تكفير علماء الإسلام منهج سلفي لندني
الاستغراب هو الشعور الأول الذي راودني وانا اطالع منشورات متزامنة تقول ان المسلمين اهانوا علماءهم ونبذوهم , وهي فكرة لم تكن مطروحة سالفاً , لان التحقيق خلاف ذلك . واحسست ان المروج الأول لهذه الفكرة أراد من هذه المنشورات دفع علماء الطبيعيات والعقليات المسلمين الى زاوية الالحاد كخطوة أولى منه لكسبهم في حمّى الاحتجاجات الفكرية المعاصرة . ومن ثم تصويرهم كملحدين فعلا لاحقا . لكنّ الحقيقة ان العلماء المسلمين لم يكونوا يوماً ملحدين , بل كانوا سادة الفلسفة التوحيدية الإسلامية . بل حتى المشككين منهم وهم الأقل بصورة تكاد لا تذكر مثل الكندي لم تكن كتاباتهم الحادية بل تساؤلية مع بقاء ايمانهم واستمرار عملهم في المحافل الرسمية للدولة الإسلامية , وقد تراجعوا لاحقا عما كتبوا بسبب الردود عليهم , رغم ان شخصية مثل الكندي تعاني ارثاً تاريخياً تشكيكياً من الأساس والجذور لا من العلم والمعرفة بسبب رجوعه نسباً الى عائلة مضطربة فكرياً هي عائلة الاشعث بن قيس التي تسببت بانقسامات كبيرة في الدولة الإسلامية وكانت من الأسباب المهمة في مقتل الحسن والحسين ولدي رسول الله محمد .
اما شخصيات يتم ذكر اسمها في المنشورات المعاصرة على انها من العلماء الذين الحدوا وتم نبذهم مثل ابن الراوندي فهي بلا قيمة تاريخية ولا علمية ولا تتسم بالموضوعية , فابن الراوندي لم يكن يعمل سوى ناسخ للكتب ( طابعة في الوقت الراهن ) تذكر بعض المصادر انه تم طرده بسبب إضافاته الفضولية عليها , فعاش عمره الى جنب شخصية مانوية اهوازية هو أبو عيسى الوراق , ولم يكن يُعرف لولا ورد اسمه في كتب من رد عليه فقط .
ونتيجة لذلك راجعت وبحثت مصدر هذه المعلومات المغلوطة والواهمة , فوجدتها من اعداد ناصر بن حمد الفهد , وهو سلفي سعودي من اهل الرياض , متخرج من كلية الشريعة في جامعة محمد بن سعود الإسلامية . عمل ناشطاً على صفحات الانترنت بعد خروجه من سجنه الأول , بسبب رفضه معاونة الكفار الامريكان ضد المسلمين في أفغانستان . وهو حاليا مسجون مرة أخرى كجزء من الاحتياطات الأمنية السعودية الامريكية .
والرجل في مقاله يعتمد كثيراً – كما هو متوقع – على اراء ابن تيمية , والذهبي المتعصب . وابن تيمية أجمعت الامة على بطلان كل عقيدته وحاكمته , وكان مما جاء في الحكم بعد اجتماع فقهاء كل المذاهب الإسلامية في المحكمة ( … وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام . وأشهر من فتاويه في البلاد ما استخف به عقول العوام، فخالف في ذلك علماء عصره ، وأئمة شامه ومصره، وبعث رسائله إلى كل مكان، وسمى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان. ولما اتصل بنا ذلك، وما سلك مريدوه من هذه المسالك، وأظهروه من هذه الاحوال وأشاعوه، وعلمنا أنه (استخف قومه فأطاعوه) حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله سبحانه بالحرف والصوت والتجسيم ، قمنا في الله تعالى مستعظمين لهذا النبأ العظيم ، وأنكرنا هذه البدعة، وأنفنا أن نسمع عن من تضمه ممالكنا هذه السمعة، وكرهنا ما فاه به المبطلون ، وتلونا قوله تعالى : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) فإنه جل جلاله تنزه عن العديل والنظير (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) وتقدمت مراسمنا باستدعاء التقي ابن التيمية المذكور إلى أبوابنا عندما شاعت فتاويه شاما ومصرا ، وصرح فيها بألفاظ ما سمعها ذو فهم إلا وتلا: ( لقد جئت شيئا نكرا ). ولما وصل إلينا الجمع أولوا الحل والعقد، وذوو التحقيق والنقد، وحضر قضاة الإسلام ، وحكام الأنام ، وعلماء الدين ، وفقهاء المسلمين ، وعقد له مجلس شرع، في ملأ من الأئمة وجمع، فثبت عند ذلك عليه جميع ما نسب إليه بمقتضى خط يده، الدال على منكر ومعتقده. وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته منكرون، وآخذوه بما شهد به قلمه ( ستكتب شهادتهم ويسألون ). وبلغنا أنه قد استُتيبَ مرارا فيما تقدم ، وأخره الشرع الشريف لما تعرض لذلك وأقدم ، ثم عاد بعد منعه ، ولم يدخل تلك النواهي في سمعه . ولما ثبت ذلك في مجلس الحكم العزيز المالكي، حكم الشرع الشريف بأن يسجن هذا المذكور، ويمنع من التصرف والظهور. ومرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن التشبيه في اعتقاد مثل ذلك، أو يغدو له في هذا القول متبعا، أو لهذه الألفاظ مستمعا، أو يسري في التشبيه مسراه، أوأن يفوه بجهة للعلو مخصصا أحدا كما فاه، أو يتحدث إنسان في صوت أو حرف، أو يوسع القول في ذات أو وصف، او يطلق لسانه بتجسيم ، أو يحيد عن الطريق المستقيم، أو يخرج عن رأي الأمة أو ينفرد عن علماء الأئمة … ) .
وكان سبب تكفير ناصر بن حمد الفهد لعلماء الفلسفة والطبيعيات ليس رأياً عابراً بل هو ناتج عن اعتقاد راسخ في المدرسة السلفية الوهابية بكفر كل فيلسوف . وقد شاركتهم في هذا الرأي اخيراً المدرسة الشيرازية اللندنية والتي يسميها الشيعة ( الصنمية اللندنية ) وابرز وجوهها ياسر الحبيب . ولا غرابة ان تشترك المدرستان في هذا الرأي , اذ احدهما اسستها لندن والأخرى تقيم فيها .
فهو يرى سبب كفر ابن المقفع وابن شاكر والخوارزمي والكندي وعباس بن فرناس والرازي والبثاني والفارابي وابن سينا والمجريطي ومسكويه وابن باجه وابن طفيل وابن رشد والطوسي وابن البناء لانهم فلاسفة او لانهم ترجموا كتب اليونان .
ويرى سبب كفر ابن حيان وابن النديم وعدم موثوقيتهم هم واليعقوبي والمسعودي وابن الهيثم لانهم شيعة او عاشوا وعملوا في الدول الشيعية . يشاركهم أيضا ابن سينا ومسكويه والطوسي وغيرهم .
ويرى كفر ابن بطوطة وابن جبير لانهم يحترمون عقيدة زيارة الاولياء .
ان من عجيب ما اطبقت عليه السلفية والصفوية اللندنية هو ضلال وكفر جميع العارفين والمتصوفة , ونبذهم للمنهج الفلسفي , وسريان مقولة ( من تمنطق تزندق ) بين الكثير منهم .
يقول ياسر الحبيب في جوابه على سؤال (ما الفرق بين العلم و الفلسفة؟ ): (الفرق الجوهري هو أن الفلسفة ليست بعلم بل هي تخرصّات اكتسبت ثوب العلم بتوسط بعض المبادئ العقلية الصحيحة إلا أنها لا توصل إلى شيء من الحقائق كالعلم، ولهذا نهى عنها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وتبرّأوا ممن يميل إليها ) .فيما كان ولازال الشيعة – منذ زمن الائمة المعصومين عليهم السلام – هم سادة الفلسفة واشهر من اضاف اليها ونوّر طريقها .
والاسباب التي تدفع المدرستين الى معاداة المناهج العرفانية والفلسفية تتلخص في الآتي :
اولا : ان المدرستين ماديتان يعملان وفق منهج الانا لذلك لم يكن باستطاعتهما ان يدخلا او يستوعبا المنهج العرفاني الرباني .
ثانيا : ضعف المدرستين علميا , مما اعجزهما عن استيعاب الفلسفة الاسلامية العالية , فاختصرا الامر برفضها كليا .
ثالثا : ان المدرستين يشكل الانتماء اللندني جزءا كبيرا من ذاتهما , لذلك هما يقفان دائما ضد من يشكل خطرا كبيرا على منهج التخريب الغربي , وهذا ما يخفى على الكثير من بسطاء المسلمين .
وقد كشف لي هذا الموضوع ان خلط الأوراق على القراء من قبل الناشرين لأجل دفعهم باتجاه الالحاد من خلال الانكسار النفسي واحتقار الذات امر مستهجن وضعف معرفي , وفي الحقيقة هو يثبت ان الكثير من الملحدين العرب والسلفية الداعشية والشيرازية اللندنية على منهج واحد وجميعهم يؤمنون بما يؤمن به الاخر ويصدقه . وان إصرار الملحدين على اخذ الإسلام عن داعش اما ناتج عن رغبة نفسية في نشر اسلام مشوه , او هو تساوي في القدرة العقلية بين الطرفين انتجت نفس القراءات لكن مع ردود فعل متناقضة ومتطرفة في اتجاهين متعاكسين .