مولى لا يُعرف له جد ولم يحترمه قط بل كان يسيء اليه ويذله . فدلّ (ابن الاشعث) الامويين على مكان (مسلم بن عقيل) رسول (الحسين) الى الكوفة , وضغط على زعيم (مذحج) الأمير (هانئ بن عروة) , فحاصرهم (ابن زياد) وقتلهم , وحين خرجت (مذحج) تطلب بدم زعيمها وضيفه كانت وظيفة (شريح) القاضي شهادة الزور بأنهم احياء لم يُقتلوا , فيما دور (عمرو بن الحجاج) قيادة قبيلة (مذحج) نحو قصر الامارة كأنه يريد الحرب – وكان قادراً حينها على قتل (عبيد الله بن زياد) ومنع قتل (الحسين) باكرا – ومن ثم الاقتناع وإقناع عشيرته وقومه بصدق شهادة القاضي ودفعهم الى الانسحاب , وكان دوره خطيراً , اذ كانوا بدونه سيهجمون على القصر حمية قبلية. وبهؤلاء المترددين تمكّن (ابن زياد) من الحَجْر على الشيعة ومنعهم من الوصول الى (الحسين)[307]. وكذلك كان أمثال (كثير بن شهاب) و(محمد بن الاشعث) سبباً مهماً في جنوح (مسلم بن عقيل) الى رفض القتال , فقد خرج مع (مسلم) نحو قصر الامارة ثمانية عشر الفاً بين شيعي عقائدي وبين رافض للظلم الذي عليه سلطان (بني أمية) , وما مع (ابن زياد) في القصر الا ثلاثون رجلاً وقد اغلق الباب عليه , ولو أراد (مسلم) ساعتها البدء بقتال لأفناهم بالحجارة وحدها , الا انه لم يكن مأموراً بالقتال من قبل (الحسين) هذا اولاً , وكان خروج قسم كبير من (مذحج) مع (كثير بن شهاب) وقسم كبير من (كندة) مع (محمد بن الاشعث) نصرة ل(ابن زياد) وتوهيناً لأمر (مسلم بن عقيل) , ما جعله يخشى من حرب أهلية قبلية داخل الكوفة , يموت فيها أهلها الذين هم بين متشيع وبين من في صلبه – بعلم الإمام – شيعة , فلم يأمر (مسلم) احداً بقتال , فانسحب الناس الى قبائلهم وبيوتهم[308]. وكان الذين دلوا (ابن زياد) على مكان اختفاء (مسلم) هم (آل الاشعث) ذاتهم , اذ جاء بالخبر اليه (عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث)[309]. ولمعرفة قوة تأثير هؤلاء الزعماء القبليين المنافقين في إعاقة حركة (مسلم بن عقيل) يجب تذكّر كيف ان (هانئ بن عروة المرادي) زعيم قبائل (مذحج) وشيخها الأكبر – الذي كان يدرع في ثمانية آلاف فضلاً عن حلفائه من (كندة) – قد سيق الى السوق وضُرب عنقه وهو يصيح ( وامذحجاه , ولا مذحج لي اليوم ) , ولم ينتصر له احد , لأن زعيم (مذحج) الآخر وهو (عمرو بن الحجاج الزبيدي) وزعيم (كندة) حليفتهم (محمد بن الاشعث بن قيس) كانوا جنوداً ل(ابن زياد) والي (بني أمية) فعليا .

ويبدو واضحاً ان انكسار الكوفة وتخليتها ل(بني أمية) كان بيد (عمرو بن الحجاج) و(محمد بن الاشعث) , وفي ذلك الوقت كان الانكسار ينشأ عن الولاء القبلي لعراقة الزعماء[310]. لهذا ليس من الغريب اذاً ان يكون (عمرو بن الحجاج) هو ذاته من منع الماء على (الحسين) وعياله في (كربلاء)[311].

فيما كان اهل الفتوى والقضاة ثغرة أخرى أساسية في المجتمع الكوفي الرسمي , كما كان من قبل (أبو موسى الاشعري) , فهذا قاضي الكوفة ل(بني أمية) المدعو (عبد الملك بن عمير اللحمي) يذبح (مسلم بن عقيل) بمُديته بعد القائه من اعلى القصر وتكسّر عظامه[312], وهو لاشك افتى الناس بخلاف حكم الله , ولم تكن الناس حينئذ – لاسيما الشباب – قادرين على تمييز اهل الدِين الحقيقي . حتى وصل الامر بعدئذ في قضاة (بني أمية) ان يشككوا في شهادة المسلم على اعتقاده اذا كان من شيعة (علي) و(فاطمة) أو على مذهب (جعفر بن محمد الصادق) حفيدهم , كما فعل (شريك) قاضيهم مع (ابي كريبة الازدي) و(محمد بن مسلم الثقفي) , وهما من اهل الدين والفتوى[313].

فيما كانت حركة قبائل متشيعة عقائدياً مثل (عبد القيس) نحو كربلاء لنصرة (الحسين) صعبة , لسببين , لبعد ديارهم جنوب البصرة قريباً من البحرين التاريخية , ولصد طريقهم بقبائل الأعراب والعثمانية في البصرة التاريخية , وقد تحركوا نحو (علي) و(الحسن) سابقاً بصفة رسمية باعتبار انهما كانا خليفتين ورئيسا الدولة ولم تكن قبائل الأعراب قادرة على منع الطريق وإلا دخلت في حكم الحرابة .

وكان قسم كبير من افراد القبائل التي لا عقيدة مذهبية واضحة لها ينكسرون وينحسرون عن نصرة (الحسين بن علي) بالركون الى رأي اهل الدعة والسكون السلبي , أمثال (عبد الله بن عمر) الذي طلب الى (الحسين) ان يرجع فأبى (الحسين) , فلم ينصره ولم يبايعه , فيما بايع لاحقاً ل(بني أمية)[314].

وقد أسس الامويون استغلالاً للجو الفقهي والروائي والرجالي المتذبذب لفكرة ( الجماعة الإسلامية ) بالمفهوم السني الشائع وسوء الخروج عليها[315].

فيما كانت قبائل جيش (معاوية) مثل (حِمْيَر) في اليمن ظهراً ل(بني أمية) , عليها عاملهم (بحير بن ريسان الحِمْيَري)[316]. وقد نشر (عبيد الله بن زياد) امير (بني أمية) الجيوش في العراقين الى الشام وأغلق الطريق الى الحجاز , فكان العراق حينها محاطاً تماماً ومحاصرا , وقد تم فرض الاحكام العسكرية والقتل على الظنة[317].

 

 

وكانت معركة (كربلاء) هي الفاصلة بين النواصب والمحبين ل(علي) في كل قبيلة . حيث لم يكن بعدها من الممكن الامتزاج العام على الأساس الاجتماعي القبلي , بل انفصلت المجموعات الناصبية فيها مباشرة , كنتيجة لرفض باقي القبيلة – بسبب الوهج العاطفي الذي خلقته (كربلاء) – لوجود المجاميع الناصبية فيها بعد وضوح اشخاصهم , فليس من الممكن ان تقبل قبيلة موالية كبيرة مثل (النخع) وجود من سار برأس (الحسين) وسباياه ورؤوس أصحابه الى الشام , وهو (زحر بن قيس النخعي) في وسطها[318]. وكان تمام هذا الانفصال العقائدي حين اعلن (يزيد بن معاوية) – لما رأى قدوم السبايا – انه قضى من آل الرسول (محمد) ديونه[319], فكان ذلك بدأ الانفصال بدين خاص يتبع المنهج الاموي المستند الى أيام الجاهلية .

ومن الواضح جداً من تعمّد (شمر بن ذي الجوشن الكلابي) جعل الرؤوس على الرماح وسط المحامل – لتوجيه الأنظار نحو نساء آل الرسول رغم طلبهن منه ابعادهن عن الأنظار[320] – انه كان شديد النصب والعداوة لآل النبي , كما انه يكشف انه أعرابي لا قواعد أخلاقية عربية ثابتة له , وهكذا يمكن فهم كواليس ومقدمات هذه المعركة وأسرارها . ومن مجموع ما كان عليه هؤلاء القادة من النصب والعداوة لآل النبي , وكذلك تصريح (يزيد بن معاوية) بالكفر في شعره وأنه يطلب آل النبي ثأر يوم (بدر) وقد قضاه[321], صار من الواضح على أي عقيدة كانت الفرقتان , رغم ان الأمة – بعد اكلها المال الحرام – لم تكن تلتفت آنياً , الا انها كانت بحاجة الى إعادة ترتيب الوعي .

فكانت خطب السيدة (زينب) والإمام (علي بن الحسين) مدخلاً الى الفهم العام ومنطلقاً للثورات اللاحقة . فكانت النتائج مثل توبة ذلك الشيخ الشامي , بعد احتجاج الامام زين العابدين (علي بن الحسين) السجّاد , وبدء مرحلة دخول التشيّع الى الشام , ثم الثورة العاطفية داخل دار (يزيد) من قبل اهله وأقاربه على ما فعل بآل النبي , والأهم كان انطلاق الألسنة بأحاديث الولاية لآل النبي من دار (يزيد) ببركة دم (الحسين) , كما في فعل (ابي برزة الاسلمي) ونقله لحديث في قرب (الحسن) و(الحسين) من رسول الله بمحضر (يزيد) وأهل الشام[322]. وهذا الحضور السجّادي في ذهن اهل الشام عززته قصيدة (الفرزدق) في موسم الحج , حين انكر (هشام بن عبد الملك) معرفته بالإمام (علي بن الحسين) شكلاً , اذ سأله اهل الشام عنه بعد ان رأوا هيبته عند الناس , وهي القصيدة التي مطلعها ( هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلمُ .. هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرمُ .. يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم اذا ما جاء يستلمُ … )[323].

 

فيما ان الذين دعوا (الحسين) من اهل الكوفة لم يقتلوا واليهم ولم يمنعوا جباته , ما يدل على مكرهم ب(الحسين) ثاراً لأنهم خوارج او دنيويون , ودليله انهم كانوا اشد الناس في قتله , فيما (سليمان بن صرد الخزاعي) وجماعته من الشيعة في الكوفة لم يشاركوا , لذلك ف(الحسين) يعلم انه غير متمكن عسكرياً قطعا , فيكون الفتح الذي قصده (الحسين) في كتابه الى الهاشميين[324]هو التشيّع .

ومع هذا التمييز بين فريقين في الكوفة يمكن فهم كيف ان (الحسين) وصف شيعة ابيه فيها بأنهم الاحبة الكرماء والشعار دون الدثار[325]. ولهذا ورد عن الصحابي الكبير المحقق (سلمان الفارسي) ان الكوفة ( قبة الإسلام )[326], وأنها يأتي عليها زمان ( لا يبقى مؤمن الا بها او يحن اليها )[327]. وعن (علي بن ابي طالب) قال ( هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا )[328].

ويبدو واضحاً ان رثاء (الحسين) شعراً من جميع الأمة الاسلامية كان نصراً مؤزراً للمذهب العَلَوي الحق على دين الامويين وسقوطه . ومن معرفة ان اول من رثى (الحسين) شعراً كان مولى وليس عربياً هو (سليمان بن قتة)[329]يُفهم ان هذه الثورة الحسينية كانت تخترق صفوف المنطقة كلها . لذلك كان من قتل قاتل (الحسين) الأعرابي (شمر بن ذي الجوشن الكلابي) هم الموالي النبط بقيادة (ابي عمرة عبد الرحمن بن ابي الكنود) عند قرية (الكلتانية) قريب (ميسان) في العراق , فأكلت جثته الكلاب[330]. ولولائها المعهود كانت قبائل (عبد القيس) من أولى القبائل العقائدية التي نعت (الحسين)[331]. فيما كانت اشعار شعراء قبائل (طيء) تنم عن معرفة دينية ب(الحسين) الى زمان الإمام (جعفر بن محمد الصادق) , كما في شعر (خالد بن معدان) و(جعفر بن عفان) , بل ان شعرهم كان من اجود الشعر الولائي الذي قيل فيه , وأن مجيئهم عند الإمام (الصادق) ومشاركة مجلس عزاء للحسين دليل ان قسم كبير من هذه القبيلة كان قد بلغ مرحلة متقدمة من التشيّع في نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي[332].

حتى بلغ الامر من ظهور التشيّع في الأمة عند نهاية عصر الامويين ان احد (بني اسد) الشيعة صار أميراً على بلاد البحرين للامويين[333], وكان صريح التشيّع , فجاء بالحقوق الشرعية لتلك المنطقة ووضعها بين يدي الإمام (ابي عبد الله الصادق)[334]. بل وصل الامر ان رجعت القبيلة كلها في العراق الى أئمة اهل البيت اجتماعياً ودينياً , كما في امر (عقبة بن بشير الاسدي)[335]. فكان اعظم أصحاب الائمة الأوائل من فقهاء الحديث من بطون قبائل (بني اسد) و(عجل) و(مذحج) ومواليهم[336]. بل انهم كانوا يسلّمون لحديث الائمة على أي حال اذا سمعوه دون ان يروا الإمام مثل (كليب بن معاوية الصيداوي الاسدي) , الذي احبه الإمام (الصادق) لإخباته لحديثهم دون ان يراه أيضا[337].

يبدو واضحاً ان الأمة الإسلامية تقدمت طيلة وجود المعصومين الأربعة عشر , ثم من منتصف العصر العباسي وعند غياب المعصوم بدأت تتشظى , لكنها حافظت على شيء من تقدمها العلمي والحضاري بوجود زخم الدول الشيعية في اصقاعها , ثم انهارت حضارتها بتغلب الدول التركية البدوية عليها . مما يكشف عن دور كبير للمعصومين وشيعتهم في بنائها دون ان تبينه الأقلام السلطوية الرسمية .

حيث انه بعد نجاح الدم الحسيني في تحريك عاطفة الناس باتجاه اهل البيت , وقدرة الامام (علي بن الحسين) على إعادة توجيه البوصلة الأخلاقية للأمة , ان الإمام (محمد بن علي بن الحسين الباقر) استطاع أن يبقر العلم وينشره , بعد ان عرف الناس معدن اهل البيت وأدركوا حاجتهم اليهم , وبعد اندراس المدارس على يد الامويين بالقتل والتهجير , فراح يؤسس للعلوم الاسلامية , بعد ان اراد دعاة الامويين مسحها , وحضرت بين يديه مختلف الشخصيات العلمية والفقهية في الأمة , فقد نقلوا عن (الحكم بن عتيبة)[338]انه كان بين يدي الإمام (الباقر) كأنه صبي بين يدي معلمه .

 

 

وكان الامويون يشعرون بشيء من الأثر والانتصار على النفس الذي خلفته معركة (كربلاء) في الأمة الإسلامية , فكان (يزيد) يشترط بيعة اهل (المدينة) له بعد واقعة (الحرّة) الدموية التي صنعها فيهم على انهم ( عبيدٌ رقّ ) سوى (زين العابدين علي بن الحسين) استثناه على انه اخوه وابن عمه[339], وهذا انتصار كبير لا يمكن فهمه من منتصر عسكرياً وحاكم دولة مترامية الأطراف الا بعد اهتزاز ما كانت عليه من فكر .

وبهذا يكون ما وصفه (ابن ابي الحديد) من ان (الحسين) هو الذي بإبائه قد سنّ ل(بني الزبير) و(آل المهلب) الثورة على امية[340]بعده صادقا , وأنهم ثاروا بوهج الثورة الحسينية . ونتيجة لهذا الفضل الثوري للحسين على الأمة لم يستسغ حاكم ظالم مثل (صلاح الدين الايوبي) دوام ذكر (الحسين) فكان اول من جعل يوم عاشوراء عيدا[341].

 

فيما كان (سعيد بن جبير الأسدي) أمة في رجل , وهو امر تكشفه همة السلطة في القبض عليه . وقد كان (أبو سعيد جبير بن هشام الأسدي) محدّث , أخذ عن أمير المؤمنين (علي), و(سعيد بن جبير) الشهيد كان من أصحاب الإمام زين العابدين (علي بن الحسين), قتله (الحجّاج) بسبب عقيدته و إيمانه و ثباته و جهاده. قال (عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري) المتوفى 276 ه ( وذكروا أنّ مسلمة بن عبد الملك كان والياً على أهل مكة, فبينما هو يخطب على المنبر إذ أقبل خالد بن عبد اللّه القسري, من الشام والياً عليها, فدخل المسجد فلما قضى مسلمة خطبته, صعد خالد المنبر , فلما ارتقى في الدرجة الثانية, تحت مسلمة أخرج طوماراً مختوماً ففضّه ثم قرأه على الناس فيه ” بسم اللّه الرحمن الرحيم … من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى أهل مكة, أما بعد فإنّي وليت عليكم خالد بن عبد اللّه القسري, فاسمعوا له وأطيعوا ولا يجعلنّ امرؤ على نفسه سبيلاً , فإنّما هو القتل لا غير. و قد برئت الذمة من رجل آوى سعيد بن جبير والسلام ” . ثم التفت إليهم خالد, و قال: و الذي نحلف به و نحج إليه لا أجده في دار أحد إلا قتلته, و هدمت داره, ودار كل من جاوره, واستبحت حرمته. وقد أجّلت لكم فيه ثلاثة أيام. ثم نزل. ودعا مسلمة برواحله و لحق بالشام )[342]. و(سعيد بن جبير) هو الناقل لأحاديث رزية يوم الخميس ومنع القوم رسول الله ان يوصي , نقلها عن (ابن عباس) , لهذا اضطهدوه سياسياً حتى قتلوه .

و(يزيد بن أسد بن كرز البجلي) أحد جنود الانقلابيين الى الشام , كان يكذب على رسول الله ويدّعي صحبته , لكنّ ذريته أنكروا أن تكون له صحبة كما ينقل (يحيى بن معين)[343], هو جد (خالد القسري) الذي كان ناصبياً يقول السوء في أمير المؤمنين (علي) , وكان متهماً في دينه يذم (زمزم) , كان يسمى ( ابن النصرانية ) وقد بنى كنيسة لأمه , وشرّع الغناء , وهدد بهدم (الكعبة) لو أمره الامويون , واعتقل الرجال الصالحين (سعيد بن جبير) وأصحابه , وكان له غلام مجوسي يغتصب النساء بعلمه , وكان أمير مكة و(المدينة) ل(سليمان) و(الوليد) والعراق ل(هشام) ابناء (عبد الملك الاموي) , ثم عذّبه الامويون وقتلوه , بعد أن جمع المال الكثير جداً تحت راية ظلمهم[344]. وكان (يزيد البجلي) أمير الجيش الذي بعثه (معاوية) لنجدة (عثمان) حين حاصره الثوار , لكنه تأخر عنه[345].

 

 

وفِي مصر لعب أمثال (عبد الله بن زرير الغافقي) دوراً كبيراً في نشر التشيّع هناك في صدر الإسلام . ورغم ان العامة من علماء السلطان وثّقوه , اذ قال (أَحْمَد بْن عَبْد اللَّهِ العجلي) عنه ( مصري , تابعي ثقة ) , وقال (محمد بْن سَعْد) أنه ( كَانَ ثقة , ولَهُ أحاديث ) , وذكره (ابْن حبان) فِي كتاب الثقات , ورَوَى لَهُ (أَبُو دَاوُد) و(النسائي) و(ابن ماجه) , الا انهم لم ينقلوا جلّ احاديثه , لأنه على ما يبدو كان مدرسة عّلَوية اثّرت في الإقليم المصري , بدليل ان (عَبْد الْمَلِك – بن مروان – قال – له – : مَا حملك عَلَى حب أَبِي تراب إلا إنك أعرابي جاف , قال : فَقُلْتُ , والله لَقَدْ قرأتُ القرآن قبل أَن يجتمع أبواك )[346]. ولا يمكن تصور ان يكلمه الخليفة وهو عالم مغمور ولا نشاط له , الا اذا كان بلغ من أمره في التشيّع ونشره ما بلغ . مَاتَ فِي خلافة (عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان) سنة إحدى وثمانين . ويكفي في معرفة نشاطه ما رواه عن (علي بن ابي طالب) عن رسول الله ( تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فِتْنَةٌ يُحَصَّلُ فِيهَا النَّاسُ كَمَا يُحَصَّلُ الذَّهَبُ فِي الْمَعْدِنِ , فَلا تَسُبُّوا أَهْلَ الشَّامِ , وَلَكِنْ سُبُّوا شِرَارَهُمْ فَإِنَّ فِيهِمُ الأَبْدَالُ , يُوشِكُ أَنْ يُرْسَلَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ سَيْبٌ مِنَ السَّمَاءِ , فَيُغْرِقُ جَمَاعَتَهُمْ حَتَّى لَوْ قَاتَلَتْهُمُ الثَّعَالِبُ لَغَلَبَتْهُمْ , فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ خَارِجٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فِي ثَلاثِ رَايَاتٍ , الْمُكْثِرُ يَقُولُ : هُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا , وَالْمُقِلُّ يَقُولُ : هُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا , إِمَارَتُهُمْ : أَمِتْ أَمِتْ . يُلْقُونَ سَبْعَ رَايَاتٍ تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ مِنْهَا رَجُلٌ يَطْلُبُ الْمُلْكَ , فَيَقْتُلُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا , وَرَدَّ اللَّهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَلْفِيَتَهُمْ , وَنِعْمَتَهُمْ , وَقَاصِيَهُمْ , وَبَرَارِيَهُمْ )[347]. كذلك إرسال (عبد العزيز بن مروان) اليه وسؤاله إياه عن (عثمان بن عفان) , فأعرض عنه . كان من شيعة (علي) والوافدين اليه من أهل مصر , وقد شهد معه (صفّين)[348], رغم بعد الشقة[349].

 

لكن ما يهم هو معرفة ان التشيّع ل(علي بن ابي طالب) كان سمة الأمة الغالبة بين رواتها وعلمائها , سوى الناس من العوام البعيدة التي هي في عقائدها صدى للمراكز الحضرية , وهذا ما تنبهت له قوى الانقلاب العُمَري , فعزلت من صفته صحبة او قرابة رسول الله عن المشهد العام , فيما قامت قوى الامويين ومن شابههم بتصفية أمثال هؤلاء جسدياً , كما في الحروب المفروضة على (علي) .

وما يؤيد ذلك قول (ابن الصديق الحافظ) ما نصه ( والسبب في ذلك: أن الرفض كان شائعاً في عصورهم , فكانوا يتوهمون أن قبول مثل هذه الأحاديث فيه ترويج لبدعة الرفض , فيبالغون في الإنكار على من أتى بشيء من ذلك سداً لهذا الباب , مع أن الكثير منهم كان فيه أيضاً بدعة النصب , فكان ينتقم لنِحلته وهواه من حيث لا يشعر غيره ممن يظن به أنه من أهل السنة فيقلده في ذلك )[350]. لذلك كان قسم من الناس – لا يُعلم ان كانوا من العلماء ام من غيرهم – اتهموا المحدّث الكبير عند القوم (سعيد بن ابي عروبة) بالرفض واتيان البلاء في زمان الامويين حين روى شيئاً من فضائل اهل البيت[351].

فيما يقول (ابن قتيبة) – وهو من عمدة القوم – ما نصه ( وقد رأيتُ هؤلاء أيضاً حين رأوا غلو الرافضة في حق عليٍّ وتقديمه وادعائهم له شركة النبي … ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرأهم منهم , قابلوا ذلك أيضا بالغلو في تأخير عليٍّ كرّم الله وجهه وبخسه حقه , ولحنوا في القول , وإن لم يصرحوا إلى ظلمه , واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق , ونسبوه إلى الممالاة على قتل عثمان , وأخرجوه بجهلهم من أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن , ولم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه , وأوجبوها ليزيد بن معاوية لإجماع الناس عليه , واتهموا من ذكره بغير خير , وتحامى كثير من المحدّثين أن يحدّثوا بفضائله كرّم الله وجهه أو يظهروا ما يجب له , وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح , وجعلوا ابنه الحسين خارجياً شاقّاً لعصا المسلمين حلال الدم , وسووا بينه وبين أهل الشورى , لأن عمر لو تبيّن له فضله لقدّمه عليهم ولم يجعل الأمر شورى بينهم , وأهملوا من ذكره أو روى حديثاً في فضله , حتى تحامى كثير من المحدّثين أن يتحدثوا بها , وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية , يعني الموضوعة , كأنهم لا يريدونها بذلك وإنما يريدونه , فإن قال قائل ” أخو رسول الله – صلى الله عليه وآله – عليٌّ وأبو سبطيه الحسن والحسين وأصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين ” تمعرتْ الوجوه وتنكرت العيون وطرت حسايك الصدور , وإن ذكر ذاكر قول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ” من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ” و ” وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ” وأشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقه , بغضاً منهم للرافضة وإلزاماً لعليٍّ بسببهم ما لا يلزمه , وهذا هو الجهل بعينه )[352].

 

فليس الإيمان هو الذي صنع دولة الامويين , بل الانحراف الذي أنتجه الانقلاب , لذلك كان عليهم تعزيز كل مظاهر الانحراف , بعد قمع كل موارد الإيمان . وحين انطلقت جيوش الاسلام العُمَري لفتح البلدان – عنوة – تحت قيادة الأمويين وحلفائهم كان جلّ همّها الملك والثروة , وفرض الامر العسكري الواقع أمام الانتشار السلمي للدين المحمدي , واستبدال هذا الانتشار بنشر الاسلام العُمَري .

 

عن (البختري بن هلال) قال ( دخل أسماء بن خارجة على عبد الملك بن مروان, فقال له عبد الملك: قد بلغني عنك خصال كريمة شريفة, فأخبرني عنها؛ قال: يا أمير المؤمنين, هي من غيري أحسن؛ قال: فإني أحب أن أسمعها منك فأخبرني بها, قال: يا أمير المؤمنين, ما أتاني رجل قط في حاجة صغرت أو كبرت فقضيتها, إلا رأيت أن قضاءها ليس يعوض من بذل وجهه إلي؛ ولا جلس إلي رجل قط إلا رأيت له الفضل علي حتى يقوم من عندي؛ ولا جلست مع قومٍ قط فبسطت رجلي إعظاماً لهم وإجلالاً حتى أقوم عنهم. قال له عبد الملك: حق لك أن تكون شريفاً سيداً. قال أسماء بن خارجة: ما شتمت أحداً قط, ولا رددت سائلاً قط, لأنه إنما يسألني أحد رجلين: إما كريم أصابته خصاصة وحاجة, فأنا أحق من سد خلته, وأعانه على حاجته, وإما لئيم أفدي عرضي منه. وإنما يشتمني أحد رجلين: كريم كانت منه زلة وهفوة, فأنا أحق من غفرها, وأخذ بالفضل عليه فيها؛ وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضاً؛ وما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط فيرى أن ذلك استطالة مني عليه؛ ولا قضيت لأحد حاجة إلا رأيت له الفضل علي حيث جعلني في موضع حاجته. وأتى الأخطل عبد الملك فسأله حمالات تحملها عن قومه, فأبى وعرض عليه نصفها؛ فقدم الكوفة فأتى بشر بن مروان فسأله, فعرض عليه مثل ما عرض عليه عبد الملك, ثم أتى أسماء بن خارجة فحملها عنه كلها … وعن العتبي, عن أبيه, أن أسماء بن خارجة شرب شراباً يقال له: الباذق, فسكر, فلطم أمه! فلما صحا قالوا له, فاغتم وقال لأمه: من الخفيف لعن الله شربة جعلتني … أن أقول الخنا لكم يا صفية لم تكوني أهلاً لذاك ولكن … أسرع الباذق المقدي فيه قال الرياشي: المقد: قرية من قرى حمص, وأصل الباذق: الباذاه بالفارسية, وإنما يعرف بالمقدية, وهو حصن من أرض البلقاء. قال عبد الملك ذات يوم لجلسائه؛ هل تعلمون بيتاً قيل لحي من العرب لا يحبون أن لهم به مثل ما ملكوا, أو قيل فيهم ودوا لو فدوه بجميع ما ملكوه؟ فقال له أسماء بن خارجة: نعم يا أمير المؤمنين, نحن, قال: وما ذاك؟ قال: قول قيس بن الخطيم الأنصاري: من الوافر هنينا بالإقامة ثم سرنا … كسير حذيفة الخير بن بدر فوالله ما يسرنا أن لنا به مثل ما نملك؛ وقول الحارث بن ظالم: من الوافر فما قومي بثعلبة بن سعد … ولا بفزارة الشعر الرقابا والله إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي شعر قفاي قد خرج منها )[353], و(أسماء بن خارجة) أحد قتلة (الحسين بن علي) حفيد النبي وريحانته عند الطائفتين , والصحابي عند اهل السنة , والإمام المعظم عند الشيعة .

 

من جانب آخر صار توهين النبي بضاعة دولة الامويين كذلك , التي انتظمت فيها الكثير من القبائل القيسية المضرية الأعرابية . فقد نقلوا ان رسول الله كذّب (زيد بن أرقم) في سماعه (عبد الله بن ابي بن سلول) , ثم كذّب القرآنُ النبيَّ وصدّق (زيدا)[354].

كما صار بالإمكان لاحقاً إظهار خصوم النبي القدماء مثل (ابي سفيان بن حرب الأموي) على انهم من الصحابة , فمن يدري من الأقوام البعيدة ؟ , لا سيما مع جهالة تلك الأقوام بالكثير من الصحابة , وكذلك شهادات الزُّور الممولة رسميا , لاسيما مع مقتل سبعين الى مائة وعشرة الف مسلم يوم (صفّين)[355], الامر الذي يفيد بذهاب جل الصحابة ووجوه المسلمين الأوائل . وهذا الرأي الأخير منقول عن (الفضل بن شاذان) من ذهاب كبار الأصحاب في الحرب , ثم كثرتهم ومقتلهم مع (الحسين بن علي)[356].

 

وصار (بسر بن ارطأة العامري القرشي) , الذي ولد قبل رحيل النبي بسنتين ولم يَرَ رسول الله , صحابياً في سجل أهل الشام يروي عن الرسول . و(بسر) هذا هو الذي بعثه (معاوية بن ابي سفيان) فِي جيش من الشام , فسار حتى قدم (المدينة) , وعليها يومئذ الصحابي (أبو أيوب خالد بْن زيد الأنصاري) , صاحب النَّبِيّ , فهرب منه (أبو أيوب) إِلَى (علي) بالكوفة , فصعد (بسر) منبر (المدينة) , ولم يقاتله بها أحد , فجعل يذكّرهم بثأر (عثمان) ويتوعدهم بالقتل , وأجبر أهل (المدينة) على بيعة (معاوية) , وأرسل إِلَى (بني سلمة) , فقَالَ ( لا والله ما لكم عندي من أمان , ولا مبايعة , حتى تأتوني بجابر بن عبد الله ) صاحب النَّبِيّ , فخرج (جابر بن عبد الله) حتى دخل عَلَى زوج النبي (أم سلمة) خفيا , فقَالَ لها ( يا أمه إني قد خشيت عَلَى ديني , وهذه بيعة ضلالة ) , وهدم (بسر) دوراً كثيرة ب(المدينة) , ثم خرج , حتى أتى مكة , فخافه (أبو موسى الاشعري) , وهو يومئذ بمكة , فتنحى عنه , فبلغ ذلك (بسراً) , فقَالَ ( ما كنت لأوذي أبا مُوسَى , ما أعرفني بحقه وفضله ) , كأنما هو يعرف الرجل حق معرفته , ثم مضى إِلَى اليمن , وعليها يومئذ الصحابي (عبيد اللَّه بن العباس بْن عبد المطلب) , عاملاً ل(علي بن ابي طالب) , فلما بلغ (عبيد اللَّه) أن (بسراً) قد توجه إليه هرب إِلَى (علي) , واستخلف (عَبْد اللَّهِ بْن عبد المدان المرادي) , وكانت (عائشة بنت عَبْد اللَّهِ بْن عبد المدان) قد ولدت من (عبيد اللَّه) غلامين , فذبحهما (بسر) ذبحا , فتخالط فِي عقلها , وكانت تنشدهما فِي الموسم فِي كل عام[357].

وجعل الامويون دليل مسيرة رسول الله في شعاب مكة احد (بني أسلم) عشيرة الانقلاب , رغم ان مكة هي بلد رسول الله , وأهل مكة ادرى بشعابها[358]. وهذا التزوير لم يكن فردياً عشوائيا , بل مجموعاً منظما . ففي مجلس (مروان بن الحكم) وبحضور (سعيد بن المسيب) يفرد (مروان) صدر المجلس ل(حكيم بن حزام) احد قادة المشركين في واقعة (بدر) , ليروي قصتها , لتكون هي القصة الرسمية أمام هذا الجمع وتحذيراً الّا يروى غيرها , اذ جعل (حكيم) الامويين في حل من تهييج الناس على الإسلام وعلى رسول الله , وأحال الامر فيها الى علة وسبب شخصي ناشئ عن طلب (ابي جهل) لثأر (ابن الحضرمي) وتزمته في هذا الطلب , لا ان القضية اسلام (محمد) وكفر قريش والامويين[359]. وتبنى بعده ابنه (عبد الملك بن مروان) منهج التزوير في التاريخ , فاختار الضعيف المكسور أمام الامويين والكاره للهاشميين (عروة بن الزبير) فكاتبه في قصة معركة (بدر) , فنسبها (عروة) الى طمع رسول الله بسلب قريش , وإلى طمع أصحابه في أموالها , وأن الرسول بعث أباه (الزبير) في سرية قبضت على غلام لقريش عند ماء (بدر) , فأخذوا الأخبار منه بالضرب والتعذيب , ورسول الله ينظر ! , رغم ان الغلام بحسب (عروة) كان صادقا , وأن قريشاً إنما اضطرت الى الخروج إجارة لأموالها , وأن (أبا سفيان) نهى قريشاً عن الخروج بعد نجاة الأموال , وأن النبي حثا في وجوههم التراب عند مقدمهم – في مشهد سحري – فانهزموا[360]. وهنا استجاب (عروة بن الزبير) لرغبات (عبد الملك بن مروان) الأموي الفكرية التلفيقية في تبرئة عموم قريش وخصوص الامويين من دماء المسلمين ومن عداوة الإسلام والدين , وبالتالي جواز حكمهم على رقاب الأمة المسلمة , وأنهم مظلومون من (محمد) , وأنه هو من ابتدأ الحرب لا قريش , وأوجد لأبيه (الزبير) منقبة برأيه , وأساء للهاشميين وللصحابة الذين كانوا في صف (علي) يوم (صفّين) , وشرّع للحكّام جواز التعذيب . وتوافق المصالح بين (آل امية) و(آل الزبير) أنتج رواية أخرى حين استكتب (مروانُ بن الحكم) منهم (عروةَ بن الزبير) عن موقف (خالد بن الوليد) هل أغار يوم الفتح ومع من كان ؟ , مما يكشف ان امر (خالد) لم يكن موضحاً للعامة وتم إخفاء شيء سيّء يخصه , ولو كان يومها مسلماً لما احتاج الى استكتاب من الخليفة ذاته , فجعله (عروة) مسلما , وجعل (أبا سفيان) مبايعاً للنبي دون ذكر كراهته , وفي مقابل ذلك ادخل أباه (الزبير) في رواية الفتح وأنه محور القصة . وبهذا أضاع (آل الزبير) و(آل امية) تاريخ الفاتحين الحقيقي[361]. هذا فضلاً عن تاريخ رسول الله الذي اضاعته متناقضات النقل بين الصحابة المفترضين , كما حدث في اختلاف (عبد الله بن عمر) و(عائشة) على عدد مرات ما اعتمر النبي . وهي ليست روايات عن رواة متعددين للتفاضل , بل راوٍ واحد يروي اختلاف صحابيين في نفس المقام[362].

ونقلوا ان رسول الله كان ضعيفاً لا رأي له بين أصحابه يوم (الحديبية) لولا (ام سلمة) زوجه[363]. وكان المتكفل لمثل هذه الروايات (عروة بن الزبير) , الذي لم يخالط سوى أمه (أسماء بن ابي بكر) وخالته (عائشة) والامويين[364], عن (المسور بن مخرمة) , صريخ (عثمان) الى (معاوية) حين حصره القوم , واللازم ل(عمر بن الخطاب) الآخذ عنه , وشريك (آل الزبير) , والذي كانت تغشاه الخوارج تنتحل عنه[365]. وعن (مروان بن الحكم) عدو رسول الله وأهل بيته , وقاتل (طلحة بن عبيد الله) , الذي جعلت ذريته الخلافة ملكاً عضوضا . و(مروان) كان زوج (عائشة بنت عثمان) مما قد يكون اكسبه حصانة عند الرواة لحفظ ماء وجه (عثمان) ذاته[366].

ومن أشهر رواة قصة هجرة وصحبة (ابي بكر) مع النبي الى الغار كان (هشام بن عروة بن الزبير بن العوام) عن (عائشة) , ويكفي في بيان حاله انه من (آل الزبير) خصوم (علي) , وأنه ترك من عاصرهم من الصحابة لم يروِ عنهم وروى عن التابعين , وأنه اهوى على يد (ابي جعفر المنصور الدوانيقي العباسي) يريد تقبيلها وهو في شيخوخته على المال[367]. و(هشام) هو ذاته الذي روى زواج (عائشة) من رسول وهي بنت ست سنين عن ابيه (عروة) , اذ استكتبه – كالعادة – (عبد الملك بن مروان) الأموي في زواج النبي , فجعل (هشام) يحدّث عن (عروة) ان رسول الله تزوج (عائشة) قبل (سودة بنت زمعة) وهي بنت ست , وبنى ب(سودة) قبلها , ثم بنى ب(عائشة) وهي ابنة تسع . كل ذلك ليجعل ل(عائشة) فضلا , حتى وإن كان على حساب سمعة وإنسانية النبي ذاته . لكن من الواضح ان الرواية كانت من مخرجات العصر الأموي وإلا لما احتاجت الى استكتاب (عبد الملك بن مروان) لو كانت ثابتة . وموضوع زواج النبي كان شائكا ً بسبب قصصهم وروايات عصر الامويين , يروي كل راوٍ ما يوافق نفسه وقبيلته والقبائل التي تواليه , وتستعين الناس بروايات أمثال (آل الزبير) الملفقين , و(عائشة) التي تنطلق في كثير من رواياتها من كونها امرأة غيرى[368].

 

ولقد صنعت روايات الامويين هولوكوست يهودياً يدين رسول الله في جريمة قتل (بني قريظة) بلا رأفة . اذ تنقل هذه الروايات انه جمعهم – بعد حكم حليفهم (سعد بن معاذ) فيهم – في أخاديد وذبحهم صبرا . وتنقل هذه الروايات ايضاً علائم البطولة والإخلاص والحب التي تمتع بها هؤلاء اليهود , وأنهم كانوا أسمى من المادة , كما في نبل (الزبير بن باطا اليهودي) حسب الرواية . وتنقل ايضاً صورة شبيهة بصورة (سارة) اليهودية المختلقة في مسلسل (باب الحارة) من البِشر والطيبة والصبر . وهي صور قطعاً لم يتمتع بها اليهود يوما , وإنما اريد منها تهويل المشهد الدرامي , ليزداد الغضب العاطفي العالمي من فعل رسول الله , ومن سوء صنيع (سعد بن معاذ) مع حلفائه[369], وبالتالي الطعن على النبي والأنصار , والتبرير لجرائم الامويين[370]و(آل الزبير)[371].

ان الراوي لهذا الهولوكست المختلق هو (ابن شهاب الزهري) , الذي صار في ديوان أصحاب (عبد الملك بن مروان الاموي) , بعد ان قصده الى الشام مدقعاً فقيرا , واستبقاه يفتيه بقضاء (عمر) – الذي كان حليفاً لليهود – , و(عمر) لا قضاء له قد شغله الصفق في الأسواق كما قال , وبعد وفاته لزم ابنه (الوليد) , ثم (سليمان) , ثم (عمر بن عبد العزيز) , ثم (يزيد بن عبد الملك) , فاستقضاه (يزيد) على قضائه مع (سليمان بن حبيب المحاربي) جميعا , ثم لزم (هشام بن عبد الملك) , وصيّره (هشام) مع أولاده , يعلّمهم ويحج معهم[372].

ومن الهولوكوست الذي صنعوه قصة مقتل زعيم اليهود (كعب بن الأشرف) . اذ نسبوا ان رسول الله بعث جماعة منهم (محمد بن مسلمة) قتلوا (ابن الأشرف) غيلة , وقد غدروا به , بعد ان أحسن اليهم واستضافهم . ونقلت – كما قصص مقتل اليهود الأخرى – الصفات البطولية ل(ابن الأشرف) والحكمة لزوجته[373]. فيما لا يصح الغدر في الدين الإسلامي , فضلاً عن نقض العهود . ولقد ابى (مسلم بن عقيل) سفير (الحسين) قتل (عبيد الله بن زياد) الطاغية غيلة , وهو مسلم ليس له شرف مقام النبوة والرسالة , وقد نقل حينها حديث النبي ( ان الإيمان قيد الفتك , فلا يفتك مؤمن )[374], فكيف يكون هذا الامر من صنيع أنبياء الله .

و(محمد بن مسلمة) هذا هو الذي كان يروّع أهل الكنائس الآمنين على دينهم عند فتح الشام وليسوا من أهل القتال , يسانده احد قادة الانقلابيين (بسر بن ارطأة)[375].

لكنّ الرواية منقولة مرة عن (ثور بن زيد الديلي) , الذي كان يقول برأي الخوارج[376], وراوي حديث ( كتاب الله وسنتي )[377]الملفق بديلاً عن حديث ( كتاب الله وعترتي )[378], ورواية إقدام (ابن مسعود) على وضع رجله على عنق (ابي جهل) بسبب الثأر الشخصي لا الدين والعقيدة[379]. ومرة عن (عبد الله بن مغيث بن ابي بردة) , زميل (الزهري) صانع الهولوكوست السابق , والذي كان مقيماً عند (يزيد بن عبد الملك الأموي)[380], والناقل لحديث ( سيخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها احد بعده  . قال ربيعة: فكنا نقول: هو محمد بن كعب القرظي, والكاهنان قريظة والنضير )[381].

 

 

انّ العشرات من الآيات القرآنية التي تضمّنت مفردات ( أهل الكتاب , اليهود , بني اسرائيل , النصارى , المسيح , عيسى , موسى , نبي , رسول , التوراة , الإنجيل , الزبور , الصحف , ” اسماء الأنبياء ” , الرهبان , الأحبار , … ) وغيرها تشير بما لا يدع مجالاً للشكّ انّ الاسلام منذ انطلق الى وفاة النبي (محمد) كان يركّز في حواراته على اصحاب الديانات التوحيدية من اليهود والمسيحيين . امّا ما جاء من تأريخ كتبه أمثال (سيف بن عمر) الكذّاب[382], او دعاة الامويين والعباسيين , مثل (محمد بن عمر الواقدي)[383], والذي يُظهر أن تاريخ النبي اقتصر في أغلبه على المواجهة مع قريش ورجالاتها , فليس إِلَّا خدعة كبيرة . فلقد دخل في الاسلام – منذ دعوته الاولى – أفواج من أهل الكتاب طوعا , لا كما دخلته قريش كرها . لذلك تجذّر في أهل الكتاب , ومات في قريش وحلفائها .

 

ان الجزية التي جعلها الامويون مغرماً على الناس جعلت اقواماً – ومنهم الكثير من أقباط مصر – يعلنون اسلامهم . ولا ريب انّ هذا الاسلام من هؤلاء كان مملوءاً بالغلّ والحقد على هذا الدين والذين جاءوا به , كما انّه كان فرصةً لركوب الموجة الأموية , وهي التي ركبت الموجة الانقلابية من قبل , ليتشكل في النهاية تعقيد يُدعى ( دِيناً ) , جوهره النفاق والوثنية .

فمن طغيانهم على خلق الله ما تناقلته الأخبار عن (ابن الحكم) الأخباري القديم , حيث يروي ( انّ صاحب اخنا قدم على عمرو بن العاص , فقال اخبرنا ما على احدنا من الجزية فيصبر لها . فقال عمرو وهو يشير الى ركن كنيسة : لو أعطيتني من الركن الى السقف ما أخبرتك , إنما أنتم خزانة لنا , إِنْ كثر علينا كثّرنا عليكم , وإن خفف عنا خففنا عنكم . فغضب صاحب اخنا فخرج الى الروم فقدم بهم , فهزمهم الله ! , وأُسر النبطي , فأُتي به عمرو , فقال له الناس : اقتله . فقال : لا , بل انطلق , فجئنا بجيش اخر )[384]. ويكفي من هذه الرواية معرفة مدى ما عانته البلدان المفتوحة من هؤلاء الطغاة , ومدى استهزائهم بدماء الناس , مسلمهم وذمّيهم . وهي اخت المقولة التي قالها أمير (معاوية) لأهل العراق بما مضمونه ( إنما هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش )[385]. حتى انه في زمان الامويين اُشيع ان أهل السواد عبيد , رغم رفض فقهاء القوم لهذه المقولة[386].

فيما كان (الأصبغ بن عبد العزيز الأموي) شقيق (عمر بن عبد العزيز) أشد الناس كرهاً من قبل الشعب المصري , لفرضه عليهم الضرائب الجائرة .

امّا (عبد الله بن عبد الملك بن مروان) فقد ( فعل افعال سوء وصنع آلات عذّب بها الناس , وكان كالوحش الضاري , حتى انه في اكثر أوقاته اذا جلس على المائدة يقتلون الناس قدّامه ) .

فيما ثار المسلمون والمسيحيون سويةً ضدّ الوالي الجائر لدولة الخلافة (قرة بن شريك) . وجاء الوالي (أسامة بن زيد) بإجراء كانت متبعاً في الإمبراطوريات القديمة من قبل أشد الطغاة , حيث وضع حلقات الحديد في أيدي السكان لضمان دفعهم الضرائب , بمن فيهم رهبان الكنيسة القبطية . وجاء (عمر بن العزيز) ليطرد المسيحيين من الدواوين . ومن هذا يُعلم كيف كانت الشعوب تنفر من الاسلام الذي يمثّله هؤلاء . حتى قال (عمر بن عبد العزيز) نفسه ( الوليد بالشام, والحجاج بالعراق, وعثمان المري بالحجاز, وقرة بمصر. امتلأت الدنيا والله جورا )[387].

في الوقت الذي كان (محمد بن كعب القرظي) – وهو من مسلمة اليهود – اقرب المقربين الى الخليفة الأموي (عمر بن عبد العزيز) , وكان يأتي لزيارة الخليفة في (دمشق) كما يذكر (ابن سعد) في (الطبقات) , ويبعث برسائله من (المدينة) الى قصر الخليفة بدمشق , فيجيبه الخليفة من هناك .

امّا اليهودي الاخر (وهب بن منبه) فقد كان إماماً للمسلمين خلال حكم الامويين , وكان على القضاء في (صنعاء) لصالحهم , وله جملة من الآراء في القدَر احدثت خلافاً بين عامّة المسلمين . وقد روى القوم عن (وهب) قوله ( يقولون عبد الله بن سلام كان أعلم أهل زمانه , وإن كعباً أعلم أهل زمانه , أفرأيت من جمع علمهما , أهو أعلم أم هما )[388]. فأي دولة إسلامية كان اعلم علمائها ثلاثة من اليهود ؟! , هذه هي دولة الامويين , وارثة الانقلاب العُمَري .

 

وينقل (ساويروس) , ضمن حديثه عن (تاوضوروس) زعيم الكنيسة الخلقدونية الرومانية , كيف كان الامويون يأخذون الرشى من المسيحيين الخلقدونيين , لتغريم زعيم الأقباط , حيث استلم (يزيد بن معاوية) مبلغاً كبيراً من المال من اجل ذلك . لكنّ الواقع انّ الكنيسة القبطية كانت على العكس من ذلك في توسّع وازدهار في هذه الفترة , في الوقت الذي يتم التشدد تجاه مسيحيي العراق الموحدين . ما يكشف عن الحقيقة الفلسفية للتعاون ( الأموي – المسيحي التثليثي ) , الناشئة عن الوثنية .

فيما ينقل (بيدي) , الذي عاش في زمان (معاوية) , كيف حكم هذا الخليفة حول كفن (المسيح) , حيث قال (معاوية) كما ينقلون ( دعوا المسيح مخلص العالم , والذي تعذّب من اجل البشرية , والذي لفّت هذه القطعة من القماش التي احمل بين يدي حول رأسه في القبر من طريق شعلة النار لمن يعود هذا النسيج ) . وهذا الطقس الذي ادّاه (معاوية) – إِنْ صحّ – ليس الا استمراراً للكهنوت السحري القديم , واقراراً بالمسيحية البولصية .

فيما ينقل (فينلاي) كيف انّ المسيحيين كانوا يروون قصة اليهوديين الذين تنبّأوا ان يحكم (يزيد الثاني) أربعين سنة , لكنّهما طلبا اليه تهديم الرموز المسيحية , فمات اثناء تنفيذ طلبهما . والغريب انّ هذين المتنبئين اليهوديين هما ذاتهما من تنبأوا للمدعو (كونون) بحكم الامبراطورية الرومانية , وطلبا اليه لقاء ذلك ان يقضي على تلوث المسيحية في الشرق ! , وقد حكم باسم (ليو الايزوري) , فاضطهد المسيحيين واليهود على السواء . ولا تُعرف الغاية من هذا الربط بين (ليو الايزوري) و(يزيد الثاني) , لكنّ الاكيد انّ هناك صلة ما , يمكن إجمالها في الحملتين اللتين شنهما كل من (ليو) للتغيير القانوني والديني , و (يزيد الثاني) ضد المسيحيين الشرقيين بقيادة (مسلمة بن عبد الملك) . كما انّ هذه الرواية تكشف عن تداخل عالم المؤامرات , وسقوط الحدود الجغرافية او الدينية أمام الحركة التآمرية لحاخامات السنهدرين . وكان الاستهداف نحو النصرانية واليهودية الشرقيتين الموحدتين , فيما يبدو انه خطوة باتجاه ( أوروبا الحديثة ) .

فيما يرى (مكسيموس المعترف) انّ (العرب) – وهم كانوا ممثلين في نظره بسلطة الانقلاب العُمَري الأموي – أدوات للتمهيد لقدوم عدوّ المسيح ( المسيح الدجّال )[389].

وكان (محمد بن كعب القرظي) – وهو من مسلمة اليهود – اقرب المقربين الى الخليفة الأموي (عمر بن عبد العزيز) , وكان يأتي لزيارة الخليفة في (دمشق) كما يذكر (ابن سعد) في (الطبقات) , ويبعث برسائله من (المدينة) الى قصر الخليفة بدمشق , فيجيبه الخليفة من هناك .

امّا اليهودي الاخر (وهب بن منبه) فقد كان إماماً للمسلمين خلال حكم الامويين , وكان على القضاء في (صنعاء) لصالحهم , وله جملة من الآراء في القدَر احدثت خلافاً بين عامّة المسلمين . وقد روى القوم عن (وهب) قوله ( يقولون عبد الله بن سلام كان أعلم أهل زمانه , وإن كعبا أعلم أهل زمانه , أفرأيت من جمع علمهما , أهو أعلم أم هما )[390]. فأي دولة إسلامية كان اعلم علمائها ثلاثة من اليهود ؟! , هذه هي دولة الامويين , وارثة الانقلاب العُمَري .

و (ابو الدرداء) – بأمر من (معاوية) – ينشر الثناء على (كعب الأحبار) فيقول ( إن عند ابن الحِمْيَرية لعلماً كثيرا ) , و(معاوية) ذاته يثني على الاثنين ومنهم (كعب الأحبار) فيقول ( ألا إن أبا الدرداء أحد الحكماء , ألا إن كعب الأحبار أحد العلماء , إن كان عنده لعلم كالبحار , وإن كنا فيه لمفرطين )[391].

ويروي الرحالة الأسقف (اركلف) – الذي حجّ الى القدس عام ٦٧٠م – انّه وجد طائفتين من اليهود في القدس , احدهما اعتنقت المسيحية , والأخرى بقيت على اليهودية .

فيما كان ل(عبد الملك بن مروان) – الخليفة الأموي – جماعة من اليهود يعملون بين يديه مختلف الاعمال , قد اسقط عنهم الجزية , وقد قام هذا الخليفة الأموي ببناء مجمل الحرم والصخرة في (بيت المقدس) عام ٦٩٠م , ورصد لذلك خراج (مصر) لسبع سنين , في أبهة وفخامة دنيوية اثارت حتى الكتّاب الافرنجيين , لكنّ الغريب انه جاء بعشرة أسر يهودية للقيام بخدمة الحرم ! , وقد تكاثرت تلك الأسر لاحقاً .

وهذا الإسكان المتكرّر للأسر اليهودية في القدس امر مريب جداً , حيث ابتدأه (عمر بن الخطاب) , الذي كان المؤسس ايضاً لمشروع اعادة إعمار الهيكل , واستمرّ في أدائه (عبد الملك بن مروان الأموي) , الذي اتمّ البناء ايضا , فيما قام الزعيم الأشهر في تاريخ الحروب الوسطى (صلاح الذين الأيوبي) بإسكان ثلاثين أسرة يهودية جديدة , بطلب من طبيبه اليهودي الأندلسي الخاص وشيخ (كبّالاه) السحرية الأشهر (موسى بن ميمون) , بعد فتحه ل(القدس) وطرد الصليبيين , وبعد أنْ كان صديقاً مقرباً وقديماً لوصي العرش الصليبي القمص (رايموند) .

وعجيب هذا الاشتراك في المهمة الغريبة من هؤلاء القادة المسلمين الأشهر والأكثر احتراماً في التاريخ الرسمي , وما اعجب من ذلك الّا اشتراكهم – جميعاً – في العداء المفرط لأهل البيت المحمدي وشيعتهم , حتى بقر بعضهم بُطُون الحوامل .

وقام لاحقاً (الوليد بن عبد الملك الأموي) – الذي قام بهدم بيوت اهل (المدينة) على رؤوس أهلها , بعد ان امر واليه (عمر بن عبد العزيز) بذلك[392] – بنقش اسمه بالفسيفساء على الكرنيش الموضوع على المثمن الذي يحمل قبة الصخرة , وهو ما ازاله الخليفة العبّاسي (المأمون) لاحقاً وكتب اسمه مكانه .

ومظاهر التغيير الديمغرافي كانت سمة بارزة للعصر الأموي , حيث تمّ تهجير القبائل الموالية للحزب العَلَوي المحمدي , قسراً او تطويقا , في الوقت الذي تمّ اسكان الجنود المنشقين عن بيزنطية بقيادة (سابوريوس) في الشام , بأمر من (معاوية) , وتحت إشراف ابنه (يزيد) , كما قام الأمويون بتوطين المنشقين (السلاف) في المناطق الشامية ايضا .

الظاهرة في تاريخ أمراء الامويين هي اعتمادهم على الوزراء المسيحيين , او نشأتهم تحت مربّي مسيحي , بل يمكن القول انّ الدولة الأموية تمت ادارتها من خلال وزراء مسيحيين ومفتين يهود .

فاذا كانت الكنيسة البولصية تقول عن (يوحنا الدمشقي) انه ( هو أحد آباء الكنيسة العظام في مشارق المسكونة ومغاربها ) , وقد وصفه المؤرخ (فيليب حتي) بأنه ( مفخرة من مفاخر الكنيسة التي ازدهرت في ظل الخلافة الأموية , وذلك لما اتصف به من النضوج والمقدرة كمنشد ولاهوتي وخطيب وكاتب بارع في فن الجدل )[393], ووصفه البابا (يوحنا بولس الثاني) في رده على إشادة البطريرك (اغناطيوس الرابع) به بقوله ( هو المناضل عن الإيمان الأرثوذكسي )[394], فيجب ان يُعرف انّ (يوحنا) هذا وعائلته هم من أداروا الدولة الأموية فعلياً , وهو خلقيدوني ارثوذكسي المعتقد , بدليل نتاجه في العقيدة الخلقيدونية كما يرى باحثون مسيحيون , وقد ترهّب في دير القديس (سابا) الأرثوذكسي الحافظ للإيمان الأرثوذكسي وقتئذ .

وشغل (منصور الرومي) – جد (يوحنا) – مركز مدير المالية العام وحاكمية دمشق في عهد الإمبراطور الرومي (موريس) ٥٨٢ – ٦٠٢م وحتى عهد (هرقل) ٦١٠ – ٦٤١م , وهو الذي فاوض العرب على تسليم دمشق صلحاً بيد (ابي عبيدة) على غير علم من (توماس) حاكم (المدينة) وصهر (هرقل) .

ولمّا كانت أمور الشام كلها قد أوكلت الى (يزيد بن ابي سفيان) – الذي كان القائد العام للجيوش العُمَرية هناك – فقد توافق الرجلان , فاعتمد (يزيد) على (منصور الرومي) وأبقاه . ولدى موت (يزيد) انتقل حق الولاء إلى أخيه (معاوية) , ثم إلى (يزيد بن معاوية). ولعل وفاة (المنصور) كانت في أواسط القرن السابع .

ويخبر الأب (لامنس) على أن (المنصور) اعتزل في دير (القديسة كاترينا) في (سيناء) بعد تسليم دمشق , وألّف هناك كتاب ( شرح الزامير ) المنسوب إلى (أنستانيوس السينائي) , ويشير إلى أن (منصور) هو نفسه (أنستانيوس السينائي) بعد تغيير اسمه كنسياً , وأنه هو الذي كتب شرح ( المزمور السادس ) .

امّا (سرجون) – والد (يوحنا) – فقد ذكره المؤرخون العرب باسم (سرجون بن منصور الرومي) , كاتب (معاوية) وصاحب أمره[395], وكذلك لابنه (يزيد بن معاوية) , وكاتب الجند ل(عبد الملك بن مروان)[396]. ولّاه (معاوية بن ابي سفيان) ديوان المالية في ولاية الشام اولاً , ثم في سائر ارجاء الإمبراطورية الأموية عندما اصبح الخليفة الأموي الأول , وقد استمر في وظيفته هذه الى خلافة (عبد الملك بن مروان) , اي ما يزيد على الثلاثين عاماً , كان خلالها زعيم المسيحيين في دمشق . ويكفي في سوء صنيعه انه هو الذي أشار على (يزيد بن معاوية) تولية (عبيد الله بن زياد) العراقينِ ( الكوفة والبصرة ) للقضاء على أيّ حركة تخرج لنصرة ابن بنت رسول الله (الحسين بن علي بن ابي طالب) , ومن ثمّ قتله بكربلاء .

وصف الدكتور (جوزيف زيتون) عن (يوحنا الدمشقي) المولود في دمشق ما بين العامين (٦٥٥ – ٦٦٠م) بأنه دُعي منذ القرن التاسع ب( دفاق الذهب ) بسبب ( النعمة المتألقة في كلامه وحياته ) . تتلمذ هو وأخ له بالتبني اسمه (قزما الأورشليمي) عند راهب صقلي اسمه (قزما) ايضاً , تعلما منه الإيمان الأرثوذكسي, والفلسفة اليونانية , وقد طوّع (يوحنا) الفلسفة اليونانية لإيضاح العقيدة والإيمان الأرثوذكسي وعاش (يوحنا) ثرياً , من رواد البلاط الأموي بالنظر الى مكانة والده عند الخلفاء , وقد ربطته بالخليفة (يزيد بن معاوية) صداقة حميمة , وكانت (ام ميسون) زوجة (معاوية) وهي مسيحية من (بني تغلب) , فقضى (يزيد) صباه بين اخواله وفي صحبة اتراب مسيحيين ك(الأخطل) الشاعر المسيحي التغلبي و(المنصور بن سرجون) اي (يوحنا الدمشقي) , وقد تحرر علناً من احكام الشريعة الاسلامية حتى اتهمه بعض المؤرخين المسلمين بانتحال المسيحية , وقد عهد بتثقيف ابنه الى راهب مسيحي , ويخبر (ابن العبري) انه ابقى حكاماً مسيحيين على مقاطعات كثيرة و(الرها) خصوصاً, فقد ظلت (المدينة) يحكمها (انستاس بن اندراوس) , وكان (الأخطل) يدخل على الخليفة معلقاً على صدره صليباً من ذهب مما حّمّله لقب ( حامل الصليب ) وكان به مرفوع الرأس , ويظهر أن (يوحنا) شغل منصباً إدارياً رفيعاً في زمان الأمويين , وعلى الأغلب هو وظيفة ابيه امين ديوان المال العام في الخلافة الأموية , كما يجمع معظم الدارسين لسيرته , إضافة الى ان البعض اسند اليه بالإضافة وظيفة امانة سر الخليفة او مستشاراً أولاً , ثم بعد وفاته في دير (مار سابا) تم الاعتراف بقداسته في الثقافة المسيحية الارثذوكسية من خلال المجمع المسكوني السابع الى اليوم[397].

و (يوحنا الدمشقي) سليل الاسرة السرجونية الرومية هذه , والمتنعّم بأموال الدولة الاسلامية , كتب في كتابِه ( الهرطقات ) – باليونانيّة – الذي يُعدّد فيه مئة بدعة نشأت في المسيحيّة ( حتّى عصرِه ) , ويختمها بالهرطقة المئة ( هرطقةُ الإسماعيليّين ) أي “لإسلام . في مقالِه هذا يقول ( محمّدٌ نبيٌّ كذّابٌ , قابلَ راهبًا آريوسيًّا فاخترعَ بدعتَه ) .

والراهب الذي يتَّهمون النبي (محمداً) به هو المدعو (بحيرى) , ونسبوا أنه ورد ذكرُه أيضًا عندَ (عبد المسيح بن إسحاق الكنديّ) في القرن الثّالث الهجريّ في رسالتِه إلى (عبدِ اللهِ بن إسماعيل الهاشميّ) بقوله ( بعدَما طُردَ الرّاهبُ النسطوريّ سرجيس مِنَ الكنيسة , قَدِمَ مكّةَ في الجزيرة العربيّة وقابلَ محمّدًا ولقّنه التعاليمَ النسطوريّة )[398].

انّ هذه المواجهة تكشف عن استمرار الصراع بين المسيحية الموحدة (النسطورية) وبين المسيحية الوثنية (البولصية) , وذلك حين تُفهم هذه الكتابات من وجهة نظر المسيحيين البولصيين . فبغض النظر عن حقيقة هذه الاتهامات , يمكن بوضوح رؤية الصِّلة التي أوجدوها بين النصرانية الموحدة وبين النبي (محمد) . فيما انطلقت المسيحية الوثنية المجسمة (البولصية) في هجومها من تحت مظلّة الحكم الأموي , الوارث للانقلاب العُمَري . وبذلك فالصراع ظلّ قائماً بين الوثنية بكلّ وجوهها الجماعاتية وبين التوحيد بكلّ مظاهره الفكرية .

وفيما كانت المسيحية البولصية تنمو في غرب أوروبا , تحت رعاية الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الغربية , كان من اللازم إنهاء الوجود الفكري للكنيسة الرومانية الشرقية وإضعافه , لتأثرها بالمدّ الشرقي الأقرب الى التوحيد , رغم ظاهرها البولصي العام , وهذا ما ساهمت فيه دولة الامويين , بالإضافة الى إسهامها المباشر في إنهاك وتطويق الدين الاسلام ورجالاته , من خلال ايذاء القادة الحقيقيين من (آل محمد) . لذلك كانت الدولة العثمانية صاحبة الفضل ايضاً في نمو السيطرة الفكرية للفاتيكان , بعد اسقاطها لبيزنطية , لأنّ ذلك كلّه كان مقدمة لعبور يهود السنهدرين نحو أوروبا وعقلها , والذين كانوا يعبِّرون عن الارث الكهنوتي الفرعوني المظلم .

 

 

لقد ابتدأ الامويون عصراً مادياً دكتاتورياً بحتا . فتم حرق سجلات الايجار والضمان لأراضي الدولة سنة 82ه , ومن ثم نهبها المتولون عليها من افراد القربى الذين اقطعهم (عثمان بن عفان) ثم ملوك الامويين الأراضي دون وجه حق[399]. فيما جعلوا اهل البلاد المفتوحة وما يملكون رزقاً للامويين وعمّالهم , واعتبروا الموالي من غير العرب عبيدا , وفرضوا اشد الضرائب على اهل الذمة في كل بلاد الإسلام , بل اخذوا الجزية عنوة حتى ممن اعلن اسلامه رغم انفه , حتى نفر الاقباط من المسلمين . بل وصل الامر ان عمال الامويين اختلقوا ضرائب غير موجودة في النصوص الشرعية , وكانت قاسية الى حد النهب والاذلال , واحصوا على الناس ثمارهم وأرزاقهم . وقد كان الموالي غير العرب يقاتلون في جيوش الامويين سخرة لا اجر لهم[400]. فعصر الامويين كان عصر ذل وقهر واستكبار وجور[401].

وقد بدأ (معاوية بن ابي سفيان) مشروع اذلال للأمة , في محاولة لكسر الحواجز التي تمنع من إقامة الملك العقيم ل(آل أمية) , كما انه بدأ بإيذاء أنصار (علي بن ابي طالب) , لوعيهم الذي عززه (علي) , ولجرأتهم وإيمانهم بالدِّين المانع من ملك الرجال .

وقد جعل عتاة الامويين على الإفتاء مولى نوبياً ولد في زمان (عثمان) , هو (عطاء بن ابي رباح) , رغم أنه فِي (المدينة) لازال خيار من الصحابة وأجلّاء التابعين وصفوة (آل محمد) . وقد وضع له كتّاب السلطان الأحاديث في علمه وفهمه , يناقض بعضها بعضا , حتى جعلوه أفضل من كل رجالات عصره , وفيهم الصحابة والتابعون و(آل محمد) . بل ولم يسمحوا بأن يفتي في الحجاز احد الا (ابن ابي رباح)[402]. فهو احد الناقلين زوراً احاديث مرض النبي في فضل (ابي بكر) .

فيما كان الامويون – بعد ان لم يجدوا ما يشين دين (علي) – يريدون الدخول اليه من عالم السياسة , ثم يؤصلون جذرها بالدِّين العمري او المصنوع . فهذا (عمر بن عبد العزيز) – الذي يُدّعى زوراً صلاحه – يخاطب ويتلاعب ب(أبي أيوب ميمون بن مهران الجزري الرقي) المتوفى سنة ست عشرة و مائة بالجزيرة , و كان (ميمون) في الطبقة الأولى من التابعين, قليل الحديث يحمل على (علي) , قال (ميمون) مرة ( كنت أفضّل علياً على عثمان, فقال لي عمر بن عبد العزيز: أيّهما أحب إليك رجل أسرع في المال, أو رجل أسرع في كذا , يعني في الدماء؟ قال: فرجعتُ, و قلتُ لا أعود )[403]. ولعلّ (عمر بن عبد العزيز) كان يقصد دماء الامويين , التي أسرع فيها (علي بن ابي طالب) في (بدر) وهم على الشرك وهو على الإسلام , وقد تخلّف عنها (عثمان)[404].

بينما بعث والي الامويين على العراق (زياد بن ابيه) إلى (صيفي بن فسيل الشيباني) , فأتي به , فقال له ( يا عدو الله ما تقول في أبي تراب ؟ّ فقال: ما أعرف أبا تراب. قال: ما أعرفك به! قال: ما أعرفه. قال: أما تعرف علي بن ابي طالب ؟ قال: بلى. قال: فذاك أبو تراب. قال: كلا , ذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب شرطته: يقول لك الأمير هو أبو تراب, وتقول أنت لا ! قال: وإن كذب الأمير , أتريد أن أكذب أو أشهد له على باطل كما شهد؟! قال له زياد: وهذا أيضاً مع ذنبك , عليّ بالعصا. فأتي بها , وقال: ما قولك في علي؟ قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين. قال: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض. فضربوه حتى لصق بالأرض , ثم قال: أقلعوا عنه , ايه ما قولك في علي؟ قال: والله لو شرحتني بالمواسي والمدي ما قلت في علي إلا ما سمعتَ مني. قال: لتلعننه أو لأضربن عنقك. قال: إذاً تضربها والله قبل ذلك, فإن أبيتَ إلا أن تضربها رضيتُ بالله وشقيتَ أنت. قال: ادفعوا في رقبته. ثم قال: أوقروه حديداً وألقوه في السجن )[405] . وهنا يُلاحظ مدى فظاظة عمَّال الامويين تجاه (علي) وشيعته , رغم اتفاق الأمة على انه من كرام الصحابة على اقل التقادير , كما يُلاحظ المستوى العالي من الوعي والإخلاص لدى احد (بني شيبان) في الولاء ل(علي بن ابي طالب) . ولهذا استهجن (الحسين بن علي) – في جوابه ل(معاوية) حين راسله – استلحاقه (زياد بن ابيه) وتسليطه على العراقين , حيث عذّب ومثّل بالمسلمين على عقيدتهم[406].

فيقول (ابن عبد البر) في (علي بن ابي طالب) ما نصه ( وقد كَانَ الامويون ينالون منه , وينقصونه , فما زاده الله بذلك إلا سموا وعلوا ومحبةً عِنْدَ العلماء )[407].

 

 

وفي جهة أخرى , وبينما كان خصوم الفاطميين مثل الخارجي (ذي الحمار ابي يزيد مخلد بن كيراد) حليف الامويين في الأندلس يستبيحون المدن ويعيثون فيها خراباً ويجيزون الغدر , كان شيعة (علي) من الفاطميّين يعمرون البلدان ويؤسسون المدن الجديدة والجامعات . حتى ان الفاطميين حين ظفروا بحرم وعيال (ابي يزيد ذي الحمار) في القيروان – وقد هرب هو – امنوهم وأجروا عليهم الرزق , الا انه عاد يقاتلهم , وعياله بين يدي الفاطميين مكرمون , ثم ان (ذَا الحمار) تعهد بوقف القتال وطلب اليهم إرسال حرمه وعياله , ففعلوا , لكنه حين وصلت عياله نكث العهد وغدر بهم[408].

 

 

وفي بلاد الغرب عموماً كان الامويون يجيدون فن تأليب القبائل على بعضها , كما كانوا في الشرق , ويراهنون على الجهل , وذلك من خلال تولية الأعراب مثل (ابي الخطار حسام بن ضرار الكلبي) و(الضميل بن حاكم بن شمر بن ذي الجوشن الكلابي) , وجدّه (الشمر) هو قاتل (الحسين بن علي) ريحانة رسول الله , وكلاهما أعرابيان . واشتهرت الفتن القبلية بين اليمانية والقيسية في بلاد الأندلس التي أدارها الامويون , كبديل نوعي عن وجود الترك بالنسبة للأمويين قياساً على أدوات العباسيين في الشرق .

وقد كانت الهجرة الجماعية من الشام الى الأندلس – تحت إشراف الأمويين لأسباب سياسية – عاملاً مهماً في حدوث تغيير ديموغرافي لصالح التشيّع وانتشاره في تلك البلاد , بخروج النواصب عن بلاد العرب , كما حدث من قبل بخروج القبائل القيسية الأعرابية بقيادة (الضميل بن حاكم) حفيد ال(شمر بن ذي الجوشن الكلابي) من ارض العراق , الامر الذي يعني لفظ العراق لهذا الفكر بعد مقتل (الحسين بن علي) , وتوفر فرصة ازدهار الفكر الشيعي .

وقد يكون الامويون كافئوا ذرية ال(شمر بن ذي الجوشن الكلابي) بولايتهم في الأندلس وزعامة القبائل القيسية فيها , او قد تكون هذه القبائل هي التي اختارت الانسلاخ عن وطنها لانسلاخ عقيدتها عن باقي القبائل المتشيعة , اذ خرجت هذه القبائل الى الأندلس قبل سقوط حليفتهم دولة الامويين, وقد كانت سبباً رئيساً في قيام دولة الامويين في الغرب بعد سقوطها في الشرق , من خلال استقبالها ومعاونتها ل(عبد الرحمن الداخل الاموي) .

وكان من القبائل العراقية في الأندلس بعض (بني اسد) , وهي القبيلة التي عمودها العام شيعي , واذا تمت اضافة وجود بعض (النخع) سابقاً في فتح الأندلس , ووجود عموم أعراب المضرية , يبدو واضحاً خروج اغلب النواصب وخصوم الفكر الشيعي من قبائلهم اذا كان عمودها العام شيعيا , وعموم القبيلة الأعرابية الى خارج ارض العراق بعد مقتل (الحسين) . وقد أقام خلفاء (عبد الرحمن الداخل) من ولده على تفرقة القبائل وإنشاء الصراع بينها , كما كان الصراع بينهم قائماً على الملك . فنشبت اليمانية على المضرية بقيادة (سعيد بن الحسين بن يحيى الأنصاري) , ونشبت المضرية بمعونة الامويين على اليمانية , واعتمد بعضهم الغدر والغيلة . وانشغلت القبائل بنفسها عن صراع الإخوة من الامويين بينهم على الملك .

وقد كانت القبلية والتفرقة العنصرية والابادة سلاح الامويين الدائم حتى في الأندلس وبمثله كسروا وحدة المسلمين . حتى ان الحكم الأموي قتل وشرَّد جلّ فقهاء دولته لمّا ثاروا عليه بقيادة (يحيى بن يحيى الليثي) و(طالوت الفقيه) بسبب ركونه الى ملذاته الدنيوية . وقد قتل الحكم الأموي بالاتفاق مع واليه (عمروس) أهل طليطلة غدرا , بعد ان آمنهم ودعاهم الى وليمة , فأمرهم بالدخول من باب والخروج من اخر خشية الزحام , في بناء أعده واليه بالحيلة لهذا الامر , فكان يذبحهم شيئاً فشيئاً الى ان قضى على معظمهم وهم مسالمون . والغريب ان هذه الحيلة فعلها امير إقليم (المنتفگ) في جنوب العراق , وهو من أبناء العامة غير الشيعة مع شيوخ قبيلة (البدور) الوائلية وذبحهم غدراً بذات الطريقة في القرن العشرين الميلادي بعد ان دعاهم لوليمة وأمنهم . فالقوم أبناء القوم .

وكان الحكم الأموي قد امتثل سياسة العباسيين تماماً في اتخاذ الموالي العجم جيشا , حتى زادت عدتهم عن خمسة آلاف , وركن الى ملذات الدنيا ووطد امرها تماماً لخلفه . حتى ان (عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الأموي) استقبل المغني العباسي (زرياب) الذي قدم اليه من بلاط العباسيين في بغداد , فأكرمه وأتاح له فتح باب صناعة الغناء في الأندلس , والسيف يجري على رقاب الناس .

 

وقد استعان زعيم البيت الاموي (عبد الرحمن الداخل) بالخلاف اليماني المضري في إقامة دولته الأموية , وقد دعا في اول أمره للعباسيين ثم غدر واستقل بالملك . ولما عظم الخلاف بين اليمانية والمضرية استخدم الموالي لحماية ملكه , بعد ذبحه اغلب زعماء الطرفين الذين بايعوه على الملك او لم يبايعوه . وبعد ان وصل اليه أهله من الامويين وولاهم الأقاليم . وقد كانت هذه السياسة الدنيوية سبباً في انهيار ملك المسلمين في الأندلس وانحسار دعوة الإسلام في أوروبا , اذ انشغل الناس بالقتل والصراع عن فكرة إيصال الإسلام للغير بالتي هي احسن , حتى وصل الامر الى التشبه بملوك أوروبا من حيث البذخ والجهل[409].

ولما استفحل امر الموالي الترك في المشرق على العباسيين , وقتل خادمهم التركي (مؤنس المظفر) الخليفة (المقتدر) العباسي , وكان سيف الامويين يحز رقاب المعارضين والمخالفين في الأندلس , تلقّب أمراء الامويين في عهد (عبد الرحمن الناصر) بلقب منتحل هو ( امير المؤمنين ) , فكان هذا الامر الإعلان شبه الرسمي لانهيار الخلافة الإسلامية في الشرق , والتي ضعفت لاحقاً منذ ان قتل (خوارزم شاه) امراء الغور المستأمنين[410]اخر القادة الذين يملكون الوعي الكافي لصد خطر وثنيي الشرق , ليبدأ الانهيار الثقافي ثم الأمني , والغرب حيث يقود أصحاب التجربة الاموية الفاشلة مسبقا . حتى اغار الاكراد والجنود الاتراك على بستان الخليفة العباسي[411]. ولم يسقطها الوزير (ابن العلقمي) كما يدّعي كتّاب السلطان .

فلا الشرق الكبير يملك أمره , ولا الغرب يملك الحفاظ على كيان الأمة , والجميع منشغل بالدم والملذات . حتى ان الهدية المشهورة من الذهب والفضة والاثاث والأقمشة والعطور وغيرها التي جاءت للخليفة الأموي في الأندلس من وزرائه كانت من البذخ والمبالغة ما لم يسمع به احد , وبما يكشف ان ملوك الامويين في الأندلس كانوا ملوك الدنيا المحض , ومن المستهترين بالناس والنابذين لمطلق الدين والعرف , وأنهم بلغوا من الطغيان ما حال بينهم وبين نصر الله[412]. حتى ان ملوك الامويين استعانوا بالبربر والموالي والاوروبيين النصارى في صراعهم على الدنيا , بعد ان نبذوا العرب الذين أرادوا الملك لما رأوْا ما عليه دنيا الامويين[413].

ومن الواضح ان هؤلاء الملوك ومن سبقهم من سلف دنيوي لم يكونوا قادرين على إقناع الناس بالدِّين المحمدي , لأنهم لم يكونوا أهله . ففي زمن (عثمان بن عفان) – وهو اقدم ملوك الامويين وأكثرهم شهرة وتقديراً عاميا – وفِي سنة ٢٧ هجرية بلغ من شر السيف العربي في افريقيا ان يعرض الافارقة على (عبد الله بن ابي سرح) قائد جيش (عثمان) ثلاثمائة قنطار من الذهب مقابل رجوعه والعرب الذين معه عن بلادهم , ففعل , بعد ان سفك دماءهم وسبى نساءهم وخرّب مدنهم , ولو كان من أهل الدين ما فعل الامرين[414], القتل او الرشوة . بينما كان الافارقة والبربر يدخلون الدين الإسلامي بدعوة رجل واحد طريد هو الشريف (ادريس) لاحقا . لذا لا غرابة ان خمس السبي من افريقيا في غزوة (موسى بن نصير) في زمان (الوليد بن عبد الملك الأموي) اكثر من سبعين ألفا . وأن الامويين يستخدمون (يزيد)بن ابي مسلم) مولى (الحجاج الثقفي) وكاتبه , والذي فرض الجزية على من اسلم من أهل الذمة في افريقيا كما فعل (الحجاج) مع من اسلم منهم في العراق من قبل , حتى نهض الافارقة والبربر وقتلوه لشهر من ولايته , واختاروا احد أبناء الأنصار مكانه وكتبوا بذلك للخليفة فغض الطرف عنهم . لكنّ الخليفة الأموي لم يطب نفساً بذلك , فعزله وولى احد أعراب قبيلة (كلب) , ثم عزلوه وولوا ابن اخ حليفهم السابق (ابي الأعور السلمي) الذي كان قائد جيش (معاوية) في (صفّين) . حتى ان (حبيب بن ابي عبيدة بن عقبة بن نافع) حين بلغ المغرب راح يبحث عن الذهب ومناجم وعن السبي . بل بلغ من ضعة امرهم وسوء صنيعهم وغدرهم وقلة الدين ان امير الجيش الأموي (بلخ بن بشر القشيري) حين حاصره البربر في (سبتة) شمال المغرب لسوء صنيع جنده وسوء سيرته في افريقيا طلب الى حاكم الأندلس (عبد الملك بن قطن) ان يجتاز بجنده اليه ليأمن , فاشترط عليهم الا يقيموا اكثر من السنة فأعطوه العهد على هذا , فلما مرت السنة قتلوه وحكموا مكانه[415].

 

وقد قام بدعوة الشيعة الفاطميين في شبه الجزيرة العربية (بنو يام) من قبائل (همدان) اليمن , فقلبوا الامر على (بني طرف) حكام (تهامة) , واختطوا مدينة صنعاء عاصمة اليمن اليوم , وجمعوا الامر للفاطميين , وأسقطوا دعوة العباسيين , ووصل حكمهم الى عدن . فحاربهم (ال زياد) ورثة بني امية بالأحباش , اذ جاءوا بأكثر من عشرين الفاً منهم الى اليمن , اذ كان العرب اما مع الياميين الفاطميين او مع الزيدية , بمعنى انهم كانوا يميلون الى التشيّع عموما . وكان (بنو نجاح) موالي (آل زياد) يسيرون بسيرة الامويين في قطع الرؤوس وإرهاب النساء بها[416]. ومن أفراخ (آل زياد) ظهر في اليمن الداعية (علي بن مهدي الحِمْيَري) , وهو السلف الصحيح للوهابية السلفية النجدية , لا (احمد بن حَنْبَل) . حيث رعته (ام فاتك) , احدى نساء (ال نجاح) من موالي (آل زياد) , حتى انقلب على دولتهم وعلى من جاورهم , وخرج الى أعراب (هَوازن) من (قيس عيلان) وبث دعوته فيهم , و(قيس عيلان) ذاتها كانت محط رحال الوهابية الحديثة , ثم أخذ برأي الخوارج في تكفير (علي) و(عثمان) وتكفير سائر المسلمين وأخذ الجزية منهم , وقتل شارب الخمر وتارك الصلاة , بل والمتأخر عنها او عن خطبته . فاجتمع لجهله بالعقائد الصحيحة اصلان (حِمْيَر) و(قيس عيلان) .

 

وكانت منطقة (نجد) بمحيطها الأعرابي آخر من دخل في الاسلام , وآخر من قاتل النبي . وكانت قبائلها خارجة على الخليفة الشرعي (علي بن ابي طالب) في (الجمل) و(النهروان) , حيث كانت قبيلة (عنزة) اول من رفعت السيف ضده بعد معركة (صفّين) . وشاركت اغلبها بقتل ولده (الحسين) في كربلاء . وكانت في معظمها موالية للامويين . ف(حوثرة بن سهيل بن العجلان الباهلي) الذي قُتل مع (يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري) , ويكنى أبا خالد, وكان من الفرسان المؤيدين للامويين, وتولى عدة إمارات في الدولة الأموية أثناء حكمهم , قتلهم (ابو العباس السفاح العباسي) , كان من أواخر من دافعوا عن الدولة الاموية بعد سقوطها .

 

وكانت القبائل القيسية النجدية من (بني هلال) و(بني سليم) كما كانت عليه اليوم قبائل (نجد) من السلب والنهب . فاستخدمهم الامويون لضرب خصومهم . وضاق بهم العباسيون لأن دولتهم كانت أكثر مدنية من دولة الامويين . فشاركت القبيلتان في نصرة القرامطة . وكانت تغير وتنهب على العراق والشام . ثم عبرت إلى أفريقيا , بعد أن ضاق الفاطميون بوجودهم وفوضاهم في صعيد مصر , وبما صنعه (ابن باديس الصنهاجي) من غدر , فغلبت على أهلها , وجعلت عمرانها خرابا , ومدنيتها بداوة . ومنهم يستمد المتطرفون المعاصرون في شمال أفريقيا هويتهم[417]. ومن (بني هلال) المعاصرين (عبد القادر شيبة الحمد) المصري امام المسجد النبوي والأستاذ في جامعات (نجد) السعودية الوهابية , وابنه (محمد) رئيس محكمة الاستئناف في ديوان المظالم السعودي وفي مكة .

والغريب الملفت اليوم , أنه بالإضافة الى وراثة أعراب (نجد) الوهابية للمنهج الاموي , ففي أغلب بلدان ساحل الخليج هناك بقايا اموية أعرابية تناصب العداء ل(آل بيت النبي) . ففي الكويت (عثمان الخميس التميمي المضري) من أكثر المتطرفين فكرياً في وتلميذ مشايخ (نجد) , من ذرية (عباد بن الحصين أبي جهضم) أحد وجهاء البصرة التاريخية ( بما فيها الكويت ) , والذي ولي شرطة البصرة أيام (عبد الله بن الزبير) , وكان من قادة جيش (مصعب بن الزبير) أيام قتل (المختار الثقفي) , وكان مع (عمر بن عبيد الله بن معمر) الذي تزوج قاتل (الحسين) وأمير الامويين (عبيد الله بن زياد) ابنته (ام عثمان) . وجدّ (الخميس) كان (المسور بن عباد بن الحصين) من أجج الحرب الأهلية في إقليم البصرة التاريخي , حين غدر ببعض الامويين من أجل بعضهم الآخر , فدخلت قبائل (الازد) و(ربيعة) الحرب ضد قبائل (قيس عيلان) مع (تميم) ومن تبعها .

 

 

لقد كان التشيّع آخذاً بالانتشار في المناطق العثمانية الهوى والناصبية , ففي البصرة بكى الناس عند وفاة (الحسن بن علي) , رغم ولاية (زياد بن سمية) للامويين[418], وهو سلطان جائر , وكان اهل البصرة عثمانية الهوى وفيهم الكثير من الأعراب , والأعراب كانوا المادة الخام للنصب والعداء ل(علي) .

وكان لازالت الفئة المنافقة تخترق صفوف الفئتين العَلَوية والعثمانية , اذ لم تتميز الطوائف بعد . فكان ان صنعت عائلة منافقة ذات وجوه متعددة هي عائلة (الاشعث بن قيس) زعيم قبيلة (كندة) النجدية الاعاجيب , فبعد ان كسر ابوهم جيش (علي) بتردده سمّت ابنته (الحسن بن علي) زوجها , بدفع من (معاوية بن ابي سفيان)[419], ثم ساهم اخوها بخذلان وكف الناس عن (مسلم بن عقيل) رسول (الحسين بن علي) , ثم اشترك بقتل (الحسين) ذاته .

 

ولما تتبع (المختار) أهل الكوفة جعل عظماؤهم يتسللون هراباً إلى البصرة , حتى وافاها منهم مقدار عشرة آلاف رجل, وفيهم (محمد بن الاشعث), فاجتمعوا, ودخلوا على (مصعب بن الزبير) , فتكلم (محمد بن الاشعث) وقال ( أيها الأمير, ما يمنعك من المسير لمحاربة هذا الكذاب الذي قتل خيارنا, وهدم دورنا, وفرّق جماعتنا, وحمل أبناء العجم على رقابنا, وأباحهم أموالنا؟ سر إليه, فإنا جميعاً معك, وكذلك من خلفنا بالكوفة من العرب, هم أعوانك ) , قال (مصعب) له ( يا ابن الاشعث, أنا عارف بكل ما ارتكبكم به, وليس يمنعني من المسير إليه إلا غيبة فرسان أهل البصرة أشرافهم, فإنهم مع ابن عمك المهلب ابن أبي صفرة في وجوه الأزارقة بناحية كرمان, غير أني قد رأيت رأياً ) , قال ( وما رأيت أيها الأمير؟ ) , قال ( رأيت أن أكتب إلى المهلب, آمره أن يوادع الأزارقة, ويقبل إلي فيمن معه, فإذا وافى تجهزنا لمحاربة المختار ), قال (ابن الاشعث) له ( نعم ما رأيت, فاكتب إليه, واجعلني الرسول ) , فكتب (مصعب بن الزبير) إلى (المهلب) كتابا, يذكر له ما فيه أهل الكوفة من القتل والحرب, ويفسر فيه أمر (المختار) , فسار (محمد بن الاشعث) بكتابه حتى ورد كرمان, وأوصل الكتاب إلى (المهلب)[420]. ورغم ذلك فقد رفض (آل المهلب) الإساءة الى اهل العراق , فقد رفض (يزيد بن المهلب) ولاية العراق ل(سليمان بن عبد الملك الاموي) حين طلب منه ذلك , خشية ان يسير فيهم بسيرة (الحجاج) والعراق عراقه[421].

 

 

وكانت الحروب الاموية في الداخل والخارج سبباً في اضمحلال ثروة الدولة الإسلامية[422], وقد كان المال سبباً رئيساً في الخلاف بين الامويين وبين عمالهم وولاتهم , حتى بلغت الدولة مرحلة الضعف والانهيار[423]. وكان قتل الامويين للرجال الصالحين مدعاة لانقسام المسلمين عموماً , ومنهم الشيعة , اذ يغيب اهل الدين والمشورة , وبهذا الغياب وغضب الناس من الامويين كانت الناس تنجذب الى الخارج بالسيف , فكان ان ظهرت الفرقة الزيدية[424], وغاب عنها معنى الإمام الحقيقي , الذي حين يرسل له اهل الكوفة مثل (سليمان بن خالد النخعي) وغيره من وجوهها انها شاغرة وأنهم قادرون على دخولها باسمه ينكر ان الزمان زمانه[425]. وكان من السهل نسبياً ظهور شخصيات مدعية مقاماً ليس لها ك(أبي الخطاب) , الذي اثقلت فتنته كاهل الشيعة في العراق بحجمها ومنحت الفرصة للعباسيين كي يدخلوا الكوفة وايذاء الوسط الشيعي[426]. وكذلك ان يبلغ الامر بمثل (بشار الشعيري) ان يجعل من (آل محمد) ارباباً بمزاجه , لما كان من اقبال الأمة الكبير على (آل محمد) وانتشار حديثهم وعلمهم , بعد ان ضيّق عليه اعداؤهم , فلعنه الإمام (الصادق)[427].

 

 

ورغم ان (أبا جعفر المنصور العباسي) اقر ان (جعفر بن محمد الصادق) إمام أهل العراق يجبون اليه أموالهم , وهو دليل استقرار التشيّع في العراق حينئذ , وفي زمانه تم توثيق الاصول الاربعمائة عند الشيعة الإمامية لوجود من يحملها وحاجة الناس اليها , لا لضعف تلك المرحلة سياسياً فحسب كما هو الشائع , إلا أن ذلك الزمان السياسي لم يكن زمان الإمام (الصادق) وشيعته , لهذا رفض إجابة دعاة خراسان حين اتوه في ثورتهم على الامويين , فأهل خراسان بقيادة (ابي مسلم الخراساني) و(ابو سلمة الخلّال) لم يكونوا من شيعة (آل محمد) ولم يعرفوا مقامهم الحقيقي , وإنما كانوا بعد خروجهم على الامويين لا يرون في الأمة من يُتفق عليه الا زعماء الهاشميين , ودليله انهم جعلوا الامر بينهم وبين العباسيين وبين الحسنيين ولم يأتوا الإمام الحق بعينه . ولما كان الزمان السياسي ليس زمانه أوصى (جعفر بن محمد الصادق) الى خمسة , منهم (أبو جعفر المنصور) الخليفة لما علمه من نيته قتل الإمام الموصى اليه بعده , وأدخل في الوصية ولديه الأكبر (عبد الله) , وكان ذا عيب والإمام لا يجوز العيب فيه عند الإمامية , و(موسى الكاظم) وهو الأصغر سناً وهو الإمام بعده , وإلى زوجته ليضلل بها السلطة[428]. وقد كان (أبو عبد الله الصادق) يتخذ التدابير لنشر العقيدة المحمدية من خلال بث الرجال من زمان ومكان قريب الى اهل البيت , للتهيؤ لزمان ومكان ابعد واقل معرفة بهم , بل عمد الى عيب صاحبه (زرارة بن أعين) كما عاب (موسى) وصاحبه السفينة , حفظاً لها من الظالمين , ليتسنى للناس المعاندين الاخذ عن (زرارة) اذا علموا ان الائمة نقدوه , وقد كان اهل النصب من العامة لا زالوا يشيعون بغض اهل البيت سرباً من زمان الامويين رغم الضعف السياسي حينذاك[429].

 

ورغم ان بني (العباس بن عبد المطلب) عم النبي كانوا في بادئ امرهم في الصف الذي فيه (علي بن ابي طالب) , ورغم ان ثورتهم حملت شعار ( الرضا من آل محمد )[430], الا انهم اضطروا أمام اغراء المُلك والسلطة الى معاداة (آل محمد) , ومن ثم استعانوا – كما استعان الامويون – بذراري الكافرين , لأنهم يعلمون ان ذراري المؤمنين الاولين اقرب ل(آل علي) . فهذا (هارون العباسي) يجعل (أبا البختري) قاضي الخلافة, وهو (وهب بن وهب بن كبير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود) , وكان منحرفاً عن (علي) , وهو الذي أفتى ل(الرشيد) ببطلان الأمان الذي كتبه ل(يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب) , وأخذه بيده فمزقه , اذ كان جده (الأسود) من المستهزئين الذين كفى الله رسوله أمرهم بالموت والقتل, وجدّه (زمعة ابن الأسود) قُتل يوم (بدر) كافرا, وكان يُدعى ( زاد الركب ) , وقُتل اخو جده (عقيل بن الأسود) أيضاً كافراً يوم (بدر), وقُتل (الحارث بن زمعة) أيضا يوم (بدر) كافرا , الا (عبد الله بن زمعة) الذي كان موالياً ل(علي)[431].

 

 

لكن لما ولي بنو العباس بعد بني امية برزت ظاهرة مهمة , لكنها غير منتجة بنحو جذري , الا وهي صعود القبائل العراقية وغير الشامية في المراتب السياسية والعسكرية , مثل (آل ابي صفرة) من (الازد) , ومثل (بني اسد) . وهي ظاهرة عامة رافقت انهيار دولة الامويين بصعود الفئات غير الأموية وغير العَلَوية في ذات الوقت , أي الفئة الثالثة من الأمة , التي لا منهج فكري خاص لها . وقد سبق ان خرجت الفروع الناصبية والأعرابية من القبائل العراقية مع الامويين بعد مقتل (الحسين بن علي) , فكان خروج الفروع غير الناصبية وغير العَلَوية ضرورياً مع العباسيين لتظل الفروع العَلَوية خالصة على ارض العراق . فكان أمثال (عمر بن حفص المهلبي) و(ابي حازم حبيب بن حبيب المهلبي) و(الجنيد بن بشار الأسدي) عمالاً وأمراء للعباسيين على افريقيا . وكان من الطبيعي قيام القوى جميعاً من الفئة الفكرية الثالثة الخام في الأمة عند ضعف وبدء انهيار دولة الامويين , فنهضت الخوارج في افريقيا , لكنّ العباسيين ارهقوها بالمال تارة والقتل أخرى[432].

 

 

[1] باحث وكاتب عراقي

[2] تاريخ الأمم والملوك , الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ١٣

[3] البداية والنهاية , ج 4

[4] البداية والنهاية , ج 4

[5] الطبقات الكبرى , ابن سعد , ج ٢ , ص ١٤٨

[6] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم , أبو الفرج بن الجوزي , ج ٣ , غزوة الأحزاب

[7] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد , المفيد , ج ١ , ص ١٦٥

[8] البداية والنهاية , ج 4 , فصل هزيمة هَوازن

[9] البداية والنهاية , ج 4

[10] جمهرة النسب , ابن الكلبي , مطبعة حكومة الكويت , ط ١٩٨٣ م , ج ١ , ص ٢٩٣

[11] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٨٢

[12] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم , أبو الفرج بن الجوزي , دار الكتب العلمية , ج ٧

[13] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار الكتب العلمية , ج ١١ , ص ٢٤-٢٥

[14] السيرة النبوية , ابن كثير , دار المعرفة , ج ٢ , ص ٤ – ٦

[15] اسد الغابة في معرفة الصحابة , ابن الأثير , ج ٢ , ص ٤٦ – ٤٧

[16] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم , أبو الفرج بن الجوزي , ج ٣ , غزوة الأحزاب

[17] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد , المفيد , ج ١ , ص ١٦٥

[18] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[19] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٧٢

[20] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٢٤٩

[21] السيرة النبوية , ابن هشام , مؤسسة علوم القران , ج ١ , ص ٦٣٩

[22] جامع احاديث الشيعة , حسين البروجردي , المطبعة العلمية , ج ١٣ , ص ١٣٥

[23] البداية والنهاية , ج 4  , فصل خروج النبي بأصحابه على ما بهم من القرح والجراح في اثر ابيّ سفيان

[24] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٢٥٩

[25] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٨٢

[26] تفسير الكشاف , الزمخشري , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ٤١٣ – ٤١٤

[27] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٧١

[28] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٥٦٣ – ٥٦٧

[29] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , صفوان بن امية

[30] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[31] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٢٥٣

[32] البداية والنهاية , ج 4

[33] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , القسم الأول , الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني , ط دار الكتاب الإسلامي , ص ٣١١

[34] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 574

[35] البداية والنهاية , ابن كثير , دار احياء التراث , ج 4 , ص 365

[36] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار الكتب العلمية , ج 3 , ص 49

[37] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[38] المستدرك على الصحيحين , النيسابوري , دار المعرفة , ج 3 , ص 244

[39] البداية والنهاية , ج 4 , غزوة هَوازن – الوقعة

[40] السيرة النبوية , ابن هشام , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٤٢

[41] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥١١

[42] السيرة النبوية , ابن هشام , المكتبة العلمية , ج ٣ , ص ٩١

[43] نساء حول الرسول , عمر احمد الراوي , دار الكتب العلمية , ص ١٦٩

[44] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٢ – ١٧٤

[45] عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير , فتح الدين بن سيد الناس , دار القلم , ج ١  , ط ١ , ص ٢٤٢

[46] البداية والنهاية , ج 4 , مرجعه عليه السلام من الطائف وقسمة غنيمة هَوازن

[47] الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم , جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي , مؤسسة النشر الإسلامي , ج ١ , ص ١٨٤

[48] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٨٩

[49] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٢٥

[50] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٦٥٦

[51] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ١٩٦

[52] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٧٤

[53] البداية والنهاية , ج 4

[54] البداية والنهاية , ج 4  , مرجعه عليه السلام من الطائف ,, كتاب الثقات , ابن حبان , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ١٣٦

[55] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٨٢

[56] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم , أبو الفرج بن الجوزي , دار الكتب العلمية , ج ٧

[57] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , ص ١٤٤ – ١٥١

[58] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ص ٤٢٠ – ٤٢١

[59] الطبقات الكبرى , دار الكتب العلمية , ج ٥ , ص ٤

[60] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٩١

[61] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ٢١

[62] تاريخ الطبري , ج ٣ , ذكر الخبر عن غزوة تبوك

[63] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ١١٤-١١٥

[64] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٤١

[65] كتاب الفتوح , احمد بن اعثم الكوفي , ج ٣ , ص ١٣١

[66] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , القسم الأول , الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني , ط دار الكتاب الإسلامي , ص ٣١١

[67] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 574

[68] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ٥٦٣ – ٥٦٤

[69] الطبري , مؤسسة الأعلمي , ج ٢ , ص ٥٨٦

[70] السيرة النبوية , ابن هشام , العبيكان للنشر , ج ٢ , ص ٢٣٧

[71] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥١٧ – ٥١٨

[72] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٣٣ – ٣٤

[73] بحار الأنوار , مؤسسة الوفاء , ج ١٩ , ص ١٩١

[74] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢١

[75] تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٤٥ – ١٤٦

[76] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ١٣٩

[77] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٤٧ – ٢٤٨

[78] لسان الميزان , ابن حجر , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٣٦٤

[79] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٩ , ص ٣٠٥ – ٣٠٦

[80] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , ص ٧٩ وما بعدها

[81] تاريخ الإسلام , الذهبي , ج ٣ , ص ١٨٠

[82] الروض والحدائق في تهذيب سيرة خير الخلائق , الخازن البغدادي , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ١٠٨

[83] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٦٨

[84] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ١٩ , ح ٥

[85] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٠

[86] تاريخ الإسلام , الذهبي , ج ٣ , ص ٥٦٦

[87] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢٨ , ص ٢٧٦-٢٧٧

[88] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 64

[89] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٨٧

[90] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦٢٨

[91] الشيخان , ص 94 – 95

[92] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني , ط دار الكتاب الإسلامي , ج ٢ , ص ٤٣٦

[93] السيرة النبوية , ابن هشام ال(حِمْيَر)ي ,  مكتبة محمد علي صبيح وأولاده , 1963م  , ج ١ – الصفحة ٢٣3

[94] الشيخان , طه حسين , ص 68

[95] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 64

[96] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 80 – 84

[97] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 7 , فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب

[98] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 8 , مسير إبراهيم بن الاشتر الى عبيد الله بن زياد

[99] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ١٢٦

[100] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 123 – 124

[101] تفسير القرطبي , دار إحياء التراث العربي – 1985م , ج ١٨ , ص ٥٠

[102] الروض والحدائق في تهذيب سيرة خير الخلائق , علي بن محمد الخازن , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٢٤٥ – ٢٤٦

[103] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ١٣٩

[104] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب اللبنانية , ج ٢ , ص ٣٠

[105] الأعلام , خير الدين الزركلي , دار العلم للملايين , ج ٢ , ص ١٥١

[106] أسد الغابة , ابن الأثير , انتشارات اسماعيليان , ج ١ , ص ٣١٤

[107] أسد الغابة , ابن الاثير , جمعية المعارف المصرية – 1863م , ج 5 , ص 103

[108] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , , ط 2 – 1982م , ج 5 , ص 425 – 432

[109] تاريخ المدينة , ابن شبة النميري , مطبعة قدس – قم , ج ٤ , ص ١٢٨٧

[110] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة – 1981م , ج 1 , ص 108

[111] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٦٩

[112] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٣٤

[113] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 159 – 175

[114] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , القسم الثاني , الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني , ط دار الكتاب الإسلامي , ص ٣٨٦

[115] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٧٣

[116] التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان , محمد بن يحيى المالقي الأندلسي , دار الكتب العلمية , ص ٤٧

[117] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٧٢

[118] تاريخ المدينة المنورة , ابن شبة , دار الكتب العلمية , ص ١٢٤ , ح ١٧٤١

[119] تاريخ المدينة المنورة , ح ١٧٤٠

[120] حملة القران من الصحابة الكرام , د. سيد الشنقيطي , دار الحضارة , ط ١٤٢٧ه , ص ١٩٦

[121] مصنف ابن ابي شيبة , كتاب فضائل القران , ممن يؤخذ القران

[122] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٣٤ , ح ٣

[123] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 104 – 105

[124] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٣٧

[125] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 75

[126] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 108 – 109

[127] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 113

[128] تهذيب الكمال , المزي , مؤسسة الرسالة : ط 2 – 1992م , ج ١٤ , ص ٣٥١

[129] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الكتب العلمية , ج 18 , ص 401

[130] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , مطبعة السعادة – 1910م , ج 4 , ص 64

[131] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 94 – 97

[132] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 136 – 137

[133] تهذيب الكمال , المزي , مؤسسة الرسالة : ط 2 – 1992م , ج ١٤ , ص ٣٥١

[134] التفسير والمفسرون , د. محمد حسين الذهبي , مكتبة وهبة , ج ٣ , ص ٢١٩

[135] القمامة

[136] المعجم الكبير , الطبراني , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ٤٤ , ح ١٠٧

[137] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٧٣

[138] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 139 – 149

[139] البداية والنهاية , ابن كثير الدمشقي , دار عالم الكتب , ط ٢٠٠٣ م , ج ١٠ , ص ٢٧٠ – ٢٧٧

[140] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ٢ , ص ١٥٣

[141] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ١٨

[142] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ٢١

[143] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٢٤٩

[144] السيرة النبوية , ابن هشام , مؤسسة علوم القران , ج ١ , ص ٦٣٩

[145] جامع احاديث الشيعة , حسين البروجردي , المطبعة العلمية , ج ١٣ , ص ١٣٥

[146] الطبقات الكبرى , ابن سعد , دار الكتب العلمية , ج 4 , ص 247

[147] تهذيب الكمال , المزي , ج 8 , دار الكتب العلمية , ص 451

[148] حلية الاولياء , الاصبهاني , ج 5 , دار الفكر , 303

[149] تاريخ الطبري , مؤسسة الأعلمي , ج ٣ , ص 106 – 107

[150] تاريخ الطبري , ج 3 , دار الفكر , ص 149

[151] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر ,   ج 39  , ص 307 – 308

[152] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر , دار الكتب العلمية – 1995م , ج ٥ , ص ٤٨٣

[153] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٣١

[154] اعيان الشيعة , دار التعارف , ج 1 , ص 194

[155] حكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب , إبراهيم شمس الدين , دار الكتب العلمية , ص ١٧

[156] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر وقعة بدر الكبرى

[157] اعيان الشيعة 1 , ص 655

[158] كتاب الفتوح , احمد بن اعثم الكوفي , ج ٣ , ص ١٣١

[159] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٢٨٧-٢٨٨

[160] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , بيروت – 1965م , ج ٣ , ص ٣١٠

[161] كتاب وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٤٧ – ٥١

[162] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ١٧٠

[163] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٢١

[164] جواهر التاريخ , علي الكوراني العاملي , ج ٣ , ص ٣٨٣

[165] موسوعة الامام علي بن ابي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ , محمد الريشهري , دار الحديث , ج ٩ , ص ١١ الهامش

[166] البداية والنهاية , ابن كثير , ج ٨ , فصل قضاء معاوية

[167] ترتيب الأعلام على الأعوام , خير الدين الزركلي , دار الارقم بن ابي الارقم , ج ١ , ص ١٢٥

[168] البداية والنهاية , ابن كثير , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٣١٣

[169] وقعة صفين , المنقري , ص ٤٥٧

[170] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٠٢

[171] الامام علي بن ابي طالب , احمد الرحماني الهمداني , ط افسيت فتاحي , ص ٦٧٧

[172] غاية المرام , السيد هاشم البحراني , تحقيق السيد علي عاشور , الجزء الثاني , ص ٢٩٤ – ٢٩٥

[173] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٢١٣

[174] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 575

[175] وقعة صفين , ابن مزاحم المنقري , المؤسسة العربية الحديثة , ط 2 , ص ١٥٧

[176] أسد الغابة , ابن الأثير , ج ٥ , ص 138

[177] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة – 1993م , ج ٣ , ص ٢٤٢

[178] كتاب الموطأ , الإمام مالك , دار إحياء التراث العربي , ج ٢ , ص 687 – 688

[179] المحلى , ابن حزم , دار الفكر , ج ١١ , ص 114

[180] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة – ط 9 , ج ٣ , ص 79 – 94

[181] كتاب الفتوح , ابن اعثم الكوفي , دار الأضواء , ج ٣ , ص ١٥٤

[182] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٠٧

[183] تاريخ الأمم والملوك , الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٩٦

[184] كتاب صفين , ابن ديزيل , دار الكتب العلمية , ص ١٠٠ الهامش

[185] كتاب وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٤٨٤

[186] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٥١٢

[187] الغارات , ج ٢

[188] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٥٧٩

[189] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٢٩٣ – ٢٩٤

[190] مقاتل الطالبيين , أبو الفرج الأصفهاني , دار الكتب العلمية , ص ٢٢

[191] منتظم الدرين , ج 2 , ص 172

[192] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , ميرزا حبيب الله الخوئي

[193] منتظم الدرين , ج 2 , ص 143

[194] منتظم الدرين , ج 2 , ص 130

[195] منتظم الدرين , ج 2 , ص 167

[196] وقعة صفين , المنقري , ص ١٤٦

[197] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , تحقيق : عبد السلام محمد هارون , ص ٤٥٠ – ٤٥٣

[198] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , احداث سنة سبع وثلاثين

[199] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢٨ , ص ٢٧٧

[200] صلح الحسن عليه السلام , السيد عبد الحسين شرف الدين , ص ٣٤٥

[201] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر واقعة بدر الكبرى

[202] الإصابة في تمييز الصحابة , ج 4

[203] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , محمد هادي الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ط ١ , ج ١ , ص ٢٨٢-٢٨٣

[204] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٠٠

[205] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٠٠

[206] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , ج ٨ , ص ٨١

[207] شرح نهج البلاغة , ج ١٥ , ص ١٢٢

[208] موسوعة الامام علي بن ابي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ , محمد الريشهري , دار الحديث , ج ٨ , ص ٣٥٤

[209] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٠٥

[210] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار بيروت للطباعة , ج ٣ , ص ٣٨١

[211] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٦٧٠

[212] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٤٣٢

[213] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٤٢ , ح ١٦

[214] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٤٢ , ح ١٤

[215] مروج الذهب , المسعودي , دار الكتب العلمية , الجزء الثاني , ص ٤٩٢

[216] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٣٣٣ – ٣٤٠

[217] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر , ج ٨ , ص ٢٢

[218] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ٥٥

[219] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٩٨

[220] الاعلام , الزركلي , دار العلم للملايين , ج ٥ , ص ٢٨٤

[221] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٥٢٢

[222] بلاغات النساء , ابن طيفور , منشورات مكتبة بصيرتي , ص ٧٤

[223] اعيان الشيعة 1 , ص 636 – 637

[224] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٤٤

[225] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٢٦

[226] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , باب فضالة

[227] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ١٦١

[228] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , ص ٥٣

[229] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٦٩ – ٧٠  , ح ٢

[230] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ١٩٦

[231] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , المؤسسة العربية الحديثة , ص ٥٠

[232] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٧٢

[233] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٨٦

[234] تهذيب التهذيب في رجال الحديث , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج ٧ , ص ٣٦٣

[235] شرح نهج البلاغة , ابن أبي الحديد , دار إحياء الكتب العربية , ج ٤ , ص 77

[236] قصص الأنبياء , الثعلبي , دار الكتب العلمية , ص 129 – 132

[237] سير اعلام النبلاء , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ١٤٦

[238] مروج الذهب ومعادن الجوهر , المسعودي , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٤١٧

[239] وقعة صفين , المنقري , ص ١٩١

[240] تاريخ الدولة الأموية , د. ايناس محمد البهيجي , مركز الكتاب الأكاديمي , ص ١١٢

[241] أعيان الشيعة , محسن الأمين ,ج ١ , ص 541

[242] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار الكتب العلمية , ج 1 , ص 128

[243] وقد اسكنهم ال ابي سفيان مدينة الرقة في الشام كالامراء , أعيان الشيعة , محسن الأمين ,ج ١ , ص 627

[244] اعيان الشيعة , ج ١. , ص ٥١١

[245] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 31 : وقد نقل المهدي العباسي 500 رجل من الأنصار الى العراق حرساً له

[246] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٠٠

[247] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 565

[248] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٩٤

[249] وقعة صفين , المنقري , ص ١٨٧ – ١٨٨

[250] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٧٢

[251] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ٤ , ص ٢٢

[252] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٨٥

[253] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٩٧

[254] تاريخ المقريزي الكبير (المقفى الكبير) , تقي الدين المقريزي , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٤٢٨

[255] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ١١٧

[256] لقد كان التشيع منتشراً في البلاد التي تلي بلاد فارس شرقاً حتى ان اهل إقليم كابل في أفغانستان كانوا يراسلون الامام الحجة في زمن الغيبة الصغرى عن طريق مراسلة نوابه , اختيار معرفة الرجال – الكشي – ص 443 ح 1

[257] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٨٣

[258] نثر الدر في المحاضرات , الوزير الابي , دار الكتب العلمية , ٢-٣ , ص ٦٦

[259] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه  , الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ج ٢ , ص ٣٧٧

[260] كتاب الفتوح , ابن اعثم الكوفي , دار الأضواء , ج ٣ , ص ١٥٤

[261] شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت , الحاكم الحسكاني الحنفي , مجمع احياء الثقافة الإسلامية , ج ٢ , ص ٤٤١

[262] صحيح البخاري , دار المنهل , ص ٦٨٩ , ح ٣٤٢٧

[263] مقاتل الطالبيين , أبو الفرج الأصفهاني , دار الكتب العلمية , ص ٢٢

[264] منتظم الدرين , ج 2 , ص 172

[265] بحار الأنوار , المجلسي , دار احياء التراث العربي , ج ٧٢ , ص ٤٣٣

[266]   رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص 82 , ح 6

[267] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٧٦ و ٧٨

[268] صلح الحسن عليه السلام , السيد عبد الحسين شرف الدين , ص ٣٤٥

[269] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر واقعة بدر الكبرى

[270] أصحاب الإمام امير المؤمنين والرواة عنه , محمد هادي الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ط ١ , ج ١ , ص ٢٨٢-٢٨٣

[271] أصحاب الإمام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٩٨

[272] أصحاب الإمام امير المؤمنين والرواة عنه , محمد هادي الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ط ١ , ج ١ , ص ٣٠٦

[273]تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص 575

[274] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص 580

[275] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ١٥ , ص ١٢٠

[276] قاموس الرجال , محمد تقي التستري , مؤسسة النشر الإسلامي – جماعة المدرسين , ج ٩ , ص ٢٤

[277] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ١٥ , ص ١٢٠

[278] اعيان الشيعة , دار التعارف , ج 1 , ص 191

[279] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ١٠٥ – ١٠٦

[280] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 571

[281] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 575

[282] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 570

[283] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 572

[284] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 581

[285] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 583

[286] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 587

[287] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 588

[288] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 588

[289] اعيان الشيعة 1 , ص 636 – 637

[290] الثقات , ابن حبان , ط: مجلس دائرة المعارف العثمانية , ج ٤ – الصفحة ٤٥

[291]  تاريخ مختصر الدول , ابن العبري , ج 1 , ص 111

[292] أصحاب الإمام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ١٥٠

[293]اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 221 ح 3  إسحاق بن محمد بن احمد النخعي صحب ثلاثة من الائمة المعصومين هم الجواد والهادي والعسكري ,

[294] أصحاب الإمام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ٥٣

[295] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 606

[296] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 606

[297] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 609

[298] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 609

[299] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 616 – 617

[300] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 618

[301] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 632

[302] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 619

[303] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 635

[304] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 586

[305] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 590

[306] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 591

[307] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 586

[308] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 591 – 592

[309] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 592

[310] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 592 – 593

[311] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 599

[312] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 595

[313] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 146

[314] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 593

[315] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 594

[316] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 594

[317] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 594

[318] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 615

[319] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 615

[320] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 615

[321] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 616

[322] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 616

[323] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 634

[324] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 620

[325] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 620

[326] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 30 , ح 35

[327] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 33 , تتمة ح 36

[328] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 207

[329] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 622

[330] أصحاب امير المؤمنين والرواة عنه 1 , الاميني , ص 288 , ت 525

[331] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 622

[332] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 623

[333] كان الائمة المعصومون يجيزون اندفاع بعض شيعتهم في اعمال السلطان لاستنقاذ حقوق المؤمنين , كما في اجازتهم لعمل علي بن يقطين في دولة بني العباس , اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 362 ح 13

[334] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 175 ح 2

[335] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 178

[336] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 207 , بل كان يونس بن عبد الرحمان مولى ال يقطين موالي بني اسد من اقرب واوثق أصحاب الإمام علي بن موسى الرضا , ص 406

[337] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 285

[338] وهو من يصفه الذهبي في سير اعلام النبلاء في الطبقة الثالثة بأنه : الأمير الكبير عالم اهل الكوفة , وينقل عن سفيان بن عيينة انه ما كان في الكوفة مثل الحكم , وعن مجاهد بن رومي انه ما عرف فضل الحكم الا حين رأى علماء الناس في منى عيالاً عليه .

[339] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 630

[340] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 581

[341] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 587

[342] أصحاب الإمام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ١٠٢-١٠٣

[343] أسد الغابة , ابن الاثير , جمعية المعارف المصرية – 1863م , ج 5 , ص 103

[344] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , , ط 2 – 1982م , ج 5 , ص 425 – 432

[345] تاريخ المدينة , ابن شبة النميري , مطبعة قدس – قم , ج ٤ , ص ١٢٨٧

[346] تهذيب الكمال , المزي , مؤسسة الرسالة , ط ١٩٨٠م , ج ١٤ , ص ٥١٧

[347]  تاريخ دمشق , لابن عساكر , أبواب ما جاء من النصوص في فضل دمشق على الخصوص –  باب النهي عن سب أهل الشام وما روي في ذلك عن أعلام , ح ٧٢٣

[348] تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , دار احياء التراث الإسلامي , ت ٣٧٤٨

[349] أصحاب الإمام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٣٥٧ ,, تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , تحقيق مؤسسة الرسالة , ت ٣٧٥

[350] فتح الملك العلي , الحافظ احمد بن محمد بن الصديق الغماري , دار الكتاب الثقافي ٢٠٠٧م , ص ١٤٤

[351] اعيان الشيعة 1 , ص 310

[352] الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبّهة , ابن قتيبة الدينوري , دار الكتبة العلمية – ط١ – ١٩٨٥م , ص ٤١-٤٢

[353] مختصر تاريخ دمشق , ابن منظور , ج ٢  , ترجمة أسماء بن خارجة

[354] ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري , شهاب الدين القسطلاني , دار الكتب العلمية , ج ١١ , ص ١٤٤

[355] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٦٥

[356] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٧١ , ح ١

[357] تهذيب الكمال , جمال الدين يوسف المزي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ط ٣ , ص ٦٠ – ٦٥

[358] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٢٧٢ – ٢٧٣

[359] تاريخ الطبري , ج ٢

[360] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر واقعة بدر الكبرى

[361] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٠

[362] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٢٩

[363] موسوعة نساء حول النبي , محمد القيسي , دار المنهل , ص ٥٣

[364] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , الطبقة الثانية , عروة

[365] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , من صغار الصحابة , المسور بن مخرمة

[366] اعيان الشيعة 1 , ص 636

[367] سير اعلام النبلاء , الذهبي , ج ٦ , الطبقة الرابعة , هشام بن عروة

[368] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٣٣ – ٢٣٥

[369] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٠٩ – ١١

[370] من قتل أهل البيت وأولاد النبيين وجملة الصحابة واستباحة المدينة وتولية المجرم الحجاج الثقفي

[371] من إدخالهم بني هاشم وال بيت النبي في أخاديد لحرقهم

[372] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , الطبقة الثالثة , ص ٣٢٧ – ٣٣٢

[373] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٥٣

[374] ميزان الحكمة , محمد الريشهري , دار الحديث , ج ٣ , ص ٢٣٥٨

[375] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦٠٢

[376] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد , ابن عبد البر , مكتبة ابن تيمية , ج ٢ , ص ١

[377] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار الحرمين , ج ١ , ص ١٦٠

[378] بحار الأنوار , المجلسي , مؤسسة الوفاء , ج ٢٣ , ص ١٣٣

[379] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٣٦

[380] الإكمال , الحافظ ابن ماكولا , دار الكتب العلمية , ج ٧ , ص ٢١٥

[381] الطبقات الكبرى , محمد بن سعد , دار صادر , ج ٧ , ص ٥٠٠ – ٥٠١

[382] جاء في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني , حرف السين ت ٥١٧ : قال ابن معين : ضعيف الحديث , وقال مرة : فليس خير منه . وقال أبو حاتم : متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي . وقال أبو داود : ليس بشيء . وقال النسائي والدارقطني : ضعيف . وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات , قال : وقالوا أنه كان يضع الحديث . قلت : بقية كلام ابن حبان : اتهم بالزندقة . وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك الحديث . وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط . قرأت بخط الذهبي “مات سيف زمن الرشيد” .

[383] قال الذهبي : واستقر الاجماع على وهن الواقدي . ميزان الاعتدال – دار الكتب العلمية – الجزء السادس – ص ٢٧٦

[384] فتوح مصر وأخبارها , القرشي المصري , ص 302 – 303 ,, الفتوحات العربية في روايات المغلوبين , حسام عيتاني , دار الساقي

[385] الطبقات الكبرى , ابن سعد , دار صادر , ج 5  , ص 32

[386] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٨٧

[387] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ص ٤٠٩

[388] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ص ٥٤٦

[389] الفتوحات العربية في روايات المغلوبين , حسام عيتاني , دار الساقي – 2017م

[390] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ص ٥٤٦

[391] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية – 2010م , ج 5 , ص 483

[392] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 314

[393] المنثور في حقل التاريخ والفن واللاهوت , أنطون هبي , الف باء الاديب – 1996م , ص 89

[394] القديس يوحنا الدمشقي , د. جوزيف زيتون , 22,12,2014م , مدونة الكترونية

[395] المشرق: مجلة كاثوليكية شرقية تبحث في العلم والادب والفن , جامعة القديس يوسف – 1914م  , المجلد 17 , ص 131

[396] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر – 1995م , ج 22 , ص 320

[397] القديس يوحنا الدمشقي , د. جوزيف زيتون , 22,12,2014م , مدونة الكترونية خاصة

[398] منشورات متفرقة لمواقع مسيحية او الحادية بنفس الدعوى , لم يتسنَ التأكد من صحة ورودها

[399]تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 20

[400] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 22 – 28

[401] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 31

[402] يمكن مراجعة حال (عطاء) ومتناقضات ومبالغات الروايات فيه في كتاب (سير أعلام النبلاء , الذهبي , ج ٥ , ص ٧٩)

[403] تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , مؤسسة الرسالة , الجزء الرابع , ص ١٩٨

[404] السيرة النبوية , ابن هشام , العبيكان للنشر , ج ٢ , ص ٢٣٥

[405] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , ج ٢٤ , ص ٢٥٨-٢٥٩

[406] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 55 , ح 4

[407] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٢١٥

[408] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ٤٩ – ٥٥

[409] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ١٥٣ – ١٦٤

[410] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص 550

[411] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص 644

[412] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ١٧٦ – ١٧٧

[413] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ١٨٩ – ١٩٢

[414] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ٢٣٦

[415] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ٢٣٩ – ٢٤٢

[416] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ٢٧٢ – ٢٧٩

[417] تاريخ ابن خلدون , ج ٦ , ص ١٣ – ١٦

[418] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 576

[419] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 576

[420] الاخبار الطوال , ابو حنيفة الدينوري , ص ٣٠٤

[421] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 29

[422] لقد بلغت جباية السواد وحده – وهي منطقة جنوب العراق – في عهد المعتصم العباسي نحو 114,5 مليون درهم أي ما يعادل في عام 2020م نحو 81 مليار دينار عراقي . فيما بلغ مجموع الجباية في الامة كلها في عهد المأمون قبله 396155000 درهم أي ما يعادل نحو 277,3 مليار دينار عراقي , وهي قيمة صافي الجباية دون النفقات التي استقطعتها الأقاليم مسبقا  , تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 63 و 65

[423] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 30

[424] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 345 ح 1

[425] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 297

[426] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 297

[427] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 335

[428] اعيان الشيعة 1 , ص 661 – 677

[429] اختيار معرفة الرجال , الكشي , ص 128 – 131

[430] اخبار الدولة العباسية , مؤلف مجهول , تحقيق : عبد العزيز الدوري , دار الطليعة , ص ١٩٤

[431] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , الجزء ١٣ , ص ١٠-١١

[432] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص ٢٤٦

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.