الملك عثمان بن عفان الأموي

othman

 

 

الملك عثمان بن عفان الأموي

 

 

(الواقدي) نقل عن (عثمان بن عفان) وحضوره مجلس احدى الكاهنات في الشام, وأن شيطانها أخبرها بقيام أمر عظيم, وأنه لن يستطيع الظهور لها مرة أخرى, وحين رجعوا الى مكة وجد النبي (محمداً) قد ظهر[1]. الأمر الذي يكشف كيف أن هؤلاء لم تجتذبهم الديانة الإبراهيمية بسماحتها حينها, وجذبتهم الكهانة!.

وكان (خالد بن الوليد) الذي خالف امر رسول الله يوم فتح مكة بالكف عن القتل, وقتل سبعين نفساً, فعل ذات الامر في (بني جذيمة) بعد فتح مكة, اذ أمّنهم, وطلب منهم إلقاء السلاح, لأن الجميع مسلمون, فَلَمَّا ألقوا سلاحهم قتلهم, آخذاً بثأر عمه (الفاكه بن المغيرة) وثار (عوف) والد (عبد الرحمن بن عوف), اذ قتلتهم (جذيمة) في الجاهلية, بعد ان سرق (الفاكه) و (عوف) و (عفان) والد (عثمان بن عفان) ومعهم (عثمان) أموال رجل مات من (جذيمة), كانوا قد وجدوه في اليمن. ولا تتضح حقيقة ان كانوا قد قتلوه غيلة وأخذوا ماله, لأن أولادهم هم من كتب التاريخ بعد ذلك, غير ان ظاهر القصة يخفي باطناً هكذا, الامر الذي يكشف شيئاً من سر العلاقات في الطبقة السياسية (العُمَرية) مستقبلا, وحينها فرّ (عثمان) وأبوه (عفان) من القتال أيضا[2]. فقال رسول الله ( اللهم أني أبرأ اليك مما صنع خالد ), وبعث (علياً) اليهم, فأعطاهم الدية الشرعية عن الدماء والاموال[3]. وليس من الصدفة أن من ساعدته في جريمته تلك قبيلة (بني سليم) الأعرابية القيسية, التي يتزعمها حليف بني أمية ضد رسول الله (سفيان بن عبد شمس السلمي), والذي صار ولده (أبو الأعور السلمي) قائد جيش (معاوية) في معركة (صفّين) لاحقاً, حيث قتلوا من بأيديهم, اما المهاجرون والأنصار فقد أطلقوا أساراهم[4].

وفي الطرف المقابل كان هناك (علي بن ابي طالب), وتاريخ أسرته, أسرة النبي, فأبوه هو (أبو طالب), يُقرأ من مجموع مواقفه المضحية الفريدة, ففي بيته كان منطلق دعوة الإسلام. لكنّ شمَّ رائحة الأمويين والعباسيين خلف تكفيره اسهل من كلفة التحقيق. فالرواية عن (جبير بن مطعم) في كتاب “البداية والنهاية” تناقض تماماً الرواية عن (يعقوب بن عتبة بن المغيرة) في “تاريخ الأمم والملوك”, لاسيما مع تسليم القبائل مَن أسلم من أبنائها الى قريش, الا ما كان من (بني هاشم) وسيدهم (ابي طالب) الذي رفض ذلك[5].

ولا يمكن فهم كيف يكون أبناء (ابي طالب) كلهم مؤمنين, وأبوهم كافر!, وهذا “الكافر” المزعوم يحمي جميع هؤلاء المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها, حيث يمنع ويعزّ النبي ومن جاوره في مكة, وابنه (جعفر) –في حياة ابيه- يقود المؤمنين في هجرتهم الى الحبشة الى ملكها الموحد (النجاشي).

وهي الهجرة التي لم تكن الا بعد محاصرة قريش ل(بني هاشم) في شِعب (ابي طالب), والتي أراد كتّاب السلاطين سرقتها, فجعلوها على دفعتين, الأولى كان فيها “مؤمنو الأمويين” مثل (عثمان بن عفان) و (بني عبد شمس), والثانية كانت بقيادة (جعفر بن ابي طالب)[6], والحقيقة إنما هي هجرة واحدة بقيادة بعض (بني هاشم), حماية لضعفاء المؤمنين, ولإعطائهم فرصة تعلّم الأحكام والعقائد.

 

وفِي موقف يجمع عدة من قيادات المخالفين, منهم (أبو بكر بن ابيّ قحافة) و (المغيرة ابن شعبة) و (عمر بن الخطاب) و (عثمان بن عفان), يوم (الحديبية), حين جاء احد سادة العرب (عروة بن مسعود الثقفي) وسيطا, بين قريش والنبي, فكأن القوم وجدوا متنفساً لعقدهم الاجتماعية حين وجدوه بين يدي رسول الله ضيفا, فشتمه (أبو بكر) بلفظ فاحش, وضرب (المغيرة) يده, فسأل (عروةُ) رسولَ الله عنهم, فعرّفهم له, فعيّرهم, فسكتوا. فيما قال (عمر) لرسول الله انه يخاف الذهاب الى قريش رسولاً ولا عشيرة له فيها, ورفض تنفيذ امر النبي ونصحه ب(عثمان), ولا يُعرف كيف بعدها أعز الله الإسلام ب(عمر)!, ثم ظل (عثمان) بين ظهراني المشركين, بين قومه بني أمية, بداعي انهم حبسوه, ولا يُعرف أيضاً ما نفعهم من حبس رسول ما!, ثم ان (عمر) سعى -بعد ان اصطلح رسول الله مع مندوب قريش (سهيل بن عمرو) – الى تشكيك الناس في مقام النبي, وكذلك حاول جاهداً دفع (أبا جندل بن سهيل بن عمرو) ليقتل أباه, لتقول العرب ربما أن رسول قوم قُتِل عند (محمد), فتنفر منه وضده, لكن ضن الولد بابيه ودفع الفتنة وسوء النية[7]. ويوم (الحديبية) أيضا حين بايع الناس رسول الله على الموت غاب (عمر بن الخطاب) عن تلك البيعة, وقد أوجد له القوم عذراً بفرس يطلبه من احد الأنصار في تلك الساعة وأنه بايع بعد ذلك[8].

لذلك ليست هناك غرابة في غياب (أبي بكر) و(عمر بن الخطاب) و(عثمان بن عفان) عن نجدة النبي وعن تحشيد الرجال, وأن رسول الله (محمداً) لم يؤمّرهم على سرية او يخلّفهم على (المدينة), حيث استعمل غيرهم مثل (علي بن ابي طالب) و(ابا ذَر الغفاري) و(ابن أم مكتوم).

لقد كان النبي يعلم انه مودّع, وأن الحال ليس حال بعثة عسكرية عند التروي والتفكّر في الأمر, لكنه ما شاء ان يحضر احدهم امر الخلافة بعده, ولو شاء ما ارسلها, بل أقصاهم الى ارض بعيدة هي ارض الروم. فيما جعل عليهم (أسامة بن زيد), الشاب الصغير أميراً, توكيداً للحجة في استخلاف (علي بن ابي طالب), كيلا يقولوا هو صغير وفِي المهاجرين من هو اكبر منه. وقد اعترضوا على إمرة (أسامة), فنهاهم النبي بعد ان غضب منهم. ولما رأى النبي منهم الخذلان وعدم الخروج كان يكرر – حرصاً على حق (علي بن ابي طالب) – أنفذوا بعث (أسامة)[9]. الا انهم خالفوا أمره وتركوا السرية وعادوا الى (المدينة) يتربصون. وراحوا يقيمون الصلاة, مرة ل(عمر) ومرة ل(ابي بكر), باقتراح من (عبد الله بن زمعة)[10]حفيد (الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى) الذي كان من المستهزئين برسول الله, ويكنى (أبا زمعة), وكان وأصحابه يتغامزون بالنبي وأصحابه ويستهزؤون بهم ويصفرون ويصفقون, فدعا عليه رسول الله أن يعمى ويثكل ولده, فعمي, فشغله عن رسول الله, وقُتل ابنه معه ب(بدر) كافرا, قتله (أبو دجانة), وقُتل ابن ابنه (عتيب), قتله (حمزة) و(علي), اشتركا في قتله, وقتل ابن ابنه (الحارث بن زمعة بن الأسود), قتله (علي)[11]. وقد نال (عبد الله بن زمعة) رعاية خاصة من الخلفاء الثلاثة بعد هذا, وهو الذي ضرب الصحابي الجليل (عبد الله بن مسعود) في خلافة (عثمان) وبأمره. ومنه يُفهم ان هذه الأحداث لم تكن عفوية أبدا, ويُعلم كيف جعل انقلاب (السقيفة) للمنافقين من أبناء الكافرين المعاندين سلطاناً على الصحابة المؤمنين.

وكان من شجاعة (عمر) انه يقوم عند راس الأسير او الذي لا حول له ولا قوة, فيقول للنبي ( دعني اضرب عنقه يا رسول الله ), كما فعل مع (حاطب بن ابيّ بلتعة) في قضية الكتاب الذي ارسله الى قريش مع امرأة[12]. و (حاطب) هذا -الذي أراد (عمر بن الخطاب) ضرب عنقه- هو ذاته من صلى عليه (عثمان بن عفان) عند موته في خلافته[13]متمولاً, في الوقت الذي يموت فيه (أبو ذَر الغفاري) غريبا.

وفِي مفارقة عجيبة, حين صارت الخلافة الى (عمر) كان أمامه رجلان, احدهما فارس المسلمين المضحي يوم الخندق (علي بن ابي طالب) المنتصر, وفارس المشركين المقتحم للخندق على رسول الله مع (عمرو بن عبد ود) وهو (عكرمة بن ابي جهل), المهزوم, والرافض ان يرافق (خالد بن الوليد) في إظهار الإسلام, خوفاً وسياسة حتى, والقائل يوم فتح مكة -حين أذّن (بلال) – ما نصه ( لقد أكرم الله أبا الحكم حين لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول )[14], فاختار (عمر) لقيادة المسلمين العسكرية الثاني, وهو (عكرمة) وترك (علياً). و(عكرمة بن ابي جهل) كان احد الذين امر رسول الله بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة, هو و(عبد الله بن سعد ابي سرح) الأخ غير الشقيق ل(عثمان بن عفان), الا ان الخلافة الانقلابية جعلتهم قادة وأمراء, بعد عزل أصحاب رسول الله الذابّين عنه[15].

وهذا ليس بغريب, فمع تفضيل (ابي هُريرة) ل(جعفر بن أبي طالب) على سائر المسلمين بعد رسول الله, وربما لتغييب مكانة (علي بن ابي طالب), او للتعويض عن سكوته عن بيان حق (علي), فأراد الإشارة لهذا البيت من خلال اسم اخف وقعاً على السلطات, ليتضح كيف أن التاريخ العام رفع المفضول في العصر الأول على الفاضل, لكن يأبى (ابن كثير) الا التعليق على رواية (ابي هُريرة), رغم اعتراف بجودة السند, فيقول ( … وكأنه إنما يفضله في الكرم, فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصدّيق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه. وأما أخوه علي رضي الله عنهما فالظاهر أنهما متكافئان, أو علي أفضل منه.. ), مستدلاً بفقر (أبي هريرة), الذي يأخذون عنه غير هذا من الاحاديث التي تنفعهم, وأن (جعفراً) كان يُطعم المساكين[16]. ويبدو واضحاً مستوى التأزم الذي عاشه (ابن كثير) امام هذه الرواية, وهكذا صنع هؤلاء تاريخ وفضل لرجال لا فضل لهم, بسلبه عنوة من اخرين !.

واتماماً للحركة الانقلابية, اختار (عمر) من بعده -في مخالفة لدعوى الشورى, وهروباً من ضرورات النص- مجموعة يغلي في اغلبها بغض (علي بن أبي طالب), منهم (عثمان) الذي وتر (علي) رؤوسَ قبيلته من الأمويين من أجل الإسلام, وفيهم (سعد بن ابي وقّاص) الذي لم يبايع (علي بن ابي طالب) حتى بعد بيعة الامة له, وقد قتل ولده (عمرُ بن سعد) سيدَ شباب أهل الجنة (الحسين بن علي), وَ (عبد الرحمن بن عوف), الذي حين مات ترك من الأموال والكنوز الدنيوية ما يكسِّر بالفؤوس, والمدافع عن رأس الكفر (امية بن خلف) وابنه حين أراد (بلال) قتله, لولا ان استعان (بلال) بالمسلمين فقتلوهما, وَ (عَبد الرحمن) يحاول تهريب (ابن خلف)[17], و(طلحة بن عبيد الله) الذي قتل (علي) عمه وإخوته على الإسلام ايضاً[18].

ولم يفت القوم ان يجعلوا الفضائل لأمثال هؤلاء, فينقلون ان رسول الله قال ل(سعد بن ابي وقّاص) مرة (ارم فداك ابي وامي), عن (سعد) نفسه[19], كما هي معظم فضائله[20], رغم ان (سعد بن ابي وقاص) كان احد الهاربين من السبعة سرية (عبد الله بن جحش) الذين بعثهم رسول الله الى (بطن نخلة) بين مكة و(الطائف) يستخبروا امر قريش ومددها النجدي, لا كما أشار المؤرخون, لأن هذه المنطقة كانت رافد قريش العسكري, حتى ان (ابليس) لما تمثّل لقريش في دار الندوة في اجتماعهم لقتل النبي, ونسبوه قال لهم انه رجل من (نجد), فاطمأنوا له مباشرة, لذا كانت خطرة جداً وبعيدة عن (المدينة), لذا استرجع قائد السرية حين قرأ كتاب رسول الله بالسير اليها قبل واقعة (بدر), وقد أمره النبي الا يقرأه الا في منطقة محددة, وقد كان اختبارا واضحاً لأمثال (سعد) ومن معه, اذ لم يخرج في السرية بأمر النبي الا المهاجرون, فيهم (عمار بن ياسر) الذي صمد وصبر وقاتل, فيما فرّ (سعد بن ابي وقاص) و(عتبة بن غزوان). وقد أوجد لهما القوم عذراً كالعادة بأنهما تخلُّفا يبحثان عن ناقة لهم ضلت[21]!.

ولما بويع (عثمان), جاء (أبو سفيان) إلى قبر (حمزة) فرفسه برجله, وقال ( يا أبا عمارة, إن الذي تقاتلنا عليه يوم بدر صار في أيدي صبياننا )[22].

و(عثمان بن عفان), فهو المتأفف من غبار بناء مسجد رسول الله, والمهدد ل(عمار بن ياسر) حين ارتجز مقارناً بين من يبني المساجد وبين يضيق من غبارها[23]. وبحسب شهادة (عبد الله بن عمر) انه لم يحضر (بدراً), وفرَّ يوم (اُحد) حتى بلغ (المدينة), وأقام ثلاثاً, فقال له رسول الله ( لقد ذهبتم فيها عريضة )[24], وتخلُّف عن بيعة الرضوان, وإن كان (ابن عمر) أراد نصرته إعلامياً من خلال التبرير للسائل, الا ان شهادة (ابن عمر)[25]كافية في بيان ما عليه الرجل من ضعف عملي في عقيدته.

ولم يفت القوم ان يجعلوا له فضيلة الأوائل, اذ جعلوه ممن هاجر الى الحبشة, ثم أعادوه مبكراً الى مكة, ليظهروه في جملة من الصور الإسلامية الى جانب النبي, لأنهم يعلمون ان مهاجري الحبشة إنما رجعوا بعد (الحديبية) والصلح, وهي فترة طويلة على رواة السلطة ان يغيب فيها (عثمان). فاختلقوا لإعادته الافتراضية قصة, أساؤوا فيها الى مقام النبي إساءة عظيمة ومرعبة, اذ ادعوا ان الشيطان ذكر آلهة قريش بخير على لسان النبي بالقول ( تلك الغرانيق العُلى, وأن شفاعتهن لترتجى ), وقريش تسمع, فسجد النبي وسجد عتاة قريش, فوصل الخبر الى مهاجري الحبشة, ان قريشاً اسلمت جميعها, فعاد قسم كبير منهم الى عشائرهم, وفِي العائدين (عثمان بن عفان)[26]. ولا يمكن ان يظن حتى الساذج لهذه القصة من مصداقية, لكذبها أولاً على حضرة النبي والقرآن الكريم, الذي يقول (( ما ضلّ صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * ان هو الا وحي يوحى * عَلَّمَه شديد القوى ))[27], وهي آيات في اول سورة (النجم) التي ادعوا نفث الشيطان كلماته فيها, فكأنما أعماهم الشيطان عن الربط بين كلام الله وبيانه وبين دعواهم القبيحة, واستحالة ان يتصور الشاهد لهذا المقام –على فرض قبوله, وفرض المحال ليس بمحال– تبعية قريش وإيمانهم بالنبي لمجرد الاشتباه في تلك اللحظة, ثم المسير لأشهر طويلة بين الدول ليوهم أهل الحبشة, ومن الواضح ان قريشاً والنبي ظلوا اعداءً بعد لحظة واحدة من هذه الحادثة الوهمية المدعاة. ثم ان المهاجرين الى الحبشة إنما خرجوا نتيجة لإيذاء كفار قريش لهم, فكيف باتوا في عشائرهم التي آذتهم وهي لمّا تزل كافرة!. والقصة منقولة عن (يزيد بن زياد المدني), الراوي تكلّم (معاوية) بدعاء رسول الله على المنبر[28], والذي قال البخاري عنه ( لا يُتابع على حديثه )[29], عن احد مسلمة اليهود (محمد بن كعب القرظي).

و (عثمان) هو الشافع ل(معاوية بن المغيرة بن ابي العاص بن أمية) -جد (عبد الملك بن مروان) لأمه- عند رسول الله, و(معاوية) هذا هو الذي منّ عليه رسول الله يوم (بدر) فأطلقه, فرجع, فأخذه بعد واقعة (اُحد) يوم (حمراء الأسد), وقال له ( والله لا تُمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول خدعتُ محمداً مرتين ) وضرب عنقه, بعد ان أرسل اليه (زيد بن حارثة) و(عمار بن ياسر), وتجاهل شفاعة (عثمان) الغريبة فيه, اذ دلّ الرسولين على مكانه ليقتلاه.

وقد اعتاد (عثمان) على الشفاعة في امر مهدوري الدم من عتاة الشرك والجهل, اذ شفع أيضاً في (عبد الله بن سعد بن ابي سرح), الذي أهدر النبي دمه يوم فتح مكة ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة, وأعتب الصحابة انهم لم يقتلوه حين جاء به (عثمان), بعد ان خبأه في داره لأيام, ولم يبايعه النبي لثلاث مرات[30]. ولو كان (عثمان) مستوعباً لفكر ورأي النبي لما احتاج الى من يخبره انه فعل أمراً منكراً عند رسول الله, بل خان امر نبيه بكل وضوح. و(عبد الله بن سعد) هذا من (بني عامر بن لؤي) كان أخاً ل(عثمان بن عفان) بالرضاعة, وقد ولّاه (عمر بن الخطاب) بعض اعمال المسلمين في خلافته, ثم ولّاه (عثمان) من بعده[31]!.

وحين اختار هؤلاء عتاةَ المنافقين وأهل الموبقات لولاية مصر لاحقاً, مثل (ابن ابي سرح), كان (علي بن ابي طالب) يختار لولايتها ثقاة المسلمين وصلحاء الصحابة مثل (قيس بن سعد بن عبادة) و(مالك بن الحارث الأشتر) و(محمد بن ابي بكر)[32].

لم يكتف (عثمان) بالعفو عن قاتل صريح, يستحق الحد بحكم القرآن الكريم, لقتله الناس الأبرياء متعمداً, بل ارسله الى الكوفة, وأقطعه داراً وأرضاً, فكافأه على جريمة صريحة.

فيما اختار (عثمان) ان يغيّر رغبة وأمر النبي بأن تكون (المدينة) ارض ووطن إقامة الصحابة وعاصمة الخليفة, فأتم الصلاة في (منى) بمكة حيث كان النبي يقصر, ليجعل مكة دار وطن ايضاً, لأسباب قبلية عصبية, تخالف سيرة النبي والصحابة, في حركة مقصودة مدروسة منه, تكيد للمسيرة السياسية الإسلامية. فاعترض عليه المهاجرون من الصحابة, حتى من الذين كانوا حزباً له, فأبى الا ما فعل.

وأضاف بدعة الزكاة على الخيل. وحمى الحمى له وللأمويين, وقيّد حرية المسلمين في الكلأ والماء والهواء, خلافاً لتشريعات الإسلام التي تبيحها للعامة.

وخالف فريضة الله بنص القرآن في أموال الصدقة, وصرفها في غير مواردها, فشرع لمن بعده, وسنّ التلاعب بمال المسلمين وأحكام الله بهوى الحاكم.

وردَّ عمه (الحكم بن العاص), الذي كان يؤذي النبي كافراً, ويؤذيه منافقاً يظهر الإسلام خوفاً من الناس, حتى وصفه النبي بالوزغ, وأمر ان يُطرد من (المدينة), ولا يساكنه ابدا, فردّه (عثمان), رغم اعتراض الصحابة, وأعطاه من المال الكثير له ولأبنائه, ثم عمّرَ قبره, وجعل ابنه (الحارث) مسؤولاً عن سوق (المدينة), فظلم وطمع وغش وخالف السيرة والشريعة, واتخذ (مروان بن الحكم) وزيرا. وقد ولّى الأحداث وأهل الفسق من (آل ابي معيط) والأمويين على امصار المسلمين, فجاروا وفسقوا, ولم يسمع (عثمان) لقول الصحابة واعتراضهم فيهم, حتى (الوليد) الذي سماه القرآن فاسقاً, وكان حاله من الفسوق ظاهراً للناس, وهو الوالي الذي اعترف انه صار اميراً بسبب استئثار الأمويين بملك المسلمين على يد (عثمان), وأنه على فسقه. حاله في ذلك حال (ابن ابي سرح), الذي نزل في فسقه قرآن ايضاً. فكأن (عثمان) تعمّدَ تولية أعداء وخصوم القرآن.

فكان اهل الكوفة وأهل مصر يثورون باستمرار على ولاة (عثمان) الذين يُفتضح امر فسقهم وشربهم للخمر, ويعند (عثمان) حتى يضطر الى عزلهم بعد الثورات العنيفة.

وكان (علي بن ابي طالب) يتابع أفعال هؤلاء الولاة الفسقة ويصر على (عثمان) ان يحاسبهم, اذ كان اهل الامصار يتواصلون مع (علي) لا مع (عثمان), لما علموا من جور (عثمان) وميله الى الأمويين الظالمين.

ولا يمكن موافقة (طه حسين) في اعتذاره عن (عثمان) في سوء سياسته المالية واخذه ما شاء من بيت مال المسلمين, بحجة انه كان ثرياً قبل الخلافة وقد شغله المنصب عن إدارة ثروته واستثمارها, وأن له أن يعطي لنفسه ما يفيض من حاجة المسلمين. فلو كان ثرياً حقاً قبل الاستخلاف لم يكن محتاجاً لمال المسلمين, بوجود من ينوب عنه في استثمار ثروته, من اهله او بالأجر. لكن اغلب الظن انه لم يكن ثرياً, وقد وُضعت الروايات المبتدعة في ثروته, لنصرته وحفظ ماء وجهه, وإيجاد المناقب المزعومة له. بدليل انه اعطى زوجته غنائم المسلمين للزينة فقط, وأباح المال لفسقة الأمويين من عشيرته, استعانوا بها على حرب الإسلام والصحابة وأهل الدين والفقراء, واشتروا بها الذمم.

وكان مما ابتدعه ابتداءً انكاره للشورى, فجعل خلافته من قمصان الله, التي لا يمكن ان تُنتزع منه برغبة اهل الحل والعقد من المسلمين وخيار الصحابة, ولا حتى ممن اتى به الى السلطة, فسنّ بذلك لمن بعده من الأمويين, ولكل حاكم ظالم, يجور وليس لأحد ان يحاسبه, ويولّي من يشاء من الأحداث والفسقة, وليس لأحد ان يعترض, فتخسر الامة مرتين, بولايتهم الصبيانية, وبعزل الافاضل الاخيار عن السلطة والمال. فيما أشاعوا أن على الناس الطاعة ليحظوا بأجر الآخرة, الذي هو في الحقيقة لن يكون الا سؤال الله عن سكوتهم غير الشرعي وغير المبرر. كذلك يمكن الاعتراض على رأي (طه حسين) مرة أخرى, في ان الصحابة اطاعوا (عثمان) بحثاً عن اجر الآخرة, والحقيقة انهم اطاعوه حين نفى بعضهم, بعد ان اظهروا الاعتراض على جوره بكل وضوح, لكنهم حين لم يجدوا الناصر الكافي لحفظ وحدة بلاد المسلمين لم يحملوا السيف ضده, فكان السيف مناسباً حين اجمع اهل العراق وأهل مصر على الثورة.

بل وصل الامر ب(عثمان) ان اعطى من يتزوج من بناته كل واحد مائة الف, من بيت المال, ووهب للأمويين مئات الالاف, ووهب لمن قاد حرب (الجمل) لاحقاً مئات الالاف لكل شخص منهم, حتى اضطر مسؤول بيت المال (عبد الله بن الارقم) الى الاستقالة ورفض تنفيذ بعض تلك الأوامر. بل وهب ل(الحارث بن الحكم بن ابي العاص) كل صدقة (قضاعة). فضلاً عن الأراضي التي اقطعها للأمويين حصراً في عموم بلاد المسلمين.

ويرى (طه حسين) ان سياسة (عثمان بن عفان) المالية كانت تنتهي الى نتيجتين كلتاهما شر, انفاق الأموال العامة في غير حقها, وتكوين طبقة غنية مسرفة طماعة. ويرى أيضاً انه أسس للطبقية, وتبعاتها الاجتماعية السلبية والمتناقضة, وتأثيراتها السياسية, التي استحكمت بعده, من خلال استغلال المال في النفوذ والسلطة, ومن تجويع العامة واشغالهم بمعاشهم.

وطالب الثائرون على (عثمان) بتغيير سياسته الرأسمالية المجحفة, وكذلك طالبوه بعدم الرجوع الى ما كانت عليه سياسة (عمر) المالية, من الانفاق على البطالين وغير العاملين, تحت ظل عناوين غير شرعية ابتكرها (عمر), لينفق على أناس أراد كسب ودّهم, وحجب المال الكثير عن غيرهم, من الذين استحقوه بكدهم وجهدهم, لكنهم كانوا معارضين ل(عمر), ولم يستطيعوا حينها الاعتراض, خوفاً على وحدة الدولة الإسلامية. فسياسة (عمر) هي من فرخت جور سياسة (عثمان), التي طغت في البلاد, فأكثرت فيها الفساد[33].

والغريب ان (عثمان) -الشافع في عتاة الكفرة والمنافقين- حين اُستخلف بعد (عمر), امر (ابن زمعة) بضرب وطرد الصحابي البدري وحاضر بيعة الرضوان ومعارك الخندق و(حُنين) مع رسول الله وأستاذ القرآن (عبد الله بن مسعود), حتى كسر ضلعاً من أضلاعه على باب المسجد, و(عائشة) تنهى (عثمان) عن فعل هذا بأصحاب رسول الله ولا ينتهي!, لا لشيء الا لمعرفة (عثمان) بولاء (ابن مسعود) ل(علي بن ابي طالب)[34], في إعادة لواقعة ضرب (عبد الله بن مسعود) من قبل مشركي قريش قبل الهجرة, بعد ان جهر بينهم بالقرآن مضحياً بنفسه الشريفة[35].

فيما يولّي (عثمان) على الناس شرار الأمويين, قومه, ومنهم اخاه لأمه (الوليد بن عقبة), الذي حدّه (علي) على الخمر, اذ صلى بالناس سكرانا[36]. و(الوليد هو ابن عقبة بن ابي معيط) كان أشد الناس على رسول الله, حتى كاد يقتله من خلال خنقه بالثوب[37].

وقد ادعى القوم ان (أبا بكر) جمع القرآن, على يد (زيد بن ثابت), من صدور الرجال واوراق الأشجار والجلود والحجارة, بمشورة (عمر), ثم احتفظ احدهما بالمصحف ولم يذعه في المسلمين, وجعله الى (حفصة بنت عمر), ثم ورثه (عثمان), الذي بدأ حملة جمع جديدة للمصحف, لا يُعرف سبب لها, اذا كان بين يديه مصحف تام, قد تركه الخليفتان اللذان لا يُعرف كذلك لمَ لمْ يسمحا للمسلمين بنسخ ما جمعاه تاماً[38].

 

 

ظلّت الجهة التي قتلت (عمر بن الخطاب) مجهولة, فالذين قتلهم – انتقاماً – ولده (عبيد الله) كان قتلهم على الشبهة, ولم يثبت تاريخياً انهم اشتركوا بالحادثة, فقد أودى بهم احد الشهود الذين ادّعوا انهم رأوْا خنجراً يشبه الخنجر الذي ضُرب به (عمر) عند (أبي لؤلؤة), وبهذه الظنّة قتل (عبيدُ الله) بسيفه (أبا لؤلؤة) وابنته, فوبّخه الخليفة (عثمان بن عفان), وطالب (علي بن ابي طالب) بإقامة الحد عليه. ومع ذلك ف(أبو لؤلؤة الفارسي) كان غلام (المغيرة بن شعبة), احد أفراد حزب (عمر) وشركائه, وكان (ابو لؤلؤة) مجوسياً, لا يُعرف كيف جاز ل(المغيرة) ادخاله الى (المدينة) !. و(المغيرة بن شعبة) صاحب غدر قديم, اذ رافق قوماً في الجاهلية فقتلهم واستلب مالهم, ثم اهان بعد الإسلام من سعى في سد غدرته[39]. لذا كان يليق هو و(عمرو بن العاص) ان يكونوا أذرع (معاوية) وشركاء مكره.

وقد اشترى (عثمان) سكوت (الزبير) بمئات الالاف من الدراهم, بلغت في اول عهده ستمائة الف, ثم يجمع (الزبير) الأموال والقروض من الخليفة ومن غيره, حتى بلغت تركته التي ورثها أبناؤه واستعانوا بها على إقامة دولتهم اكثر من خمساً وثلاثين مليون درهم. كذلك كانت ذمة (طلحة بن عبيد الله التيمي), الذي غضب حين لم ينتظر (عبد الرحمن بن عوف) وصوله الى مقر الشورى بعد ان جعله (عمر بن الخطاب) فيها, فبايعوا (عثمان) دون اخذ رأيه, فوصله (عثمان) بمئات الالاف من الدراهم, وأسقط عنه ديونه لبيت المال, حتى بلغت تركته التي ورثها أبناؤه ثلاثين مليون درهم. ثم سايروا الناس وتيار الغاضبين على (عثمان) وصاروا من المؤلبين عليه. وهذا ما يفسر انقلاب (الزبير) و(طلحة) ومن شابههم على خليفة عادل مثل (علي بن ابي طالب), لا يحابي احداً على احد بسبب العنوان او لشراء ذمته, بعد ان بايعوه, وتأملوا دفعة أخرى من الثروة لموقفهم, لكنهم لم يحظوا بما أرادوا من الدنيا[40].

ومهّد (عثمان بن عفان) ل(معاوية بن أبي سفيان) امر الخلافة وجعلها ملكاً عضوضاً للأمويين حين ضم الى ولايته الطويلة جداً غير العادية فلسطين والأردن وسوريا كلها, وجعل جيشه من اقوى جيوش المسلمين بما ضم اليه من مدد اليمن وغيره, بدعوى حماية الثغور والبحر[41]. لهذا عظُمَ (عثمان) عند بيت (معاوية), وساء عند اهل العراق الذين يعرفون دنيوية (معاوية) وكرهه لآل بيت النبي.

وقد كان الخلاف بين الصحابة وأهل العراق وباقي الأقاليم وبين الأمويين امتداداً لخلاف الصحابة مع (عثمان بن عفان), والجرأة على الصحابة وضربهم وسجنهم وقتلهم التي اتاها الأمويون حتى قتلوا ريحانة رسول الله بقية من زمان (عثمان) ذاته. فقد كان (عبد الله بن مسعود) من اقرب الصحابة الى النبي في حياته, لذلك كان من اشد المعارضين ل(عثمان) وسياسته في الكوفة و(المدينة), فحاربه (عثمان) وضربه وقطع رزقه وحبسه عن الوعظ والإرشاد, ووُصفَ بأسوأ الوصف, رغم صحبته للنبي ووصف النبي له بما معناه ( ان ساقيه اثقل على الميزان يوم القيامة من جبل اُحد )[42], حتى لامته (عائشة) ولامه (علي) فيما يفعل ب(ابن مسعود) ولم ينته, وكان يسمع فيه قول المجاهيل من الأمويين وغيرهم, حتى مات (ابن مسعود) وليس له عطاء او لأهله, وصلى عليه (عمار بن ياسر), بعد ان أوصى الا يصلي عليه (عثمان).

وكان (أبو ذر) كذلك من اشد المعارضين لسياسة الخليفة (عثمان) في مال المسلمين وقسمته على اقاربه ومن ينافقه, وفي تقريب (عثمان) ليهودي منافق مثل (كعب الاحبار) واستفتائه في أمور الدين والمسلمين رغم وجود عظماء الصحابة المقربين وآل بيت النبي. فكان (عثمان) يعاقب (أبا ذر) الذي وصفه النبي بأنه ( اصدق لهجة )[43]بين الناس لأجل مدّعٍ مثل (كعب الاحبار), فسيّره (عثمان) الى الشام, ففضح نفاق (معاوية) واسرافه وسرقته وأهله لبيت المال, فاجتمع بعض اهل الشام حوله, فشكاه (معاوية) الى الخليفة فأمرهم ان يسيّروا (أبا ذر) اليه على اوعر واخشن ما يكون, ثم نفاه الى (الربذة) وحيداً هو وعياله, حتى مات ودفنه (مالك بن الحارث الاشتر) وبعض اهل العراق معونة لامرأته.

فغضب (عمار بن ياسر) على (عثمان) لما فعل في واحد من اعاظم الصحابة لأجل مجموعة من سراق المال العام, وكاد (عثمان) ينفيه لولا غضب (علي بن ابي طالب) وبعض الصحابة الذين منعوه, حتى انه هدد (علياً) بالنفي كصاحبيه فتحداه (علي) ان يفعل. ثم فعل ب(عمار بن ياسر), الذي غفر الله له ولأهله بحسب حديث النبي لجهادهم وصبرهم على ايمانهم في مرحلة تعذيب قريش لهم, كما فعل بصاحبيه, لأنه اعترض على سلب (عثمان) لبيت المال من اجل زينة اهله فقط, فغضبت زوج النبي (ام سلمة) وغضبت (عائشة), واخرجوا أغراض النبي وقالوا انها لم تبل وقد تخليتم عن سنته, فحدثت ضجة بعد ضرب (عثمان) ل(عمار بن ياسر) حتى اغمي عليه يوماً كاملا, كما كانت قريش تضربه وأهله على الإسلام من قبل. و(عمار) كان قد ولّاه (عمر) من قبل على الكوفة ثم عزله. وحين اتاه (عمار) بمطالب المسلمين في كتاب مجموع متفق عليه مزقه (عثمان) وضرب (عماراً) برجليه وشتمه. وقد كان (عمار بن ياسر) اشد المعارضين لسياسة وخلافة (عثمان) وأقاربه.

وقد كان واضحاً من مجمل روايات التاريخ ان قائد الثورة الشعبية ضد ما نتج عن انقلاب السقيفة من ولاية الأمويين ايّام (عثمان بن عفان) هو الصحابي (عمار بن ياسر), الذي اليه نُسبت السبئية من أنصار (علي) وشيعته, وهذا يتضح من قول (معاوية بن ابي سفيان) لبعض وفود الصلح في (صفّين) ما نصه ( والله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان, ولكني كنت أقتله بنائل مولى عثمان! )[44], فهو من دنيويته المحضة لا يعترف ل(عمار بن ياسر) بمقام الصحبة للرسول, ولم يعدله ب(عثمان) حتى الذي خرجت عليه الأمة بعد ان ولّى الأمور لأمثال الأمويين من أهل الدنيا.

وكان مجمل الأنصار من (الاوس) و(الخزرج) معارضين ل(عثمان) لا يوالونه, اذ كانوا يلومونه في مخالفة سنن النبي وفي ضمه لمن طردهم رسول الله من (آل الحكم بن العاص).

وبهذا يُدرك ان المعارضة ل(عثمان) وخلافته وسياسته كانت عامة, يقوم عليها اجلّاء الصحابة ومعظم الناس في الامصار بقيادة وجوههم. ولم يكن وجوه الصحابة يرون تمامية اسلام (عثمان بن عفان) من الأساس. ومن ثم كانت سياسة (عثمان) – بعد سياسة (عمر) ومن قبله جرأة (ابي بكر) على تكذيب (فاطمة) بنت النبي في حقها في (فدك) – باباً للأمويين وكل حكام الأرض الظلمة لإهانة الصحابة ورجال الدين المطالبين بنصرة الشريعة او حكم الله او نصرة الضعيف وأخذ حقه له من المستكبرين, فمن قَبِلَ من (عثمان) ذلك قَبِلَ ايضاً متابعته في النتائج. وبذلك ايضاً يكون المطالب بدم (عثمان) من الأمة منافقاً أراد ان يحكم بدعوى باطلة لا تستقيم مع رغبة الصحابة والأمة[45].

ومن هنا كان أهل الشام يسمّون أهل العراق بأهل الفتن, كما في شعر (محمد بن روضة الجمحي) يوم (صفّين) حين قال ( يا ساكني الكوفة يا أهل الفتن * يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن )[46], فيما هم يَرَوْن نبل أهل العراق وإمامهم (علي بن ابي طالب) حين عفوا عن الماء لأهل الشام, بعد ان امكنوا منه, رغم ان أهل الشام منعوا جيش أهل العراق من الماء حين وصلوا اليه قبل وصول جيش (علي)[47].

فيما كان تنصيب الطاغية – الذي تسميه بعض مصادر التاريخ الرسمي صحابياً جليلاً – (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) أمراً جللاً, كاشفاً عن وجه الانقلاب الأسود, وعن مدى عداء قادته لرسول الله. فقد كان (ابن ابي سرح) هذا مرتداً, أهدر رسول الله دمه, وأمر بقتله يوم فتح مكة, رغم العفو العام الذي أطلقه رسول الله, فإلى أيّ مستوى وصل هذا المخلوق في عدائه للإسلام والنبي!. لكنّ (عثمان بن عفان) – وهو اخوه من الرضاعة – أنقذه وهرّبه, وولّاه (عمر بن الخطاب) خراج مصر, ذلك الإقليم الكبير والمتحضّر والخطر فكرياً واقتصاديا, ثمّ رقاه (عثمان) الى وكيل على مصر, ومن ثمّ جعلوا اليه فتح شمال أفريقية وثروتها. فيما وصفه (علي بن ابي طالب) في جوابه على كتاب أخيه (عقيل بن ابي طالب) اليه بقوله ( قد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الازدي, تذكر فيه انك لقيت عبد الله بن أبي سرح مقبلاً من قديد في نحو من أربعين فارساً من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة الغرب, وإنّ ابن أبي سرح طالما كادَ اللهَ ورسولَه وكتابَه وصدّ عن سبيله وبغاها عوجا, فدع ابن أبي سرح ودع عنك قريشاً وخلّهم وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق. الا وإنّ العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم اجماعها على حرب رسول الله -ص- قبل اليوم, فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله وبادروه العداوة ونصبوا له الحرب وجهدوا عليه كل الجهد وجرّوا إليه جيش الأحزاب. اللهم فأجز قريشاً عني الجوازي, فقد قطعتْ رحمي وظاهرت عليّ ودفعتني عن حقي وسلبتني سلطان ابن أمي, وسلّمتْ ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الاسلام, الّا ان يدعي مدّعٍ ما لا اعرفه, ولا أظن الله يعرفه. والحمد لله على كل حال[48]). و(ابن ابي سرح) هذا جعلوه كاتباً للنبي بروايتهم ليرفعوا من شأنه, كما جعلوا (معاوية) كاتباً للنبي وقد اسلم يوم فتح مكة وكان من المؤلفة قلوبهم![49]. حتى ان (عثمان) حين وبّخ (عمرو بن العاص) وعيّره بأن خراج مصر بعده في أيام (ابن ابي سرح) قد زاد وقال ( قد درّت تلك اللقاح بعدك يا عمرو ), فأجابه (عمرو بن العاص) بأن ذلك لم يتم الا بزيادة الضغط على اهل تلك البلاد وايذائهم, فقال ل(عثمان) ما نصه ( نعم, وهلكت فصالها )[50]. ولقد وهب (عثمان) لأخيه من امه (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) -ذلك المغضوب عليه من المؤمنين- معظم غنائم افريقية, ووهب بعضها الآخر ل(مروان بن الحكم), الامر الذي اغضب الجيش الذي فتح افريقية على يديه وأسخطه على الخليفة وأمير جيشه, وقد كان (عثمان) نقل الى هذا الجيش الكثير من الأنصار, حتى لا يبقوا الى جانبه في (المدينة) يعترضون على امر الأمويين وانقلابهم الثاني على الإسلام. حتى اهلك المهدور دمه في الإسلام بأمر الرسول وذم القرآن له (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) اهلَ مصر, كما عبّر (عمرو بن العاص) ل(عثمان) حين عيّره الأخير ان (عبد الله) يرسل اموالاً اكثر للخليفة بعد عزل (ابن العاص) وتوليته هو بما حمّلهم فوق طاقتهم, بل قتل من اعترض على ظلمه منهم, فأجبر (علي بن ابي طالب) الخليفة على عزله ومحاكمته وتولية (محمد بن ابي بكر), وانضم كثير من الصحابة ل(علي) مؤيدين[51]. وقد كان (محمد بن ابي بكر بن ابي قحافة) ربيب (علي بن ابي طالب), و(محمد بن ابي حذيفة) ربيب (عثمان بن عفان), و(عمار بن ياسر) هم من لزموا ارض مصر لمواجهة ظلم (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) والي (عثمان), وقد أراد الوالي البطش بهم[52].

وقد كان (عثمان) اشد الناس على مصر والمصريين, من خلال عماله, وجورهم في حلب خيرات البلاد, وطحنهم لقوى أهلها. ثم لم ينصفهم حين شكوا اليه جور عامله (عبد الله بن سعد بن ابي سرح)[53]. وقد اهلك عمّال الأمويين البلاد والعباد فأذلّوا سكان البلاد المفتوحة الأصليين, واعتبروهم رزقاً حلالاً, وجعلوا الموالي من غير العرب عبيدا[54].

ومن الواضح ان الملوك غير الشرعيين, ومن سبقهم من سلف دنيوي, لم يكونوا قادرين على إقناع الناس بالدِّين المحمدي , لأنهم لم يكونوا أهله. ففي زمان (عثمان بن عفان) – وهو اقدم ملوك الأمويين وأكثرهم شهرة وتقديراً عاميا – وفِي سنة ٢٧ هجرية بلغ من شر السيف العربي في افريقيا ان يعرض الافارقة على (عبد الله بن ابي سرح) قائد جيش (عثمان) ثلاثمائة قنطار من الذهب مقابل رجوعه والعرب الذين معه عن بلادهم , ففعل , بعد ان سفك دماءهم وسبى نساءهم وخرّب مدنهم , ولو كان من أهل الدِين ما فعل الأمرين[55].

ومن تنبؤات (كعب الأحبار) ما أورده (الطبري) في كتابه ( … فقال كعب وهو يسير خلف عثمان: الامير والله بعده صاحب البغلة. وأشار إلى معاوية )[56]. وجاء أيضاً ( … عن بدر بن الخليل بن عثمان ابن قطبة الاسدي عن رجل من بني أسد قال: ما زال معاوية يطمع فيها بعد مقدمه على عثمان, حين جمعهم فاجتمعوا إليه بالموسم, ثم ارتحل فحدا به الراجز ” إن الامير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي “. قال كعب : كذبت صاحب الشهباء بعده. يعني معاوية, فأُخبر معاوية, فسأله عن الذي بلغه, قال: نعم, أنت الامير بعده, ولكنها والله لا تصل اليك حتى تكذب بحديثي هذا. فرفعت في نفس معاوية )[57]. فكان اليهودي (كعب الأحبار) من صنّاع خلافة (معاوية) .

وفي خلافة (عثمان بن عفان) بلغت الأمور بين الحزبين حد المكاشفة, وصار امر (كعب الأحبار) و (الحزب القرشي) واضحاً. لكن بعد أنْ استطاع (كعب) ومؤسسة الخلافة تأسيس دين جديد ( الاسلام القرشي ), تمّ نشره في مختلف الاصقاع, من خلال أشخاص وجماعات متواطئة, او منتفعة, او ساذجة. فيما كانت هناك الجماعة الاخطر, وهي التي تستشعر البغض لآل بيت النبي و(علي بن ابي طالب), فتحاول مساعدة الطرف المعادي له, والذي صادف انه ( الحزب القرشي ), رغم انها لا تكنّ المحبة للخليفة (عمر) وأصحابه. لذلك كانت هناك مواجهات عديدة بين (عائشة) مثلاً وبين الخلفاء وحزب قريش, ومنهم (كعب الأحبار).

فمما روي عن (أبي ذر) أنه قال ل(عثمان) ما نصه ( لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف, وقد ينبغي لمؤدي الزكاة أن لا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان, ويصل القرابات ), فردّ (كعب) بقوله ( من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه ), فرفع (أبو ذر) محجنه فضربه فشجّه[58]. فهذا الصحابي الجليل الرسالي الذي وصفه رسول الله بأنه ( اصدق لهجة ) – على تقواه – يصل به الغضب لدين الله ان يضرب (كعب الأحبار), وما ذاك منه الّا تحت نية الجهاد في سبيل الله لا شكّ.

وقال (عثمان) يوماً والناس حوله ( أيجوز للإمام أن يأخذ من المال شيئاً قرضاً, فإذا أيسر قضى؟ ), فقال (كعب الأحبار) له ( لا بأس بذلك ), فقال (أبو ذر) له ( يا ابن اليهوديين, أتعلّمنا ديننا! ), فقال (عثمان) ل(ابي ذر) موبخاً ( قد كثر أذاك لي, وتولّعك بأصحابي, الحقْ بالشام ) فأخرجه إليها[59]. فهنا احد زعماء الجبهة الانقلابية – الذي يفترضه التاريخ الرسمي كخليفة لرسول الله – ينفي صاحب الرسول الصادق, ويأخذ برأي يهودي, ذمّه الكثير من الصحابة. وكان نفي (أبي ذر) الى (الربذة) من قبل (عثمان) تصديقاً لدِينه في (علي بن ابي طالب) وعقيدته الصافية, وتكذيباً لدِين قريش المبتدع, بتصديق حديث رسول الله فيه انه ( يمشي وحده ويموت وحده ويُبعث وحده )[60].

و(عثمان بن عفان) ابتدأ خلافته برشوة الناس عامة بزيادة عطائهم مائة مائة, ورشوة الخاصة, أمثال (الزبير) بستمائة الف, و(طلحة) بأكثر من مائتي الف, ثم اذن للصحابة من المهاجرين بالخروج من (المدينة) بعد ان حبسهم (عمر), لكن بعد ان تمكّن رجالات الانقلاب من بث مسالحهم وفقهائهم ورواة الحديث[61].

و(عثمان) كان الذي يجهر بأنه سيأخذ من بيت مال المسلمين ما شاء برأيه, فنهاه (علي بن ابي طالب) وهدده. وكان (عثمان) ناقماً من التفاف المعارضة الإسلامية حول (علي), حتى نوى ان يحاربهم لولا الوساطة. وكان (عبد الله بن عباس) حَبر الامة هو من يؤلب الناس ضد سياسة الخليفة الدنيوية. فيما كانت رؤية (عثمان) لأمر الخلافة قبلية عنصرية, كما في جوابه وشكواه ل(العباس بن عبد المطلب) عم النبي, حتى غلبه على رأيه اقاربه, وعلى رأسهم (مروان بن الحكم) الذي آلت الخلافة بعد سنين الى ولده بعد كل هذا التخطيط والمؤامرات[62].

لقد بدأ الشر على بلاد المسلمين حين فك (عثمان) الأسْرَ عن قريش التي حاربت النبي ولم تسلم الا خوفاً وطمعا, فبدأ يظهر العنف بظهورهم في الساحة السياسية والمالية, من قبل الخليفة وعماله, الذين كانوا هم قريش غير العَلَوية ذاتها. حتى يكاد يُستيقَن ان (عثمان) اذاع انه أضاع خاتم النبي في بئر (اريس), والذي ورثه عن الخليفتين قبله, لإمضاء عقود الدولة رغبة منه في التخلص من أي صلة بالرسول الكريم وعودة لحضن قريش المعادية للنبي بقيادة اهله من الأمويين.

والغريب ان واحداً من اهم المعترضين على بدع (عثمان) في أموال المسلمين وتوزيعها على الأمويين كان هو من جاء به, وهو (عبد الرحمن بن عوف), الذي هاله إعطاء (عثمان) هذا الكم من ابل الصدقة ل(بني الحكم) أعداء النبي, الا ان الحقيقة ان الخطر الذي ربما استشعره (ابن عوف) كان قيام نفوذ الأمويين فوق نفوذ فريقه الذي صنعه (عمر), وهذا ما كان لاحقا.

وفي حدود سنة اربع وثلاثين بلغت الناس ذروة المعارضة ل(عثمان) وحزبه, وكان الصحابة في (المدينة) لا ينهون الناس عن معارضتهم, بل يكاتبون من كان خارج (المدينة) من الصحابة للقدوم ومحاولة تقويم اعوجاج الخليفة وحزبه الاموي, وشبّهوا قدومهم هذا بالجهاد لدفع شر السلطان.

وقد كان واضحاً ان اغلب الصحابة ووجوه الامصار كانوا معارضين, وأنهم كانوا يرون وجه الامة الاصلح يتمثل في (علي بن ابي طالب), فجعلوه بينهم وبين الخليفة.

وكان رأي الامة في عامل الخليفة (معاوية بن ابي سفيان) انه سيء, كما يتبين من دفاع (عثمان) في المفاوضات معهم عنه. وقد هدد (عثمان) الثائرين -طلباً للحق- بأنصاره من الأمويين وغيرهم ممن اشتراهم بالمال, وكان خطابه اقرب الى الخطاب الجاهلي الذي عرضه القرآن الكريم وانتقده, وكان وزيره (مروان بن الحكم) الذي كاد يُجمع الصحابة على نبذه لسوء صنائعه. وقد اعترف ضمنياً اثناء تفاعله مع حركة الثائرين ان (عمر) اساء اختيار الولاة كما اساء هو, وأن (عمر) هو من أسس ما قام به من تقريب بالمحسوبية ومن طبقية.

فجمع (عثمان) ولاته الأربعة السيئين في موسم الحج, و(معاوية بن ابي سفيان الاموي) الذي أشار عليه بأن يبقى على ما هو عليه, ويكفيه كل والٍ ولايته, ويواجه كل واحد منهم المعارضة في البلاد التي هو يحكمها, لأن (معاوية) لم يستشعر خطراً في الشام, كما شعر ولاة باقي الأقاليم من العراق ومصر وغيرها, لذلك أشار عليه واليه الثاني (سعيد بن العاص الاموي) بقتل قادة المعارضة, لأنه لا يستطيع ان يكفي (عثمان) ولاية الكوفة ذات القادة الكبار المعارضين, وأشار عليه اخوه من الرضاعة – مهدور الدم من رسول الله – (عبد الله بن سعد بن ابي سرح) برشوة الناس بالمال, فيما أشار عليه نصف الأعرابي (عبد الله بن عامر) بإشغال الناس بالجهاد وفتح جبهات للحروب. فكانت هذه اراء القادة السياسيين ل(عثمان), كلها مكر وبلاء وأنانية. لكنّ (عثمان) اخذ بها جميعاً, واعتمدها سياسة لتفريق الناس والمعارضين.

وفي مجلس جمع حزب (عثمان) السياسي وقادة الامة من وجوه المعارضة فيهم (علي بن ابي طالب) جعل (معاوية) فيه يكثر التهديد والوعيد, بعد ان بلغ الأمويون من النفوذ ما بلغوا, فكان (علي) ينهره ويردّه.

ثم رد الكوفيون والي (عثمان) الاموي (سعيد بن العاص), وثار اهل مصر واحتجوا على (عثمان) وأرادوا مناظرته وأن يكون الحكم بينهم كتاب الله, الا انه اعتذر لهم تسويفا, واخذ برأي (مروان) في خداعهم. فرجع المصريون مرة ثانية ثائرين لا محاورين. وقد ورد أنه كان مع (عمرو بن العاص) ابن عم له, فتى شاب, وكان داهياً حليما, فلما جاء (عمرو) بكتاب (معاوية) له بمُلك مصر مسروراً عجب الفتى, وقال ( ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش؟ أعطيتَ دِينك ومنيتَ دنيا غيرك. أترى أهل مصر -وهم قتلة عثمان- يدفعونها إلى معاوية وعليٌّ حي؟! )[63].

وعلى الاظهر ان الصحابة جعلوا معسكرات لهم على حدود (المدينة) باعتبارها العاصمة لدفع خطر انصار (عثمان) من الأمويين خشية قدومهم لنصرته, لا كما يروي بعض الرواة انهم أرادوا دفع الناس عن (عثمان), فالظاهرة واحدة لكنّ القرّاءات لها تختلف.

ولم يدفع احد من الصحابة او الأنصار عن (عثمان), بل دخل الثائرون العاصمة بغير قتال, فكانت تلك إجازة واضحة من مجمل الصحابة ووجوههم لثورة الثائرين بوجه سلطان جائر.

ولم يزد اول امر الثائرين على الاعتصام السلمي المطالب باستقالة الخليفة, لكنهم حين علموا برسائل (عثمان) لولاته من الأمويين لإرسال الجند ونصرته بقتل الثائرين تغيّر الموقف.

وكان انصار (عثمان) – كما هو متوقع – شخصيات براغماتية مثل (محمد بن مسلمة) و(زيد بن ثابت), حين حاول (عثمان) استخدام الخطاب الديني في توهين مقام الثائرين بين اهل (المدينة) والصحابة, في سلوك غريب منه, اذ لم يكن الثائرون يطلبون سوى العدالة الاجتماعية وحماية رقابهم من جور الأمويين, فكانت خطبة (عثمان) تصفهم بالأعداء, في إصرار منه على رفض الاستجابة لمطالبهم او الاقتصاص من ظلمة الأمويين. وكانت كلمات بعض الأنصار من اهل (المدينة) وبعض اهل بيعة (الرضوان) من اهل الحجاز تؤنبه وتشمت به وتذكّره بما فعل من نفي الصحابة الى البراري, وكانوا يمنعون من يحاول الدفاع عنه من الكلام. فقام (جهجاه بن سعيد الغفاري) – احد الصحابة الذين بايعوا بيعة (الرضوان) مع النبي – وأخذ عصا الخطبة من يد الخليفة وكسرها, في إشارة نوعية مهمة لإقالته. ومنع الثائرون (عثمان) من الصلاة بالمسلمين, وكان يصلي بالجميع بعض الصحابة.

وقد دنا الأمويون الذين في (المدينة) من دار (عثمان) لحمايته, يقودهم (مروان بن الحكم), وربما أصاب بعضهم احد الثائرين بسهم فقتله, فعظم الامر وأصروا على تسليم قاتل صاحبهم, فرفض (عثمان).

وكان الذي انفذ الثائرين الى دار (عثمان) جاره الصحابي (عمرو بن حزم الانصاري), احد الرواة وصاحب احد المساند وممن بعثه النبي برسائله وممن شهد معركة (الخندق), وصار حفيده (أبو بكر بن محمد بن عمرو) امير (المدينة) وقاضيها في عهد الأمويين ويرونه اعلم اهل زمانه وأحد الائمة الأثبات عند العامة من المسلمين كما في ( سير اعلام النبلاء ), كذلك يوثقون ويجلّون ولد الحفيد (عبد الله), الذي يرى (أحمد بن حنبل) أن ( حديثه شفاء )[64].

ومن كتاب (عثمان) الى اهل الموسم تُعلم مطالب الثوار انهم ( يطلبون الحدود, … كتاب لله يتلى, … المحروم يرزَقُ والمالُ يوفى ليستنَّ فيه السنة الحسنة, ولا يُعتدى في الخمس ولا في الصدقة, ويؤمَّر ذو القوة والأمانة, وترَدُّ مظالم الناس إلى أهلها )[65], وكان مما يُلفت في مطالبهم ويثير التساؤل طلبهم تلاوة القرآن الكريم في أمة الصحابة! واشتراط (عثمان) عليهم للموافقة عدم المغالاة فيه!, وهنا قد يكون منع قراءته من قبل.

وبدل ان يستجيب الخليفة لمطالبهم في ان يدخل في حوار مع كبار الصحابة راح يستشير بعض نساء النبي!. وقد أورد انه خيّروه بين إحدى ثلاث ( إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صوابًا غير متروك منه شيء, وإما أعتزل الأمر فيؤمّرون آخر غيري, وإما يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل الله سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة ), فقال لهم ( أما إقادتي من نفسي, فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يستقدْ من أحد منهم. وقد علمت أنما يريدون نفسي. وأما أن أتبرأ من الإمارة فإن يكلبوني أحبُّ إليَّ من أن أتبرأ من عمل لله عزَّ وجل وخلافته )[66].

وروى (المسعودي) انه في أيام (عثمان) اقتنى الصحابة الضياع والمال, فكان ل(عثمان) يوم قُتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم, وقيمة ضياعه في (وادي القرى) و(حُنين) وغيرهما مائة ألف دينار, وخلّف إبلاً وخيلاً كثيرة, فيما بلغ الثمن الواحد من متروك (الزبير) بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلّف ألف فرس وألف أمة, وكانت غلة (طلحة) من العراق ألف دينار كل يوم ومن ناحية (السراة) أكثر من ذلك, وكان على مربط (عبد الرحمن بن عوف) ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً, وخلّف (زيد بن ثابت) من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلّف من الأموال والضياع[67]. الا (علي بن ابي طالب) قد زهد في هذا كله[68], اذ كان امير البررة بنص النبي[69].

ويمكن استشفاف سمو نفس (علي) من وصيته عند احتضاره, حيث أوصى بالتقوى وزهد الدنيا وعدم الأسف عليها والعمل للآخرة ونصرة المظلوم ونظم الامر وصلاح البين ورعاية الايتام والعمل بالقرآن ورعاية الجيران وبيوت الله والصلاة والصيام والزكاة والجهاد بالمال والنفس وذرية النبي والفقراء والنساء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم التدابر والتقاطع والتعاون على البر والتقوى[70].

 

 

وفي آخر عهد (عثمان) – عند اشتعال نيران ثورة المظلومين – هرب (كعب الأحبار) الى الشام, وسكن (حمص), ككل المنتفعين, الذين يستشعرون خطر ثورات الشعوب المظلومة ضد منظومتهم, كحال (عمرو بن العاص) الذي هرب الى فلسطين وعاش فيها.

لكن الملفت في احداث ثورة الصحابة ضد (عثمان) انّ ابرز المدافعين عنه كانوا يهوداً, فقد اقبل (عبد الله بن سلام) حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله, وقال ( يا قوم لا تسلّوا سيف الله عليكم, فوالله إن سللتموه لا تغمدوه, ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فإن قتلتموه لا يقم إلا بالسيف, ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله, والله لئن قتلتموه لتتركنها ), فقالوا ( يا بن اليهودية وما أنت وهذا ), فرجع عنهم[71]. وَ(عبد الله بن سلام) حبر من أحبار يهود (بني قينقاع), اختلف الرواة في تاريخ إسلامه, هل كان بعد وصول النبي الى (المدينة), ام قبل وفاته بعامين.

فيما وضعت (صفية بنت حيي بن أخطب) خشباً بين منزلها ومنزل (عثمان), تنقل اليه الماء والطعام. حيث أورد (الذهبي) عن (كنانة) قال ( كنتُ أقود بصفية لتردّ عن عثمان, فلقيها الأشتر, فضرب وجه بغلتها حتى مالت. فقالت: ذروني, لا يفضحني هذا! , ثم وضعتْ خشباً من منزلها إلى منزل عثمان تنقل عليه الماء والطعام )[72]. و (صفية بنت حيي) من يهود (بني النضير), وأمها من يهود (بني قريظة).

وفي (حمص) أذنَ (معاوية) ل(كعب الأحبار) ان يقصّ القصص في مسجدها, فكان اوّل من قصّ القصص في مساجد المسلمين, وهي عادة من عادات اليهود قبل الاسلام. فيما واليه على (المدينة) (عمرو بن سعيد) يضرب الصحابي الموالي (ابن ابي رافع) خمسمائة سوط لأنه يقول ان مولاه رسول الله, فلما قال انه مولى الأمويين تركه[73].

لذا كان أمير المؤمنين (علي) يتحدّث صراحة عن حقيقة (كعب الأحبار), فعن (ابن أبي الحديد) روى جماعةٌ من أهل السِّيَر ( أنّ علياً كان يقول عن كعب الأحبار إنَّه الكذَّاب )[74].

وقد مزق (عثمان) المصحف الذي بين أيدي المسلمين, واختار مصحفاً على رأي (زيد). فاعترض عليه اقرأ الناس (عبد الله بن مسعود), الذي قرأ القرآن من فم رسول الله حين كان (زيد) طفلاً يلعب في (المدينة), الا ان (عثمان) ابى[75]. ويبدو ان أهل العراق كانوا الى جنب (ابن مسعود), وفِي صفه, يثقون في رأيه وينتظرونه في امر المصحف, حين أمرهم بحفظ مصاحفهم عن مشروع (عثمان بن عفان)[76]. رغم ان رسول الله يقول ( وما اقرأكم عبد الله بن مسعود فاقرؤوه )[77], وقال كذلك –بحسب القوم ومروياتهم– ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ القرآن غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ, فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ )[78], أي (عبد الله بن مسعود). وقد اغضبت فعلةُ (عثمان) هذه (عليَ بن ابي طالب) و(ابا ذرّ الغفاري), ووصفه (علي) بأنه امر عظيم, وتنبأ بأن يسلط الله عليه الحديد[79].

وقد اساء (عثمان) السيرة, وقرّب في خاصته شرار الأمويين, وجفا الصالحين من الصحابة, حتى انه نفى اصدق الناس لهجة (ابا ذرّ الغفاري) الى (الربذة), دفاعاً عن اليهودي (كعب الأحبار)[80]. فاجتمع عليه أهل العراق وأهل مصر وأهل (المدينة) فقتلوه, فأقام مطروحاً على الكناسة[81]ثلاثا[82].

والتابعي الكبير (صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي الكوفي), العالم الجليل, الخطيب الأديب, الفصيح البليغ المتكلم, الذي حضر جنازة أمير المؤمنين (علي) وبكى عليه ورثاه بكلمات وأثار على رأسه التراب, وقد نفاه (المغيرة) بأمر (معاوية) من الكوفة إلى الجزيرة, أو إلى البحرين, فمات بها, وكان له مع (معاوية) مواقف حاسمة, وكان (الشعبي) يتعلم منه الخطب, قام في مرة إلى (عثمان بن عفان), وهو على المنبر, فقال ( ملتَ, فمالت أمتك, اعتدلْ يا أمير المؤمنين تعتدلْ أمتك ).

ومن وجوه (خزاعة) الصحابي المحدّث الثقة الراوي (سليمان بن صرّد بن الجون الخزاعي), المقتول 65 ه, وعمره فوق التسعين, رئيس جماعة التوابين يومئذ, خرج في أربعة آلاف يطلبون بدم الإمام (الحسين), فقُتل يوم (عين الوردة), وكانت له سن عالية, وشرف في قومه, نزل الكوفة بعد وفاة النبي, حين نزلها المسلمون, وشهد (الجمل) و(صفّين)[83], كان ممن كتب الى (عثمان بن عفان) يعترض على سياسته الدنيوية[84].

ومن وجوه (خزاعة) البيض الصحابي (عمرو بن الحمق الخُزاعي), الذي أسلم قبل الفتح, وهاجر الى (المدينة), فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي بأن يمتعه اللّه بشبابه, فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء, على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء, وصحب بعده امير المؤمنين (علياً), فكان الحواري المخلص الذي يقول له (علي) ما نصه ( ليت في جندي مائة مثلك ), ودعا له, وتنبأ بقتله بعده, وأنذر بالويل لقاتله, وشهد معه (الجمل) و(صفّين) و(النهروان), كان من شيعة (علي) المعروفين, المراقبين من قبل ولاة الأمويين, فكان حذراً خائفاً منهم على سنة (موسى بن عمران), حتى كانت حادثة (حجر بن عدي الكندي), فأبلى فيها بلاء حسناً, وضربه رجل من الحمراء -شرطة زياد من الموالي- يدعى (بكر بن عبيد) بعمود على رأسه, فوقع, وحمله الشيعة, فخبأوه في دار رجل من (الازد), ثم خرج فاراً, وصحبه الزعيم الآخر (رفاعة بن شداد), نحو (المدائن), ثم ارتحلا, حتى أتيا ارض (الموصل) فكمنا في جبل هناك, فاستنكر أمير تلك المنطقة وجودهم, وحاصرهم, وكان (عمرو) مريضاً, و (رفاعة) قوياً أراد الدفاع عن صاحبه, الا أن (عمرو) رفض وطلب منه النجاة بنفسه, فدفعهم (رفاعة) بسيفه, وظل (عمرو), حتى أسلموه الى والي (الموصل) المدعو (عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي), فأمرهم (معاوية) بأن يطعنوه تسع طعنات كما كان فُعل ب(عثمان), فطُعن ومات بالأولى منهن أو الثانية[85], وكان ممن كتب الى (عثمان) مهدداً بالثورة ايضاً. و(عمارة) الذي اشتكى (ابن الحمق) الى (ابن زياد) هو احد ولد (عقبة بن ابي معيط) المبشرين بالنار على لسان رسول الله, و (ابن ابي معيط) هو من كان يجيش ضد رسول والإسلام في (بدر), اذ عيّر (امية بن خلف) بأنه من النساء حين اجمع على القعود وعدم الذهاب, فاستجاشه وهيّجه[86].

لذلك حين أرسل (زياد بن ابيه) الصحابي (حجر بن عدي الكندي) واصحابه الى (معاوية بن ابي سفيان) كتب ( إن طواغيت من هذه الترابية السبئية, رأسهم حجر بن عدي, خالفوا أمير المؤمنين, وفارقوا الجماعة جماعة المسلمين, ونصبوا لنا الحرب, فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم. وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي الستر والدين منهم فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا… )[87]. علماً ان ( الخيار والأشراف وذوي الستر ) الذين شهدوا زوراً على الصحابي (حجر بن عدي) – الذي كان ممن كاتب (عثمان) معترضاً على سياسته – هم ذاتهم من قادوا الجيش ضد (الحسين بن علي) في كربلاء.

و(علقمة بن قيس النخعي), الذي يصفه (الذهبي) –على تشدده المذهبي السلفي- في ” سير أعلام النبلاء ” ب( فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها, الإمام, الحافظ, المجود, المجتهد الكبير )[88], رغم ان (علقمة) كان من أصحاب امير المؤمنين (علي بن ابي طالب), ومن جرحى معركة (صفّين), ومن أصحاب وأشباه الصحابي (عبد الله بن مسعود) الذي قاد الثورة القرآنية ضد (عثمان بن عفان)[89].

وكذلك (أبو عمرو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي), الذي وصفه (الذهبي) في الجزء الرابع من “سير أعلام النبلاء” ب( الإمام, القدوة… من رؤوس العلم والعمل ), كان ممن حملهم والي (عثمان بن عفان) الى الشام, بسبب نقدهم وكلامهم في فعال الخليفة[90].

و(أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري الكناني), الصحابي الجليل الثقة الصادق الصالح, الذي قال رسول اللّه  فيه ( ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل اصدق لهجة من ابي ذَر )[91], والذي فِي غزوة (تبوك) حين راح القوم يتخلفون عن رسول الله الواحد والاثنين والجماعة, لشدة العطش والحر والخوف من الروم وإعدادهم, ضلت ناقة (ابي ذرّ), فلحق برسول الله ماشياً, فقال النبي حين نظرته المسلمون يمشي وحيداً باتجاههم ( يرحم الله أبا ذرّ, يمشي وحده, ويموت وحده, ويُبعث وحده )[92], نفاه (عثمان بن عفان) من (المدينة) إلى الشام, ثم نفاه (معاوية) من الشام إلى (المدينة) سنة 30 ه, وبعد فترة نفاه (عثمان) إلى (الربذة), وقام فيها إلى أن مات عام 32 ه, فأوصى (أبا رافع) وأصحابه ب(الربذة) بقوله ( ستكون فتنة, فاتّقوا اللّه, وعليكم بالشيخ علي بن ابي طالب فاتبعوه ), وعندما مرض (ابو ذر) أوصى إلى (علي), فقال بعض من يعوده ( لو أوصيتَ إلى أمير المؤمنين عثمان كان أجمل لوصيتك من علي ), فقال ( واللّه لقد أوصيتُ إلى أمير المؤمنين, حق أمير المؤمنين, واللّه إنّه للربيع الذي يُسكن إليه, ولو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض ), فقالوا له ( يا أبا ذر إنّا لنعلم أنّ أحبهم إلى رسول اللّه أحبهم إليك ), فقال ( أجل ) فقالوا له ( فأيّهم أحب إليك؟ ), قال ( هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه ) يعني (علي بن ابي طالب). ومن المشهور أنّ تشيّع أهل (جبل عامل) كان على يد (أبي ذر), وأنّه لما نفي إلى الشام وكان يقول في دمشق ما يقول أخرجه (معاوية) إلى قرى الشام فجعل ينشر فيها فضائل أهل البيت, فتشيّع أهل تلك الجبال على يده, فلما علم (معاوية) بذلك أعاده إلى دمشق ثم نفي إلى (المدينة)[93], ولما نُفي (ابو ذر) إلى الشام تشيّع منها جماعة كثيرة[94], وقد كان إسلامه اسلام النجباء الذين اختارهم الله لدينه, كما هو اسلام (سلمان), حيث رحلة البحث عن الحقيقة الحرة, اختيارا, وتحمّل الأذى والمشقة في سبيل معرفتها[95]. وقد حاول (عثمان) ان يجذبه بالمال, فكان يأبى, ويصرّح علناً بولايته ل(علي بن ابي طالب) والأئمة من ولده[96].

والصحابي (حذيفة بن اليمان), صاحب سر النبي في المنافقين, وهو ما جعله والياً على (المدائن), ابعاداً له وخشية منه بأمر (عمر بن الخطاب) الى ما بعد وفاة (عثمان)[97], لما بلغه بيعة (علي)  وكان عليلاً أمر ابنيه (صفوان) و(سعيد) إذا مات أن يكونا مع (علي)  في الحرب المهلكة فإنّه على الحق وإنّه خير من مضى بعد النبي ومن بقي إلى يوم القيامة, فقُتلا بين يدي (علي بن ابي طالب) يوم (صفّين)[98].

وكان (عدي بن حاتم الطائي) أول الناس عسكرا[99], وكان من الثوار المجلبين الناس على (عثمان), والذين شاركوا في قتله[100].

ومن الأنصار (أبو أيوب الأنصاري الخزرجي), من كبار الصحابة, و من سادات الأنصار, شهد بيعة (العقبة), ومعركة (بدر), وسائر المشاهد, و كان سيداً معظما, محدّثاً ثقة جليلا, نزل عنده رسول الله حين خرج مهاجراً من مكة حتى بنى مسجده, تابع (علياً) وأنكر على (أبي بكر), و شهد مشاهده كلّها, و كان على مقدمته يوم (النهروان), ومات في‌ القسطنطينة عام 50 ه, وفي اليوم الذي منع الثوار فيه (عثمان) سأل المؤذن (سعدُ القرظ) (عليَ بن ابي طالب) “من يصلّي بالناس؟” فأمره أن يدعو (أبا أيوب الأنصاري)[101].

يقول (محمد بن ابي حُذيفة) مخاطباً (معاوية) في اتهامه (علياً) بدم (عثمان) ما نصه ( إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحما وأعرفهم بك, قال: أجل, قال: فوالله الذي لا إله غيره! ما أعلم أحدا شرك في دم عثمان وألّب الناس عليه غيرك لما استعملك ومن كان مثلك, فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك فأبى, ففعلوا به ما بلغك; ووالله ما أحد اشترك في دمه بدءاً وأخيراً إلا طلحة و الزبير وعائشة, فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألّبوا عليه الناس, وشركهم في ذلك عبد الرحمان بن عوف وابن مسعود وعمار والأنصار جميعا. قال: قد كان ذلك; قال: فوالله! إني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد, ما زاد فيك الإسلام قليلاً ولا كثيرا, وأن علامة ذلك فيك لبينة, تلومني على حب علي, خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري وأنصاري, وخرج معك أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء, خدعتهم عن دينهم وخدعوك عن دنياك; والله! ما خفي عليك ما صنعت, وما خفي عليهم ما صنعوا, إذ أحلوا أنفسهم لسخط الله في طاعتك; والله! لا أزال أحب علياً لله ولرسوله, وابغضك في الله ورسوله أبداً ما بقيت )[102]. لذلك يصف (همام بن الأغفل الثقفي), الشاعر الذي حضر مع (علي) في (صفّين), أصحاب (معاوية) بأنهم فسّاق, ورؤوس الكفر والنفاق, وقادة البغي والتمرد على (عثمان بن عفان) الذين حرقوا داره[103]. وهو اتهام صريح.

 

ورفض (علي بن ابي طالب) تسليم قتلة (عثمان) الى (معاوية) وحزبه, لأنه كان يراهم ثواراً ينطلقون من مبادئهم العراقية والإسلامية المتأصلة فيهم, ففي جوابه على احد كتب (معاوية) اليه يقول ( … واما ما ذكرتَ من أمر عثمان, فإنه عمل ما بلغك, فصنع الناس به ما قد رأيتَ. واما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان, فإني نظرتُ في هذا الأمر, وضربتُ انفه وعينيه, فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك. ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك, ولا يكلفونك ان تطلبهم في بر ولا بحر ولا جبل ولا سهل )[104].

فمن الثوار العراقيين (أَبو عمرو زرارة بن قيس النَّخَعي), قدم على رسول الله في وفد (النخع), وهم مائتا رجل فأسلموا, وكان نصرانيًا,, فكتب له النبي كتاباً ودعا له. وكان ابنه (عمرو بن زرارة) أول الناس في خلع (عثمان بن عفان) من أهل الكوفة, وبايع (علياً)[105]. ولما كان وفد (النخع) آخر وفدٍ وفدَ على النبي من العرب[106]يُعلم لماذا كانت (النخع) اول من خلع (عثمان) وبايعت (علياً), فقد اخذوا خلاصة وصية رسول الله.

لكنّ العراق لم يخلُ من وجود رواسب أعرابية, او ناصبية, لم تكن تستوعب بعدُ إمامة (علي بن ابي طالب), وهي ربما تكون قبائل كبيرة في الصحراء, او مجاميع فرعية من قبائل العراقينِ تخضع لزعماء عُمَريين, مثل (ابي موسى الأشعري), الذي كان والي (عمر) على الكوفة, والذي كان أيقونة اللاوعي فعلياً, التي ساهمت في إضعاف جبهة (علي)[107], حتى كسر ضلع الحق في قضية الحكمين في (صفّين), بسبب ميله الى (عبد الله بن عمر), حتى راح يثبط الناس عن نصرة (علي بن ابي طالب), ويرد على (الحسن بن علي) الإمام المفترض الطاعة, وعلى (عمار بن ياسر), جدلاً بغير وعي وحجة, و(علي) الخليفة الرسمي للمسلمين[108].

ان الفرق بين (علي) وبين (عثمان) وحزبه, وبين أهل العراق وحزب قريش والشام, حينها, يمكن ان تلخصه حادثة شريعة الماء يوم (صفّين), اذ ملك عسكر (معاوية) الماء وأحاطوا بشريعة الفرات, وقالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش كما قتلوا (عثمان) عطشا, فسألهم (علي) وأصحابه ان يسوغوا لهم شرب الماء, فقالوا لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأً كما مات (ابن عفان), فلما رأى أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وحمل على عساكر (معاوية) حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم, بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي, وملكوا عليهم الماء, وصار أصحاب (معاوية) في الفلاة, لا ماء لهم, فقال له أصحاب (علي) وشيعته أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة واقتلهم بسيوف العطش وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة إلى الحرب, فقال ( لا والله, لا أكافيهم بمثل فعلهم. أفسحوا لهم عن بعض الشريعة, ففي حد السيف ما يغني عن ذلك )[109]. الا ان رواة القوم من الأمويين لم يعدموا المخرج ل(معاوية) من هذه الفعلة غير النبيلة, فأرسلوا الروايات غير المسندة عن النبي انه أقام على الماء يوم (بدر) ومنع منه قريش[110], وتركوا المقارنة بين سلوك الفريقين التي تكشف من منهم المسلم الحقيقي.

 

واجتمع الصحابة في مسجد رسول الله بعد قتل (عثمان), للنظر في أمر الإمامة, فأشار (أبو الهيثم بن التيهان) و(رفاعة بن رافع) و(مالك بن العجلان) و(أبو أيوب الأنصاري) و(عمار بن ياسر) ب(علي بن ابي طالب), وقام كل واحد منهم خطيباً يذكر فضل (علي), سواءً على أهل عصره خاصة, أو على المسلمين كلهم كافة, ثم بويع يوم الجمعة, وصعد المنبر في اليوم الثاني يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة, فحمد الله وأثنى عليه, وذكر (محمداً) فصلى عليه, ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلام, ثم ذكر الدنيا فزهدهم فيها, وذكر الآخرة فرغبهم إليها, ثم قال ( أما بعد, فإنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف الناس أبا بكر, ثم استخلف أبوبكر عمرَ, فعمل بطريقه, ثم جعلها شورى بين ستة, فأفضى الامر منهم إلى عثمان, فعمل ما أنكرتم وعرفتم, ثم حُصر وقُتل, ثم جئتموني طائعين فطلبتم إلي, وإنما أنا رجل منكم لي ما لكم, وعلي ما عليكم, وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة, وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم, ولا يحمل هذا الامر إلا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الامر, وإني حاملكم على منهج نبيكم صلى الله عليه وآله, ومنفذٌ فيكم ما أُمرت به, إن استقمتم لي وبالله المستعان. ألا إن موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته, فامضوا لما تؤمرون به, وقفوا عندما تنهون عنه, ولا تعجلوا في أمر حتى نبينه لكم, فإنّ لنا عن كل أمر تنكرونه عذرا, ألا وإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارهاً للولاية على أمة محمد, حتى اجتمع رأيكم على ذلك, لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ” أيما والٍ ولى الامر من بعدي أُقيم على حد الصراط ونشرت الملائكةُ صحيفتَه, فإن كان عادلاً أنجاه الله بعدله, وإن كان جائراً انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله, ثم يهوى إلى النار, فيكون أول ما يتقيها به أنفه وحر وجهه “, ولكني لما اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم )[111].

لقد منع (عمر بن الخطاب) الكثير من الصحابة الاجلّاء من مغادرة (المدينة) الى الامصار. وقد اعتذر لهم كتبة السلطان بأنهم خشوا الفتنة عليهم. ان الفتنة التي جعلوها عذراً ل(عمر بن الخطاب) في منعه الصحابة من الخروج الى امصار المسلمين هي الثورة التي كان الصحابة المنتجبون سيحركونها ضد النظام القائم المخالف للشريعة, بدليل ان (عثمان) حين سمح للصحابة بالحركة خارج (المدينة) – ليبعدهم عنه وعن معارضة عطاياه لأسرته – قاموا بالانتفاض فعلاً وتحريك عامة المسلمين ضده, الامر الذي يعني ان (عمر) كان يعتقلهم عملياً في “إقامة جبرية”, ومن ثم تزداد خطوط الانقلاب وضوحا[112].

لذلك يمكن الاتفاق مع المستشرقين المعنّفين للإسلام فيما فعله الاسلام (العُمَري), و (الأموي) لاحقا. وحين يتم وصفه بالعُمَري تجاوزاً لمرحلة (ابي بكر), فلأنّ (أبا بكر) لم يكن سوى مرحلة وسطية للهيمنة على السلطة, لأنه لم يكن جزءاً واقعياً من المتآمرين, لكنّه كان دنيوياً محضاً, ينفع في جعله الخطوة الاولى نحو استلاب الخلافة من قبل اللاعبين خلف الكواليس, لاسيما بعد أنْ زوّج ابنته (عائشة) من رسول الاسلام. والدليل ان (أبا بكر) ذاته قد اعترف ل(طلحة) بحقيقة ان الأمير (عمر بن الخطاب) والطاعة الظاهرية له[113]. لهذا حين استخلف (ابو بكر) (عمر بن الخطاب) كان ذلك بلا مشورة, سوى ما تحدّث به الى اثنين من أهل الدنيا هما (عبد الرحمن بن عوف) و(عثمان بن عفان) ليقنعهم ب(عمر), لا انه يستخبرهما, كما يتبين من كلامه, وقد ترك اجلّاء ووجوه الصحابة المقربين الى رسول الله. وهو امر كان متفقاً عليه بين قوى الانقلاب, بدليل ان (عثمان بن عفان) كتب اسم (عمر بن الخطاب) في صحيفة الاستخلاف قبل ان يفيق (ابو بكر) من غشاوته, فأقره (ابو بكر) على ما كتب. لهذا كان اذا أراد الناس ان يكلموا (عمر) في خلافته قدّموا (عثمان بن عفان) او (عبد الرحمن بن عوف) خوفاً من نزقه, على خلاف سيرة مجالس رسول الله للمؤمنين, والذي كان فيهم كأحدهم[114].

وقد كان الصحابة معترضين على امر استخلاف (عمر), ما جعله يغضب بحسب رواية (عبد الرحمن بن عوف), ومنهم (طلحة بن عبيد الله) الذي اعتبره مغضباً لله[115]. وهذا ربما هو سبب عدم تأمير (عمر) لهم على جيوش الفتح, وتشكيكه في ولائهم وقوله انهم سينكلون[116], اذ يبدو ان الخلاف بينه وبينهم كان عميقا.

ومن الغريب المروي تلفيقاً ليزيد التراث الروائي ضبابية ان المجلس الذي اصطنعه (عمر) لاختيار الخليفة بعده جعل الامر ل(عبد الرحمن بن عوف) في الاختيار وحده, الامر الذي يكشف ان هذه الشخصية تكررت في كل مراحل الانقلاب كشخصية محورية غريبة, وانه خلا ب(علي) وسأله عمن يرشّحه لمنصب الخليفة فاختار (عثمان), وحين خلا ب(عثمان) وسأله عن مرشحه اختار (علياً), ولا يُعلم اذا كان يصلح للخلافة من الستة فقط هذان المرشحان, وأن الأربعة الاخرين ليس لهم حق, واذا كان المرشحون يؤثرون بعضهم, فعلى ماذا كان الاختلاف في اجتماعهم الأول[117].

كما اختلف القوم في سبب استخلاف (ابي بكر) ل(عمر بن الخطاب) بالنص, هل هي بمشورة مجموعة من أصحابه, ام من املاء (عثمان بن عفان) وحده حين اخذت (أبا بكر) غشية من غشوات المرض, وبالتالي لمن الفضل في ذلك, او على من يقع الوزر ومخالفة الشورى[118].

وراوي معظم تاريخ هؤلاء الخلفاء الثلاثة كان (الواقدي), الذي يقصد وزير العباسيين (يحيى بن خالد البرمكي) مستعطياً المال, فيأخذ منه آلاف الدنانير والدراهم, فيما ولّاه الحاكم الظالم (هارون العبّاسي) القضاء, بعد ان جاء من (المدينة) الى بغداد مديوناً, فقصد مائدة الوزير البرمكي في البدء عن طريق الخدم, حتى عرف ان رواية الحديث تجارة مربحة عند السلاطين الذين يريدون تاريخاً جديدا.

فيما يرفض رواة ووعاظ السلاطين اخبار الثقات, لا لشيء, سوى حبهم ل(علي بن ابي طالب), الذي كان مع الحق وكان الحق معه حيث دار. فقد جعل القوم التشيّع تهمة توجب ضعف الراوي وإن كان صدوقاً في نفسه, وانتقاد او ذم فعل الشيخين و(عثمان) وسائر من انحرفوا عن مسار الأنبياء تهمة أخرى اشنع وسموها “سبّ الصحابة”, والمقام بين النقد والسب يدركه أهل العلم, ويجهله أهل السياسة, ومن ثم هم أرادوا اخراج كل ناقلي الحقيقة من دائرة الرواية لدرء الفضائح وستر المعايب, ما استطاعوا الى ذلك سبيلا. الا انهم عجزوا عن قمع الجميع, فقد كان المصدر لفقه الامة هو (علي) وصحابته الذين شهدوا معه (صفّين), وكان عظماء الرواية أهل الكوفة وشيعة (علي). فهذا (ابن حجر) في “لسان الميزان” ينقل قول (ابن حبان) في “الثقات” عن المحدّث (مسلم بن عفان) ما نصه ( لا أعتمد عليه ولا يعجبني الاحتجاج به, للمذهب الردي, يعني التشيّع ). و ذكر مثل ذلك في الذي بعده (مسلم بن عمار), و في (ابن هرمي), و في مولى ل(علي), وقال ( رووا كلهم عن علي رضي اللّه عنه )[119].

وفي مصر انقسم الشعب الى قسمين, احدهما متمسك بموروثه, والآخر انضم الى جيش المسلمين. وفي بعض الروايات انّ بعض رؤساء الأقباط أصلحوا الطرق وأعانوا جيش المسلمين. وقد اسهم الأقباط في فتح (قبرص), واشتركوا في المعارك البحرية للمسلمين. فيما جاء بعض (البربر) يعرضون اسلامهم قبل دخول جيش المسلمين. وقد كان أهل مصر اكثر الناس ولاءً ل(علي بن ابي طالب), وأشدهم نقمة على (عثمان بن عفان) وحزب الأمويين, حتى أعلنوا الثورة الكبرى بقيادة أبناء الصحابة, وهي الثورة الشعبية التي جاءت ب(علي بن ابي طالب) الى السلطة[120]. وقد خطب والي امير المؤمنين (علي) على مصر وزعيم الأنصار (قيس بن سعد بن عبادة) في أهلها قائلاً ( انّا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبينا, فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله, فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم ), فبايعه الناس, الا أهل قرية يقال لها (خربتا) كان أهلها عثمانية, فهادنهم, وجبى الخراج ليس أحد ينازعه[121].

بينما كان أنصار (عثمان بن عفان) المحتملين عند ثورة الامة الإسلامية عليه هم الأعراب في البصرة التاريخية, وربما هم ذاتهم من شهدوا معركة (الجمل) مع (عائشة), والبصرة كانت يومئذ تضم اكثر من نصف الخليج الحالي, وأجناد الشام, من القبائل اليمنية الجنوبية المهاجرة, الذين تربّوا في مدرسة الأمويين[122].

وقد كانت بقية الامة الإسلامية بثورتها الإيمانية الشعبية على ما حدث من انحراف في خلافة (عثمان) قد استحقت قيادة رجل مثل (علي بن ابي طالب) حينئذ.

لقد كان إصرار الأنصار على بيعة (علي) دليلاً قاطعاً على ان امر الخلافة قد حسم في حياة النبي, ولا اقل من انه تمت مناقشته عدة مرات وأن جزءاً كبيراً من الامة كان مقتنعاً بأن (علياً) هو أفضل الصحابة, اذا شاء احد ترك القول بالوصية. فكيف ساغ تأخيره لاحقاً بعد (عمر) و(عثمان), حتى مساواته ب(معاوية) !.

تحكي بعض المصادر ان (أبا بكر) سار بالسوية في توزيع العطاء على المسلمين من خمس الغنائم بعد ان يأخذ الجند أربعة اخماس الغنيمة ويبعثوا الخمس الى مركز الخلافة, لكنّ الطريف ان (عمر بن الخطاب) اخذ بمشورة (هشام بن الوليد بن المغيرة) بتدوين الديوان وجعل المال للجند تشبهاً بملوك الروم, في مخالفة صريحة للقران الكريم وسيرة النبي الكريم ونصيحة (علي بن ابي طالب), فصار للجند من الخمس الخامس غير ما اخذوا في اول خطوة نحو عسكرة المجتمع الإسلامي, وفضلاً عن هذه الطبقة العسكرية المترفة والمميزة فصل (عمر) بين طبقات الناس وجعل العطاء وفق رأيه ولم يجعله بالسواء, في ثاني خطوة طبقية فتحت الباب لمن بعده من الحكام للتلاعب بقوت الناس, لا سيما في عهده خليفته (عثمان), ثم الأمويين ثم العباسيين والى اليوم الراهن[123]. ولم يرجع العطاء الى المساواة والعدل الا في عهد (علي بن ابي طالب), الذي كان لفترة قصيرة نسبياً, لم تكن كافية لمحو ما رسم (عمر).

فيما ابتدع (عمر) بدعة اخرى مع قبيلة (تغلب) المسيحية, حين اسقط عنهم (الجزية), وضاعف عليهم الصدقة, وهو الامر الذي زاد في بدعته (عثمان بن عفان) حين اشترط عليهم في الصدقة الذهب والفضة حصرا !. ولا يُعرف ما كان تعريف (عمر) لنصارى (تغلب), هل كانوا بنظره نصارى, وحينها لا تجوز منهم الا الجزية, ام كفاراً, وحينها لا تجوز منهم الجزية ولا الصدقة, ام مسلمين, وحينها لا تجوز عليهم مضاعفة الصدقة ؟!. غير انّ الواضح من التاريخ كون قبيلة (تغلب) ليست على شيء من النصرانية, وكان الكثير من أفرادها يأتون المنكرات, لكنّ (عمر) أراد إبقاءهم, لهواهم الأموي, حيث كانوا من عدد الأمويين لاحقا, فابتدع لهم هذه الطريقة.

ومن غريب (عمر) مع الشجاعة أنه كلّفه رسول الله ايام (الحديبية) ان ينزل (قريشاً) فيبلّغ أشرافها ما جاء له النبي, فأجاب (عمر) بالقول ( أني اخاف قريشاً على نفسي ), ونصح الرسولَ ب(عثمان بن عفان), لأنّه أعز في قريش, الذي ذهب أيضاً وبقي هناك مع أهله وقومه حتى انتهاء الأزمة, فأشاع القوم لاحقاً انّ قريشاً احتبسته[124].

لكن لم يألوا القوم جهداً في نسب الفضل ل(عمر بن الخطاب), حتى جعلوه رديف النبي في فتح مكة, يأخذ البيعة عن النساء. رغم ان (الطبري) ينقل في نفس الصفحة عن (إبان بن صالح) ان رسول كان يأخذ البيعة على النساء بنفسه بنحوين. لكن لمّا كان الناقل لرواية أخذ (عمر) للبيعة على النساء للنبي هو (عمر بن موسى بن الوجيه) المتهم بالكذب ووضع الحديث, عن (قتادة السدوسي) الذي نقل البعض بغضه ل(علي بن ابي طالب) ودفاعه في مجلسه عن (عثمان)[125], فلا عجب[126].

لكنّ اهم ما يجب الاشارة اليه في امر الجيوش التي اخرجها (ابو بكر) مزامنة مع اخراج (خالد بن سعيد) هو اسماء القادة, فكلّهم كانوا من مسلمة الفتح, بل شرارهم, مثل (سهيل بن عمرو) و(عكرمة بن ابي جهل), الذين خرجوا حتى على اجماع قريش يوم الفتح بالمسالمة, فاعتزلوا الناس واستقدموا الخيل والرجال وواجهوا رسول الله حتى هُزموا. كذلك كان النصف الاخر من القادة كلهم من الأمويين, العشيرة التي قادت كل شرور الدم ضد الرسول, ولم يعلنوا اسلامهم الكاذب الّا يوم فتح مكة عنوة, مثل (يزيد بن ابي سفيان) و(الوليد بن عقبة بن ابي معيط) شقيق (عثمان بن عفان) لأمّه, الذي كان يشرب الخمر وهو على الكوفة!, وعائلة (آل ابي معيط) بشّرهم رسول الله بالنار حين قتل أباهم, اذ قال له (عقبة بن ابي معيط) : فمن للصبية يا محمد ؟ قال : النار[127].

وقد كان من قبل استعمل على المال (أبو عبيدة), وعلى القضاء (عمر), ومن الواضح انها قسمة حزب قد أزاحت مجمل الصحابة واجلّاءهم. فقد جعل (عتاب بن أسيد الأموي) أميراً على مكة. يؤيدها ما حدث في زمان (عثمان) من وقف الضياع والأملاك العامة على بيوت الأمويين, لا سيما من قبل (معاوية) في الشام الذي لم يكتفِ براتبه السنوي الذي جعله (عثمان) له كأعلى راتب لعامل في الدولة, بل جعل الضياع المسيحية -التي هرب أهلها جميعاً- وقفاً على بيته حصراً, بعد أخذ موافقة (عثمان). الامر الذي جعل باقي أهل الدنيا ممن حمل عنوان الصحابة مثل (الزبير) و(سعد) يقتطعون الأراضي والضياع ويثرون على حساب المال العام. بل عمد جميع ولاة (عثمان) الى هذا الإجراء بعد ان أوقف قوانين محاسبة العمال لأنهم كانوا من أقاربه. فالخليفة ذاته وجدوا عنده بعد وفاته ثروة ض(خم)ة جداً, مالية وحيوانية, وتحت يده الضياع والأراضي[128]. حتى ان (عثمان) امر خازن بيت مال المسلمين بإخراج اعطية لاحد اقاربه فرفض الخازن ورآه مبلغاً كبيراً فيه خيانة للمسلمين جلية, فأخبره (عثمان) انه ليس سوى خازن لهم, فوضع الخازن المفتاح على باب الكعبة وجلس في بيته[129].

ان من المواقف التي تكشف خلط أوراق حرب الردة موقف الخلفاء الثلاثة من منافق مثل (عيينة بن حصن الفزاري), ذلك الأعرابي الغليظ, الذي كان في إسلامه مضطراً, ليس منافقاً على حافة الإيمان, بل منافقاً على حافة الكفر الصريح, فهو الذي رفض بغلظة رد سبي (هَوازن) حين أمره النبي بذلك, وهو الذي قال ان غزوه ل(الطائف) كان من اجل النساء, والذي دخل حصنها مشجعاً للكافرين ومقوياً لهم بالكلام على رسول الله وجيش المسلمين ومستثيراً فيهم العصبية القبلية, وهو احد المؤلفة قلوبهم, وهو الذي نقلوا قول النبي فيه انه ( احمق مطاع ), الا انه رغم ردته, ورغم جلبه الى (ابي بكر) مشدوداً في الوثاق معانداً صلفا, أقطعه (ابو بكر) – وصاحبه الأعرابي (الاقرع بن حابس) – أرضاً هي ملك للمسلمين, وقرّب (عمر) ابن أخيه (الحر بن قيس) وأغدق عليهم المال[130], وتزوج (عثمان بن عفان) ابنته[131]. الامر الذي يكشف نجاة المرتدين الحقيقيين, وابادة من رفض بيعة (ابي بكر) خاصة من المسلمين.

ومن الملفت ان هؤلاء المؤلفة قلوبهم يوم (الجعرانة) حازوا في الإسلام ما لم يحزه اجلاء الصحابة الذين دفعوا الأذى عن رسول الله من الأنصار والمهاجرين الأوائل. ف(أبو سفيان) وولداه (يزيد) و(معاوية) أقطعتهم خلافة الثلاثة الشام, ثم صاروا الخلفاء بالملك العضوض على رقاب المسلمين. و(حكيم بن حزام) جعلوا ولادته في جوف الكعبة, وقد شارك في دفن (عثمان بن عفان) ليلا, ومات وهو من أغنى المسلمين[132]. و(العلاء بن جارية الثقفي) صار ولده (الأسود) وحفيده (محمد بن أبي سفيان بن العلاء) من رواة الامة الموثقين عند العامة. و(الحارث بن هشام المخزومي) – اخو (ابي جهل) – تزوج (عمر) ابنته (ام حكيم), وذهب في قريش الشام [133], وتزوج (معاوية بن أبي سفيان) ابنة ابنه (عبد الرحمن), الذي زوّجه (عثمان بن عفان) ابنته, وزوّجه كذلك (الزبير بن العوام) بنت (أسماء بنت ابي بكر), وقد خرج في يوم (الجمل) مع (عائشة) ضد (علي)[134]. و(صفوان بن امية) – الذي كانت اليه الأزلام في الجاهلية ايضاً – فقد جعله (عمر بن الخطاب) احد أمراء جيش المسلمين في (اليرموك), وأقطعه (معاوية) قطيعة حين قدم عليه[135], وقد قُتل ابوه (امية بن خلف) يوم (بدر) كافرا, وقُتل عمه (اُبي بن خلف) يوم (اُحد) كافرا, ومات اخوه (ربيعة بن امية) في بلاد الروم مرتدا, وقتل ابن ابنه (عبد الله) مع (ابن الزبير)[136]. و(سهيل بن عمرو) ايضاً من أمراء جيش (عمر) الى (اليرموك), وكان ابنه (عبد الله) من أمراء جيش (ابي بكر). و(حويطب بن عبد العزى بن ابي قيس) جعله (عمر) على إعادة أنصاب الحرم في خلافته, وكان ممن شهد دفن (عثمان بن عفان)[137]. و(الأقرع بن حابس التميمي) أقطعه (ابو بكر) مع (عيينة) قطيعة, وكان من أمراء جيشه وفِي مقدمة (خالد بن الوليد) الى العراق, وعلى جيش خراسان في زمان (عثمان), اذ مضى (الأقرع) فشهد مع (شرحبيل بن حسنة) يوم (دومة الجندَل), وشهد مع (خالد) حرب أهل العراق وفيه الأنبار[138]. و(مالك بن عوف النصري) جعله (عمر) مع (سعد بن ابي وقاص) على جيش (القادسية)[139], وما سدّا مسدّاً حسناً لولا (بني أسد) و(النخع), بل لم يشترك في القتال حينها الا هاتين القبيلتان فعلياً. و(مخرمة بن نوفل بن اهيب) هو احد الطلقاء, وكان رسول الله يقول عنه اذا رَآه ( بئس اخو العشيرة )[140], تزوج أخت متمول الانقلابيين (عبد الرحمن بن عوف), فولدت ولده (المسور بن مخرمة), الذي تزوج ابنة (شرحبيل بن حسنة) احد قادة الانقلابيين, وتزوج ايضاً ابنة (الزبرقان بن بدر) احد رجال (عمر بن الخطاب), وكان (المسور) احد اهم أذرع (عبد الله بن الزبير), لهذا لا غرابة ان يكون (المسور) هو الراوي قصة خطبة (علي) لابنة (ابي جهل)[141]. و(عمير بن وهب الجمحي), ولي ابنه (وهب بن عُمير) إمارة البحر اخر خلافة (عمر) وبداية خلافة (عثمان), رغم انه فر يوم (بدر) كافراً ونعلاه في يديه[142]. و(سعيد بن بربوع بن عنكثة) احد المشيخة القرشيين الذين جعل (عمر) يستشيرهم مع (حكيم بن حزام) و(مخرمة بن نوفل), وكلهم من مسلمة الفتح الطلقاء المؤلفة قلوبهم بالمال, وأحد الذين جعل لهم (عمر) إعادة أنصاب الحرم, وكان يعوده اذا مرض ويهاديه[143]. ويبدو ان رسول الله تألفهم بمال ثانٍ بعثه اليه (علي بن ابي طالب)[144]. لكنّ هؤلاء العتاة الشرهين لم يمل قلبهم سوى الى الطمع وانتهاك حرمة الدين والثراء على حساب الفقراء, فيبني (معاوية) قصره في الشام ايّام (عثمان) بأشد البذخ, فيوبّخه الصحابي الجليل (أبو ذرّ الغفاري) الذي تربى في مدرسة الحق المحمدية والزهد العلوية بعد ان احتج عليه انه اما خائن او مسرف, فيكتب فيه (معاوية) ل(عثمان) الخليفة بأنه افسد الشام, وما الفساد برأيهم الا الحق, فيأمر (عثمان) بحمله على قتب بغير وطاء الى (المدينة) إجهاداً له[145].

ومن وجوه القيادات الجديدة (حذيفة بن محصن), الذي أغار على (شق دبا) ل(بني مالك بن فهم) وسبى نساءهم وسلب أموالهم, وهم على الإسلام ولم يشاركوا في منع الزكاة حتى. ويبدو انه أغار عليهم مرتين, احداهما و(ابو بكر) حي, وقد شكوه اليه, فلم يعاقبه بل رد عليهم السبي وأخذ المال, واُخرى وقد مات وحكم (عمر), وكان (حذيفة بن محصن) قد بلغ فيهم مبلغاً من التنكيل, فشكوه الى (عمر), ففعل فعل صاحبه (ابي بكر)[146].

وكذلك (عرفجة بن هرثمة البارقي), الذي لم تذكر له كتب التاريخ والسيرة صحبة ولا وفادة في زمن الرسول, بل ولا اسماً, لكنّ القوم جعلوا له صحبة محتملة لشهادة (عمر بن الخطاب) فيه, وقد ولّاه إمرة جيوش العراق وفارس بعد ان ولي رفد جيشهم الى عُمان, وجعله على (بجيلة) التي جاءت الى (عمر) ترفض ولايته, لسبب جعله المؤرخون قبلياً, وهو امر مستبعد لتكرار ولاية الغرباء على القبائل, لكنّ (عمر) ولّاه (الموصل) فبقي عليها حتى وفاته في زمان (عثمان)[147].

كان ولاة (عمر بن الخطاب) يوم مات واستخلف (عثمان) بعده هم (نافع بن الحارث الاسلمي) الخزاعي بالولاء, الذي بحسب كتاب ( الاستيعاب في معرفة الاصحاب ) انه اسلم يوم الفتح وانكر (الواقدي) ان تكون له صحبة, وهو الراوي بشارة النبي ل(ابي بكر) و(عمر) و(عثمان) بالجنة. و(سفيان بن عبد الله الثقفي) الذي جاء عنه في ( الطبقات الكبير ) انه حارب ضد رسول الله يوم (حنين) وأسلم بعد الفتح. و (يعلى بن منية) الذي ورد في ( الطبقات الكبير ) أيضاً انه اسلم يوم الفتح وولّاه (ابو بكر) ثم (عمر) على اليمن, فحمى حمى بغير حقه, فطلبه (عمر), وعند وصوله قرب (صنعاء) سمع بموت (عمر) فولاه (عثمان) مرة أخرى على اليمن بلا حساب, فاستحوذ على أموال المسلمين ورفد جيش (الزبير) الخارج ضد (علي) بأربعمائة الف وحمل سبعين رجلاً, واشترى الجمل المدعو (عسكر) ل(عائشة بنت ابي بكر) حين خرجت معهم, وتعهّد بالمال لمن يخرج على خلافة (علي بن ابي طالب). و (عبد الله بن ابي ربيعة المخزومي) ابن عم (خالد بن الوليد) و (ابي جهل), وبحسب كتاب ( الاستيعاب في معرفة الاصحاب ) كان من الوفد الذي بعثته قريش لإيذاء المسلمين في الحبشة, اسلم يوم الفتح واستجار بدار (ام هانئ) حين أراد (علي) قتله, و(علي) لا يقتل أي احد يوم الفتح لا شك, ولّاه (عمر) على الجند, ثم فعل (عثمان). و (المغيرة بن شعبة), الذي يعلم المسلمون ما كان من المكر والخديعة وانه بحسب كتاب ( اسد الغابة ) اسلم فراراً من دم كان عليه حين غدر بقومه في سفر وقتلهم ليسرقهم, وكان اول من رشى في الإسلام برشوته لحاجب (عمر بن الخطاب), فولاه (عمر) على البصرة, فشُهد عليه بالزنى, فعزله وجعله على الكوفة, وكأن لا احد غيره, وكان قد ولاه على البحرين, فشكى منه أهلها وشهدوا عليه بالرشوة, ثم كان من رجالات (معاوية بن أبي سفيان). وكذلك (أبو موسى الاشعري) و(عمرو بن العاص) و (معاوية بن أبي سفيان), وهم من بقي طيلة حياتهما ضد (علي بن ابي طالب), حتى مكر (عمرو بن العاص) ب(ابي موسى الاشعري) لخلع (علي بن ابي طالب) وتولية (معاوية بن أبي سفيان) الخلافة في واقعة الحكمين. و (عمير بن سعد) ربيب (الجلاس بن سويد) الذي اتهم وشكك في رسول الله يوم (تبوك). و (عبد الرحمن بن علقمة الكناني) الذي ليس له ترجمة واضحة في ( المستقصى ). و (عثمان بن ابي العاص الثقفي) الذي اسلم متأخراً مع وفد (ثقيف) ورفض الخروج على (ابي بكر) عند اعتراض الامة على خلافته بالانقلاب, وبحسب كتاب (الازهية في علم الحروف) ل(ملا علي القاري) فقد ولّى (الحجّاج الثقفي) ابن أخيه ثم عزله فوصله (سليمان بن عبد الملك الاموي) بما يعدل عمالة فارس[148]. فيما (عمر) و(عثمان) كلاهما يوليان (الوليد بن عقبة بن ابي معيط), مرة صدقات النصارى, ومرة على الكوفة, رغم محاولته ان يخدع النبي, ورغم ارتداده عن الإسلام, ورغم وجود خيرة أصحاب رسول الله احياء حينذاك, فكان يسامر النصارى على شرب الخمر, ويستعين بالسحرة, فدخل اهل الكوفة معه في صراع على الدين والبدع وطالت شكواهم الى (عثمان) فيه[149].

ومن الغرائب أنْ يكون قاصّ الجيش الاسلامي – الذي يحثّهم ويزيد عزيمتهم – هو (أبو سفيان بن حرب), الذي روى القوم انّه كان في فتح الشام يصيح ( الله الله, أنكم ذادة العرب وانصار الاسلام, وأنها ذادة الروم وانصار الشرك, اللهم انّ هذا يوم من ايامك, اللهم انزل نصرك على عبادك )!. وهو الذي اسلم مكرهاً متأففاً بنوايا خبيثة يوم فتح مكة[150]!.

وليس جديداً أنْ يبتكر التاريخ الرسمي لهؤلاء الضعاف القلوب تاريخاً من البطولة, وأن يحيل اليهم الانتصارات التي صنعها غيرهم. أليست (القادسية) وانكسار جيش الفرس فيها تمّ ربطه ب(سعد بن ابي وقاص), وهو لم يشارك القوم ضربة !. حتى انّ (سلمى) زوجة (المثنى بن حارثة الشيباني) صاحت يوم (أرماث) – بعد ان انكسر المسلمون وصنع الفرس بهم ما صنعوا – في وجه (سعد) بقولها ( وامثنّاه, ولا مثنّى للخيل اليوم ), فلطمها (سعد) برجولة (عُمَرية). ولكن لمّا كان (سعد) لم ينصر (علياً) فكان لابد ان يجعلوا له منقبة الأول في شيء ما, فجعلوه اول من رمى بسهم في الإسلام, في غزوة ماء (احياء) أسفل ثنية (المرة) بقيادة (عبيدة بن الحارث بن المطلب) في بقية ربيع الاول التي لم يحدث فيها قتال مطلقا, فلماذا رمى (سعد) وعلى من لا يُدرى. رغم ان (الطبري) ينقل في ذات الصفحة ان سرية (عبيدة بن الحارث) هذه الى ماء (احياء) كانت في شوال وأن القوم تراموا دون المسايفة. وحتى يجعلوا ل(سعد) مهمة معقولة في زمان رسول الله جعلوه – نقلاً عنه – امير سرية رسول الله الى (الخرار), يحمل رايته (المقداد بن الأسود)[151]. ولا شك عند الباحث المنصف ان الأرجح كون (ابن الأسود) كان قائد السرية تلك لما عرف عنه من بسالة, وما صدق (سعد), وهو الفاشل في (القادسية) والهارب يوم (بطن نخلة). والغريب ان (عمر) جعل (سعد بن ابي وقاص) والياً على الكوفة, ثم عزله بعد ان اكثر الناس في شكواه الى (عمر) انه لا يحسن الصلاة[152]. وقد امتدت يد (سعد بن ابي وقاص) الى بيت المال الإسلامي حين ولايته على الكوفة, ولم يرد ارجاع المال, حتى خاصمه (عبد الله بن مسعود) في ذلك, وكلٌّ كان الى جانبه جماعة, فاضطر (عثمان) اخيراً الى عزل (سعد) تحت ضغط اهل الكوفة[153].

لقد تم خلط الأوراق بين تحرير العراق من الفرس على أيدي العراقيين أنفسهم وبين قتال (خالد بن الوليد) لمن لم يبايع (ابي بكر), بصورة متعمدة من رواة السلطة. فقد كان أهل وقائع الأيام من أهل الكوفة يفتخرون بها الى زمان (معاوية), ويوعدونه بعنوان معروف هو انهم أهل الأيام, ويرون ان ما جاء بعد وقائعهم تلك لا شيء اذا قيس بها[154]. وما ذاك الّا لأنّ ابطال العراق كانوا شيعة ل(علي) ومن قبلهِ رسول الله, ك(المثنى بن حارثة) صاحب (ذي قار) وما تبعها من فتوحات, و (هاشم المرقال) فاتح (جلولاء), وجماعة من الوجوه العلوية, ومنهم أنباط العراق, الذين ظلمهم التاريخ العُمَري. ففي (القادسية) لم يتحقق النصر حتى وصل (النخع), بعدما امر (عمر) في كتاب الى (خالد بن الوليد) في الشام بإرسالهم الى (سعد), لكنّه اسماهم في كتابه (العراقيين). و (النخع) أشهر شيعة (علي بن ابي طالب), وسيدهم (مالك الاشتر) وكفى. لهذا لا يمكن قبول الروايات الانقلابية التي تقول انهم ارتدوا عن الدين بعد وفاة النبي, فقد كان زعماؤهم اول من خلع (عثمان) لأنه صار من أهل الدنيا على أهل الآخرة كما هو معروف, وسيدهم (الاشتر) حمل من العقيدة بثقل جبل, وهم ابطال معارك (اليرموك) و(القادسية), لكنّ مثل هذه الروايات تكشف كذب دعوى الارتداد, وأنها إنما وضعت للتغطية على الانقلاب.

وقد جعلوا ل(ابي بكر) فضلاً في اسلام جماعة على يديه, وهو امر مشكوك كما هي الروايات الآنفة ومنقوض برواية الخمسين الذين اسلموا قبل (ابي بكر), ومع هذا فقد كانوا جميعاً خصوماً ل(علي بن ابي طالب), منهم (الزبير) و(طلحة) وَ(عبد الرحمن بن عوف) و(عثمان بن عفان)[155]. وهكذا, لا يمكن ان تكون هذه الروايات صحيحة مطلقا, وإنما كتبت لغاية سياسية.

وكان من شدة التزوير وغلبة التلفيق ان رواة الانقلابيين اختلفوا الى الْيَوْمَ فيمن قد حج بالناس سنة اثنتي عشر للهجرة, من قائل يقول (ابو بكر), وقائل يقول لم يحج (ابو بكر) في خلافته قط, وقائل يقول انه استخلف على الحج (عمر بن الخطاب), وقائل يقول (عبد الرحمن بن عوف), وقائل يقول (عثمان بن عفان)[156]. ومن الواضح ان الروايات مهما اختلفت تظل في دائرة تعظيم سلطان الانقلابيين.

وحديث ( سد الأبواب الا باب ابي بكر… ) نسبوه الى عدة رواة, واختلفوا في راويه منهم. فمرة عن رجل اسمه (أيوب بن بشير) مرسلا, ومرة عنه عن (معاوية بن أبي سفيان), فظهر ل(ابن عساكر) ان ايراد (معاوية بن أبي سفيان) هنا تصحيف من الطبراني لعبارة ( احد بني معاوية ) التي وصفوا بها (أيوب), ومرة عن (عروة) عن (عائشة).

وقد انتقل رواة الانقلابيين من فكرة تمجيد قادتهم الى فكرة تشويه تاريخ رسول الله, ومن مادتهم استمد المستشرقون مادة الطعن في نبي الإسلام. فقد رووا ان جيش المسلمين غزا (بني فزارة), ثم أسر (ام قرفة) الفزارية, فربطوها الى بعيرين فانشقت الى نصفين[157], في جريمة غريبة لا معنى لها سوى العنف غير المبرر. وبالتأكيد كانت الرواية الملفقة هذه مختلفة كالعادة في النقل المزور, اذ مرة كان الجيش بقيادة (زيد بن حارثة), وفِي رواية أخرى بقيادة (ابي بكر).

ثم نقلوا ان رسول الله كان ضعيفاً لا رأي له بين أصحابه يوم (الحديبية) لولا (ام سلمة) زوجه[158]. وكان المتكفل لمثل هذه الروايات (عروة بن الزبير), الذي لم يخالط سوى أمه (أسماء بن ابي بكر) وخالته (عائشة) والأمويين[159], عن (المسور بن مخرمة), صريخ (عثمان) الى (معاوية) حين حصره القوم, واللازم ل(عمر بن الخطاب) الآخذ عنه, وشريك (آل الزبير), والذي كانت تغشاه الخوارج تنتحل عنه[160]. وعن (مروان بن الحكم) عدو رسول الله وأهل بيته, وقاتل (طلحة بن عبيد الله), الذي جعلت ذريته الخلافة ملكاً عضوضا. و(مروان) كان زوج (عائشة بنت عثمان) مما قد يكون اكسبه حصانة عند الرواة لحفظ ماء وجه (عثمان) ذاته[161].

امّا (عبيد الله بن عمر) فله من التاريخ ما يشابه تاريخ رجالات (عمر) و(ابي بكر), حيث عند غزوهما العراق هو وأخوه (عبد الله) أخذا المال العام من والي البصرة لأبيهما (ابي موسى الاشعري) باقتراح منه, ثم تاجرا به, وحين طالبهما الاب بالمال وربحه سكت (عبد الله) وعاند (عبيد الله) حتى أخذ نصف الربح[162]. فإذا كان هذا شأنه مع ابيه وهو الخليفة فكيف هو طغيانه مع غيره, وكيف هو تلاعبه بمال الله !. وينقل جماعة من المؤرخين أنه لما قُتل (عمر) أخبرهم (عبد الرحمن بن ابي بكر) بأنه رأى (الهرمزان) و(جفينة) و(أبا لؤلؤة) يتناجون فنفروا منه فسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه, فلما رأى الخنجر الذي قتل فيه (عمر) على نفس الوصف الذي ذكر (عبد الرحمن), خرج (عبيد الله) مشتملاً على السيف حتى أتى (الهرمزان) وطلب منه أن يصحبه حتى يريه فرساً له, وكان (الهرمزان) بصيراً بالخيل, فخرج يمشي معه فعلاه (عبيد الله) بالسيف, فلما وجد حر السيف صاح لا إله إلا الله. ثم أتى (جفينة), وكان نصرانياً, فقتله, ثم أتى بنت (أبي لؤلؤة), جارية صغيرة فقتلها. فقُبض عليه وسجن, إلى أن تولى (عثمان) بن عفان الخلافة, فاستشار الصحابة في أمره, فأفتى بعضهم بقتله, وأفتى بعضهم الآخر بالدية, فأدى (عثمان) الدية من ماله وأطلقه[163], ولما تولى (علي) الخلافة, وكان يرى أن يقتل ب(الهرمزان), خرج (عبيد الله) إلى الشام وانضم إلى (معاوية بن أبي سفيان), حارب وقُتل في معركة (صفّين). ويكفي من امر (عمرو بن العاص) و(شرحبيل بن ذي الكلاع) ما قد عُرف من سوء.

و(يزيد بن أسد بن كرز البجلي) أحد جنود الانقلابيين الى الشام, كان يكذب على رسول الله ويدّعي صحبته, لكنّ ذريته أنكروا أن تكون له صحبة كما ينقل (يحيى بن معين)[164]. وهو جد (خالد القسري) الذي كان ناصبياً يقول السوء في أمير المؤمنين (علي), وكان متهماً في دينه يذم (زمزم), كان يسمى ( ابن النصرانية ) وقد بنى كنيسة لأمه, وشرّع الغناء, وهدد بهدم (الكعبة) لو أمره بنو أمية, واعتقل الرجال الصالحين (سعيد بن جبير) وأصحابه, وكان له غلام مجوسي يغتصب النساء بعلمه, وكان أمير مكة و(المدينة) ل(سليمان) و(الوليد) العراق ل(هشام) ابناء (عبد الملك الاموي), ثم عذّبه بنو امية وقتلوه, بعد أن جمع المال الكثير جداً تحت راية ظلمهم[165]. وكان (يزيد البجلي) أمير الجيش الذي بعثه (معاوية) لنجدة (عثمان) حين حاصره الثوار, لكنه تأخر عنه[166].

لذلك كله كان من السهل خداع قائد دنيوي كبير لقسم كبير من العرب وهو (ذو الكلاع الحميري) من قبل (معاوية) ورجاله, ومن ثم افهامه ان (علي بن ابي طالب) وأصحابه قد قتلوا رجلاً صالحاً اسمه (عثمان بن عفان), لتقوم كبرى حروب المسلمين الداخلية (صفّين) بإصرار منه, نتيجة سذاجته, لا نتيجة بغضه (علياً), ودليل ذلك انه دخله الشك عندما سمع حديثاً عن الرسول مضمونه ان (عمار بن ياسر) تقتله الفئة الباغية, و(عمار) كان في صف (علي بن ابي طالب), فكان أمراً جللاً على (ذي الكلاع) الذي هو أقوى من (معاوية) عمليا. حتى قتل (خندفُ البكري) (ذا الكلاع الحميري), و تضعضعت أركان (حِمْيَر), و ثبتت بعد (ذي الكلاع) تحارب مع (عبيد الله بن عمر)[167].

فيما كان خداع رأس أهل الشام الثاني (شرحبيل بن السمط الكِندي) اسهل من ذلك, اذ أقاموا له الشهود ان جماعة (علي) قتلوا الخليفة (عثمان), واستفزوه بمقدم خصمه (جرير بن عبد الله البجلي) رسولاً من (علي) الى (معاوية).  فسار, فبدأ بأهل (حمص) فقام فيهم خطيباً, وكان مأموناً في أهل الشام ناسكاً متألهاً, فقال : يا أيها الناس إن علياً قتل (عثمان), وقد غضب له قوم فقتلهم, وغلب على الأرض, فلم يبق إلا الشام, وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا, ولا نجد أحداً أقوى على قتاله من (معاوية), فجدّوا. فأجابه الناس, الا نسّاك من أهل (حمص), فإنهم قالوا : بيوتنا قبورنا ومساجدنا, وأنت أعلم بما ترى. وجعل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها, لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به[168].

حيث لما قدم (شرحبيل بن السمط الكِندي) زعيم قبيلة (كِندة), وهو أعلى نفوذاً من (معاوية) في أهل الشام, على (معاوية), أراد (معاوية) خداعه, فأخبره أن (جرير بن عبد الله البجلي) يدعوه لبيعة (علي), وأن (علياً) خير الناس, لكنه -بزعم (معاوية)- قتل (عثمان بن عفان), وأنه لا يستطيع تجاوز رأي (شرحبيل), وكان (شرحبيل) ساذجاً, هيأ له (معاوية) مجموعة تخدعه من خلال مسرحية معدة مسبقا, فحين خرج ليتأكد من اتهام (معاوية) ل(علي) لاقاه هؤلاء المكلفون بخداعه وأيدوا كلام (معاوية), وهدد (شرحبيلُ) -بسذاجة- (معاويةَ) اذا بايع (علياً), وهو ما كان ينتظره (معاوية) من هذا الرجل “القائد الساذج”, لكنه اصطدم بعقلانية (جرير بن عبد الله) زعيم قبيلة (بجيلة), وهو أقدم اسلاماً وصحبة للنبي, والذي احتج على (شرحبيل) بأن الأنصار والمهاجرين الى جانب (علي), وأن اتهام (علي) بدم (عثمان) ليس سوى رجم بالغيب لا يقوم على دليل, لكنه ميل نفسي شخصي, فتراجع (شرحبيل) عن قرار الحرب, لكنّ (معاوية) صار يُدخل ويُخرج عليه الرجال المكلفين بخداعه, يشهدون عنده بالباطل ويستفزون سذاجته, حتى أخذ يدور في مدن الشام يدعو أهلها الى حرب (علي) نيابة عن (معاوية), بكل سذاجة, والناس كانت تثق به في الشام أكثر من ثقتها في (معاوية), الا اهل العبادة في مدينة (حمص) رفضوا الانسياق خلفه واعتزلوا القوم[169].

وهؤلاء الجهلة لا يعلمون من (عثمان) وما فعل وما هو تاريخه, ويتركون (علياً) الذي كان ممثل رسول الله يوم صلح (الحديبية), فيما كان (عثمان) حينها بين ظهراني المشركين من قومه الأمويين, مستجيراً بعتاتهم. يجعلون (عثمان) الهارب بعيداً يوم (اُحد) حتى قال له ولصحبه الهاربين معه رسول الله ( لقد ذهبتم فيها عريضة ) اذ بلغوا (الجلعب) وهو جبل بناحية (المدينة) وبقوا فيه ثلاثة ايّام[170], يجعلونه أفضل من (علي) الذاب عن وجه رسول الله وقائد جيوشه.

وشعب (ربيعة) صبروا في (صفّين) أمام قبائل (حِمْير) وأهل الشام بقيادة (ذي الكلاع الحميري), و (عبيد الله بن عمر بن الخطاب) الذي اتهمهم مباشرة بقتل (عثمان بن عفان), وكان على (ربيعة) من شكّ بعضهم في ولائه, وهو (خالد بن المعمر), حين انكسر أمام اهل الشام, بينما صبر أهل الرايات من (ربيعة) حتى رجع من انكسر اليهم من جديد, لكنّ (علياً) خيّره بين المقام أو الرحيل, فقالت (ربيعة) انه لو ثبت منه ما اُتهمَ به كانوا ليقتلوه, رغم أنه من اكبر زعمائهم, لكنّ ولاءهم ل(علي بن أبي طالب) كان أكبر, غير أن الرجل عاد وقاتل, وأتته معظم (بكر بن وائل), ودعمتها قبيلة (عبد القيس), حتى كسروا أهل الشام وقتلوا (ذا الكلاع) و (عبيد الله بن عمر)[171]. ومنه يُعلم ان (عبيد الله بن عمر) يشير بصورة مباشرة الى (ربيعة) في مقتل (عثمان بن عفان), لا لأنهم كذلك فعلاً ربما, بل لما يعلمه من معارضتهم لحكومة (عثمان) واخلاصهم في دعم (علي). ودعمهم ل(علي) واضح في محاكمتهم لأحد زعمائهم أمام (علي) على الدين والعقيدة, وهو امر يعيد صورة ما فعله الأنصار في بعض مواقفهم عند رسول الله.

وكان على ميمنة (علي) يوم (صفّين) الأمير (عبد الله بن بديل بن ورقاء الخُزاعي), حيث زحف على ميسرة (معاوية), فلم يزل يحوزهم, حتى اضطرهم إلى قبة (معاوية), وهو يحرض أصحابه فيقول ( ألا إن معاوية ادعى ما ليس له, ونازع الحقَّ أهلَه, وعاند من ليس مثله, وجادل بالباطل ليدحض به الحق, وصال عليكم بالأعراب والأحزاب الذين قد زيّن لهم الضلالة, وزرع في قلوبهم حب الفتنة, ولبس عليهم الأمر, وزادهم رجساً إلى رجسهم, فقاتلوا الطغاة الجفاة ولا تخشوهم, قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ), فأقبل الذين تبايعوا على الموت إلى (معاوية), فأمرهم أن يصمدوا ل(ابن بديل) في الميمنة, فأنجده (الأشتر) في جماعة من القرّاء نحو المائتين أو الثلاثمائة, فخالف وصية (الأشتر) بالثبات وعدم التقدم, من شدة حماسه, ومضى نحو(معاوية), وحوله كأمثال الجبال وبيده سيفان, وخرج (عبد الله) أمام أصحابه يقتل كل من دنا منه, حتى قتل جماعة, ودنا من (معاوية), فنهض إليه الناس من كل جانب, وأحيط به وبطائفة من أصحابه, فقاتل حتى قُتل, وقتل ناس من أصحابه, ورجعت طائفة منهم مجرحين, فاستنقذ (الأشتر) الباقين, فلما رآه (معاوية) قال ( هذا عبد الله بن بديل, والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا, فضلاً عن رجالها )[172]. ذكره (البخاري) في تاريخه أنه ممن دخل على (عثمان), فطعن (عثمان) في ودجه. أسلم مع أبيه قبل الفتح, وشهد الفتح وما بعدها, وكان شريفاً وجليلا, قُتل هو وأخوه (عبد الرحمن) يوم (صفّين) مع (علي), وكان على الرجالة[173].

وروى (أبو نوح الكلاعي الحميري) أنه بينما كان الى جانب (علي بن ابي طالب) في قبائل (قحطان) أتاه قائد جيوش (معاوية) وكبير أهل الشام (ذو الكلاع الحميري) يسأله عن حديث ( يلتقي أهل الشام وأهل العراق, وفي إحدى الكتيبتين الحقّ وإمام الهدى ومعه عمار بن ياسر ) الذي رواه لهم (عمرو بن العاص) في إمارة (عمر بن الخطاب), فأخبره (أبو نوح) بصدق (عمار) في قتالهم, فجاء به (ذو الكلاع) الى قبائل جيش الشام ليشهد بوجود الصحابي (عمار) بينهم ويجمع الناس على ترك الحرب, فحاول (عمرو بن العاص) وجماعته استفزاز (ابي نوح) لتخريب مشهد الشهادة بالحق لما يعلمون من تأثيرها في رأي (ذي الكلاع) وبالتالي كل (حِمْيَر), فعيّروه بسيماء (علي بن ابي طالب) عليه, فأخبرهم انها سيماء رسول الله واصحابه لا سيماء الفراعنة التي تظهر عليهم, فأرادوا قتله ومنعهم (ذو الكلاع), واستغرب (أبو نوح) من سؤالهم عن كون (عمار) في جيش (علي) بينما في جيشه عشرات الصحابة الكبار الاخرين على رأسهم (علي) نفسه !, فطلب (عمرو بن العاص) لقاء يجمعه ب(عمار بن ياسر) ليحوك مؤامرة جديدة لتجهيل (ذي الكلاع) وقبيلته, فذهب ومعه جماعة من زعماء اهل الشام منهم (شرحبيل بن ذي الكلاع), واخبر (أبو نوح) بالخبر (عمار بن ياسر) فوافق على لقائهم , وأقرّ الحديث الذي رواه (عمرو بن العاص), وقال أن (عمرو) لن ينتفع بما رواه, وكاد (عمرو) يثير فتنة تشوش على موضوع الشهادة تلك بمحاولته استفزاز وقتل رسول جيش (علي) اليهم, وهو احد فرسان قبيلة (عبد القيس) الموالية (عوف بن بشر), الذي اخبرهم ايضاً ان سيماء رسول الله علامة صلاح افراد جيش (علي) بينما سيماء اهل الكفر على وجوه جيش (معاوية) وأن (عمرو بن العاص) وجماعته أهل غدر معروفين, وعند اللقاء بين الجماعتين في موضع الشهادة تكلم (عمرو بن العاص) وأراد البدء بالتشهد, فقال له (عمار بن ياسر) ( اسكت, فقد تركتَها في حياة محمد صلى الله عليه وبعد موته, ونحن أحق بها منك, فإن شئتَ كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك, وإن شئتَ كانت خطبة فنحن أعلم بفصل الخطاب منك, وإن شئتَ أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك وتكفّرك قبل القيام, وتشهد بها على نفسك, ولا تستطيع أن تكذبني ), وبمكر معهود منه لم يفتح (عمرو بن العاص) موضوع الحديث المروي عن الرسول في قتل الفئة الباغية للصحابي (عمار بن ياسر), وحاول استعطاف (عمار) والظهور بمظهر المسلم الذي يريد السلام, وذكر لهم أن أهل الشام دينهم على دين أصحاب (علي) لا يختلفون عنهم, فقال (عمار) له ( الحمد لله الذي أخرجها من فيك, إنها لي ولأصحابي: القِبلة والدِين وعبادة الرحمن والنبي صلى الله عليه والكتاب من دونك ودون أصحابك. الحمد لله الذي قررك لنا بذلك, دونك ودون أصحابك, وجعلك ضالاً مضلا, لا تعلم هادٍ أنت أم ضال, وجعلك أعمى. وسأخبرك علامَ قاتلتك عليه أنت وأصحابك, أمرني رسول الله صلى الله عليه أن أقاتل الناكثين, وقد فعلت, وأمرني أن أقاتل القاسطين, فأنتم هم, وأما المارقون فما أدري أدركهم أم لا. أيها الأبتر, ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه قال لعلي ” من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه “. وأنا مولى الله ورسوله وعلي بعده, وليس لك مولى ), فغيّر (ابن العاص) الموضوع كله, وأراد الظهور أمام زعماء اهل الشام من الأعراب وغيرهم من سكنة البلاد البعيدة عن (المدينة) بمظهر المظلوم المستضعف, وأن (عمار) يسيء اليه وهو ملتزم بأدبه !, بينما لم يشتمه (عمار) ولم يقل فيه سوى الحقّ, و(عمرو) لا يملك ما يرد به على (عمار) الصحابي المضحي الكبير, فجرّ الحديث الى موضوع قتل (عثمان بن عفان), ليعيد تحريك عاطفة اهل الشام وينسيهم ما جاءوا من أجله وهو الشهادة الميدانية لحديث ( عمار تقتله الفئة الباغية ), فأقر الصحابي (عمار) أن الله قتل (عثمان) وأنه شارك في الثورة عليه لأنه كما قال ل(عمرو) ” فتح لكم باب كل سوء “, فقال (عمرو) له ( أكنت فيمن قتله؟ ), فقال (عمار) له ( كنتُ مع من قتله, وأنا اليوم أقاتل معهم ), فكانت شهادة كافية لمثل (عمرو بن العاص), انقذته من تبعات حديث ( الفئة الباغية ), فقال (عمرو) زيادة في الاثارة ( فلم قتلتموه؟ ), فقال (عمار) له ( أراد أن يغيّر ديننا, فقتلناه ), فقال (عمرو) لأصحابه ( ألا تسمعون؟  قد اعترف بقتل عثمان ), فقال (عمار) له ( وقد قالها فرعون قبلك لقومه: ألا تستمعون ), فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم فرجعوا. فأنقذ (عمرو بن العاص) سلطانَ رفيقه (معاوية بن ابي سفيان) من انقلاب معظم جيش الشام عليهم بقيادة كبير قبائل الشام (ذي الكلاع الحميري). ونزل (عمار بن ياسر) بعدها للقتال وهو يقول ( أيها الناس, الرواح إلى الجنة )[174]. لهذا كان (معاوية) مسروراً بمقتل (ذي الكلاع الحميري) بعد ذلك.

ولولا الرجلين الساذجين من زعماء قبائل اليمن في الشام, الذين خسرا نفوذ وشباب قبائلهم وأهل بلدهم لصالح بضعة أفراد من الأمويين ليس لهم من الامر شيء, لما استطاع (معاوية) ان يقوم ل(علي بن ابي طالب), ولما وصلت الامة الى قتل أعدلها بعد رسول الله.

فكيف استطاعت الآلة الإعلامية والمخابراتية حينذاك خداع أمثال هؤلاء في نفوذهم ومكانتهم ونسكهم وإقناعهم ان (معاوية) أكثر تديناً من (علي)!. لقد ساعد في ذلك رجال آخرون بسكوتهم عن الحق, او تأييدهم للباطل, أمثال (عبيد الله بن عمر) بسبب حاجتهم لدعم (معاوية), رغم معرفتهم حق (علي بن ابي طالب). فحين ابى ان يشتم (علياً) او ان يتهمه في دم (عثمان) على منبر الشام بعد هروبه اليها من دمٍ سفكه قاطعه (معاوية) وحصره, فاضطر ان يكتب شعراً يتهم فيه (علياً), فأدناه (معاوية) حتى شهد معه (صفّين), وهو كان ابن (عمر بن الخطاب) الذي يجله أهل الشام, فهم يجعلون (عثمان) من أهل الدِين.

وقد استغل (معاوية) ان قرّاء أهل الشام من مرتبة دون مرتبة أهل العراق في الوعي, فأحال اعتراضهم عليه ان يقاتل (علياً), وكون (علي) أسمى منه وأعلى سابقة في الإسلام, الى مناسبة لصنع أسس المناظرات المذهبية, حين طلب اليهم ان يكونوا رسله الى (علي). فجعل يؤسس الى ترتيب أفضلية الثلاثي (ابو بكر, عمر, عثمان) المشهور بين العامة الْيَوْمَ, والذي أُضيف له لاحقاً (علي بن ابي طالب) ليكتسب شيئاً من الشرعية العامة ولتخفيف الاحتقان الطائفي. فقد كتب في احدى رسائله ( … فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام, فكان أفضلهم الخليفة من بعده وخليفة خليفته والثالث الخليفة المظلوم… ). لتكون هذه الرسائل من التأسيسات المذهبية المبكرة, وقد حملها هؤلاء القرّاء وهم لا يعلمون غبّها ووزرها الى يوم القيامة[175].

ففي (صفّين) أخذ (ذو الكلاع) يخطب الناس ويحرضهم على قتال (علي) وأهل العراق, وكان من أعظم أصحاب (معاوية) خطرا, فقعد على فرسه وخطب خطبة طويلة قال في آخرها ( كان مما قضي الله ان ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفّين, وانّا لنعلم ان فيهم قوماً كانت لهم مع رسول الله -ص- سابقة ذات شأن وخطر عظيم, ولكنني ضربت الأمر ظهراً وبطناً فلم أرَ يسعني ان يهدر دم عثمان ), وعدّد فضائله, ثم قال ( فإن كان أذنب فقد أذنب من هو خير منه, قال الله عز وجل لنبيه -ص- ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر, وقتل موسى نفساً ثم استغفر الله فغفر له, وأذنب نوح فاستغفر الله فغفر له, وأذنب أبوكم آدم ثم استغفر فغفر له, وانّا لنعلم انها كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله -ص- فإن لم يكن مالأ على قتل عثمان فقد خذله, ثم قد اقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم وبلادكم, وانما عامتهم بين قاتل وخاذل, ولقد رأيت في منامي لكانا وأهل العراق اعتورنا مصحفاً نضربه بسيوفنا ونحن في ذلك جميعاً ننادي ويحكم الله )[176].

وقد كانت القبائل التي تقاتل ضد (علي بن ابي طالب) كما قال (هاشم بن عتبة المرقال) في وصف حالها يوم (صفّين) وهو يخطب في مجموعة من القرّاء ( ما هو الا حميّة العرب وصبرها تحت راياتها, وإنهم لعلى ضلال ), فضلاً عن الذين حشا وعّاظُ أهل الشام أدمغتهم بدعايات أن (علياً) لا يصلي وأنه قتل (عثمان), فكان (المرقالُ) يجيب بعضهم بقوله ( ما أنت وعثمان!, قتله أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبناء أصحابه وقرّاء الناس, وهم أهل الدين والعلم, وما أهمل أمر هذا الدين طرفة عين. وأما قولك ” إن صاحبنا لا يصلي “, فإنه أول من صلّى, وأفقه خلق الله في دين الله, وأولى بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وأما كل من ترى معي فكلهم قارئ لكتاب الله, لا ينام الليل تهجدا ), فتاب بعضهم على يديه هناك[177].

 

فيما كانت قصة اهل العراق مع (عثمان بن عفان) دينية عقائدية, تريد نصرة الشريعة والسلوك النبوي, ترفض العنصرية وجعل الناس طبقات, لا انها خلاف سياسي. لقد غضب اهل الكوفة ووجوهها على امير الخليفة (عثمان) في بلادهم (سعيد بن العاص) حين ادعى ان ( السواد بستان لقريش ), وردّوا عليه انما الفيء للمسلمين جميعا, فحاول رئيس شرطته اخافتهم فضربوه, فشكاهم الى (عثمان), خوف الثورة على هذا الحكم الملكي الذي يريد النكوص بالأمة الى ما قبل عصر الجاهلية, فأمره (عثمان) بترحيل واجلاء وجوههم الى الاموي الآخر في الشام (معاوية). والغريب ان الخليفة – الذي حاول الكتّاب السلطويون تعديل القصة لأجله – لم يحاسب واليه بل عمد الى وجوه الصلحاء والقراء ونفيهم خارج بلادهم وارضهم, في إقرار صريح منه بدعوى واليه الاموي وابن عمه, ليحتج عليهم (معاوية) بفضل قريش على العرب, ولا فضل لعربي على اعجمي لو تأمل بروح الإسلام, الا انهم كتموا ما في صدورهم من حقيقة جاهليتهم وقبليتهم, فكان الذين تم نفيهم اليه اكثر منه حجة وموعظة, وقد طلبوا اليه ان يترك الامارة لمن هو خير منه في الإسلام ومن ابيه, فخافهم هو على الشام, خاف فكرهم لا سيفهم, فأمر (عثمان) بنفيهم الى (عبد الرحمن بن خالد بن الوليد) في (حمص), فعنّفهم, وحينها بدأت الثورة تعتمل في نفوسهم, غضباً لما آلت اليه أحوال امة الإسلام من تسلط أبناء الامويين والقرشيين الدنيويين الذين كانوا حرباً على الله ورسوله[178].

ومن رسالة رئيس العراق (مالك بن الحارث الأشتر النخعي) الى (عثمان) يُعلم حقيقة موقف العراقيين من سلوك هذا الخليفة. فقد كتب (الاشتر) الى (عثمان بن عفان) يردّه الى الهدى ( من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره. أما بعد فقد قرأنا كتابك, فإنهَ نفسك وعمالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمح لك بطاعتنا, وزعمت أنّا قد ظلمنا أنفسنا, وذلك ظنك الذي أرداك, فأراك الجور عدلاً والباطل حقا, وأما محبتنا فإن تنزع وتتوب وتستغفر الله من تجنّيك على خيارنا وتسييرك صلحاءنا وإخراجك إيانا من ديارنا وتوليتك الأحداث علينا, وأن تولي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري وحذيفة فقد رضيناهما, واحبس عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله. والسلام )[179]. وباليقين ان رضاهم ب(ابي موسى الأشعري) كان اهون الشرين في نظرهم حين استيأسوا من تولية صلحائهم.

وقد نتج عن هذا الحزب العثماني الأموي أقاليم ناصبية, توارثت نصب العداء ل(آل علي) وشيعتهم, كبيئة اجتماعية, بتأثير التجاور والاجتماع لذات السبب. ومن هذه الأقاليم (الفلوجة) في العراق, لأن (معاوية بن أبي سفيان) كان يقطع أراضيها لكبار أعداء (علي بن ابي طالب) من أهل العراق, كما ورد في (أبا بردة بن عوف الأزدي), كان عثمانياً, تخلّف عن (علي) يوم (الجمل), وحضر معه (صفّين) على ضعف نية في نصرته. و(بنو أسد) لأنهم سكنة مركز الكوفة في المنطقة الممتدة بين النجف و(الحلة) وكربلاء, كانوا اقل قبائل (مضر) احتياجاً للوقت, اذ فهموا معنى ورتبة الإمامة سريعاً, لا سيما بعد شهادة (الحسين), فصاروا أيقونة التشيّع التاريخية. وقد ساهم في سرعة معارفهم العلوية اختلاطهم بقبائل (ربيعة) و(النخع) و(طيء). ولهذه العلة التاريخية, من تدرج المعرفة والوعي, انضم الى منطقة (الرقة) في الشام, التي كان جل أهلها من العثمانية, بعض (بني أسد), الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى (معاوية), فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها, وأميرهم (سماك بن مخرمة الأسدي) في طاعة (معاوية), وكان قد فارق (علياً) في نحو مائة رجل من (بني أسد), ثم اخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل[180]. وقد أسهمت مثل هذه الهجرة في نقاء ارض العراق من النواصب على مراحل, بلغت ذروتها بعد معركة (الطف), حين لفظهم العراق.

فيما كانت مدينة مثل (الرقة) في الشام تتشكل تاريخياً في ظل مفهوم النصب, مثل (الفلوجة) في العراق التي اقطعها (معاوية) لضباطه – وبالتالي هاجر اليها مبغضو (علي بن ابي طالب) الذين كانوا عثمانيي الهوى شيئاً فشيئاً حتى اجتمعت وبنيت على نصب العداء له[181].

 

 

ولسد الفجوات التاريخية والعقائدية لفترة خلافة (عثمان بن عفان), وإيجاد البديل الموضوعي لحقيقة اقتتال الصحابة, تم اختراع شخصية وهمية تتحمل وحدها – بلا منطق – كل ما جرى, هي شخصية (عبد الله بن سبأ).

وملخص رواية المثبتين لوجود هذه الشخصية في التأريخ الاسلامي على النحو التالي : أنّ يهودياً من صنعاء اليمن أظهر الاسلام في عصر (عثمان بن عفان), واندسَّ بين المسلمين, وأخذ يتنقّل في حواضرهم وعواصم بلادهم, في الشام والكوفة والبصرة ومصر, مُبشّراً بأنّ للنبيّ (محمد) رجعة, كما أنّ ل(عيسى بن مريم) رجعة, وأنّ (علياً) هو وصيُّ (محمد), كما كان لكلّ نبيٍّ وصيُّ, وأنّ (علياً) خاتم الاوصياء كما كان (محمد) خاتم الأنبياء, وأنّ (عثمان) غصب حق هذا الوصيّ وظلمه فيجب مناهضته لإرجاع الحقّ إلى أهله. وسمّوا بطل قصّتهم (عبداللّه بن سبأ) ولقّبوه بـ ( ابن الامة السوداء ). وزعموا أن (عبداللّه بن سبأ) هذا بثّ في البلاد الاسلامية دُعاته, وأشار عليهم أن يُظهروا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, والطّعن في الاُمراء. فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين. ومن هنا ولد مذهب التشيّع, على رأيهم.

وابتدأ هذا الادعاء منذ زمان (الطبري), وهو اول راوٍ للاسم المدّعى, الى وقت تبنّيه رسمياً على يد الوهابية السلفية. ولعل اشهر ما كتبه السلفيون اليوم, غير ما كتبه (احسان الهي ظهير), هي رسالة الماجستير للباحث (سليمان بن حمد العودة) بعنوان ( عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام ).

اما المستشرقون الذين تبنوا هذه الدعوى فقد اخذوها جميعاً –على التحقيق– عن (الطبري) وراويه (سيف بن عمر التميمي), ومع ذلك فهم عاشوا ذات التناقض الذي عاشه اصحاب هذه الدعوى من المسلمين, يقول (ولهاوزن) في كتاب ( الدولة الاموية وسقوطها ) ما مضمونه ( وللمتطرّفين أسماء مختلفة.. وكانوا أوّلاً يُسمّون السبائية. ويقول سيف بن عمر إنّ السبائية كانوا منذ أوّل الامر أهل الشرّ والسوء.. هم قتلة (عثمان), فتحوا باب الحرب الاهلية.. وتولّد عنهم انهيار الإسلام… وكان موطنهم الكوفة وضواحيها, وليسوا من العرب وحدهم, بل معظمهم من الموالي, وهم يعتقدون بتعاليم ابن سبأ في تقمُّص الارواح… فمن مُؤَلِّهي ابن الحنفية ولد مؤلّهو ابنه وهم الهاشمية, ولم تنطفئ السبئية في الكوفة… فالمؤامرة العباسية تشابه تمام المشابهة مؤامرة السبئيّين. كما يصفها “سيف”, ومركز قيادتها في الكوفة أيضاً, فمن الكوفة كانت تنتشر دعوتها إلى خراسان.. إنّ الحركة في كلتا الحالتين دعمها الموالي الفُرس ووُجّهت ضدّ العروبة في الاسلام,… )[182]. ومن الواضح ان الذي يقرأ كلامه, دون ان يعرف اسمه, سوف يتصور ان المتحدث هو احد وهابية السلفية اليوم!. والرجل كما يبدو كان حريصاً على دولة الاسلام ونجاتها من مؤامرات السبئية, حتى انه نسي ان يربط بين الحلقات التأريخية لظهور من يسميهم بالسبئية, وأن يعالج المتناقضات في مرويات من ينقل عنهم حول فرقة السبئية!. ونسبة قتل (عثمان) اليهم وحدهم تجنٍّ, فقد اشتركت قريش –كما اشترك المهاجرون والأنصار– في حصاره ودمه[183].

والحقيقة ان ما نسبه هؤلاء المتبنون لدعوى وجود هذه الشخصية في التأريخ من قدرات وامكانيات سياسية واقتصادية واعلامية وحنكة ودهاء لم يتوفر لأعظم الشخصيات بل المنظمات والدول على مر التأريخ, فهذه الشخصية التي غيرت مجرى الأحداث في صدر الاسلام, وأثّرت في كل الامصار والاصقاع المتباعدة, لتحدث ثورة الصحابة ضد (عثمان), لهي كفيلة بالقضاء على النبوة والاسلام في مهدهما لو تبناها اليهود منذ البداية !.

ولو تقبّل إنسان دعوى وجود هذه الشخصية في التأريخ, وأنها قامت بما رووه عنها, وأثّرت في اعاظم الشخصيات الاسلامية بالموافقة والمخالفة, وصارت هي المحرك العملي في الدولة الاسلامية, لكان من اللازم إساءة الظن بمجمل الصحابة الذين اداروا دفة الدولة الاسلامية عبر الحكم او المعارضة, لأن ذلك يوحي أنهم كانوا من السذاجة –وحاشاهم– بحيث يتلاعب شخص واحد بهم وبمقدرات دولتهم, التي انتجتها الرسالة المحمدية, رغم انه لم يُسلم الا في ايام (عثمان), وكان يهوديا !. وبالتأكيد ان النتيجة الاخيرة غير مقبولة اسلاميا, وتدل دلالة واضحة على ضعف متن هذه الدعوى وسذاجتها.

ولكنّ الحلقة الاضعف كانت هي المستند التاريخي لدعوى وجود هذه الشخصية, وقد تكفّل ببيانه جملة من الباحثين من السنة والشيعة على حد سواء, وأبرزهم الدكتور (طه حسين) في كتابه ” الفتنة الكبرى “, الذي رأى الامر برمته منحولاً غير مقبول وغير منطقي, وقد أعرض عنه المؤرخون[184], والدكتور (عبدالعزيز الهلابي)[185], الذي رأى أن (سيف بن عمر) أراد طعن الشيعة في الصميم, وذلك بنسبة مذهب التشيّع إلى يهودي حاقد على الإسلام, يريد تقويضه من الداخل, وأن افكار الشيعة -المعتدلين منهم والغلاة- ليست سوى أفكار هذا اليهودي[186].

وتبعهم من باحثي المسلمين السنة في نفي وجود هذه الشخصية جملة آخرون. ومختصر اعتراض الباحثين السنة : إن كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة (عبد الله بن سبأ) ولم يذكروا عنها شيئا. وإن المصدر الوحيد عنه هو (سيف بن عمر), وهو رجل معلوم الكذب, ومقطوع بأنه وضّاع. وإن الأمور التي أسندت إلى (عبد الله بن سبأ) تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي, كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم (عبد الله بن سبأ) وسخّرهم لمآربه وهم ينفّذون أهدافه بدون اعتراض في منتهى البلاهة والسخف. وعدم وجود تفسير مقنع لسكوت (عثمان) وعماله عنه, مع ضربهم لغيره من المعارضين من خيرة الصحابة والتابعين ك(محمد بن أبي حذيفة) و(محمد بن أبي بكر) و(عمار بن ياسر) وغيره. وقصة الإحراق وتعيين السنة التي عُرض فيها (ابن سبأ) للإحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر. وعدم وجود أثر ل(ابن سبأ) ولجماعته في واقعة (صفّين) وفي حرب (النهروان).

وقد انتهى (طه حسين) إلى القول ( أن ابن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة, ولا وجود له في الخارج ).

اما الباحثون الشيعة فقد فندوا الدعوى جذريا, وألقوا بها نهائياً, بإجماع تحقيقي, ولعل ابرز باحثيهم الشيخ (د. أحمد الوائلي) في كتابه ” هوية التشيّع – فصل : عبد الله بن سبأ “, والسيد (مرتضى العسكري) في كتابه القيم والمتين ” عبد الله بن سبأ “. وملخص اعتراضات الباحثين الشيعة : التناقض في مرويات الناقلين لدعوى (عبد الله بن سبأ), اذ قال (الطبري) ما مضمونه ( كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء, أمه سوداء, فأسلم أيام عثمان, ثم تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم, فبدأ ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام ), أما (أبي زهرة) في كتابه ( تاريخ المذاهب الإسلامية ) فقال ( عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل الحيرة, أظهر الإسلام ), فهو في هذه الروايات تارةً من أهل (الحيرة) وأخرى من أهل (صنعاء), وهو عند (ابن حزم) و(الشهرستاني) وغيرهما ( ابن السوداء ), بينما يذهب (ابن طاهر البغدادي) في ” الفرق بين الفرق ” و(الأسفرايني) في كتابه ” التبصير في الدين ” أن ( ابن  السوداء ) شخص آخر ليس (عبد الله بن سبأ). و(محمد فريد وجدي) في ” دائرة المعارف ” قال ( السبائية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في الانتصار لعلي وزعم أنه كان نبيا, ثم غلا فزعم أنه الله ودعا إلى ذلك قوماً من أهل الكوفة, فاتصل خبرهم بعلي فأمر بإحراق قوم منهم, ثم خاف من إحراق الباقين أن ينتقض عليه قوم فنفى ابن سبأ للمدائن, فلما قُتل علي زعم ابن سبأ أنه ليس المقتول علياً وإنما هو شيطان صوّر على صورته, وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هوعلي, وكان ابن السوداء في الأصل يهودياً من أهل الحيرة فأظهر الإسلام, وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة, فذكر لهم أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصياً, وأن علياً وصي محمد -ص- , فلما سمعوا ذلك قالوا لعلي إنه من محبيك, فرفع علي قدره وأجلسه تحت درجة منبره, ثم بلغه عنه غلوه فيه, فهمَّ بقتله فنهاه عبد الله بن عباس فنفاه إلى المدائن )[187]. وفي هذه المقتطفة أنه من أهل (الحيرة) لا من (صنعاء), وأنه ( ابن السوداء ) وأن الإمام (علياً) خُدع به, وأنه ادعى النبوة ل(علي), ثم ادعى له الألوهية, وإلى هنا يمكن الجمع بين هذا الخلط العجيب, ولكن كيف يمكن بعد ذلك الجمع بين كونه ينسب ل(علي) الألوهية ثم يجعله وصياً ل(محمد) ؟!. يمكن ترك تقدير هذا إلى العقول الجبارة ك(محمد فريد وجدي) ونظائره ممن يقود خطى الجماهير في دروب الثقافة. وبينما كان (الطبري) وجماعة معه يقولون إن دعوته اقتصرت على الغلو في (علي) والانتصار لحقّه وكل ما يدور حول (علي) فقط, كان جماعة من المتأخرين يذهبون -ومعهم أسانيدهم طبعا- إلى أنه كان في كل بلد له دعوة خاصة. فيقول (محب الدين الخطيب) بأسانيده التي ذكرها ( ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي -ع- , وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة, وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير )[188].

كما أن من أسباب تفنيد هذه الدعوى لديهم أن المصدر الوحيد عنها هو (سيف بن عمر التميمي), وهو رجل معلوم الكذب, ومقطوع بأنه وضّاع. حيث قال فيه أصحاب التراجم ورؤوس أهل الحديث ( يحيى بن معين: ضعيف. وقال : فَلْس خير منه. والمزي: ضعيف الحديث. وابن حبان عن محمد بن عبد الله بن نمير: كان “سيف” يضع الحديث, وكان قد اتهم بالزندقة. وأبو زرعة الرازي: ضعيف الحديث. وأبو داود السجستاني: ليس بشيء. وأبو حاتم الرازي: متروك الحديث. منكر الحديث. والترمذي: مجهول. والنسائي: ضعيف. والعقيلي: ضعيف. وابن السكن: ضعيف. وابن حبان: اتهم بالزندقة, يروي الموضوعات عن الأثبات. وابن الجوزي: … هذا حديث موضوع بلا شك, وفيه جماعة مجروحون, وأشدهم في ذلك “سيف” و”سعد” , وكلاهما متهم بوضع الحديث. والسيوطي: سيف وسعد وضّاعان. والدارقطني: ضعيف.. متروك. والحاكم: ساقط في رواية الحديث. وأبو نعيم الأصبهاني: سيف بن عمر الضبي الكوفي متهم في دينه, مرمي بالزندقة, ساقط الحديث, لا شيء )[189].

كذلك أن ( ابن السوداء ) هو في الحقيقة (عمار بن ياسر), فقد كان يشتمه الأمويون وقريش بعبارة ( ابن السوداء ), معيرين إياه بسواد أمه (سمية), وموقفه من (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) وقبلها من (عثمان بن عفان) هو ذاته الموقف الذي ينسبونه ل(عبد الله بن سبأ).

وأن جملة الخلاف بين الصحابة كان موجوداً قبل الزمان الذي وضعت فيه شخصية (عبد الله بن سبأ), ولعل اشهر صور الاختلافات كانت حادثة (السقيفة), وحرق دار (فاطمة) ابنة الرسول (محمد) وسلب بساتين (فدك) منها, واغتيال زعيم الانصار (سعد بن عبادة), ورفض (بني هاشم) للخليفة الاول وتبعهم على ذلك قسم كبير من الأنصار, وقتل (عمر بن الخطاب), ورفض غالبية الصحابة تولية الطلقاء من الأمويين على الامصار الاسلامية, واستئثار (عثمان) بالثمين من الغنائم والفيء لبني عمه, ونبذ الصحابي الكريم (أبا ذر) الى منطقة (الربذة) النائية من قبل (عثمان), الخ من احداث سبقت وجود هذه الشخصية في تأريخ الصراع.

ومع ترك الخوض في حجج الفريقين, لوضوح تهافت هذه الدعوى وضعف متنها وسندها, يمكن الإقرار بأن مذهب الشيعة كان مذهباً سبئياً بنحو ما, ولكن من زاوية اخرى, والسبئية المقصودة ليست سبئية (عبد الله بن سبأ) اليهودي المختلق, اذ ان هذه الشخصية كانت بالتأكيد وهمية, لكنّ جذورها الاسمية حقيقية, لا بما نسب اليها من معتقدات كاذبة تمت صناعتها على ايدي تجار الكتابة للسلاطين, ولكن بما نسب اليها من تشيّع ل(علي), فالتلاعب التاريخي كان من نتائج منع تدوين الحديث, اذ ينقل (السيوطي) في “تدريب الراوي” انه كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم, فكرهها كثير منهم وأباحها طائفة وفعلوها منهم (علي) وابنه (الحسن)[190]. لكن في خلق تهمة السبئية وجه آخر, كان هو السبب الاساس في اختراع اسم (عبد الله بن سبأ), حيث ان واضع هذه الشخصية كان عالماً بالتأريخ ومسار الاحداث التي رافقت نشوء الدولة الاسلامية, ومن هنا قرأ بصورة جيدة حقيقة الاقوام التي آوت الرسول (محمد) ونصرته, بعد ان خذلته قريش سوى (بني هاشم) وبعض الافراد المتفرقين, وكذلك درس بصورة ذكية واقع الاقوام التي نصرت وصيّه (علي بن ابي طالب), وجمع النتائج ليخرج بحقيقة مفادها ان محور الحركة الاسلامية ونشاطها كان يرتكز على جملة من القبائل, كلها ترجع الى نسب واحد هو (سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان), وفي اهم تلك البطون تركّز الانتماء للإسلام المحمدي, ومن ثم التشيّع ل(علي بن ابي طالب), وهي قبائل (الازد), فمنها كانت (الأوس) و(الخزرج) الذين ناصروا (محمداً) وآووه, والذين اصر زعيمهم (سعد بن عبادة) الّا يبايع للخلافة الا (علي بن ابي طالب), حتى تم اغتياله في الشام, ونُسب قتله الى الجن, لكنّ اولئك الجن لم يستطيعوا ان يقتلوا ولده (قيس بن سعد), الذي ظل مناصراً ل(علي بن ابي طالب) في كل معاركه, ومنهم كانت قبائل (النخع) و(مذحج) و(همدان), الذين ناصروا (علياً) وشايعوه, ومنهم كان قائد القوات المسلحة العَلَوية (مالك الاشتر النخعي المذحجي الأزدي),الذي قال فيه الإمام (علي) ما مضمونه ( كان لي مالك كما كنت لرسول الله ), وتبعه على الثورة ابنه (إبراهيم بن مالك) قائد جيوش (المختار بن عبيد الثقفي), للأخذ بثأر (الحسين بن علي), والنخعيون كانوا اهم اسباب الانتصار في معركتي (اليرموك) و(القادسية), ومنهم (هانئ بن عروة المرادي) زعيم قبائل (مذحج), الذي رفض ان يوالي الأمويين حتى قُتل على يد (عبيد الله بن زياد), ومنهم (آل المهلب) الذين تزعموا ثورات متتالية على الدولة الاموية في الاهواز وجنوب العراق, ومنهم (حنظلة بن ابي عامر) غسيل الملائكة وصاحب ثورة (المدينة) على طواغيت الأمويين, ومنهم (عمرو بن الحمق الخزاعي), … الخ. وقد كانت قبائل اليمن الأزدية تعيش بين الديانات التوحيدية الإبراهيمية واليهودية والمسيحية, اما في العراق فقد كانوا على المسيحية, وهذا مميز آخر, يجعلهم يفضلون على غيرهم لو تم القياس. وهذا لا يلغي دور قبائل وأنساب اخرى ناصرت (علي بن ابي طالب), بل ان (الازد) كانوا محور حركة هذه النصرة, فهناك قبائل كثيرة لم تقل إقداماً في نصرة الحق مع (علي), حيث لا يفترقان حتى يردا على رسول الله الحوض.

ان عمود الجيش والمتشيّعين ل(علي بن ابي طالب) كان من قبائل (الازد) المنتسبين الى (سبأ), لذلك شكلت هذه القبائل عقدة تأريخية لدى كل الذين اغتصبوا الخلافة وحولوها الى ملك عضوض, لا سيما مع ثوراتها التي لا تهدأ حتى اليوم, حيث لازالت هذه القبائل تشكل المكون الاساس لجنوبي العراق, ومنها اليوم جملة من العوائل الدينية المهمة مثل (آل كاشف الغطاء) و(آل شيخ راضي) و(آل اليعقوبي), وكذلك كانت هذه القبائل محور التشيّع ل(علي) في اليمن, فأغلب الزيدية او (الزيود) ينتمون لقبائل (همدان) و(خولان) وبعض قبائل (مذحج) الشماليـّة, والاشعريون الذين بنوا مدينة (قم) لتكون واحدة من ارقى معاهد العلم ونشر التشيّع في العالم كانوا اخوة (الأزد) من (سبأ), وكذلك الشيعة في جنوب لبنان (جبل عامل) هم من (عاملة بن سبأ بن يشجب بن قحطان), الى غيرها من البلدان.

لقد قرأ واضع شخصية (عبد الله بن سبأ) حروف المستقبل, من خلال سجل الحاضر لديه, لكنه لم يستطع ان يصرح بما توصل اليه, لأنه سيطعن حينها بالأفاضل من الانصار والكثير من الصحابة, لذلك عبّر عن هذه الحقيقة بفكرة لا تثير الشبهات حول دوافعها, فخلق شخصية مجهولة وعامة ليس لها اسم سوى (عبد الله), وما اكثر عبيده!, لكنّ عبد الله هذا لا ينتمي الى (الأزد), لأنه نسب قريب يمكن كشفه, لكنه ينتمي الى (سبأ) عموما, التي كانت محور الرفض لكل ظالم قام حكمه على الاغتصاب. ومن وجهة نظر المختلق للفكرة ان عباد الله هؤلاء هم السبب في كل فتنة.

ومن هنا ايضاً يمكن تفسير ورود عبارة (السبئية) – وليس (عبد الله بن سبأ) – في اتهام من يوالي (علي بن ابي طالب) قبل مرويات (سيف بن عمر) و(الطبري), وكذلك يمكن فهم سبب كون قادة السبئية هم اجلّاء الصحابة والتابعين. ومن جميل ما ينسب الى امير المؤمنين (علي بن ابي طالب) قوله في (الازد) ما نصه ( الأزد سَيْفِي عَلَى الأَعْدَاءِ كُلِّهِمُ * وَسَيْفُ أَحْمَدَ مَنْ دَانَتْ لَهُ العَرَبُ … وأَيُّ يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ لَيْسَ لَهُم * فيهِ مِنَ الفِعْلِ ما مِنْ دُونِهِ العَجَبُ … وفيتم ووفاء العهد شيمتكم * وَلَمْ يُخالِطْ قديماً صِدْقَكُمْ كَذِبُ .. يا مَعْشَر الأزد إِنِّي مِنْ جَمِيْعِكُمُ * راضٍ وأنتم رؤوس الأمر لا الذنب .. لَنْ يَيْأَسَ الأزد مِنْ رُوْحٍ وَمَغْفِرَة ٍ* وَاللُه يَكْلأُهُم مِنْ حَيْثُ ما ذَهَبُوا .. طِبْتُم حَدِيثا كما قَدْ طابَ أَوَّلُكُمْ * والشَّوْكُ لا يُجْتَنَى مِنْ فَرْعِهِ العِنَبُ … فَاللُه يَجْزِيْهِمُ عَمَّا أَتَوا وَحَبَوا * بِهِ الرَّسولَ وَمَا مِنْ صَالِحٍ كَسَبُوا )[191].

من هنا يمكن القول ان كل الشيعة سبئية بالانتماء او التأثر, لكنهم سبئية (سبأ بن يشجب), لا سبئية (عبد الله بن سبأ) اليهودي المختلق[192]. ولقد ولي (علي بن ابي طالب) القضاء عن الرسول للقبائل السبئية لأكثر من سنتين[193].

 

وحين نظر (عمار بن ياسر) إلى راية (عمرو بن العاص) يوم (صفّين) قال ( والله ان هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات, وما هذه بأرشدهن ), ثم قال ( نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله ), وقال ( والذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله )[194], وخرج على الناس ب(صفّين) معلناً أن عمله هذا ارضى لله من كل عمل, وأنه عازم على قتال جماعة (معاوية) حتى الموت, ثم قال ( من يبتغي رضوان الله ربه ولا يرجع إلى مال ولا ولد ؟ ), فأتاه عصابة, فقال (  اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان, والله ما أرادوا الطلب بدمه, ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها, وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها, ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم, فخدعوا أتباعهم وإن قالوا “إمامنا قُتل مظلوما” , ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا, فبلغوا ما ترون, فلولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان ), ثم مضى ومعه تلك العصابة, فكان لا يمر بوادٍ من أودية (صفّين) إلا تبعه من كان هناك من أصحاب النبي, ثم جاء إلى (هاشم بن عتبة بن أبي وقاص), وهو (المرقال), وكان صاحب راية (علي) فركب ومضى معه, وكان عمار يقول ( الجنة تحت ظلال السيوف, والموت تحت أطراف الأسل, وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين. اليوم ألقى الأحبة, محمداً وحزبه ), وتقدم حتى دنا من (عمرو بن العاص) فقال له ( يا عمرو بعتَ ِدينك بمصر, تبا لك ), فقال له ( لا, ولكن أطلب بدم عثمان ) , قال (عمار) له ( أنا أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشيء من فعلك وجهَ الله, وأنك إن لم تُقتل اليوم تمت غدا, فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك, لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثاً مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, وهذه الرابعة ما هي بأبر وأتقى ), ثم قاتل الصحابي الكبير (عمار بن ياسر) فلم يرجع وقُتل.

وقال (حبة بن جوين العرني) أنه قال ل(حذيفة بن اليمان) ما نصه ( حدّثنا, فإنا نخاف الفتن ), فقال ( عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية, فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق, وإنّ آخر رزقه ضياح من لبن ), قال (حبة) أيضاً ( فشهدته يوم قُتل وهو يقول: ائتوني بآخر رزق لي في الدنيا. فأُتي بضياح من لبن, في قدح أروح له حلقة حمراء , ثم قُتل, قتله أبو الغادية, واحتز رأسه ابن حوي السكسكي )[195]. و الصحابي المعروف (حذيفة بن اليمان) كان صاحب سر النبي في المنافقين والمطلع على أسمائهم.

 

 

ان العلة الأساس في حرب مثل (الجمل) ليس النفاق والإيمان, كما كان في حرب (صفّين) بين (علي) و(معاوية), بل بين الإيمان الواعي والإيمان الساذج, فقد كان أنصار (عائشة) مسلمين, لكنهم لا يعرفون حق (علي بن ابي طالب) وأهل بيته, وهم يظنون ان (عائشة بنت ابي بكر) لا تنطق الا بالحق لأنها زوج الرسول, لذلك قدّمها أمامهما الخارجان (طلحة) و(الزبير), وهما من دعماها إعلامياً ايضاً ووثّقا جبهتها وخلقا مقامها. رغم ان (عائشة) كانت حقاً لا تحب (عثمان) وفعله وتبغضه وكانت تريد الخلافة ل(طلحة)[196], ومع هذا صدّقوها في امر طلبها لدمه. وهي التي كانت ترى استحباب التزويج في شوال, لا لشيء شرعي, بل لدافع عاطفي هو ان رسول الله بنى فيها في شوال, وهي الرواية التي جمعت بين بيان عاطفتها وبين جرأة القوم على الإساءة لمقام رسول الله في زواجه من طفلة ذات ست او سبع سنين, اذ تدعي الرواية الزبيرية, وراويتها (عروة بن الزبير), ان رسول الله بنى فيها في السنة الأولى للهجرة.

وفي حين جاءت ام المؤمنين (ام سلمة) بولديها (محمد) و(سلمة) الى (علي) في احدى حروبه وقالت ( عليك بهما صدقة, فلو يصلح لي الخروج لخرجتُ معك )[197], وقد كتبت إلى (علي) من مكة ( اما بعد فإنّ طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون ان يخرجوا بعائشة, ويذكرون ان عثمان قُتل مظلوما, وأنهم يطلبون بدمه, والله كافيكهم بحوله وقوته, ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيوت لم ادع الخروج إليك والنصرة لك, ولكني باعثة نحوك ابني, عدل نفسي, عمر بن أبي سلمة, فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا )[198]. كانت الأقوام الأبعد عن مركز الرسالة في (المدينة) اكثر جهلاً بالواقع العقائدي, وتستجيب لجميع من يقود الدولة الإسلامية كائناً من كان, لثقتها بأن (المدينة) تزخر برفاق النبي ومعاونيه وأهل بيته, ومن أهل بيته –وفق المنظور العربي البدوي– زوجة النبي (عائشة), لهذا كثر أخذ الحديث عنها, لا سيما مع الدعاية المناصرة لسيرتها خلال فترة إمارة الشيخين, لتكون بديلاً عن مدرسة (علي بن ابي طالب), لا سيما مع تخلّف مجموعة ممن حملوا العنوان العام لمفهوم ( الصحابة ) عن بيعة امير المؤمنين (علي), كانوا عثمانية الهوى ومن خُزّان بيت مال (عثمان) وممن اثروا على حساب الامة التي تجهل فعالهم[199], فيهم (صهيب الرومي) الذي جعله (عمر بن الخطاب) على الصلاة عند اختيار (عثمان)[200], و(فضالة بن عبيد) الذي ولي القضاء ل(معاوية بن ابي سفيان) ومات في دمشق تحت رعايته بعدما ولي له الجيش[201], و(قدامة بن مظعون) خال أبناء (عمر بن الخطاب) وواليه على البحرين والذي حدّه على شربه للخمر وعزله[202], و(كعب بن عجرة) الذي كان عابداً للأصنام دون أهل (المدينة) حتى تأخر إسلامه عنهم[203]. لكنّ هذه الدعوات والدعايات لم تكن تنطلي على الواعين من زعماء القبائل, مثل (زيد بن صوحان العبدي) امير قبائل (عبد القيس), الذي حين راسلته (عائشة) ان يخذّل الناس عن (علي) ويجلس في بيته استغرب وقال ما مضمونه ( أمرتنا بأمر هي مأمورة به من الجلوس في بيتها, ونهتنا عن امر هي منهية عنه وقد أُمرنا بالقتال )[204].

مع الأخذ بنظر الاعتبار المنع السياسي لكتابة الحديث النبوي من قبل قوى الانقلاب[205], فصار بالإمكان إخفاء الكثير من الحقائق, وكذلك امضاء الكثير من القصص الملفقة, والتأويلات غير المنطقية وغير الشرعية.

وقد اختصر احد العقائديين من بني (عبد القيس) الامر كله بكلمة وجهها الى جموع القرشيين بقيادة (طلحة) و(الزبير) و(عائشة) عند قدومهم الى البصرة يطلبون من اَهلها خلع (علي) او قتاله, حيث قال ( يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله -ص-, فكان لكم بذلك فضل, ثم دخل الناس في الاسلام كما دخلتم, فلما توفي رسول الله -ص- بايعتم رجلاً منكم, فرضينا وسلّمنا, ولم تستأمرونا في شيء, ثم مات واستخلف عليكم رجلاً, فلم تشاورونا فرضينا وسلّمنا, فلما توفي جل أمركم إلى ستة, فاخترتم عثمان عن غير مشورتنا, ثم أنكرتم منه شيئاً, فقتلتموه, عن غير مشورة منا, ثم بايعتم علياً عن مشورة منا, فما الذي نقمتم عليه فنقاتله؟ هل استأثر بفيء؟ أو عمل بغير الحق؟ أو اتى شيئاً تنكرونه؟ فنكون معكم عليه ), فهمّوا بقتل الرجل, فمنعته عشيرته, فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه وقتلوا منهم سبعين[206].

وقد هيأ العمريون أمثال (ابي موسى الاشعري) جزءاً كبيراً من البصرة التاريخية لتكون عثمانية الهوى, مستعدة للحاق بجيش (عائشة) , ف(أبو موسى الاشعري) الذي اعتزل (علي بن ابي طالب) و(الحسن بن علي) العادلين الكريمين حين وليا امر الامة, وراح يروج التشكيك لتثبيط الناس عنهما, كان يأكل ارض اهل البصرة ويستبد بالأمر وحده, حتى شكوه الى (عثمان) فعزله, وجاء (عثمان) بابن خاله (عبد الله بن عامر بن كريز) وهو شاب عشريني, فطأطأ (أبو موسى) للأمر لأن (أبا موسى) كان الوالي الوحيد من غير قرابة وعشيرة (عثمان), ولم يرد ان يثقل على الخليفة وهو يحس ان الناس ترفضه وأن بديله في قلوب المسلمين (علي بن ابي طالب) لا شك, بعد ان عرفت الامة طيلة عقود معادن الاخرين. وقد ساقهم وشغلهم (ابن كريز) بالفتح والقتال عن امر الثورة. لكن كان في البصرة التاريخية على ساحل الخليج والبحرين بعض قبيلة (عبد القيس) الموالون ل(علي), وهو ما كان يخشاه ولاة (عثمان) وجهازه[207].

رغم أن التشيّع كان آخذاً بالانتشار في المناطق العثمانية الهوى والناصبية, ففي البصرة بكى الناس عند وفاة الإمام (الحسن بن علي), رغم ولاية (زياد بن سمية) للأمويين[208], وهو سلطان جائر, وكان الكثير من اهل البصرة عثمانية الهوى, وفيهم الكثير من الأعراب, لا سيما في (نجد) في شمال شبه الجزيرة العربية, والأعراب المادة الخام للنصب والعداء ل(علي بن أبي طالب).

وكان لازالت الفئة المنافقة تخترق صفوف الفئتين العَلَوية والعثمانية, اذ لم تتميز الطوائف بعد. فكان ان صنعت عائلة منافقة ذات وجوه متعددة هي عائلة (الاشعث بن قيس) زعيم (كندة) الاعاجيب, فبعد ان كسر ابوهم جيش (علي) بتردده, سمّت ابنته (الحسن بن علي) زوجها, بدفع من (معاوية بن أبي سفيان)[209], ثم ساهم اخوها بخذلان وكفّ الناس عن (مسلم بن عقيل) رسول الإمام (الحسين بن علي), ثم اشترك بقتل (الحسين) ذاته.

فيما كان الذين قتلوا (الحسين بن علي) بين أموي وعثماني وخارجي, او من الفئة الاولية الخام للإسلام التي تتبع الدولة[210]. ففي مقالة الأعرابي (شمر بن ذي الجوشن) ل(عبيد الله بن زياد) في الكوفة -بعد ورود كتاب (عمر بن سعد) الذي ينزع الى السلم- ما كشف بوضوح ان هؤلاء القوم كانوا نواصب صرحاء, فرغم ان (ابن زياد) كان دموياً الا انه على ما يظهر أراد الاستجابة لكتاب (ابن سعد) لولا نصيحة (ابن ذي الجوشن) الداعية الى قتل (الحسين) او القبض عليه[211], اذ كانت أكثر قبائل (قيس عيلان) النجدية الأعرابية من (فزارة) وغيرها وكذلك الأعراب من (بجيلة) , و(كلاب) التي منها (الشمر) يشغلون شمالي الجزيرة الى جنوب العراق, وكانوا عثمانية يبغضون (الحسين) وأباه[212].

وكان (ابن زياد) , الذي كان إذا وجّه الرجل الى قتال (الحسين) في الجمع الكثير, يصلون الى كربلاء, ولم يبق منهم الا القليل, كانوا يكرهون قتال (الحسين), فيرتدعون ويتخلفون, فبعث (ابن زياد) ب(سويد بن عبد الرحمن المنقري) في خيل الى الكوفة, وأمره ان يطوف بها, فمن وجده قد تخلّف أتاه به, فبينما هو يطوف في احياء الكوفة إذ وجد رجلا من اهل الشام قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له, فأرسل به الى (ابن زياد), فأمر به, فضُربت عنقه, فلما رأى الناس ذلك خرجوا, قد ورد كتابه على (عمر بن سعد بن أبي وقاص) يأمره ان يمنع (الحسين) وأصحابه الماء, فلا يذوقوا منه حسوة كما فعلوا بالتقي (عثمان بن عفان) بحسب كتاب (ابن زياد), وهذا الكلام بعد مقتل (عثمان) بأكثر من عشرين سنة!. وعن (حميد بن مسلم الأزدي) قال ( جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد: أما بعد, فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء, ولا يذوقوا منه قطرة, كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان. قال: فبعث عمرُ بن سعد “عمرو بن الحجاج” على خمسمائة فارس, فنزلوا على الشريعة, وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة, وذلك قبل قتل الحسين بثلاث )[213].

وكان (شبث بن ربعي التميمي اليربوعي) أول من حرر الحرورية الخوارج, وكان مؤذن (سجاح) المتنبئة, وذكره (ابن حبان) في الثقات وقال يخطئ وأخرجا له, وقال (العجلي) كان أول من أعان على قتل (عثمان) وأعان على قتل (الحسين) , وعن (أبي العباس المبرد) أنه لما رجع بعض الخوارج مع (ابن عباس) بقي منهم أربعة آلاف يصلي بهم (ابن الكواء) , وقالوا متى كان حرب فرئيسكم (شبث) , ثم أجمعوا على (عبد الله بن وهب الراسبي) , وقال (المدائني) ولي شرطة (القباع) بالكوفة, و(القباع) هو (الحارث بن عبد الله)[214].

وفئة الخوارج الأعرابية كانت من السذاجة ان تتذبذب عقائدها كما تذبذبت مواقفها. فأساس عقيدتهم تولي الشيخين, (أبي بكر) و(عمر), والبراءة من الصهرين, فيتولون (عثمان) إلى حين وقوع الأحداث, ويتولون (علياً) إلى حين وقوع التحكيم, وهم القرّاء الذين كانوا في (صفّين) وقد اسودّت جباههم من طول السجود. وكان على رأسهم (ذو الخويصرة حرقوص بن زهير), احد أعراب (بني تميم), والصحابي وفقاً لقياسات العامة من المسلمين, رغم انهم يتهمونه بقتل (عثمان), والذي اعترض على النبي في حياته وقال له ( اعدل )[215].

ومن قتلة (الحسين) كان (قيس) و(محمد) ابناء (الأشعث بن قيس الكندي) , ويكفي في معرفتهما معرفة ابيهما, فعن (قيس بن أبي حازم) قال ( دخل الأشعث على علي في شيء , فتهدده بالموت , فقال علي : بالموت تهددني ! ما أباليه , هاتوا لي جامعة وقيدا ! ثم أومأ إلى أصحابه. قال : فطلبوا إليه فيه , فتركه … ) , وروى (الشيباني) عن (قيس بن محمد بن الأشعث) قوله ( أن الأشعث كان عاملاً لعثمان على أذربيجان , فحلف مرة على شيء ؛ فكفّر عن يمينه بخمسة عشر ألفا )[216], وكان (الحجاج) يبغض (عبد الرحمن ابن الأشعث) ويقول ( هو أهوج أحمق حسود, وأبوه الذي سلب أميرَ المؤمنين عثمانَ ثيابه وقاتله, ودلَّ عبيدَ الله بن زياد على مسلم ين عقيل حتى قتله, وجدُّه الأشعث ارتد عن الإسلام وما رأيته قط إلا هممت بقتله … )[217].

 

وكان الأمويون – بعد ان لم يجدوا ما يشين دِين (علي) – يريدون الدخول اليه من عالم السياسة , ثم يؤصلون جذرها بالدِّين العُمَري او المصنوع. بعد أن ابتدأ الأمويون عصراً مادياً دكتاتورياً بحتا, فتم حرق سجلات الايجار والضمان لأراضي الدولة سنة 82ه , ومن ثم نهبها المتولون عليها من افراد القربى الذين اقطعهم (عثمان بن عفان) ثم ملوك الأمويين دون وجه حق[218].

فهذا (عبد اللّه بن زرير الغافقي المصري) المتوفى 81 ه, محدّث تابعي, روى عنه جملة, كان ثقة, جعله (ابن حبان) في الثقات, وكان من شيعة (علي) والوافدين إليه من أهل مصر, وقال (ابن سعد) عنه ( شهد مع علي صفّينَ ) , بعث إليه (عبد العزيز بن مروان) فسأله عن (عثمان) فأعرض عنه, فقال له (عبد العزيز) ( ما حملك على حب أبي تراب, إلا أنّك أعرابي جافٍ لا تقرأ القرآن ), فقال ( بلى واللّه إنّي لأقرأ القرآن وأقرأ منه ما لا تقرأ )[219].

وهذا (عمر بن عبد العزيز) – الذي يُدّعى زوراً صلاحه – يخاطب ويتلاعب ب(أبي أيوب ميمون بن مهران الجزري الرقي) المتوفى 116 ه بالجزيرة , و كان (ميمون) في الطبقة الأولى من التابعين, قليل الحديث يحمل على (عليّ) , قال (ميمون) ما نصه ( كنت أفضّل علياً على عثمان, فقال لي عمر بن عبد العزيز: أيّهما أحب إليك رجل أسرع في المال, أو رجل أسرع في كذا يعني في الدماء؟ قال: فرجعتُ, و قلت لا أعود )[220]. ولعل (عمر بن عبد العزيز) كان يقصد دماء الأمويين التي أسرع فيها (علي بن ابي طالب) في معركة (بدر) وهم على الشرك وهو على الإسلام , وقد تخلّف عنها (عثمان)[221].

بعد أن جعل عتاة الأمويين على الإفتاء مولى نوبياً ولد في زمان (عثمان) , هو (عطاء بن ابي رباح) , وفِي (المدينة) لازال خيار من الصحابة وأجلّاء التابعين وصفوة (آل محمد) , وقد وضع له كتّاب السلطان الأحاديث في علمه وفهمه , يناقض بعضها بعضا , حتى جعلوه أفضل من كل رجالات عصره , وفيهم الصحابة والتابعون و(آل محمد) , بل ولم يسمحوا بأن يفتي في الحجاز احد الا (ابن ابي رباح)[222], فهو احد الناقلين زوراً احاديث فضل (ابي بكر) عند مرض النبي.

فيما صار (بسر بن ارطأة العامري القرشي), الذي ولد قبل رحيل النبي بسنتين ولم يَرَ رسول الله, صحابياً في سجل أهل الشام يروي عن الرسول. و(بسر) هذا هو الذي بعثه (معاوية بن ابي سفيان) فِي جيش من الشام, فسار حتى قدم (المدينة), وعليها يومئذ (أبو أيوب خالد بْن زيد الأنصاري), صاحب النَّبِيّ, فهرب منه (أبو أيوب) إِلَى (علي) بالكوفة, فصعد (بسر) منبر (المدينة), ولم يقاتله بها أحد, فجعل يذكّرهم بثأر (عثمان) ويتوعدهم بالقتل, وأجبر أهل (المدينة) على بيعة (معاوية), وأرسل إِلَى (بني سلمة), فقَالَ ( لا والله ما لكم عندي من أمان, ولا مبايعة, حتى تأتوني بجابر بن عبد الله ) صاحب النَّبِيّ, فخرج (جابر بن عبد الله), حتى دخل عَلَى (أم سلمة) خفياً, فقَالَ لها ( يا أمه إني قد خشيتُ عَلَى ديني, وهذه بيعة ضلالة ), وهدم (بسر) دوراً كثيرة ب(المدينة), ثم خرج, حتى أتى مكة, فخافه (أَبُو مُوسَى الأشعري), وهو يومئذ بمكة, فتنحى عنه, فبلغ ذلك (بسراً), فقَالَ ( ما كنتُ لأوذي أبا مُوسَى ما أعرفني بحقه, وفضله ), كأنما هو يعرف الرجل حق معرفته, ثم مضى إِلَى اليمن, وعليها يومئذ (عبيد اللَّه بن العباس بْن عبد المطلب), عاملاً ل(علي بن ابي طالب), فلما بلغ (عبيد اللَّه) أن (بسراً) قد توجه إليه هرب إِلَى (علي), واستخلف (عَبْد اللَّهِ بْن عبد المدان المرادي), وكانت (عائشة بنت عَبْد اللَّهِ بْن عبد المدان), قد ولدت من (عبيد اللَّه) غلامين, فذبحهما (بسر) ذبحا, فتخالط فِي عقلها, وكانت تنشدهما فِي الموسم فِي كل عام[223].

وقد استمرت الأسس المذهبية والسياسية الطائفية التي وضعها الأمويون منهجاً يسري في الأمة التي ألف جزء منها ذلك المنهج. فكان راوي كل حديث في فضل (علي) متهم بالتشيّع, بل مجرد كون الحديث في الفضائل من أكبر أسباب الطعن عندهم في الرواة, وإذا لم يتهموه بالتشيّع فإن من روى ذلك لا يتوقفون في طعنه ولا يتورعون عن جرحه ولو كان أوثق الثقات وأعدل العدول. وعن (أبي زرعة) أنه قال ( كم من خلق افتضحوا بهذا الحديث ), يعني أن كل من حدّث به يحكمون عليه بالضعف ولو كان معروفاً عندهم أنه ثقة, فدليل الضعف هو التحديث بفضل (علي), حتى أنهم ضعّفوا به جماعة من الحفّاظ المشاهير ورموهم بالرفض والتشيّع ك(محمد بن جرير الطبري) الذي تكلموا فيه لتصحيحه ( حديث الموالاة ), و(الحاكم) صاحب ( المستدرك ) لتصحيحه فيه ( حديث الطير ) و( حديث الموالاة ), والحافظ (ابن السفا) لإملائه ( حديث الطير ) ووثبوا إليه ساعة الاملاء وأقاموه وغسلوا موضعه, والحافظ (الحسكاني) لتصحيحه ( حديث رد الشمس ), والحافظ (ابن المظفر) لتأليفه في فضائل العباس, و(إبراهيم بن عبد العزيز بن الضحاك) لكونه أملى مجالس في فضائل (ابي بكر) و(عمر) فلما فرغ قال ( نبدأ بعلي أو بعثمان؟ ) فتفرقوا عنه وضعّفوه مع أن المسألة خلافية لا تستوجب ذلك كما قال (الذهبي) .

و(علي بن أبي طالب) الذي قال فيه رسول الله وقد أخذ برقبته بين (بني هاشم) ما نصه ( هذا أخي ووصيتي وخليفتي فيكم, فاسمعوا له وأطيعوا )[224], الحديث الذي لم يستسغ (ابن كثير) نقله الا بتغيير مضمونه الى ( هذا اخي وكذا وكذا )[225], رغم انه هاجم راويه في البداية والنهاية[226], وراويه (عبد الغفّار بن القاسم أبو مريم الأنصاري) كان شيخ (شعبة) المحدث المعروف عند الجماعة, وقد اطراه (ابن عقدة) وأثنى عليه, الا انهم رفضوه واتهموه لما رواه في فضل (علي) وذم حكم (عثمان), حتى ان (أحمد بن حنبل) قال ( كان أبو عبيدة إذا حدثنا عَن أبي مريم يضج الناس يقولون: لا نريده. قال احمد: كان أبو مريم يحدّث ببلايا في عثمان )[227]. فليس منطلق رفضه ومنشأه العلماء, بل العامة, وأي زين في دِين وعِلم تقوده العامة!.

 

ورغم كل هذه الحروب والمنازعات, كان هناك امر إيجابي حاسم في التاريخ الإيماني, حيث خرج الكثير من النواصب وضعيفو الإيمان وأهل الدنيا عن العراق. اذ ان من بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان (معاوية)[228]. كما انتقل جزء كبير ممن كان قد شارك في معركة (الجمل) ضد الإمام الشرعي (علي بن ابي طالب) الى صفه عند معركة (صفّين), لا سيما من (ازد) البصرة تحت قيادة (صبرة بن شيمان الازدي), ومن (تميم) و(الرباب)[229], الامر الذي سمح لهم بلقاء وجوه الصحابة والتابعين, والاحتكاك بالفكر الكوفي, كما سمح لهم بمعرفة (علي) بصورة مباشرة, الامر الذي سيكون كفيلاً بتغيير القناعات والأفكار تجاه مفهوم الإمامة.

وكان الشيعة يزيدون ويكثرون بالتدريج في صدر الإسلام, حتى بلغوا ألفاً أو أكثر. ولما نفي (ابو ذر) إلى الشام تشيّع منها جماعة كثيرة, ويقال أن تشيّع أهل (جبل عامل) منذ ذلك الوقت, وإنه لما أخرجه (معاوية) إلى القرى وقع في جبال (بني عاملة) فتشيّعوا, وفي رواية مسندة إلى (عمار بن ياسر) و(زيد بن أرقم) تدل على أنه كان في زمان خلافة (علي) قرية في الشام عند (جبل الثلج) تسمى (أسعار) أهلها شيعة. ولما وقعت الفتن في الاسلام وقُتل (عثمان) ووقعت حرب (الجمل) ثم حرب (صفّين) ثم وقعة (النهروان) كان أكثر الصحابة مع (علي) ومن أشياعه, وجماعة منهم مع (معاوية), وقليل منهم اعتزلوا الفريقين منهم (سعد بن أبي وقاص) و(عبد الله بن عمر), فقال (علي) عنهما ( ان سعداً وعبد الله لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل ). و(عبد الله بن عمر بن الخطاب) كان عثمانياً, لم يبايع (علياً), الا أنه عند وفاته ندم أنه لم يقاتل الفئة الباغية مع (علي بن ابي طالب)[230].

ولما سكن (علي) في العراق تشيّع كثير من أهل الكوفة والبصرة وما حولهما, ولما تفرقت عماله وشيعته في البلاد كان من دخل منهم بلاداً تشيّع كثير من أهلها, وكان في مكة و(المدينة) و(الطائف) واليمن ومصر كثير من الشيعة, مضافاً إلى من بالعراق وفارس, بل كان جل أهل اليمن شيعة, واليوم الغالب على اليمن التشيّع على مذهب (زيد) الشهيد وفيها عدد كثير من الشيعة الإمامية الاثني عشرية, وكذلك أهل مصر كان أكثرهم في ذلك العصر عَلَوية, ومنهم طائفة عثمانية.

 

ومما سبق يُعلم ان قريشاً قد خرجت في غالبها لنصرة (معاوية) والأمويين, واحتلاب الدنيا, حتى من كان منهم لم يرَ ايّام الشرك والجاهلية, ما يكشف ان عداءهم للنبي ودينه تم زقّه الى ذراريهم, وقد صيّروه عداءً لأهل بيته ووصيه, لكنهم لم يكشفوا مكنون كفرهم, بل اخفوه لحاجتهم لجيوشٍ من قبائل المسلمين, التي لم تكن تحمل من الوعي ما هو ضروري لكشف زيفهم ومكرهم, لا سيما مع انثيال هذه القبائل على الدنيا, التي منحها لهم (معاوية), ووجود من يحمل عنوان الصحبة والفقاهة الكاذبة يخدعهم.

فيما خرج الأنصار جميعاً يطلبون نصر (علي بن ابي طالب), وقتال قريش المنافقة معه, كما قاتلوا قريشاً الكافرة مع النبي.

 

                                          

[1] البداية والنهاية , ج 2 , باب هواتف الجن

[2] البداية والنهاية , ج 4

[3] البداية والنهاية , ج 4

[4] الطبقات الكبرى , ابن سعد , ج ٢ , ص ١٤٨

[5] تاريخ الأمم والملوك , الطبري , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ٥٤٤ – ٥٤٥

[6] السيرة النبوية , ابن كثير , دار المعرفة , ج ٢ , ص ٤ – ٦

[7] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[8]البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[9] الطبقات الكبرى , ابن سعد , ذكر عدد مغازي رسول الله , سرية أسامة بن زيد بن حارثة

[10] حياة الصحابة , محمد يوسف الكاندهلوي , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٣٣

[11] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ١ , ص ٦٧٢

[12] البداية والنهاية , ج 4

[13] معرفة الصحابة , أبو نعيم الأصبهاني , دار الكتب العلمية , الجزء الثاني ص ٣٢

[14] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[15] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٢ – ١٧٤

[16] البداية والنهاية ج 4  , فضل جعفر

[17] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٣٥

[18] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٨٤

[19] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٦٩ – ٧٢

[20] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد

[21] تاريخ الطبري , ج ٢ , سرية عبد الله بن جحش

[22] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٨٩

[23] السيرة النبوية , ابن هشام , العبيكان للنشر , ج ٢ , ص ٩٧

[24] البداية والنهاية , ابن كثير , دار احياء التراث العربي , ج ٤ , ص ٣٢

[25] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[26] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٧٧

[27] سورة النجم 2 – 5

[28] تهذيب الكمال , المزي , مؤسسة الرسالة , ج ٣٢ , ص ١٣٣

[29] تهذيب التهذيب , ج ١١ , ص ٣٢٨

[30] البداية والنهاية , ابن كثير , ج 4

[31] السيرة النبوية , ابن هشام , دار علوم القران , ج ٢ , ص ٤١٠

[32] تاريخ ابن خلدون , دار الفكر , ج ٤ , ص 380 – 381

[33] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 159 – 175

[34] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , القسم الثاني , الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني , ط دار الكتاب الإسلامي , ص ٣٨٦

[35] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٧٣

[36] التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان , محمد بن يحيى المالقي الأندلسي , دار الكتب العلمية , ص ٤٧

[37] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٧٢

[38] الشيخان , طه حسين , ص 60

[39] عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري , دار الكتب العلمية , ج ١٤ , ص ١٤

[40] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 127 – 131

[41] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 104 – 105

[42] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الكتب العلمية , ج 18 , ص 401

[43] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , مطبعة السعادة – 1910م , ج 4 , ص 64

[44] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ٤ , ص ٢٢

[45] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 139 – 149

[46] كتاب صفين , ابن ديزيل , دار الكتب العلمية , ص ٩٧

[47] وقعة صفين , المنقري , ص ١٩٣

[48] الغارات , إبراهيم بن محمد الثقفي , انتشارات أنجمن اثار ملي , ت : جلال الدين المحدث ,  ج ٢ , ص ٤٣١

[49] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٢٣٧

[50] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 75

[51] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 108 – 109

[52] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 113

[53] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 177 – 178

[54] تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 22

[55] تاريخ ابن خلدون / دار الفكر / ج ٤ / ص ٢٣٦

[56] تاريخ الطبري , ج 3 , دار الفكر , ص 149

[57] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر ,   ج 39  , ص 307 – 308

[58] تاريخ الطبري , ج 3 , دار الفكر , ص 113

[59] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , ج 8 , دار احياء الكتب العربية , ص 256

[60] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار الكتب العلمية , ج 3 , ص 53

[61] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 65 – 67

[62] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 136 – 137

[63] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٤١

[64] تهذيب الكمال , المزي , مؤسسة الرسالة : ط 2 – 1992م , ج ١٤ , ص ٣٥١

[65] تاريخ الطبري , مؤسسة الأعلمي , ج ٣ , ص 436

[66] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 179 – 206

[67] الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى , شهاب الدين أحمد الدرعي السلاوي , دار الكتب العلمية , ج1, ص 39

[68] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٣٤٦

[69] المستدرك على الصحيحين , الحاكم النيسابوري , دار المعرفة , ج ٣ , ١٢٩

[70] نهج البلاغة , جمع : الشريف الرضي , دار المعرفة – بيروت , ج ٣ , ص ٧٦

[71] تاريخ الطبري , ج 3 , مؤسسة الاعلمي , ص 421

[72] سير اعلام النبلاء , الذهبي , ج 2 , ص 237

[73] تهذيب التهذيب في رجال الحديث , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج ٧ , ص ٣٦٣

[74] شرح نهج البلاغة , ابن أبي الحديد , دار إحياء الكتب العربية , ج ٤ , ص 77

[75] تاريخ المدينة المنورة , ابن شبة , دار الكتب العلمية , ص ١٢٤ , ح ١٧٤١

[76] تاريخ المدينة المنورة , ح ١٧٤٠

[77] حملة القران من الصحابة الكرام , د. سيد الشنقيطي , دار الحضارة , ط ١٤٢٧ه , ص ١٩٦

[78] مصنف ابن ابي شيبة , كتاب فضائل القران , ممن يؤخذ القران

[79] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٣٤ , ح ٣

[80] التفسير والمفسرون , د. محمد حسين الذهبي , مكتبة وهبة , ج ٣ , ص ٢١٩

[81] القمامة

[82] المعجم الكبير , الطبراني , دار الكتب العلمية , ج ١ , ص ٤٤ , ح ١٠٧

[83] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , محمد هادي الأميني , دار الكتاب الإسلامي , ط ١ , ج ١ , ص ٢٦٤

[84] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٤٠

[85] صلح الحسن عليه السلام , السيد عبد الحسين شرف الدين , ص ٣٤٥

[86] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر واقعة بدر الكبرى

[87] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر , ج ٨ , ص ٢٢

[88] سير أعلام النبلاء , الذهبي , ط : مؤسسة الرسالة , ج 4 , ص 53

[89] تنقيح المقال في علم الرجال , المامقاني , مؤسسة آل البيت , ج 17 , ص 206

[90] أعيان الشيعة , محسن الأمين , تحقيق , حسن الأمين , ج 3 , ص 444

[91] سَنَن ابن ماجة , كتاب المقدمة , أبواب في فضائل أصحاب رسول الله , باب فضل ابي ذَر

[92] تاريخ الطبري , ج ٣ , ذكر الخبر عن غزوة تبوك

[93] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ١١٤-١١٥

[94]ص ٢٥  أعيان الشيعة , محسن الأمين , دار التعارف , ج ١ ,

[95] الاستيعاب في معرفة الاصحاب – أبو ذرّ الغفاري

[96] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٣٦ , ح ٦

[97] سير أعلام النبلاء , الذهبي ,  مؤسسة الرسالة – 1993 , ج ٢ , ص ٣٦٤

[98] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص٢٩٥

[99] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , ج ١٦ , ص ٣٨

[100] البداية والنهاية , ابن كثير , دار الكتب العلمية , ج٤ , ص ٢٤٨

[101] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ١ , ص ١٨١- ١٨٢

[102] قاموس الرجال , محمد تقي التستري , مؤسسة النشر الإسلامي – جماعة المدرسين , ج ٩ , ص ٢٤

[103] كتاب الفتوح , احمد بن اعثم الكوفي , ج ٣ , ص ١٣١

[104] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٧٣

[105] موسوعة الصحابة , موقع رسولنا , مؤسسة تقنية الإسلام

[106] تاريخ الطبري , دار الكتب العلمية , ج ٢ , ص ٢٥٣

[107] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٥٤

[108] اعيان الشيعة , ج ١ , ص 565

[109] حكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب , إبراهيم شمس الدين , دار الكتب العلمية , ص ١٧

[110] تاريخ الطبري , ج ٢ , ذكر وقعة بدر الكبرى

[111] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم , ج ٧ , ص ٣٦ – ٣٧

[112] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 18

[113] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٠٠

[114] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٣ , ص ٢

[115] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦١٨ – ٦٢١

[116] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦٣٣

[117] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 55

[118] الشيخان , طه حسين , ص 62

[119] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ٢ , ص ٥٣٩

[120] البداية والنهاية , ابن كثير الدمشقي , دار عالم الكتب , ط ٢٠٠٣ م , ج ١٠ , ص ٢٧٠ – ٢٧٧

[121] تاريخ الطبري , احداث سنة ست وثلاثين

[122] شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد , دار احياء الكتب العربية , ج ٢ , ص ١٥٣

[123] الشيخان , ص 94 – 95

[124] السيرة النبوية , ابن هشام الحميري , ط المدني – 1963م , ج ٣ , ص ٧٨٠

[125] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٥ , ص ٢٦٩ – ٢٨٣

[126] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٤

[127] السيرة النبوية , ابن هشام , العبيكان للنشر , ج ٢ , ص ٢٣٧

[128] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ١٩ – ٢٠

[129] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 81

[130] اسد الغابة في معرفة الصحابة , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٣١٩

[131] الطبقات الكبرى , ابن سعد , مكتبة الخانجي , ج ٦ , ص ١٧٤ – ١٨١

[132] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , ص ١٤٤ – ١٥١

[133] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ص ٤٢٠ – ٤٢١

[134] الطبقات الكبرى , دار الكتب العلمية , ج ٥ , ص ٤

[135] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٥٦٣ – ٥٦٧

[136] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , صفوان بن امية

[137] البداية والنهاية , ابن كثير , ج ٨

[138] الإصابة في تمييز الصحابة , ابن حجر العسقلاني , دار الكتب العلمية , ج ١

[139] المعجم الكبير , الطبراني , ج ١٩ , من اسمه مالك

[140] سير اعلام النبلاء , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٥٤٣

[141] الطبقات الكبرى , ابن سعد , ج ٦ , المسور بن مخرمة

[142] الإصابة في تمييز الصحابة , دار الكتب العلمية , ج ٦ , ص ٤٩٢

[143] الإصابة في تمييز الصحابة

[144] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٩١

[145] تاريخ التمدن الإسلامي , جرجي زيدان , مؤسسة هنداوي , ج ٢ , ص ٢١

[146] الأنساب , أبو المنذر الصحاري , نسخة المكتبة الشاملة , ج ١ , ص ٢٥٠

[147] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٦٤٦

[148] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 64

[149] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 80 – 84

[150] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ١٧٠

[151] تاريخ الطبري , ج ٢ , احداث السنة الأولى للهجرة

[152] الشيخان , طه حسين , ص 102

[153] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 78

[154] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٨٤

[155] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ١ , ص ٥٥٣ – ٥٥٤

[156] تاريخ الطبري , مؤسسة الاعلمي , ج ٢ , ص ٥٨٤ – ٥٨٥

[157] تاريخ الطبري , دار كتاب , ج ٢ , ص ٦٤٣

[158] موسوعة نساء حول النبي , محمد القيسي , دار المنهل , ص ٥٣

[159] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , الطبقة الثانية , عروة

[160] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , من صغار الصحابة , المسور بن مخرمة

[161] اعيان الشيعة 1 , ص 636

[162] كتاب الموطأ , الإمام مالك , دار إحياء التراث العربي , ج ٢ , ص 687 – 688

[163] المحلى , ابن حزم , دار الفكر , ج ١١ , ص 114

[164] أسد الغابة , ابن الاثير , جمعية المعارف المصرية – 1863م , ج 5 , ص 103

[165] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , , ط 2 – 1982م , ج 5 , ص 425 – 432

[166] تاريخ المدينة , ابن شبة النميري , مطبعة قدس – قم , ج ٤ , ص ١٢٨٧

[167] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , ج ١ , ص ١٩٦

[168] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , المؤسسة العربية الحديثة , ص ٥٠

[169] كتاب وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٤٧ – ٥١

[170] تاريخ الطبري , دار الفكر , ج ٢ , ص ٧٢

[171] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , احداث سنة سبع وثلاثين

[172] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , احداث سنة سبع وثلاثين

[173] سير أعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢٨ , ص ٢٧٧

[174] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ٣٣٣ – ٣٤٠

[175] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٧٢

[176] اعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٨٦

[177] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , احداث سنة سبع وثلاثين

[178] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 94 – 97

[179] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 114

[180] وقعة صفين , المنقري , ص ١٤٦

[181] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 478

[182] عبد الله بن سبأ , السيد مرتضى العسكري , ط 6 ,  ج ١ ,  ص ٦٠

[183] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٨٨

[184] الفتنة الكبرى , دار كتاب , ص 24

[185] الاستاذ في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض

[186] كشف الحقائق , الشيخ علي آل محسن , دار الميزان , ص ١٨٧

[187] هوية التشيع , أحمد الوائلي , دار الصفوة – بيروت , ص 132 – 133

[188] هوية التشيع , أحمد الوائلي , دار الصفوة – بيروت , ص 136

[189] تهذيب التهذيب , ابن حجر , دار الفكر – 1984 , ج ٤ , ص ٢٥٩ – 260 ,, ميزان الاعتدال , الذهبي , دار المعرفة – بيروت , ج ٢ , ص ٢٥٥ ,, كتاب الضعفاء , أبو نعيم الأصبهاني , دار الثقافة – المغرب , ص ٩١ ,, أرشيف ملتقى أهل الحديث الالكتروني , بالتعاون مع مشروع المكتبة الشاملة الالكتروني , ج 8 , ص 491 ,,

[190] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 577

[191] بحار الأنوار , العلامة المجلسي , ط 1992م , ج ٣٤ , ص ٤٠٣

[192] بحث السبئية تمت الاستفادة او الاقتباس من المصادر الاتية  : (عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني بين الحقيقة والخيال – د. سامي عطا حسن) ، (عبد الله بن سبأ – السيد مرتضى العسكري) ، (عبد الله بن سبأ في ميزان البحث العلمي – د . محمد أمحزون) ، (هوية التشيع الشيخ – الدكتور احمد الوائلي) ، (العراق عرين القبائل العربية – الشيخ علي الكوراني) ،  (أنساب وملوك العرب وبطون إمارة الأوس في العراق – الشيخ جاسم محمد راضي أمير قبائل الأوس والخزرج في العراق) ، (موسوعة الناظمين في الحسين عليه السلام) ، (موسوعة المعرفة) ، (موسوعة ويكيبيديا) ، (مواقف الشيعة – علي الاحمدي الميانجي – نشر مركز الابحاث العقائدية) ، (السنة والشيعة – احسان الهي ظهير) ، (الحكم الإقطاعي لمتاولة جبل عامل في العهد العثماني – د. أسامة محمد أبو نحل) ..

[193] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤١٠

[194] مروج الذهب , المسعودي , دار الكتب العلمية , الجزء الثاني , ص ٤٩٢

[195] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , احداث سنة سبع وثلاثين

[196] موسوعة اعلام الخلفاء , علي سلمان , المنهل , ص ٨٩ ,

[197] الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , علي خان المدني , ص ١٩٧

[198] بحار الأنوار , العلامة المجلسي , ج ٣٢ , ص ١٦٨

[199] أعيان الشيعة , ج ١ , ص ٤٤٤

[200] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ٢٦

[201] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , باب فضالة

[202] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٢ , ص ١٦١

[203] سير اعلام النبلاء , الذهبي , مؤسسة الرسالة , ج ٣ , ص ٥٣

[204] رجال الكشي , مؤسسة النشر الإسلامي , ط ١ , ص ٦٩ – ٧٠  , ح ٢

[205] جامع بيان العلم وفضله , الحافظ أبو عمر بن عبد البر , دار الكتب العلمية , ص ٩١ , حيث امر عمر بن الخطاب بمحو ما كتب من الحديث

[206] الكامل في التاريخ , ابن الأثير , دار الكتاب العربي , ج ٢ , ص ٥٧٨-٥٧٩

[207] الفتنة الكبرى , طه حسين , مؤسسة هنداوي , ج 1 , ص 100 – 101

[208] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 576

[209] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 576

[210] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 598

[211] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 600

[212] اعيان الشيعة , ج 1 , ص 595

[213] تاريخ الرسل والملوك / الطبري / ج ٥  / أحداث سنة أحدى وستين

[214] تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني / ج ٤ / ص ٣٠٣ / ترجمة ٥٣٠

[215] جمع الجوامع , جلال الدين السيوطي , دار الكتب العلمية , ج 12 , ص 345

[216] سير أعلام النبلاء / الذهبي / الجزء الثاني / الصحابة : الأشعث بن قيس

[217] البداية والنهاية / ابن كثير /  الجزء التاسع / أحداث سنة أحدى وثمانين / فتنة ابن الأشعث

[218]تاريخ التمدن الإسلامي 2 , جرجي زيدان , ص 20

[219] أصحاب الامام امير المؤمنين والرواة عنه , الأميني , ج ٢ , ص ٣٥٧ ,, تهذيب التهذيب , ابن حجر العسقلاني , تحقيق مؤسسة الرسالة , ت ٣٧٥

[220] تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني / مؤسسة الرسالة / الجزء الرابع / ص ١٩٨

[221] السيرة النبوية / ابن هشام / العبيكان للنشر / ج ٢ / ص ٢٣٥

[222] يمكن مراجعة حال (عطاء) ومتناقضات ومبالغات الروايات فيه في كتاب (سير أعلام النبلاء / الذهبي / ج ٥ / ص ٧٩)

[223] تهذيب الكمال , جمال الدين يوسف المزي , مؤسسة الرسالة , ج ٤ , ط ٣ , ص ٦٠ – ٦٥

[224] تاريخ مدينة دمشق , ابن عساكر , دار الفكر , ج ٤٢ , ص ٤٩

[225] السيرة النبوية , ابن كثير , دار المعرفة , ج ١ , ص ٤٥٩

[226] ج ٣ , دار احياء التراث العربي , ص ٥٣

[227] ميزان الاعتدال في نقد الرجال , شمس الدين الذهبي , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٣٧٩

[228] تاريخ المقريزي الكبير (المقفى الكبير) , تقي الدين المقريزي , دار الكتب العلمية , ج ٤ , ص ٤٢٨

[229] وقعة صفين , نصر بن مزاحم المنقري , ص ١١٧

[230] الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ابن عبد البر , دار الكتب العلمية , ج ٣ , ص ٨٣

 

 

أبو أيوب الأنصاريابو بكرابو ذَر الغفاريالأسود بن يزيد بن قيس النخعيالحسين بن عليالخوارجالفتنة الكبرىبني أميةثورة المصريينحجر بن عديحذيفة بن اليمانزرارة بن قيس النَّخَعيسليمان بن صرّدشبه الجزيرة العربيةصعصعة بن صوحانعائشةعثمان بن عفانعدي بن حاتم الطائيعلقمة بن قيسعلي بن ابي طالبعمار بن ياسرعمر بن الخطابعمر بن عبد العزيزعمرو بن الحمقعمرو بن العاصمحمد بن ابي حُذيفةمعاوية بن ابي سفيانمعركة الجملمعركة صفينمقتل عثماننجد
Comments (0)
Add Comment