المجتمع السومري قبل وبُعيد الطوفان

917

لذلك كان من اللازم على الباحث ان يتحلى بذوق وحس خاصين لتمييز الحقيقي عن غيره , او على الاقل لرسم ملامح عامة للحقيقة . ولعل تبني اليهود منذ قرون دراسة الآثار العراقية شكل تهديدا واقعيا لتأريخ وحضارة هذا البلد .

ان المؤسسات والمراكز التي أشرفت على بعثات التنقيب في العراق ومصر أخفت الكثير من المكتشفات الآثارية , وربما غيبت المهم من الحقائق . فيما الآثاريون الغربيون ترجموا النصوص السومرية والمصرية بشكل متأثر باعتقاداتهم وتصوراتهم الشخصية وبيئتهم المحيطة يهودية او مسيحية في أحسن الأحوال . وربما ان هؤلاء العلماء لم يكشفوا الا اقل القليل مما وجدوا . لذلك هم قاموا بتشويه الحقيقة التي لم ادرك انا شخصيا الا بعض ملامحها .

لذا يجد باحث كبير كالأستاذ ( طه باقر ) صعوبة بالغة في تحديد ماهية الديانة التي كانت عليها شعوب وادي الرافدين القديمة ، ومن هنا نراه لم يخفِ عجزه عن الإشارة لديانة بعينها تخص سكّان وادي الرافدين القدماء في كتابه ( تاريخ العراق القديم )[2] ، رغم انه جزم في كونهم لم يشاركوا او يشابهوا الشعوب البدائية الهمجية في ديانات مثل ( الطوطمية ).

المجتمعات الايمانية الأولى :

( عن ابن عباس أنه قال : أول المرسلين آدم ، وآخرهم محمد … وعليهم … وكانت الانبياء مائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي ، الرسل منهم ثلاث مائة ، وخمسة منهم اولو العزم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص) ، وخمسة من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، ومحمد صلى الله عليهم. وخمسة سريانيون : آدم ، وشيث وإدريس ، ونوح ، وإبراهيم : وأول أنبياء بني إسرائيل موسى ، وآخرهم عيسى. والكتب التي انزلت على الانبياء : مائة كتاب وأربعة كتب ، منها على آدم خمسون صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثون ، وعلى إبراهيم عشرون ، وعلى موسى التوراة ، وعلى داود الزبور ، وعلى عيسى الانجيل ، وعلى محمد الفرقان ، صلى الله عليهم )[3] .

لاشك ان مراد الحديث من سريانية الخمسة الأول انهم من امة السريان السالفة , التي هي الامة السومرية او الآرامية , ومن عربية الأربعة غير محمد المجتمع الأخلاقي الذي كوّن المنظومة العربية وتكلّم أولى اشكال العربية المتولدة عن اللغات القديمة . ولم يكن بإمكان المحدّث مخالفة قاعدة ( كلّم الناس على قدر عقولهم ) .

و ( عن أحمد بن محمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه ، عن محمد بن الفضيل ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر قال : إن الله عز وجل عهد إلى آدم (ع) أن لا يقرب الشجرة ، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله تبارك وتعالى أن يأكل منها نسي فأكل منها ، وهو قول الله تبارك تعالى : « ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما » فلما أكل آدم من الشجرة اهبط إلى الارض فولد له هابيل واخته توأم ، وولد له قابيل واخته توأم ، ثم إن آدم أمر هابيل وقابيل أن يقربا قربانا ، وكان هابيل صاحب غنم ، وكان قابيل صاحب زرع ، فقرب هابيل كبشا وقرب قابيل من زرعه مالم ينق ، وكان كبش هابيل من أفضل غنمه وكان زرع قابيل غير منقى ، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل ، وهو قوله عزوجل : « واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر » الآية ، وكان القربان إذا قبل تأكله النار ، فعمد قابيل فبنى لها بيتا ، وكان أول من بنى للنار البيوت ، وقال : لأعبدن هذه النار حتى تقبل قرباني ، ثم إن عدو الله إبليس قال لقابيل : إنه تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك ، وإن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ، فقتله قابيل ، فلما رجع إلى آدم قال له : يا قابيل أين هابيل؟ فقال : ما أدري وما بعثتني له راعيا! فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولا فقال : لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل ، فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة. ثم إن آدم سأل ربه عزوجل أن يهب له ولدا فولد له غلام فسماه هبة الله ، لان الله عز وجل وهبه له ، فأحبه آدم حبا شديدا ، فلما انقضت نبوة آدم واستكمل أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا آدم إنه قد انقضت نبوتك ، واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك عند ابنك هبة الله ، فإني لن أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ، ولن أدع الارض إلا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي ، فيكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح ، وذكر آدم نوحا وقال : إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا اسمه نوح وإنه يدعو إلى الله فيكذبونه فيقتلهم الله بالطوفان ، وكان بين آدم ونوح عشرة آباء كلهم أنبياء الله ، وأوصى آدم إلى هبة الله : أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به فإنه ينجو من الغرق. ثم إن آدم مرض المرضة التي قبض فيها فأرسل إلى هبة الله فقال له : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فاقرأه السلام وقل له : إن أبي يستهديك من ثمار الجنة ، ففعل ، فقال له جبرئيل : يا هبة الله إن أباك قد قبض ، وما نزلت إلا للصلاة عليه فارجع ، فرجع فوجد أباه قد قبض ، فأراه جبرئيل كيف يغسله فغسله حتى إذا بلغ الصلاة عليه قال هبة الله : يا جبرئيل تقدم فصل على آدم ، فقال له : جبرئيل : يا هبة الله إن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نسجد لأبيك في الجنة ، وليس لنا أن نؤم أحدا من ولده ، فتقدم هبة الله فصلى على آدم وجبرئيل خلفه وحزب من الملائكة وكبر عليه ثلاثين تكبيرة ، فأمر جبرئيل فرفع من ذلك خمس وعشرون تكبيرة ، فالسنة البوم فينا خمس تكبيرات ، وقد كان يكبر على أهل بدر سبع وتسع. ثم إن هبة الله لما دفن آدم أتاه قابيل فقال له : يا هبة الله قد رأيت آدم أبي قد خصك من العلم بما لم أخص به ، وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون : نحن أبناء الذي تقبل قربانه ، وأنتم أبناء الذي لم يتقبل قربانه ، وإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل ، فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة حتى بعث نوح وظهرت وصية هبة الله حين نظروا في وصية آدم فوجدوا نوحا قد بشر به أبوهم آدم فآمنوا به واتبعوه وصدقوه ، وقد كان آدم أوصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم ، فيتعاهدون بعث نوح في زمانه الذي بعث فيه ، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمدا (ص) وإنما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم وهو قول الله تعالى : « ولقد أرسلنا نوحا » إلى آخر الآية ، وكان ما بين آدم ونوح من الانبياء مستخفين ومستعلنين ، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الانبياء ، وهو قول الله تعالى : « ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك » يعني من لم يسمهم من المستخفين كما سمى المستعلنين من الانبياء. فمكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، لم يشاركه في نبوته أحد ، ولكنه قدم على قوم مكذبين للأنبياء الذين كانوا بينه وبين آدم ، وذلك قوله : « كذبت قوم نوح المرسلين » يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن انتهى إلى قوله : « وإن ربك لهو العزيز الرحيم ». ثم إن نوحا لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى الله عز وجل إليه : يا نوح قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند سام ، كما لم أقطعها من بيوتات الانبياء الذين بينك وبين آدم ، ولن أدع الارض إلا عليها عالم يعرف به ديني ، وتعرف به طاعتي ، ويكون نجاة لم يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر ، وليس بعد سام إلا هود ، فكان بين نوح وهود من الانبياء مستخفين ومستعلنين. وقال نوح : إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا يقال له هود ، وإنه يدعو قومه إلى الله تبارك وتعالى فيكذبونه ، وإن الله عز وجل مهلكهم ، فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه ، فإن الله عز ذكره ينجيه من عذاب الريح ، وأمر نوح ابنه ساما « سام خ » أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة ، ويكون يوم عيد لهم فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الذي يخرج فيه ، فلما بعث الله تبارك وتعالى هودا نظروا فيما عندهم من العلم والايمان وميراث العلم والاسم الاكبر وآثار علم النبوة فوجدوا هودا نبيا قد بشرهم به أبوهم نوح ، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه ، فنجوا من عذاب الريح وهو قول الله : « وإلى عاد أخاهم هودا » وقوله : « كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون » وقال الله عز وجل : « ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب » وقوله : « ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا » لنجعلها في أهل بيته « ونوحا هدينا من قبل » لنجعلها في أهل بيته ، فآمن العقب من ذرية الانبياء من كان قبل إبراهيم لإبراهيم ، وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة أنبياء وهو قوله عز وجل : « وما قوم لوط منكم ببعيد » وقوله : « فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي سيهدين » وقوله تعالى : « وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم » فجرى بين كل نبي ونبي عشرة آباء وتسعة آباء ، وثمانية آباء كلهم أنبياء ، وجرى لكل نبي ما جرى لنوح ، وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم صلوات الله عليهم حتى انتهى إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم صارت بعد يوسف في الاسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى بن عمران وكان بين يوسف وموسى بن عمران عشرة من الانبياء ، فأرسل الله عز وجل موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون ، ثم أرسل الله الرسل تترى « كلما جاء امة رسوله كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث » فكانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم نبيين وثلاثة وأربعة ، حتى أنه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيا ، ويقوم سوق بقلهم في آخر النهار فلما انزلت التوراة على موسى بن عمران تبشر بمحمد وكان بين يوسف وموسى من الانبياء عشرة ، وكان وصي موسى بن عمران يوشع بن نون ، وهو فتاه الذي قال فيه عز وجل ، فلم تزل الانبياء تبشر بمحمد وذلك قوله : « يجدونه » يعني اليهود والنصارى ، يعني صفة محمد واسمه « مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر » وهو قول الله تعالى يحكي عن عيسى بن مريم : « ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد » فبشر موسى وعيسى بمحمد صلى الله عليهم أجمعين كما بشرت الانبياء بعضهم بعضا حتى بلغت محمدا (ص) ، فلما قضى محمد (ص) نبوته واستكمل أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه : أن يا محمد قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب ، فإني لن أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك ، كما لم أقطعها من بيوتات الانبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم ، وذلك قوله تعالى : « إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلا ، ولم يكل أمره إلى ملك مقرب ، ولا إلى نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته إلى نبيه فقال له كذا وكذا ، فأمره بما يحب ونهاه عما ينكر ، فقص عليه ما قبله وما بعده بعلم فعلم ذلك العلم أنبياؤه وأصفياؤه من الآباء والاخوان بالذرية التي بعضها من بعض ، فذلك قوله : ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما « فأما الكتاب فالنبوة ، وأما الحكمة فهم الحكماء من الانبياء والاصفياء من الصفوة ، وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض ، الذين جعل الله تبارك وتعالى فيهم النبوة وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى ينقضي الدنيا ، فهم العلماء ولاة الامر ، واستنباط العلم والهداة ، فهذا بيان الفضل في الرسل والانبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله ، وأهل استنباط علم الله ، وأهل آثار علم الله عز وجل من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الانبياء من الآل والاخوان والذرية من بيوتات الانبياء ، فمن عمل بعلمهم انتهى إلى إبراهيم فجاء بنصرهم ، ومن وضع ولاية الله وأهل استنباط علمه في غير أهل الصفوة من بيوتات الانبياء فقد خالف أمر الله ، وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى ، وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله ، فقد كذبوا على الله وزاغوا عن وصية الله وطاعته ، فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا أتباعهم ، ولم يكن لهم يوم القيامة حجة ، إنما الحجة في آل إبراهيم لقول الله تبارك وتعالى » : ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فالحجة الانبياء وأهل بيوتات الانبياء حتى تقوم الساعة ، لان كتاب الله عز وجل ينطق بذلك ، ووصية الله خبرت بذلك في العقب من البيوت التي رفعها الله تبارك وتعالى على الناس فقال : « في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه » وهي بيوت الانبياء والرسل الحكماء وأئمة الهدى ، فهذا بيان عروة الايمان التي نجا بها من نجا قبلكم ، وبها ينجو من اتبع الهدى قبلكم وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه : « ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين* وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم * اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين » فإنه وكل بالفضل من أهل بيته من الانبياء والاخوان والذرية ، وهو قول الله عزوجل في كتابه : فإن يكفر بها امتك يقول : فقد وكلنا أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبدا ، ولا اضيع الايمان الذي أرسلتك به ، وجعلت أهل بيتك بعدك علما عنك وولاة من بعدك ، وأهل استنباط علمي الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رئاء ، هذا تبيان ما بينه الله عزوجل من أمر هذه الامة بعد نبيها ، إن الله تبارك وتعالى طهر أهل بيت نبيه ، وجعل لهم أجر المودة ، وأجرى لهم الولاية ، وجعلهم أوصياءه وأحباءه وأئمته في امته من بعده ، فاعتبروا أيها الناس وتفكروا فيما قلت حيث وضع الله عز وجل ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحجته فإياه فتعلموا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، ويكون لكم به حجة يوم القيامة والفوز ، فإنهم صلة بينكم وبين ربكم ، ولا تصل الولاية إلى الله عزوجل إلا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأت بغير ما أمره كان حقا على الله أن يذله ويعذبه. وإن الانبياء بعثوا خاصة وعامة ، فأما نوح فإنه ارسل إلى من في الأرض بنبوة عامة ورسالة عامة ، وأما هود فإنه ارسل إلى عاد بنبوة خاصة ، وأما صالح فإنه ارسل إلى ثمود قرية واحدة وهي لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة وأما شعيب فإنه ارسل إلى مدين وهي لا تكمل أربعين بيتا ، وأما إبراهيم نبوته بكوثى ربا، وهي قرية من قرى السواد فيها مبدأ أول أمره ، ثم هاجر منها ، وليست بهجرة قتال ، وذلك قوله تعالى : « وقال إني مهاجر إلى ربي سيهدين » فكانت هجرة إبراهيم بغير قتال. وأما إسحاق فكانت نبوته بعد إبراهيم ، وأما يعقوب فكانت نبوته في أرض كنعان ثم هبط إلى أرض مصر فتوفي فيها ، ثم حمل بعد ذلك جسده حتى دفن بأرض كنعان ، والرؤيا التي رأى يوسف الاحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين ، فكانت نبوته في أرض مصر بدؤها ، ثم كانت الاسباط اثني عشر بعد يوسف ، ثم موسى وهارون إلى فرعون وملائه إلى مصر وحدها ، ثم إن الله تعالى أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى ، نبوته بدؤها في البرية التي تاه فيها بنو إسرائيل. ثم كانت أنبياء كثيرون : منهم من قصه الله عز وجل على محمد ، ومنهم من لم يقصه عليه. ثم إن الله عز وجل أرسل عيسى بن مريم إلى بني إسرائيل خاصة فكانت نبوته ببيت المقدس ، وكان من بعده الحواريون اثني عشر ، فلم يزل الايمان يستسر في بقية أهله منذ رفع الله عيسى ، وأرسل الله تبارك وتعالى محمدا (ص) إلى الجن والانس عامة ، وكان خاتم الانبياء ، وكان من بعده الاثني عشر الاوصياء ، منهم من أدركنا ومنهم من سبقنا ، ومنهم من بقي ، فهذا أمر النبوة والرسالة ، وكل نبي ارسل إلى بني إسرائيل خاص أو عام له وصي جرت به السنة ، وكان الاوصياء الذين بعد محمد (ص) على سنة أوصياء عيسى ، وكان أمير المؤمنين على سنة المسيح ، وهذا تبيان السنة وأمثال الاوصياء بعد الانبياء. )[4] .

ومن خلال الاطروحات الآثارية المصرية , اذا اعتبرنا اتفاقاً مع المنهج الفلسفي العقلي انّ الاله ( نُون ) هو الذي أفاض الحياة وكان وجوداً متفرداً ، سيكون لزاماً علينا اعتبار ( أتوم ) هو المخلوق الاول ، الذي ظهر على التل الأزلي ( تاتنن )[5] . ومن ( أتوم ) ظهرت باقي الآلهة او المخلوقات . انّ هذا المعنى يقابله في الخطّ الديني الرسولي العام المخلوق الاول ( آدم ) . وقد ربط بعض الباحثين بينهما فعلاً كما ذكر ياروسلاف تشيرني ، باعتبار انّ ( آتوم ) هو لهجة مصرية عن ( آدم ) ، وكذلك اسم ( آتوم ) في اللغة المصرية القديمة أخذ معنى ( الكامل )[6] ، وربما هو ما يشير الى فكرة الاصطفاء التي جاءت في القران الكريم لآدم واختياره (( انّ اللَّهَ اصطفى آدم )) ، وهو كذلك يشير الى معنى وجود انواع اخرى من البشر أقلّ اكتمالا من آدم ، لذلك تمّ اختياره دونهم لاصطفائه بالرسالة الإصلاحية واستعمار الارض ، وتم زقّه بالعلوم والمعرفة ، فكان هو مصدر الفيض المعلوماتي لبني الانسان ، فربطته الأسطورة المصرية بالإله مباشرة .

وقد وصفت الادبيات المصرية القديمة ( آتوم ) بالأوحد والأقدم والذي أتى الى الوجود بنفسه ، كذلك أطلقت عليه ( سيد الجميع ) . وفي تاسوع ( هليوبولس – منف ) كان ( آتوم ) هو اللسان والقلب ، حيث كانت بداية الخلق من اللسان والقلب ، ومظهر ذلك الخلق كان الإلهين ( حورس ) و ( تحوت )[7] . وأنّ ( آتوم ) كان هو من نطق الأسماء الاولى للأشياء[8] . وهذا المعنى الأخير ورد في النص القراني كذلك (( وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِـئونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صادِقِينَ )) .

انّ ( تحوت ) الذي هو مظهر من مظاهر ( آتوم ) يقابله في الادبيات الإبراهيمية ( إدريس ) عليه السلام ، حيث أعطت الأساطير المصرية له ذات الخصائص التي تم اعطائها لإدريس في العقيدة الإبراهيمية . لقد جاء في المصريات القديمة انّ ( تحوت ) كان اله ( الحكمة والمعرفة ) و ( العارف ) و ( المتمرس بالمعرفة ) ، كما وصفته ب ( سيد السحر ) و ( المجلل بالأسرار )[9] ، وهذان الوصفان الأخيران ربما كانا تلخيصاً للعلوم التي زقّها ادريس في عصره دون ان يكون لها سابق فأخذت معنى غامضا . كما وصفت الأسطورة المصرية ( تحوت ) بانه مخترع الكتابة وواضع القوانين وكذلك الناموس التقليدي للكتب المقدسة [10]. انّ هذا الوصف لتحوت قابله في النص الإبراهيمي الوصف الخاص بإدريس ، حيث جاء ما مضمونه ( انّ ادريس اولّ مَن خطَّ بالقلم ) ، كما نقل صاحب بحار الأنوار ، الذي أضاف انّ اليونان يسمونه ( هرمس الحكيم ) ، وما يؤيد كلام صاحب البحار انّ الإغريق أطلقوا اسم ألههم على مدينة ( الاشمونين ) التي تمّ فيها تقديس ( تحوت ) فسمّوها ( هرموبوليس )[11] . وقد اطلعت لهرمس على كتاب فيه حكمته وعقيدته وفلسفته ، حيث أخذت أثراً من عقائد الماضين على مختلف اصقاعهم كما آورد صاحب كتاب ( متون هرمس ) . كما أشار صاحب بحار الأنوار – ومصادر اخرى – انّ اسم ادريس أيضاً ( اخنوخ ) ، وقد وجدتُ لأخنوخ قصصا وأساطير في عقائد تاريخية عديدة . وينقل العلامة المجلسي عن السيد ابن طاووس انه قال : ( وجدت في كتاب مفرد في وقف المشهد المسمى بالطاهر بالكوفة عليه مكتوب ( سنن ادريس ) عليه السلام وهو بخط عيسى نقله من السرياني الى العربي عن ابراهيم بن هلال الصابئ الكاتب … ) . وجاء ايضا ( مسجد السهلة بيت ادريس عليه السلام الذي كان يخيط فيه ) .

فيما ذكر ابن النديم في كتابه الفهرست ما نصه ( أنه زعم أهل صناعة الكيمياء، وهي صناعة الذهب والفضة من غير معادنها، أن أول من تكلم عن علم الصنعة هو هرمس الحكيم البابلي المنتقل إلى مصر عند افتراق الناس عن بابل، وإن الصنعة صحّت له، وله في ذلك عدة كتب، وإنه نظر في خواص الأشياء وروحانيتها )[12] ، وقال ايضاً ( ذكر هرمس البابلي: قد اختلف في أمره فقيل انه كان أحد السبعة السدنة الذين رتبوا لحفظ البيوت السبعة وأنه كان اليه بيت عطارد وباسمه يسمى فان عطارد باللغة الكلدانية هرمس وقيل انه انتقل إلى أرض مصر بأسباب وانه ملكها وكان له أولاد عدة منهم طاط وصا واشمن واثريب وقفط وانه كان حكيم زمانه ولما توفى دفن في البناء الذي يعرف بمدينة مصر بأبي هرمس ويعرفه العامة بالهرمين فان أحدها قبره والآخر قبر زوجته وقيل قبر ابنه الذي خلفه بعد موته )[13] .

ومن ملاحظة هذه الإيرادات جميعا نستشف وجه تقديس ادريس عليه السلام – بمختلف مسمياته – لدى شعوب الارض ، فهو من علّمهم الخط ، وكذلك من زقّ المعرفة والعلوم . ويمكننا بعد ذلك حلّ الإشكال التاريخي بين مصر والعراق حول الذي كتب الحرف الاول ، فكلا الشعبين يريان انّ ( ادريس / تحوت / هرمس / اخنوخ ) هو من فعل ذلك .

ومن قصة تحوت يمكننا ان نلج الى ما يدعم الرأي القائل بأنّ ( آتوم ) هو ذاته ( آدم ) حيث التشابه العجيب بين قصة ابني آدم التي أوردتها الأديان الإبراهيمية وبين أسطورة اوزيريس وست الإلهية المصرية . فقد ورد في القران الكريم (( وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءَادَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلْءَاخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ )) . فيما جاء في أسطورة ( اوزيريس وإيزيس ) المصرية ما مضمونه ( انّ اوزيريس كان يحكم في سالف الزمان على الارض ، ونشر في أرجائها أعماله الخيرة ، لكن شقيقه ست دبّر له مؤامرة واغتاله خلسة . وبعد ذلك جمعت اختاه إيزيس ونفتيس اشلائه من المواقع التي وجدت فيها ، واستطاع ان يُمنح قوة التناسل بمفعول السحر الذي برعت فيه إيزيس . وكان من نتائج هذا السحر ان حملت منه إيزيس وانجبت له ابنهما الاله حورس ، الذي هربت به خوفاً من عمه الاله ست وشروره . حتى كبر وأصبح قوياً كفاية ، فانتقم لأبيه بمساعدة أمه ، فحكم مكانه . وقد خاض حورس مع عمه معارك عنيفة جداً ) .

انّ الأصل المشترك للقصتين يمكن فهمه من معرفة انّ الوسيط الذي أنهى هذا الصراع الكبير هو الاله ( تحوت / ادريس ) ، بحكمته عمد الى تهدئة النزاع بين الإلهين المتقاتلين ( حورس وست )[14] ، وهو كذلك من شافى عين حورس لتعود بارئة[15] .

ولفهم اكبر يمكننا تلخيص مجمل القصة بالمعنى الذي أورده السيد سامي البدري – ذلك الباحث الفذ – عن نشوء الحضارة القابيلية قبالة الحضارة الآدمية الشيتية . حيث انّ ( قابيل ) و ( شيت ) في الموروث الإبراهيمي هما ابنا آدم ابي البشر ، وقد كان قابيل ( يقابل ست في الموروث المصري ) قد قام بقتل أخيه هابيل ( يقابل اوزيريس ) ، وكان شيت الابن الاخر لآدم ، والذي يقابله في الأسطورة المصرية ( حورس ) . انّ قابيل بعد قتله لاخيه لم يعد له مكان في الجماعة الصالحة الآدمية ، لذلك انتقل لتأسيس جماعة خاصة به ، وهو على كونه ابناً لآدم وقد أخذ من علومه لكنّه حمل بذرة الانحراف بعد مقتل أخيه ، الذي أنشئه الحسد والأنانية ، فكان من المنطقي قيام حضارة قابيلية تجمع بين مظاهر التوحيد الآدمية وبين نتائج الانحراف النفسية لقابيل ، فبدأت أولى الحضارات المنحرفة العقيدة . وقد كانت هذه الفرصة ذهبية لاختراق عالم الادميين من قبل حضارات وجماعات اخرى ظاهرة او خفية ، متقدمة علمياً او بدائية ، فبدأ قيام الحضارة الدينية العكسية ، التي تجمع بين الموروث القابيلي والموروث البدائي والموروث غير البشري ، فكان ما أنتجته خليطاً عجيباً وملوثاً ، ومن الطبيعي ظهور الطقوس المبتدعة والصفات المغلوطة للاله . في المقابل كانت هناك الحضارة النقية الآدمية التي يقودها شيت ، والتي ارادت دفع الحضارة القابيلية بعيداً للوقاية من شرورها ، فنشأ الصراع الحضاري الكبير والعنيف بينهما ، حيث ارادت الحضارة القابيلية أيضاً السيطرة وفرض معتقداتها ، وطمس الجرح الكبير في مسيرة الادميين الذي أوجدته فعلة قابيل بقتل أخيه . وقد استمرّ الصراع كما يبدو طويلاً ، وبصورة عنيفة ، حتى ظهر ( ادريس ) وعمل على إيقافه وتهدئة قادته ، من خلال حكمته ، ولأنه كان يحمل هدفاً أسمى في توحيد البشرية وتهذيبها ، لذلك تجاوز قساوة المجتمع القابيلي ، رغم انه شخصياً كان جزءاً من المجتمع الشيتي الآدمي [16]. وما يؤيد ان ( تحوت = ادريس = هرمس = اخنوخ ) لم يكن مصرياً بل اجنبياً عن تلك البلاد انه لُقّبَ عند المصريين ( سيد البلاد الأجنبية ) وكان عارفاً بلغات الشعوب الأخرى[17] , فيما اعتبره الاغريق شخصية عالمية تخصهم كما مرّ آنفاً , وحضارة الاغريق نشأت معرفياً بتأثيرات عراقية سورية مشتركة .

عن أبي عبدالله قال : ( قال أبوذر : يا رسول الله كم بعث الله من نبي؟ فقال : ثلاث مائة ألف نبي وعشرين ألف نبي ، قال : يا رسول الله فكم المرسلون ؟ فقال : ثلاث مائة وبضعة عشر ، قال : يا رسول الله فكم أنزل الله من كتاب ؟ فقال : مائة كتاب وأربعة وعشرين كتابا : أنزل على إدريس خمسين صحيفة ، وهو اخنوخ ، وهو أول من خط بالقلم ، وأنزل على نوح وأنزل على إبراهيم عشرا ، وأنزل التوراة على موسى ، والزبور على داود ، والانجيل على عيسى ، والقرآن على محمد (ص) )[18] .

و ( نوح ) ابن ( لامك بن متوشالح ) بن ( اخنوخ = ادريس = هرمس ) بن ( يارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش ) بن ( شيث ) بن ( آدم )[19] . واخنوخ او ادريس قد ترك سفراً معروفاً باسم ( سفر اخنوخ الحبشي ) , فيه من الإشارات والاخبارات المستقبلية الكثير , وهو ليس من الاسفار التي تعترف بها الكنيسة أكيدا . لقد شغلت عصور ما قبل التاريخ 99 % من حياة البشر , فيما العصور التاريخية المعروفة لا تتجاوز 6000 سنة [20] , ومع ذلك هي فترة مجهولة ومغيّبة عن الذاكرة البشرية الحاضرة , لا سيما في المجال العقائدي .

التصوير القرآني لمجتمع ما قبل الطوفان :

ان القرآن الكريم لم يتناول المجتمعات الانسانية من منظور آثاري , بل من منظور العبرة والموعظة , لذلك لم يشرح الصورة الاجتماعية والسياسية والعمرانية بطريقة الآثاريين . لكننا يمكن ان نستشف من بعض الآيات الكريمة شيئا من ملامح ذلك المجتمع الذي عاشه نوح قبل الطوفان .

( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ، بمعنى ان مجتمع نوح كان على المستوى الرسمي كافرا لا يعبد الله ( أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين ) ، وهنا ندرك انهم كانوا يأتون اعمالا قرّبت العذاب اليهم . (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) ، اي ان مجتمع نوح كان طبقيا , تحكمه النخبة , وتديره مجموعة من الشخصيات , الا ان المعيار الطبقي كان يعتمد على النفوذ والقوة . ( فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين ) ، والفهم انهم كانوا يجهلون المعاني التوحيدية حد العمى . ( وقوم نوح من قبل انهم كانوا هم اظلم واطغى ) , الامر الذي يعني انهم امة بلغت حداً كبيراً من الطغيان . ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ) ، ولا يمكن لأحد القول ان نوحاً وحده من بلغ هذا العمر المتقدم جداً , لانها ستكون معجزة تثير تساؤل قومه , غير انهم – بحسب الظاهر – كانوا معتادين على العمر ذي الالف سنة . وهذا ما تؤكده المكتشفات الآثارية – كما سيأتي – وهو من عجائب القرآن وآياته .

التصوير الآثاري :

من النصوص القديمة التي تشير الى تأريخ ما قبل الطوفان وثيقة ( قائمة الملوك السومرية ) , التي عثرت عليها بعثات التنقيب عن الآثار في العراق , وقد جاء فيها وفق اصدارات ( كريمر ) ما يأتي :

) ( بعد ان هبطت الملكية من السماء اصبحت ( اريدو ) مقر الملكية . في اريدو حكم ( آلوليم ) ٢٨٨٠٠ سنة كملك , وحكم ( لجار ) ٣٦٠٠٠ سنة , ملكان حكما ٦٤٨٠٠ سنة . ثم هُجرت اريدو و نُقلت ملكيتها الى ( بادتيبيرا ) . في ( بادتيبيرا ) حكم ( اينمثلوانا ) ٤٣٢٠٠ سنة …. , ثم هُجرت بادتيبيرا ونُقلت ملكيتها الى ( لاراك ) .في ( لاراك ) حكم ( اينسيبازي انا ) ٢٨٨٠٠ سنة , …. , وهُجرت لاراك و نُقلت ملكيتها الى ( سيبار ) . في ( سيبار ) حكم ) اينميدورانا ) ٢١٠٠٠ سنة …. , ثم هُجرت سيبار ونقلت ملكيتها الى ( شوروباك ) . في ( شوروباك ) حكم ( اوبارتوتو ) ١٨٦٠٠ سنة كملك – ملك واحد ١٨٦٠٠ سنة . المجموع ( خمس مدن , ثمانية ملوك حكموا ٢٤١٢٠٠ سنة . ثم اغرق ( الطوفان ) ( البلاد ) , وبعد ان اغرق الطوفان البلاد وهبطت الملكية من السماء ( مرة ثانية ) اصبحت ( كيش ) مقر الملكية . في كيش حكم ( جا اور ) ١٢٠٠ سنة , وحكم ( جولا – نيدابا انا ياد ) ٩٦٠ سنة ))[21] , وتستمر في السرد لمجموع السلالات التي حكمت بلاد سومر واكد .

انّ علماء التأريخ والانساب والآثاريين اختلفوا في حقيقة العلاقة بين المجتمعين السومري والاكدي , وتولدت في ذلك عدة آراء , ارى ان اغلبها عبثية وترفية , لكن يهمني منها رأيان :

1 – ان المجتمع السومري والاكدي هو مجتمع واحد , كانت لغته الاكدية , اما اللغة السومرية فهي اللغة المقدسة , او لغة ( الدين ) , لذلك كانت اسماء المعابد دائما – حتى في عنفوان التألق الاكدي – سومرية .

2 – ان المجتمع السومري سابق على المجتمع الاكدي لكنهما من اصل واحد , ثم اندمجا معا – لترابطهم العضوي – مع تفوق الاكديين بسبب انتمائهم للسامية ، وبالتالي الى نوح عليه السلام , ونموهم السكاني .

والأقرب – بعد قراءة مقارنة للمصادر – ان السومريين هم قوم نوح وعشيرته , و ذراري من نجا معه في السفينة , اما الاكديون فهم ذرية نوح المباشرة , ومن هنا فانهم في الحقيقة مجتمع واحد , تميز فيه الاكديون بسبب انتسابهم السامي , فتزعموا هذه الحضارة بعد انتهاء اعداء نوح من طواغيت عصره ( عصر ما قبل الطوفان ) ، واذْ شهد المؤمنون إحداث الطوفان حفظوا لأبناء نوح مكانتهم .

( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ) ( مريم ٥٨ ) ، ( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) (الصافات ٧٧ ) ، ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) ( الحديد ٢٦ ) ، وصريح الآيات يؤيد ما نذهب اليه , ولو اعتمد الباحثون آلية التعاضد بين النصوص المقدسة والمصادر التأريخية والآثارية لتوصلوا الى حقائق اولية نافعة جدا .

النجف مرسى سفينة نوح :

ان ابحاثاً عراقية حديثة تشير الى رسو سفينة نوح في ارض النجف , وهو امر يؤيده انشاء نوح للمجتمع الاول في تلك الانحاء , وذلك يخالف آراء اليهود والمستشرقين بان المقصود بجبل ارارات التوراتي مرتفع ما في تركيا او ارمينيا , فما الذي دعا نوح ان يتوجه جنوبا لانشاء مجتمعه حينها ؟ .

يقول العلامة والباحث سامي البدري “، إن “هناك معلومات تم الحصول عليها في وثائق مسمارية باللغة السومرية والأكدية تؤكد أن سفينة نوح قد رست في النجف، مبينا أن النص المدون في اللوح الحادي عشر السطر ١٣٨ و ١٣٩ في ملحمة كلكامش يقول ( أمسك جبل بلاد نصر بالسفينة ولم يدعها تتحرك ) , واسم السفينة كان ( ناصرت نبشتم ) بمعنى ( حافظة الحياة ) , ويقابل الفعل ( يحفظ ) سومرياً كلمة ( حار , حير ) , وبالتالي تكون الجملة بالسومرية ( امسك جبل بلاد الحير بالسفينة ) , ومن ثم اخذ المكان لاحقاً اسمه من قداسة الموقف فصار ( الحيرة ) , الاسم الذي اختزنته الذاكرة العراقية [22], وهو ما يوافق ما جاء في الرواية : ( عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله ( عليه السلام ): ” استوت على الجودي ” هو فرات الكوفة )[23] .

وأوضح البدري أن كلمة نصر أكدية وتعني الحفظ ويقابلها بالسومرية حير وحار ويعني أمسك الجبل ، والنجف هي جبل الحيرة , مضيفا أن النص العبري يقول استقرت السفينة على جبل ارارت وهي كلمة بقيت مبهمة “[24].

وأضاف البدري ” اكتشفنا أن اللفظة تتألف من كلمتي ار واراد ، وأن أراد هو نهر الفرات ، وتشير إلى النجف والكوفة ، ولا تشير إلى تركيا ” . وقد عضد رأي البدري باحث اكاديمي آخر , أنه لاحظ من خلال تحليلات التربة والأدلة الآثارية أن الطوفان حدث بارتفاع 70 مترا، الأمر الذي يشير إلى أن منطقة الخليج العربي كانت يابسة عندما حدث الطوفان، وارتفعت المياه عن مستوى موقع الخليج العربي إلى 70 مترا , مبينا أن هذا الارتفاع معناه أنه يمتد إلى أعلى نقطة في جنوب العراق وهي منطقة طار النجف “[25].

ان قصة الانسان التي تبدأ على ارض العراق تنتهي على ارض العراق كما يرى العلامة البدري . وينطلق مرة أخرى من ( قائمة ملوك سومر ) في متحف بنسلفانيا الى ان العراق مر بمرحلتين قبل الطوفان وبعده , وان العراق مر بعشرة ملوك او حكماء قبل الطوفان , ولكن ملوك لا يشبهون ملوك ما بعد الطوفان .

وأول مكان تذكره الوثيقة هي ( اريدو ) التي هي اسم من أسماء بابل , والتي تلفظ ( أراد ) والواو الأخير حرف علة لا مقام له , ورغم ذكرها في جنوب العراق الا انها تشمل جميع بابل , وهي ( قردو ) بمعنى قرية الخلق . وتذكر قصة ( ادبا ) ان الخالق الحكيم خلق ( ادابا ) على ارض بابل وعلم الفنون والآداب والحكمة واسرار الحياة . وان كتب التاريخ المدرسية تعمدت القفز على التفسير الديني لمائة عام وارادوا اظهار العراق كبلد مشرك رغم كون رغم الشرك ظاهرة عرضية في تاريخ العراق بجعل الناس للملائكة المدبرة للأمر الهة , فنشروا التاريخ الوثني واغفلوا جانب العراق المشرق . وان اول أسماء أولئك الحكماء قبل الطوفان ( آلولم ) والثاني ( آللغار ) والسابع ( ادراكوس ) او ( اينميدور انكا ) والعاشر ( اوتنبشتم ) او ( صاحب العمر الطويل ) او ( الذي اعطي الحياة ) بالاكدية او ( زيوسدرا ) بالسومرية أي ( الذي طالت أيام حياته ) , والذي هو بطل الطوفان وصنع السفينة بأمر خالقه الذي كان يبكي بين يديه كل يوم . ولكن تم تغييب ذلك في الكتب المدرسية لأسباب ايدولوجية لا علمية مضادة للتدين .

و( آلولم ) يتجزأ الى ( آ ) معناه اب و ( لولم ) الانسان او البشر , معربة , لان اللغة الاكدية معربة , فيكون ( آلولم ) بمعنى ( أبو الجنس البشري ) , أي اول انسان , او ( ادابا ) حسب قصة ادبا , وهو آدم لدى الديانات الابراهيمية . وآدم كلمة ليست عربية جاءت من ( آدوموزي ) , و ( دوموزي ) بمعنى ( الشهيد ) , و ( آ ) اب , فيكون اصلها ( أبو الشهيد ) , وهو ( هابيل ) وصي ابيه الذي قتله اخوه .

والوثيقة الأخيرة تذكر ان سابعهم هو ( اينوك ) او ( اخنوخ ) الذي سكن السماء , وهو ( ادريس ) بالمعنى الإسلامي . وبذلك – وغيره – تلتقي الوثائق السومرية والآرامية والدينية في هذه المعاني للحياة الأولى للإنسان على ارض العراق . وكل الوثائق في النهاية هي عراقية[26] .

الرؤية العراقية للملائكة

( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ][27]

الذهنية البشرية التي نزل القران في زمانها لم تكن لتستسيغ مفهوم القانون الفيزيائي ، كما انّ الذهنية المعاصرة لا تزال بعيدة عن فهم حقيقة وكنه القوانين الحاكمة في الكون المنسجم والمترابط ، ولم يستطع العلم سوى توصيف العلاقات على هذه القوانين .

لقد ربط القرآن الكريم وجود الملائكة بالعرش ، والعرش هو أصل كل شيء أنار بنور الله . قال علي بن ابي طالب : ( إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه [ ابيض ] البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فكل شيء محمول والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شيء، وهو حياة كل شيء ونور كل شيء، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ) [28] .

والعرش هو المقترن بتدبير الامر ، حيث يقول تعالى ( ان ربكم الله الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والارضَ في ستةِ ايامٍ ثمّ استوى على العرش يُدبّرُ الامرَ )[29] . وقرن الله تعالى عمل الملائكة بتدبير الامر ، وقد أشار جلّ جلاله الى ذلك حين قال ( فالمقسمات أمرا )[30] ، حيث قال صاحب تفسير ( الميزان ) : ( وقوله : ” فالمقسمات أمرا ” عطف على ما سبقه وإقسام بالملائكة الذين يعملون بأمره فيقسمونه باختلاف مقاماتهم فان امر ذي العرش بالخلق والتدبير واحد فإذا حمله طائفة من الملائكة على اختلاف أعمالهم انشعب الامر وتقسم بتقسمهم ثم اذا حمله طائفة هي دون الطائفة الاولى تقسم ثانيا بتقسمهم وهكذا حتى ينتهي الى الملائكة المباشرين للحوادث الكونية الجزئية فينقسم بانقسامها ويتكثر بتكثرها )[31] . ويمكن ادراج قوله تعالى ( فالمدبرات أمرا )[32] في هذا المعنى ، حيث ذكر صاحب الميزان انها في الملائكة ايضا ، ( تَنَزَّل الملائكة والروح فيها باْذن ربهم من كلّ امر ) .

وَمِمَّا يؤيد هذا الدور العملي في الخلق للملائكة ان الله تعالى جعل انقضاء الامر مقرونا بهم ، حيث قال تعالى ( ما نُنزّلُ الملائكةَ الا بالحقِّ وما كانوا إذاً مُنظَرين )[33] ، و قال ايضا جلّ شأنه ( يوم يَرَوْن الملائكةَ لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا )[34] ، و ( ويوم تشقق السماءُ بالغمام ونُزّلَ الملائكةُ تنزيلا ) ، و ( هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظُلَلٍ من الغمامِ والملائكةُ وقُضِيَ الامر والى الله تُرجعُ الأمور )[35] .

ومن لطيف التعبير القرآني عن عمل الملائكة هو قوله تعالى ( له مُعقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله إِنّ اللَّهَ لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللهُ بقومٍ سوءاً فلا مَردّ له وما لهم من دونه من وال )[36] ، حيث اقرت الآية ما نريد من كون الملائكة يعملون كقوانين تحفظ الانسان من الأوامر الكونية لله .

انّ المقصود من مفردة ( أمر ) في هذه الآيات هو ذاته الذي ورد في آية ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأوحى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )[37] بمعنى ( قانونها ) .

لقد كانت التسمية التي أطلقها العلامة ( كريمر ) على الموجودات المقدسة عند السومريين ( مجمع الآلهة = البانثيون )[38] محض انعكاس لصورة الديانة الرومانية الوثنية في عقله ، فهذه الصورة كانت الوحيدة التي تتوفر في ذهنه ، لأنه لم يكن مستوعباً او قارئاً لعقيدة ورثة المجتمع السومري من شيعة العراق , اذ لولا ما يختزنه العراقيون من ذاكرة عقائدية تقرّ بالولاية التكوينية لما اختار علي بن ابي طالب ارضهم مقراً لعقيدة ( الإمامة ) .

من هنا لم يكن الرأي التفسيري عند كريمر متجاوزاً ما يختزنه من معرفة سطحية محدودة في مجال العقائد ، لهذا نجده يقول : ( ورب سائل يسأل ، كيف كان يعمل هذا المجمع الالهي ؟ أولاً : كان يبدو من المعقول بالنسبة للسومري ان يفترض بان الآلهة التي تؤلف المجمع الالهي ” البانثيون ” لم تكن جميعها بنفس الأهمية او من منزلة متساوية . فلم يكن من المنتظر ان يقارن الاله الموكل بالفأس او قالب الاجر مع الاله الموكل بالشمس ، كما لم يكن متوقعا ان يكون الاله الموكل بالسدود والجداول مساويا فى المنزلة للاله الموكل بالأرض كلها ، ومن ثم ، بالقياس على التنظيم السياسي في الدولة البشرية ، كان طبيعيا ايضا الافتراض بانه كان على راس المجمع الالهي اله اعترفت به جميع الآلهة الاخرى كملك وحاكم عليها. وعلى هذا كان يتصور بان مجمع الآلهة السومري يعمل على هيئة مجلس يقوم على رأسه ملك )[39] .

وهذه التراتبية التي يقرأها كريمر خطأً منذ البدء – بترجمته للكلمة دنجير – كما تنقل بعض الأبحاث – بمعنى اله وهي تعني الشيء المقدس واقعاً – ليست سوى تراتبية ( النور ) في عقيدة الشيعة الامامية ، بمعنى انه كان هناك نور رسول الله محمد في البدء ، وبه ومن خلاله الإفاضة ، ثم نور علي بن ابي طالب ، الذي كان كنفس رسول الله ، ثم نور الزهراء فاطمة وباقي الأئمة المعصومين .

فعن [ الحاكم أحمد بن محمد بن عبدالرحمن المروزي ، عن محمد بن إبراهيم الجرجاني عن عبدالصمد بن يحيى الواسطي ، عن الحسن بن علي المدني ، عن عبدالله بن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال : إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله قبل أن خلق السماوات والارض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار وقبل أن خلق آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان عليهم السلام وكل من قال الله عزوجل في قوله : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب ) إلى قوله : ( وهديناهم إلى صراط مستقيم ) وقيل أن خلق الانبياء كلهم بأربع مائة ألف سنة وأربع وعشرين ألف سنة ، وخلق عز وجل معه اثني عشر حجابا : حجاب القدرة ، وحجاب العظمة ، وحجاب المنة ، و حجاب الرحمة ، وحجاب السعادة ، وحجاب الكرامة ، وحجاب المنزلة ، و حجاب الهداية ، وحجاب النبوة ، وحجاب الرفعة ، وحجاب الهيبة ، وحجاب الشفاعة . ثم حبس نور محمد صلى الله عليه وآله في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ربي الاعلى ) وفي حجاب العظمة إحدى عشر ألف سنة ، وهنو يقول : ( سبحان عالم السر ) وفي حجاب المنة عشرة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان من هو قائم لا يلهو ) وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان الرفيع الاعلى ) وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة وهو يقول : ( سبحان من هو دائم لا يسهو ) وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان من هو غني لا يفتقر ) وفي حجاب المنزلة ستة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان العليم الكريم وفي حجاب الهداية خمسة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ذي العرش العظيم ) وفي حجاب النبوة أربعة آلاف سنة وهو يقول : ( سبحان رب العزة عما يصفون ) وفي حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ذي الملك والملكوت ) وفي حجاب الهيبة ألفي سنة ، وهو يقول : ( سبحان الله وبحمده ) وفي حجاب الشفاعة ألف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ربي العظيم وبحمده ) ثم أظهر اسمه على اللوح فكان على اللوح منورا أربعة آلاف سنة ، ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا سبعة آلاف سنة ، إلى أن وضعه الله عزوجل في صلب آدم عليه السلام ، ثم نقله من صلب آدم عليه السلام إلى صلب نوح عليه السلام ، ثم من صلب إلى صلب حتى أخرجه الله عز وجل من صلب عبدالله بن عبدالمطلب ، فأكرمه بست كرامات : ألبسه قميص الرضا ، ورداه برداء الهيبة ، وتوّجه بتاج الهداية ، وألبسه سراويل المعرفة ، وجعل تكته تكة المحبة ، يشد بها سراويله ، وجعل نعله نعل الخوف ، وناوله عصا المنزلة . ثم قال : يا محمد اذهب إلى الناس فقل لهم : قولوا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . وكان أصل ذلك القميص من ستة أشياء : قامته من الياقوت ، وكماه من اللؤلؤ ، ودخريصة من البلور الاصفر ، وإبطاه من الزبرجد ، وجربانه من المرجان الاحمر ، وجيبه من نور الرب جل جلاله ، فقبل الله عز وجل توبة آدم عليه السلام بذلك القميص ، ورد خاتم سليمان عليه السلام به ورد يوسف عليه السلام إلى يعقوب عليه السلام به ، ونجى يونس عليه السلام من بطن الحوت به ، وكذلك سائر الانبياء عليهم السلام أنجاهم من المحن به ، ولم يكن ذلك القميص إلا قميص محمد صلى الله عليه وآله .

وعن جعفر بن محمد الفزاري بإسناده عن قبيصة بن يزيد الجعفي قال : دخلت على الصادق عليه السلام وعنده ابن ظبيان والقاسم الصيرفي ، فسلمت وجلست وقلت : يا ابن رسول الله أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبنية ، وأرضا مدحية أو ظلمة أو نورا قال : كنا أشباح نور حول العرش ، نسبح الله قبل أن يخلق آدم عليه السلام بخمسة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم عليه السلام فرغنا في صلبه ، فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهر حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله الخبر .

وعن إبراهيم بن هارون ، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، عن عيسى بن مهران ، عن منذر الشراك ، عن إسماعيل بن علية ، عن أسلم بن ميسرة العجلي ، عن أنس بن مالك ، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله خلقني وعليا و فاطمة والحسن والحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام ، قلت : فأين كنتم يا رسول الله ؟ قال : قدام العرش ، نسبح الله ونحمده ونقدسه ونمجد ، قلت : على أي مثال : قال : أشباح نور ، حتى إذا أراد الله عز وجل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ، ثم قذفنا في صلب آدم ، ثم أخرجنا إلى اصلاب الآباء وأرحام الامهات ، ولا يصيبنا نجس الشرك ، ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون ، فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين ، فجعل نصفه في عبدالله ، ونصفه في أبي طالب ، ثم أخرج الذي لي إلى آمنة ، والنصف إلى فاطمة بنت أسد ، فأخرجتني آمنة ، وأخرجت فاطمة عليا ، ثم أعاد عز وجل العود إلي فخرجت مني فاطمة ، ثم أعاد عز وجل العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين يعني من النصفين جميعا فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين ، فهو ينتقل في الائمة من ولده إلى يوم القيامة .

وما يؤيد طرحنا هذا ما ذكره كريمر في كتابه من قوله : } وكانت اهم مجموعات هذا المجلس هى المجموعة المؤلفة من الآلهة السبعة التي (( تقدر المصائر )) ، ثم مجموعة الخمسين إلهاً التي عرفت ب(( الآلهة العظيمة )) . ولكن اهم تقسيم وضعه رجال الدين السومريون داخل مجمع الهتهم هو ذلك التقسيم الذي يميز بين الآلهة الخلاقة وغير الخلاقة ، وهو تصور توصلوا اليه نتيجة لآرائهم في اصل الكون . فبموجب هذه الاراء كانت العناصر الاساسية التي تكون الكون ، هى السماء والأرض والبحر والجو ، وكل ظاهرة كونية اخرى لا توجد الّا ضمن هذه العوالم . وعلى هذا كان من المعقول ان يستنتجوا ان الآلهة التي تسيطر على السماء والأرض والبحر والجو كانت هى الآلهة الخالقة ، وان كل ظاهرة كونية اخرى خلقت من قبل احد الآلهة الأربعة وفقا لخطط وضعت بالأصل من قبلهم {[40] . حيث انّ تقسيم الموجودات المتحكمة في الكون الى قسمين أساسيين : الخلّاقة ، وغير الخلّاقة ، هو ذاته التقسيم الشيعي الإمامي من حيث الأئمة المعصومين وولايتهم التكوينية ، ومن حيث الملائكة العاملين كقوانين وحفظة .

وعن تفسير القمي : ( سئل الصادق عليه السلام : هل الملائكة اكثر ، ام بنو آدم ؟ فقال : والذي نفسي بيده ، لملائكة الله في السماوات اكثر من عدد التراب في الارض ، وما في السماء موضع قدم الّا وفيه ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الارض شجرة ولا عودة الّا وفيها ملك موكل بها ، يأتي الله كل يوم بعملها ، والله اعلم بها ، وما منهم واحد الّا ويتقرب الى الله كل يوم بولايتنا أهل البيت ، ويستغفر لمحبينا ، ويلعن اعدائنا ، ويسألون الله ان يرسل عليهم العذاب إرسالا )[41].

وكما هو جلي من هذه الرواية انّ الملائكة تعمل كقوانين حاكمة في الموجودات ، وهي ذاتها تقوم في وجودها على ولاية الأئمة برسول الله ، ثم علي بن ابي طالب ، ثم باقي المعصومين .

وما يؤكد قرائتنا هذه وجود ( نينخورساج = الام ) التي هي ( ننماخ = السيدة المجيدة ) , والتي يسميها السومريون ( ننتو = السيدة التي انجبت ) حيث والدة جميع ( الآلهة )[42] . وقطعا سيتبادر الى ذهن علماء وفلاسفة الامامية اليوم ( السيدة فاطمة الزهراء = سيدة نساء العالمين ) , والتي كانت مصدرا لانوار ( الائمة ) الموكلة اليهم ( الولاية التكوينية ) , ولعل ما جاء في ( الاسرار الفاطمية ) نقلاً عن ( البحار ٤٣ \ ١٠٥ ) مؤيداً لمذهبنا هذا : ( قال الصادق عليه السلام : وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ) , وبنفس المعنى بيت للشيخ المجتهد ( محمّد حسين الأصفهاني ) في قصيدته (الأنوار القدسيّة ) : ( وحــــبها مـــن الصفات العاليـة * عليــه دارت الـــــقرون الخاليـة ) .

يقول عالم الطبيعة والفيلسوف ( ميريت ستانلي كونجدن[43] ) : ( نستطيع بطريقة الاستدلال والقياس بقدرة الانسان وذكائه ، في عالم يفيض بالأمور العقلية ، ان نصل الى وجوب وجود قوة مسيطرة مدبرة تدير هذا الكون وتدبر اموره وتعيننا على فهم ما يغمض علينا من امر منحنيات التوزيع ، ودورة الماء في الطبيعة ، ودورة ثاني أوكسيد الكاربون فيها ، وعمليات التكاثر العجيبة ، وعمليات التمثيل الضوئي ذات الأهمية البالغة في اختزان الطاقة الشمسية ومالها من أهمية بالغة في حياة الكائنات الحية ، وما لا يحصى من عجائب هذا الكون . اذ كيف يتسنى لنا ان نفسر هذه العمليات المعقدة المنظمة تفسيراً يقوم على أساس المصادفة والتخبط العشوائي ؟ وكيف نستطيع ان نفسر هذا الانتظام في ظواهر الكون والعلاقات السببية ، والتكامل ، والغرضية ، والتوافق ، والتوازن ، التي تنتظم سائر هذه الظواهر وتمتد اثارها من عصر الى عصر )[44] .

وعن (( جعفر بن محمد الصادق (ع) : من زار أخاه في الله ، في مرضٍ أو صحةٍ ، لا يأتيه خداعاً ولا استبدالاً ، وكل الله به سبعين ألف ملك ، ينادون في قفاه : أن طبتَ وطابت لك الجنة ، فأنتم زوّار الله ، وأنتم وفد الرحمن ، حتى يأتي منزله .. فقال له يسير : جعلت فداك !.. فإن كان المكان بعيداً ؟.. قال : نعم ، يا يسير !.. وإن كان المكان مسيرَ سنةٍ ، فإنّ الله جوادٌ والملائكة كثيرٌ ، يشيّعونه حتى يرجع إلى منزله .

وعن الصادق (ع) أيضا: ليس خلق أكثر من الملائكة ، إنه لينزل كلّ ليلةٍ من السماء سبعون ألف ملَك ، فيطوفون بالبيت ))[45] .

وفي بعض الروايات نرى ان وجود الملائكة كماً ونوعاً في أماكن تستدعي القول بانهم محض قوانين . (( قال رسول الله (ص) : إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، أطّت السماء ، وحقّ لها أن تئطّ ، ما فيها موضع أربع أصابعٍ ، إلا وملَكٌ واضعٌ جبهته لله ساجداً ، والله لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله .. لوددت أني كنت شجرة تعضد .

وعن ابن عباس قال : إنّ لله ملائكةً – سوى الحفظة – يكتبون ما يسقط من ورق الشجر ، فإذا أصاب أحدكم عجزة بأرض فلاة فليناد : أعينوا عباد الله رحمكم الله ))[46] .

تطابق الرواية المعصومة مع المكتشف الاثري وتمايزهما عن الروايتين التوراتية والعامية :

قصة الطوفان من اشهر المرويات في التاريخ البشري , وقد أورد ( العهد القديم = التوراة ) ان الأيام التي استغرقها كانت ( أربعين يوماً – سفر التكوين , الاصحاح السابع , 17 ) , فيما بقي الماء على الأرض ( مئة وخمسين يوماً – سفر التكوين , الاصحاح السابع , 24 ) .

اما الرواية الإسلامية العامية فأخذت عن الرواية التوراتية : ( وقال قتادة وغيره : ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوما ، واستقرت بهم على الجودي شهرا ، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم ، وقد روى ابن جرير خبرا مرفوعا يوافق هذا – البداية والنهاية , ابن كثير , قصة نوح ) .

فيما انفرد أئمة اهل البيت عليهم السلام بأن أيام الطوفان كانت ( سبعاً ) : ( وفي الكافي ، والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل كم لبث نوح عليه السلام ومن معه في السفينة حتى نضب الماء وخرجوا منها ؟ فقال : لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها ، فطاف بالبيت أسبوعا ، ثم استوت على الجودي ، وهو فرات الكوفة وفي رواية وسعت بين الصفا والمروة – تفسير الصافي , ج 2 , ص 450 ) .

وهي الرواية الوحيدة التي وافقت المكتشف الاثري وقصة الطوفان السومرية : ( … وبعد ان استمر الطوفان سبعة أيام وسبع ليال , واكتسح الطوفان البلاد , وكانت السفينة الضخمة تتقاذفها الأعاصير في المياه الجارفة , ظهر ” اوتو ” الذي نشر ضوءه على السماء والأرض , فتح ” زيوسدرا ” شباكاً في الفلك العظيم … – من الواح سومر , صموئيل نوح كريمر , ترجمة : طه باقر , ص 257 ) .

[1] حاخام يهودي من ( تيودلا – نافارا ) زار مدينة الموصل في القرن الثاني عشر لكن تقريره نُشر في القرن السادس عشر / السومريون ص ٨

[2] تاريخ العراق القديم / طبعة دار المعلمين العالية / ١٩٥٥ / ص ٢٢٣ – ٢٢٤

[3] بحار الانوار \ محمد باقر المجلسي \ ج 11 \ ح 48

[4] بحار الانوار \ المجلسي \ ج 11 \ كتاب النبوة \ ح 49

[5] الديانة المصرية القديمة \ ياروسلاف تشيرني \ ص 53

[6] الديانة المصرية القديمة \ ياروسلاف تشيرني \ ص 50 – 51 \ بتصرف

[7] الديانة المصرية القديمة \ ياروسلاف تشيرني \ ص 54

[8] نفس المصدر

[9] نفس المصدر \ ص 77 – 78

[10] نفس المصدر \ ص 78

[11] نفص المصدر \ ص 244

[12] الفهرست / ابن النديم / دار الكتب العلمية / ص ٥٤١

[13] الفهرست / ابن النديم / دار الكتب العلمية / ص ٥٤٢

[14] الديانة المصرية القديمة \ تشيرني \ ص 227

[15] نفس المصدر \ ص 78

[16] صراع الحضارتين \ علي الابراهيمي \ مركز عين للدراسات والبحوث

[17] الديانة المصرية القديمة \ تشيرني \ ص 78

[18] بحار الانوار \ المجلسي \ ج 11 \ باب النبوة \ ح 68

[19] سفر التكوين – الاصحاح الخامس \\ البداية والنهاية – ج1 – قصة نوح عليه السلام

[20] مقدمة في تاريخ العراق القديم \ طه باقر \ ص 29

[21] السومريون / صموئيل نوح كريمر / بتصرف

[22] سامي البدري \ ندوة مسجلة تحت عنوان ( ملحمة جلجامش ) \ جامعة بغداد – كلية الآداب – قسم الاثار \ 21 – 4 – 2010 \ قاعة الادريسي

[23] تفسير الميزان \ محمد حسين الطباطبائي \ ج 10 \ الايات 36 – 49 من سورة هود

[24] النجف مرسى سفينة نوح / محاضرة مسجلة / http://youtu.be/2yNR6rbssOQ

[25] ثامر خزعل الأستاذ في كلية العلوم بجامعة بغداد / صحيفة البيان الإمارتية ١٩ / ابريل / ٢٠١١

[26] المحاضرة الأولى : قصة بدء الانسان \ برنامج الملتقى \ قناة كربلاء الفضائية \ نشر مركز فجر عاشوراء الثقافي

[27] سورة الزمر \ 75

[28] الكافي / كتاب التوحيد / باب العرش والكرسي

[29] سورة يونس / ٣

[30] سورة الذاريات / ٤

[31] تفسير الميزان / محمد حسين الطباطبائي / ج ١٨ / سورة الذاريات

[32] سورة النازعات / ٥

[33] سورة الحجر / ٨

[34] سورة الفرقان / ٢٢

[35] سورة البقرة / ٢١٠

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.