بعد اعتزال الحائري.. أين هم أئمة الجمعة من اليعقوبي

alhawza

510

 

إن تناول بدايات تشكيل “تيار السيد مقتدى الصدر” بات ضرورياً لإفهام العشرات من المؤسسات الشيعية التي لم تكن مهتمة قبل تضخم هذا التيار وبروز نجم قائده على الساحة العراقية ، وربما الدولية . وكذلك للملايين من الأفراد الذين لم يعاصروا نشأته ، أو أنهم لم يتابعوها حينها لأسباب مختلفة .

 

السيد مقتدى الصدر

 

 

وهذا التناول ضروري لأمرين ، إدراك خطورة العمل الاجتماعي بلا “مرجعية دينية” ، ولبيان حتمية تقاطع الأنفس التي لا شيخ لها مهما كانت قريبة من بعض في فترة ما .

كما أن البحث عن “الشرعية الدينية” الحقيقية من دوافع كتابة هذا المقال ، وذلك بالإشارة إلى الخيار “الديني” الآخر الذي نبذه هؤلاء قبل اختيارهم ما شتتهم لاحقا .

مجموعة من ” أئمة صلوات الجمعة الذين اختارهم السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره ” ، كما يعبرون عن أنفسهم ، اجتمعوا قبل عدة سنوات* ، وبعد سقوط الصنم الصدامي ، للمناقشة للقبول بإحدى ” الولايتين الفقهيتين” ، التي هي للسيد ( كاظم الحائري ) ، أو التي هي للشيخ ( محمد اليعقوبي ) . مع كون بعض الحاضرين ليس من أئمة صلاة الجمعة في زمن السيد الشهيد الصدر قدس سره قطعا ، بل ولم يكونوا من وجوه حركته المباركة .

 

السيد محمد محمد صادق الصدر
Muhammad Muhammad Sadiq al-Sadr

 

 

 

السيد كاظم الحائري            

 

 

المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي
Religious reference Sheikh Muhammad Al-Yaqoubi

 

 

وكانت هذه المجموعة الكبيرة نسبياً من طلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف تعمل في مكتب السيد الشهيد الصدر تحت بند الوكالة الشرعية التي منحها له السيد ( كاظم الحائري ) بقيادة السيد ( مقتدى الصدر ) لإدارة المشهد العراقي حتى قدومه ، الذي لم يحدث كما توقع السيد الشهيد الصدر نفسه قدس سره .

وكانت هناك الكثير من الآراء والطروحات ، حيث طلب بعضهم تعهد الحاضرين باحترام ما يُتفق عليه . فيما طلب آخرون أن تكون “ولاية الشيخ محمد اليعقوبي” تحت “ولاية السيد كاظم الحائري” ، لأن دخول الأخيرة في ولاية الأول بعيدة ، رغم أنها ليست مستحيلة . وعبّر بعضهم بحسن ظنهم المستمر بالشيخ اليعقوبي . بينما دعا بعضهم إلى إصلاح البيت الصدر قبل إدخال السيد الحائري في الموضوع ، لأن الخلاف بين خطين عراقيين كانا يتبعان الشهيد الصدر ، وقد تسبب استفتاء السيد مقتدى الصدر الموجه ضد الشيخ اليعقوبي في بدء شرارة ذلك الخلاف والانقسام ، وأن الناس في الحقيقة لا تعرف السيد الحائري الا مروراً بالشهيد الصدر ، وإن المسيرات في الشارع تتبع السيد مقتدى الصدر لا الحائري . وأشار آخرون إلى ضرورة الوحدة ضد العدو الخارجي ، لا سيما القوات الأمريكية المحتلة . وبيّنوا أن هناك ممن هم من أعداء السيد الشهيد الصدر قدس سره يتربصون السوء بالخط الصدري عموماً ، ويشيعون الاخبار والمنشورات ضد أبنائه حتى في المدارس الدينية ، وأن بعضهم بدأ يتعاون ويرشد الأمريكان ضد أبناء هذا الخط . وأشار هؤلاء المجتمعون إلى أنهم قادة للمجتمع بمعنى من المعاني ، ولا يرضيهم انقسام الخط الصدري إلى قسمين ، يعقوبي بقيادة جماعة الفضلاء ، وهو خط ذو أهداف سامية كما عبروا ، وقسم حائري ، وليس مقتدائياً كما بينوا ، وأن إشكالهم تجاه الشيخ محمد اليعقوبي أنه لا يقبل بالدخول تحت ولاية السيد كاظم الحائري ، لكنه بمجرد إعلانه القبول بتلك الولاية الحائرية فإنهم لن ينتظروا موافقة السيد مقتدى الصدر مع الشيخ ، لأن القضية تكون حينها قد حُلت .

فيما كانت وجهة نظر بعضهم المشكلة على الشيخ اليعقوبي ليست في اجتهاده ، بل في اعتقادهم بوجود مسافة زمنية بين الاجتهاد والولاية . أما الاكثر تطرفاً فكانوا يرون أن فتح الشيخ محمد اليعقوبي لمكتبه الخاص لا يمكن بوجود مكتب السيد الشهيد الصدر الممثل لولاية السيد كاظم الحائري . فيما قرروا – بعد التصويت – الذهاب الى مكتب الشيخ اليعقوبي للطلب منه الانضمام تحت ولاية السيد الحائري ، وتعهدوا أنه إذا وافق على طلبهم ذلك ستكون توجيهات الشيخ اليعقوبي محل اعتبار لديهم ، وأنهم سيأخذون بنصائحه كما كانوا يأخذونها من قبل ، بل أنهم كانوا يأخذون بنصائحه حتى على مستوى حياتهم الشخصية ، وأن توجيهات وأوامر الشيخ ستكون أعم فائدة في حالة قبوله لطلبهم ، حيث أن اتباعهم له سيكون واضحاً باعتبارهم قادة للمجتمع . وأن المجتمعين إذا رأوا مستقبلاً أن مرجعية السيد الحائري لا تلبي طموحات الخط الصدري والشعب العراقي ، فإنهم يخبرون السيد الحائري بعدم حاجتهم إلى مرجعيته ، وينضمون حينها جميعاً تحت ولاية الشيخ محمد اليعقوبي .

فيما كان تعليق السيد حازم الأعرجي – أحد أبرز وجوه وقادة ومنظري تيار السيد مقتدى الصدر لاحقا – أن تحديد الأصلح للولاية يحدده أهل الخبرة ، وليس الجالسين في ذلك الاجتماع ، على اعتبار أنهم من طلبة السطوح أو المقدمات وليسوا من طلبة البحث الخارج المؤهل للخبرة العلمية ، وعليه فإنه يستصحب – بناء على رأي السيد الشهيد الصدر – أن السيد كاظم الحائري هو الاعلم ، وأن طرح الشيخ اليعقوبي نفسه كقائد سياسي – بعد وفود البيعة الشعبية له – هو عين ” ولاية الفقيه ” في رأي السيد الأعرجي ، وأن ذلك لا يجوز , وأن على الشيخ كتابة إقرار بأنه هذه الوفود لا تطرحه كقائد ، بل هي وفود ” رد اعتبار ” . فيما انضم السيد الأعرجي في مستقبل الأحداث تحت القيادة السياسية المباشرة للسيد مقتدى الصدر ، حتى بعد إسقاط الوكالة الشرعية عنه من قبل السيد الحائري ، ولله في خلقه شؤون ! .

 

السيد حازم الأعرجي

 

 

بينما أوضح أحد الحاضرين ممن هو أعلى درجة علمية من أغلب الحضور – كما يظهر – أن السيد الحائري أعلن ولايته المطلقة على العراق ، ولا يجوز لصلوات الجمعة الأخرى أن تزاحم الصلاة التي أمر بها ، وأن قياس مستوى الشيخ اليعقوبي بمستوى السيد الحائري قياس مع الفارق ، ولا يجوز ل”إمام صلاة” – وهو عنوان أغلب الحاضرين – أن يقوم بذلك التقييم .

وشهد الشيخ أوس الخفاجي – وهو مدير ذلك الاجتماع – أن السيد الاشكوري – الوكيل العام للسيد كاظم الحائري في العراق – أقر للشيخ محمد اليعقوبي أن المرجعية الدينية له بعد رحيل السيد الحائري ، وأنه وريث هذه المدرسة الشرعي . وأن الشيخ اليعقوبي أقر أنه يحترم ولاية السيد الحائري . لكنهم بما أنهم قادة اختارتهم الناس – كما يرى الشيخ الخفاجي – فإنهم إذا انضم الشيخ تحت ولاية السيد الحائري سيأتون بجماهيرهم تحت قيادة الشيخ اليعقوبي في ظل ولاية السيد الحائري .

 

الشيخ أوس الخفاجي

 

 

السيد نور الدين الأشكوري

 

 

الشيخ مؤيد الخزرجي في لقاء مع السيد مقتدى الصدر

 

 

كما صرّح الشيخ الخفاجي وأغلب المجتمعين أنهم راضون بمبدأ قيادة الشيخ محمد اليعقوبي لهم وللمجتمع العراقي ، إلا أن اشكالهم شرعي يتمثل في ضرورة العمل تحت ظل “ولاية الفقيه” . ولم يكن هناك أي طرح تفضيلي لمرجعية أخرى ثالثة محتملة بديلة عن مرجعيتي السيد الحائري والشيخ اليعقوبي في الاجتماع .

ولقد قرا الشيخ أوس الخفاجي ورقة عمل أعدها الشيخ مؤيد الخزرجي لتمثّل مطالب الحاضرين . والشيخ مؤيد الخزرجي صار لاحقاً من اقرب مساعدي السيد مقتدى الصدر والناطقين باسم “تياره” ، ثم يبدو أنه انشق عنه بعد خلافات فكرية وقيادية .

وتضمنت طلب تشكيل لجان ” صدرية ” للجمعة والاستفتاءات ، لحفظ وحدة العمل والمواقف ، بعد أن يحرزوا قبول الشيخ محمد اليعقوبي بالانضمام تحت ولاية السيد كاظم الحائري .

إلا أن عيب تلك الورقة ” الشرعي” أنها نظرت إلى خط السيد الشهيد الصدر قدس سره على أنه أشبه بالحزب الذي يجب جمع أركانه ، وتوحيد رؤاه . وهي وإن كانت نظرة حسنة النوايا ربما ، للملمة هذا الحركي المجاهد ، إلا أنها قاصرة ، من حيث تحويلها “المرجعية الدينية” إلى “جماعة” ، فيما من الطبيعي أن يخرج من عباءة كل مرجعية دينية عدة مراجع ، بعدة رؤى .

ثم قرأ الشيخ الخفاجي على المجتمعين بياناً يريدون القاءه بين يدي الشيخ اليعقوبي ، كتبه جماعة لم يسمّهم ، وطلب ممن يراه مناسباً من المشايخ التوقيع عليه . وقد تضمّن عدة عيوب فكرية ، بل ربما شرعية ، صريحة .

منها ابتداؤه بعبارة “سماحة حجة الإسلام والمسلمين دام عزه” لمخاطبة الشيخ محمد اليعقوبي ، وهي عبارة تستخدم في الوسط الديني الحوزوي لمخاطبة من لم يبلغ الاجتهاد بعد ، أما لمخاطبة “العالم المجتهد” فيما استخدام عبارة “سماحة آية الله دام ظله” ، فكيف يريد المجتمعون دخول السيد كاظم الحائري تحت ولاية الشيخ اليعقوبي وبيانهم – أو كاتبه – لا يقر باجتهاده ، فضلاً عن رتبة “ولاية الفقيه” الاعلى ! . لكن يبدو أن كاتب البيان كان من المشايخ المتطرفين ضد قيادة الشيخ اليعقوبي حينها .

وتضمّن البيان توضيحاً فكرياً منهم للشيخ محمد اليعقوبي ، فكيف يُفهم الأدنى من هو أعلى منه رتبة ، ومن كانوا يرجعون إلى نصحه وارشاده حتى في قضاياهم الشخصية ! ، فضلاً عن كونه صاحب القلم الفكري الواقعي في عموم الخط الصدري على مر مراحله .

وحصر البيان كذلك المشاريع السياسية والاجتماعية المقبولة من قبل الشعب العراقي بعد سقوط النظام السابق تلك التي ترتبط بفكر السيد الشهيد الصدر فقط ، وهو سلب واضح لإرادة الأطراف الشيعية الأخرى ، فضلاً عن غير الشيعية . لكن الملفت والغريب أن هذا الطرح – الذي هو أقرب ما يكون إلى رؤى ولاية الفقيه – صار القائلون به ابعد الناس عنه بعد عدة سنوات فقط ، بل من أشد المبتعدين عن تمثيله ، بل وقف بعضهم بالضد من اي مقترح قانون عراقي يستند إلى الشرع الإسلامي ، والملفت أكثر أن صاحب الطرح القانوني الإسلامي كان الشيخ محمد اليعقوبي وحده لاحقا .

فيما اهم عيوب هذا البيان – الصادر عن أكثر من ١٦٠ إمام جمعة وجماعة كما عبّروا – أنه تضمّن قراراً قطعياً منهم بالانضمام تحت ولاية السيد كاظم الحائري ، والطلب من الشيخ محمد اليعقوبي الالتحاق بهم ، والا تركوه إذا رفض وذهبوا يقودون المجتمع وحدهم تحت راية السيد الحائري . وهو منطقياً “إجبار” صريح ، لا “تخيير” . وبالتالي لا معنى لذهابهم من أصله .

ولم يناقش المجتمعون – الذين غرّتهم أنفسهم – عنوان “الحوزة” التي يقولون انها اختارتهم ، هل هو عنوان معنوي لا وجود لصاحبه ، وبالتالي لا حقيقة لاختيارهم ، ام أنه عنوان يستند إلى وجود كل “طالب علوم دينية” دون النظر إلى رتبته ، ويحتاجون عندها إلى تصويت على إمامتهم من قبل المئات أو الآلاف ، وهو ما لم يحدث ، أو هو عنوان يُقصد به “مراجع الدين المجتهدون” ، ومن ثم فاختيارهم سقط بوفاة السيد الشهيد الصدر قدس سره ، وأنهم ملزمون بتجديد عهد إمامتهم أما من الشيخ محمد اليعقوبي أو من السيد الحائري ، ولا حجة لهم في اختيار أحد الطرفين للقيادة ، لا سيما مع اعتراف أكثرهم أنهم ليسوا من أهل الخبرة .

 

إن أغلب الشخصيات التي صنعت فكرة “قيادة مكتب السيد الشهيد الصدر” وعملت على إيجادها بحماسة ، بل في بعض الأحيان بعنف ، انشقت عن هذا المكتب ، ثم اسست مكاتبها الخاصة ، أو جماعاتها ، أو انزوت واعتزلت ، لكن بعد أن تسببت بما تسببت .

 

وبغض النظر عن أن إشارة السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره إلى السيد كاظم الحائري كانت نظرية ، لا عملية ، ومؤقتة ، حتى يكون أحد طلابه هو الاعلم ، وأنه تنبأ بعدم رجوع السيد الحائري إلى العراق ، وهذه من كراماته قدس سره ، وأنها إشارة شبيهة بإشارة الإمام الصادق عليه السلام التي أوصى فيها لخمسة أشخاص حتى يحمي وريثه الحقيقي من بطش السلطة الظالمة وأعوان الظلمة ، حيث ذكر السيد الشهيد الصدر قدس سره من الأسماء النظرية السيد الحائري والشيخ الفياض والشيخ اليعقوبي ، أو عمم الخطاب بذكر عنوان ” بعض طلابي ” ، وأن النسبة الأكبر من مصلي الجمعة التي أقامها السيد الشهيد الصدر قدس سره ووكلاؤه في العراق التزمت قيادة الشيخ محمد اليعقوبي ، وذلك ما اعرفه لأني ابن هذا الخط ، وأن قسماً مهماً من النسبة المتبقية التي التزمت خط السيد مقتدى الصدر انسحب لاحقاً مع انسحاب الشيخ قيس الخزعلي والسيد محمد الطباطبائي عنه ، وأن قواعد السيد مقتدى الصدر الجديدة الواسعة كانت غير صدرية ، وأنها ظلت في معارفها مرتبطة بمرجعيات كلاسيكية ، حتى اضطر قائدها السيد مقتدى الصدر إلى إعادة تأهيل الكثير منها ” صدرياً ” من خلال مشاريع خاصة ، وأن عموم ” العمائم ” التي كانت تعمل لصالحه على الارض كانت خريجة مشاريع ” إعادة التأهيل ” ، اقول بغض النظر عن كل ذلك فأن هؤلاء الخطباء الذين تعهدوا أنه في حالة عدم قدوم السيد الحائري إلى العراق برجوعهم إلى ولاية الشيخ محمد اليعقوبي ، لم يلتزم جمعهم بتلك الكلمة ولا بذلك التعهد اليوم من تنازل السيد كاظم الحائري عن المرجعية ، وهو لم تطأ قدمه أرض العراق كما توقع السيد الشهيد الصدر ، بل ان تلك الوجوه من ” أئمة صلاة جمعة الصدر ” التي اجتمعت في ذلك اليوم وتعهدت بما تعهدت به قد تفرقت قبل هذا التنازل بسنين ، إلى من انشق عن كل الخطوط واتجه للعمل ” المليشياوي ” ، أو صار من رموز تيار السيد مقتدى الصدر حتى وافاه الأجل ، أو أنه التحق من حينها بالشيخ اليعقوبي ولم يتركه ، أو أنه اعتزل الناس حتى لقي ربه .

 

 

…..

 

 

  • رابط الفيديو لاجتماعهم على الموقع العالمي ( YouTube )

 

https://

youtu.be/P-Zs1T6Qnbg

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.